Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أول فيصل برودواي" عرض مسرحي يسخر من الواقع الفني

عندما يقع المخرج والممثلون في شرك أهواء المنتج ونزواته الشخصية

عرض مسرحي مصري يسخر من الواقع الفني (الخدمة الإعلامية للفرقة)

يعرف المشتغلون في الوسط الفني في مصر، أو في غيرها من دولنا العربية، أن الموهبة ليست هي الشرط في صعود الفنان أو الفنانة، وأن ثمة عوامل أخرى تتدخل في هذا الأمر، تعود في أغلبها إلى جهات الإنتاج، أو إلى مخرج العمل نفسه، ويظل الممثل هو الحلقة الأضعف في هذه السلسلة. فكم من ممثلين موهوبين لا يحصلون على فرصة عمل تليق بموهبتهم، وبعضهم، واقعياً، يصابون بالجنون، أو الاكتئاب.

هذا الأمر أثاره طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة، وبسخرية مريرة، من خلال عرضهم المسرحي "أول فيصل برودواي" الذي قدموه ضمن فعاليات الدورة الثامنة والثلاثين لمهرجان المسرح العربي "زكي طليمات" الذي ينظمه المعهد لطلابه سنوياً .

وأول فيصل، هنا، تشير إلى أحد الأحياء الشعبية في محافظة الجيزة جنوب القاهرة، بينما تشير برودواي، كما هو معروف، إلى منطقة المسارح الاحترافية بشارع برودواي، وسط مدينة مانهاتن في نيويورك، والمفارقة مقصودة بالطبع.

اختيار ذكي

العرض من تأليف علاء حسن، دراماتورجيا أحمد عصام، إخراج حسام قشوة، وحسناً لجوء الطلاب إلى نص كهذا، ولم يعتمدوا نصاً معروفاً سبق تقديمه عشرات المرات، يضعهم في مقارنة، ربما لا تكون في صالحهم، مع غيرهم ممن سبق واعتمدوا على هذا النص.

ولعل النص الذي اعتمدوا عليه يقارب عالمهم ويلامس مشكلاتهم، فهم درسوا في معهد متخصص، وصقلوا مواهبهم، ورغم ذلك فإن أغلبهم لا يجد الفرصة التي تناسب موهبته، في الأعمال الفنية، في حين يجدها من هم أدنى منهم موهبة وثقافة. ومن هنا فإنهم الأكثر قدرة على تجسيد مشكلة تؤرقهم، وقد جسدوها بشكل ساخر، وهو الشكل الأنسب والأذكى للتعاطي مع واقع لا يحفل كثيراً بأصحاب المواهب.

قضية العرض

العرض يتناول قصة شابين موهوبين، أحدهما ممثل والآخر مخرج، يضطران للالتحاق بفرقة أسسها رجل أعمال تلبية لرغبة ابنته المدللة، غير الموهوبة في التمثيل، في أن تصبح نجمة مسرحية. تقدم الفرقة بعض الأعمال، ويكتشف الممثل، بطل الفرقة، فتاة عاملة تنظيف في المسرح تسكن في منطقة فيصل الشعبية، لكنها موهوبة في التمثيل والغناء. يرتبط بها، وتحدث خلافات بينه وبين ابنة المنتج، التي كانت تريد الارتباط به، فينفصل هو وفتاته وصديقه المخرج عن الفرقة، ثم تأتيهم فرصة لتقديم عرض في برودواي، وهناك يحققون نجاحاً كبيراً. القصة هنا لا تخلو من سذاجة، وتتشابه مع قصص بعض الأفلام التي تتناول حياة شاب أو فتاة من طبقة شعبية، كافحا حتى حققا أحلامهما في التمثيل، أو الغناء، وصارا نجمين.

أتاحت الفرقة المسرحية فرصة لاستعراض مواهب الممثلين، فأدوا بعض المشاهد من المسرح العالمي، وقدموا الغناء والاستعراض. أي أنهم من خلال هذه القماشة التي تبدو مألوفة ومكررة، استطاعوا تقديم أنفسهم في سياق درامي منضبط، بعيداً عن العشوائية. فمشاهد المسرح العالمي التي قدموها مثلاً، كانت في سياق اختبار تقدموا له للالتحاق بالفرقة المسرحية، وكذلك الغناء جاء هو الآخر في سياق درامي لا يستقيم إلا به، والأمر نفسه بالنسبة إلى الاستعراضات. أي أن كل شيء تم توظيفه في مكانه الصحيح، ما يشير إلى ذكاء المخرج في اعتماده هذا النص تحديداً، بغض النظر عن قوة النص من عدمها. فالنص، في هذا الإطار، حقق ما يسعى إليه صناع العرض، فهم من جهة تناولوا مشكلة تخصهم، ومن جهة أخرى واتتهم الفرصة لاستعراض مواهبهم في التمثيل والرقص والغناء.

مواهب تمثيلية

أفصح العرض عن مواهب تمثيلية وغنائية كثيرة، قد يكون أبرزها، في الجانب الكوميدي، وليد العطار في دور المنتج، الذي لعبه باحترافية شديدة وخفة ظل متناهية، تناسب تماماً طبيعة المنتجين الذين يتعاملون مع الفن كسلعة لتحقيق الربح، ويسندون أدواراً لمن يروقهم من الممثلين والممثلات، بغض النظر عن إمكاناتهم الفنية. وكذلك عزة حسن في دور ماهيتاب الممثلة، وهي طاقة كوميدية هائلة، تؤدي بشكل طبيعي ومن دون أي افتعال أو استظراف. هذان الممثلان تحديداً أضفيا على العرض كثيراً من البهجة، بحضورهما اللافت، إضافة إلى سالم الوشاحي في دور مكاوي، وعبد الرحمن عامر في دور مطاوع، فرغم مساحتهما الصغيرة فقد برزا بشكل واضح.

برز أيضاً في الأداء التمثيلي مصطفى خطاب في دور المخرج الذي أداه بشكل هادئ ومقنع، وبتلوين صوتي يناسب كل حالة، كشاب موهوب يبحث عن فرصة لتحقيق الذات. ومعه مينا نبيل في دور يوسف، الشاب الذي يبحث عن فرصته في التمثيل، وهو ممثل شامل، يجيد التمثيل والرقص والغناء، ولعب الأدوار المركبة، وبرز في أكثر من عرض. ونغم صالح في دور هنية عاملة التنظيف الموهوبة، التي قدمت الغناء الحي بشكل جيد للغاية ، وإن مالت في التمثيل إلى فكرة الاستعارة، (تحديداً طريقة أداء النجمة شريهان) وهو أمر مقبول في هذه المرحلة، لكنها تمتلك قدرات طيبة كمغنية وممثلة يمكنها أن تحصل على طريقتها الخاصة في التمثيل بمزيد من الدربة. ومونيكا ألفونس في دور لولا ابنة المنتج المتحكمة في كل شيء بالفرقة، وداليا أشرف في دور شريهان، وكرستينا عياد في دور الجنية.

عناصر لافتة

العرض مبهج عموماً، إذ نجح مخرجه في تسكين ممثليه في الأدوار التي تناسب قدراتهم وتكوينهم الجسماني، ولم يكن أي منهم خارج الإطار الذي تم توظيفه فيه. فاختيار الممثل وتوظيفه في الدور المناسب لقدراته مسؤولية المخرج، فضلاً عن قدرته في السيطرة على كل هذا العدد من الممثلين والراقصين ورسم خطوط الحركة بشكل جيد، وضبط الإيقاع العام للعرض. وقد اختل قليلاً في بعض اللحظات، إما لتأخر استجابة الإضاءة للمشهد، وإما لقلة خبرة بعض الممثلين، وهي أمور معتادة في عروض الشباب، والممارسة كفيلة بتجاوزها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من عناصر العرض اللافتة، الأشعار التي كتبها أحمد الشريف، وهي تشير إلى موهبة واضحة وفهم جيد لطبيعة الأغنية الدرامية، وتم توظيفها بشكل جيد داخل الدراما كجزء فاعل فيها وليس مقحماً عليها. وصاغها موسيقياً محمد عاصم، الذي صاغ أيضاً موسيقى الاستعراضات من تصميم مي إبراهيم وشيري أشرف، وأداها الراقصون بشكل فيه قدر عال من التناسق والرشاقة والاستجابة لطبيعة الحالة التي هم بصددها.

اكتفى العرض في أغلب مشاهده بخشبة عارية إلا من بعض المقاعد، والموتيفات البسيطة. ولم يبرز الديكور، الذي صممته أمل حسام، إلا في المشهد الأخير الذي تنتقل فيه الفرقة إلى برودواي، حيث لعبت إضاءة وليد درويش دوراً مهماً في إبراز جمالياته.

في مثل هذه العروض تكون هناك أحداث غير مبررة، ومشاهد يمكن اختزالها من دون أن تتأثر البنية الكلية للعرض، لكن ذلك كله يصبح مقبولاً أمام طاقات الشباب التي أفصحوا عنها، وبخاصة أنهم يقدمون عرضهم أمام لجنة تحكيم تختبر قدراتهم ومواهبهم، وإلى أي مدى لعبت الدراسة دوراً في صقل هذه القدرات والمواهب.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة