Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معارضة دولية لمحاولات إسرائيل فرض "ستاتيكو" جديد في القدس

أخرجت تل أبيب في عام 1967 حائط البراق ومسجد بلال من تفاهمات "الوضع الراهن"

أكد مسؤولون في دائرة الأوقاف ارتفاع أعداد المقتحمين اليهود للمسجد الأقصى، من 5 آلاف مستوطن عام 2010 إلى 40 الفاً خلال العام الحالي (اندبندنت عربية)

إلى جانب جدته وأمه، يستعد حافظ حميض (10 سنوات) بابتسامة عريضة لالتقاط صورة تذكارية في باحات المسجد الأقصى داخل الحرم القدسي الشريف، وإذ بحشد من المستوطنين الإسرائيليين يخترق المكان برقصات تلمودية وشعائر يهودية. ليس الطفل وحده مَن صُدم من مشهد الاقتحامات وما رافقها من رفع للأعلام الإسرائيلية ونفخ في الشوفار (نوع من أنواع البوق المصنوعة من قرن الكبش أو الرنة)، فالهيئة الإسلامية العليا في القدس أنذرت بوجود "خطر كبير"، وأن ما يجري من استباحة يومية في المسجد الأقصى بحجة الأعياد اليهودية، أمر عدواني غير مسبوق، بخاصة مع رفع الأعلام والنفخ في البوق. في حين أكدت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس أن 778 مستوطناً اقتحموا الأقصى خلال الفترة الماضية على شكل مجموعات متتالية من جهة باب المغاربة، وأدوا طقوساً تلمودية علنية في باحاته، وقدموا شروحات عن "الهيكل المزعوم". فيما أكد مسؤولون في دائرة الأوقاف ارتفاع أعداد المقتحمين اليهود للمسجد الأقصى، من 5 آلاف مستوطن عام 2010 إلى 40 الفاً خلال العام الحالي.


الستاتيكو

واعتبر مدير عام دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس وشؤون المسجد الأقصى عزام الخطيب في حديث لـ "اندبندنت عربية"، أن "ما يحدث في الحرم القدسي الشريف مخالف للوضع القائم (الستاتيكو -Status Quo ) وقرارات اليونسكو التي تمنع الاحتلال من تغيير الواقع"، مضيفاً أن "الأقصى مسجد خالص للمسلمين لا يقبل القسمة ولا الشراكة". ففي عام 2003 اتخذت الحكومة الإسرائيلية قراراً أحادي الجانب بإدخال المتطرفين والسياح الأجانب وغير المسلمين بحماية الشرطة، وأوقفوا أعمال الصيانة والترميم للمسجد الأقصى، في سعي واضح لمخالفة الستاتيكو القائم منذ عام 1852، الذي يمنع الزيارات لـ "الأقصى" إلا تحت إشراف وموافقة دائرة الأوقاف الإسلامية، واقتصار وجود الشرطة خارج البوابات. وقال الخطيب "على الرغم من تحذيراتنا المستمرة من المساس بحرمة المسجد إلا أن الشرطة الإسرائيلية تُنفذ قرارات سياسية حكومية لتغيير الوضع التاريخي والديني والقانوني الذي كان قائماً منذ أمد بعيد". وأضاف أن "الجانب الإسرائيلي لا يحترم الوصاية الهاشمية الأردنية على المسجد الأقصى، وأنه المسؤول الحصري عن ترميمه وصيانته وإعماره وكل ما يتعلق به".

حرية العبادة

في المقابل، لطالما أكدت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على أن لا تغيير في الـ"ستاتيكو" أو الوضع الراهن الذي يعني في القدس "إبقاء القديم على قدمه" أو "الحفاظ على الوضع الراهن"، (هنا يعني ما كانت عليه حال المدينة والمسجد الأقصى أيام الدولة العثمانية)، وأن إجراءاتها تجاه دخول المستوطنين أمنية بحتة لا تهدف لأي سيطرة.
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت أوعز في منتصف يوليو (تموز) الماضي إلى الجهات المعنية، بمواصلة اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى بشكل منتظم، وذلك في أعقاب جلسة لتقييم الأوضاع في القدس مع وزير الأمن الداخلي والمفتش العام للشرطة، وشكرهم على قيامهم بتأمين حماية "حرية العبادة" لليهود في الأقصى. إلا أنه تراجع عن تصريحاته التي أشار خلالها إلى عمل حكومته على تغيير قانون "الستاتيكو" الخاص بالأقصى، قائلاً إن "الحديث عن حرية عبادة لليهود في الأقصى، كان اختياراً خاطئاً للكلمات، وليس في نية الحكومة تغيير الوضع الراهن".
من جهتها، اتهمت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بينيت آنذاك بممارسة "إرهاب الدولة المنظم" عقب تصريحاته التي دافع فيها عن اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، وأمر بتوفير الحماية لها من قبل الجيش. أما القصر الهاشمي في عمان، فأصدر بيانه وأرفقه بشكوى إلى البيت الأبيض، مطالباً بردع حكومة "إسرائيل" وتوضيح موقفها.
وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عدنان الحسيني إن "إسرائيل لم تحترم الوضع القائم (الستاتيكو)، وتعمل على محاولة تغييره بالكامل. ندعو المجتمع الدولي إلى التدخل من أجل إجبار الحكومة الإسرائيلية على التراجع عن ممارساتها، التي تحاول من خلالها تغيير الوضع التاريخي في المدينة المقدسة والدفع نحو حرب دينية في المنطقة بأكملها".
في المقابل، كتب وزير الأمن الداخلي الأسبق جلعاد أردان لأحد النشطاء المركزيين في تجنيد المستوطنين لاقتحام الحرم في وقت سابق، "نستعيد سيادتنا على المكان. يحصل ذلك عندما يزداد عدد اليهود الذين يريدون زيارة الحرم، ويتبلور المطلب الذي أتمناه، فنمارس الضغوط اللازمة لتغيير (الستاتيكو) التاريخي الذي يميز ضد اليهود، مع الأخذ بعين الاعتبار توازنات المصالح الدولية".


أبعاد سياسية

يرى الفلسطينيون أن هذه الاقتحامات تحد من حريتهم في ممارسة عقيدتهم وتؤثر وتعرقل دخولهم إلى المسجد الأقصى، وهي ذات أبعاد سياسية لفرض أمر واقع ولا تحمل أي طابع أمني.
وقال الباحث المختص في شؤون القدس جمال عمرو إن "دولة الاحتلال تريد التخلص من الوصاية الأردنية والرعاية الفلسطينية، وكذلك التخلص من المرابطين والمرابطات سواء بسياسة الإبعاد أو الاعتقال، بالتالي فرض وترسيخ مفاهيم جديدة تسعى إلى تقسيم الحرم القدسي على غرار تقسيم الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل. هناك أصوات في الحكومة الإسرائيلية تطالب بسحب الوصاية من الأردن كجزء من خطة صفقة القرن. الوضع القائم (ستاتيكو) الذي ساد في العهد العثماني وتواصل خلال الانتداب البريطاني. بعد الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس عام 1967 لم يعد كذلك، لأن الحكومة الإسرائيلية تمارس إجراءات جديدة لقلب موازين كان معمولاً بها لأكثر من 100 عام، فهناك مركز للشرطة الإسرائيلية بجوار قبة الصخرة ولهم ثلاث آليات عسكرية تجوب الأقصى يومياً، كما شكلوا 28 منظمة يمينية متطرفة تعبث بالأقصى عبر التقسيم الزماني والمكاني. الإسرائيليون تجرأوا على الأقصى بشكل غير مسبوق وعلى إدارة الأوقاف والإدارات الأردنية وعلى المواقع الإسلامية والمسيحية، وهذا يدل على النظرية اليهودية التي تَطمح بمسح كل أثر لغير اليهود".


إحتجاجات دولية

 في السياق، دعت الأمم المتحدة في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، السلطات الإسرائيلية إلى احترام "الوضع الراهن" في مدينة القدس، مؤكدةً أن "موقفها لم يتغير بشأن وضعية المسجد الأقصى". وقال المتحدث الأممي ستيفان دوجاريك "يجب احترام الوضع الراهن (الستاتيكو) للأماكن المقدسة التي تخص الأديان كلها".
وفي نهاية عام 2016 اتخذت لجنة التراث العالمي "يونسكو" قراراً يؤكد أنه "لا توجد علاقة بين اليهود والقدس والحرم الشريف، بل العلاقة تربط هذه الأماكن بالمسلمين فقط". وأيدت هذا القرار 26 من الدول الأعضاء في اللجنة، بينما اعترضت 6 منها. واعتمدت ذات اللجنة في يونيو (حزيران) 2018 قرارين بالإجماع يطالبان السلطات الإسرائيلية بالكف عن الانتهاكات التي من شأنها تغيير الطابع المميز لمدينتَي القدس والخليل، الذي يبقي كلتيهما بسبب الإجراءات الإسرائيلية، على لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2019 اتخذت "اليونسكو" قراراً بالإجماع "يرفض الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب في الأماكن التاريخية في القدس"، ويؤكد "بطلان جميع الإجراءات الإسرائيلية الرامية إلى تغيير طابع المدينة المقدسة وهويتها". ويعيد القرار التذكير بقرارات اليونسكو الخاصة بالقدس التي عبرت جميعها عن الأسف لفشل إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال، في وقف أعمال الحفر وإقامة الأنفاق وكل الأعمال غير القانونية والمدانة الأخرى في القدس الشرقية وفق قواعد القانون الدولي".

أمن وسلام

وأشار معهد ميتفيم الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية (مستقل) في بداية مارس (آذار) 2021، من خلال ورقة بحثية، أن "إسرائيل لا تزال تفتقر إلى الاعتراف الكافي من الدول العربية، ولا تزال تصارع من أجل اكتساب شرعية دولية". ولهذا، تُطالب تل أبيب، وفق الباحثين في المعهد بـ "الاعتراف بحقها في الوجود والعيش بأمن وسلام، كونها الدولة القومية للشعب اليهودي".

وتشرح الورقة البحثية عمق "الرابطة الدينية" التي تربط الطرفين، الفلسطيني واليهودي، بالأماكن الدينية الأبرز والأهم (الحرم القدسي الشريف في القدس والحرم الإبراهيمي في الخليل). وتذكر بأن إسرائيل طالبت الدول العربية في السابق بالاعتراف "بالأهمية الدينية لجبل الهيكل (الحرم القدسي) بالنسبة إلى الشعب اليهودي"، وبالتنديد الإسرائيلي بقرارات صدرت عن منظمة "اليونسكو" بشأن القدس و"عدم تأكيدها على الرابطة بين اليهودية وبين جبل الهيكل"، بينما "اعترض الفلسطينيون على عدم اعتراف بعض خطط السلام بحقوقهم في الأماكن المقدسة، وأبدوا تخوفات من حصول تغييرات مستقبلية في تسويات الوضع القائم (الستاتيكو) حالياً.

المزيد من الشرق الأوسط