Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نتائج انتخابات "البوندستاغ" تضع ألمانيا في مفترق طرق

رابع أكبر اقتصاد في العالم يدخل مرحلة "عدم اليقين" وسط تنافس حزبي لبناء أغلبية  وسيناريوهات تشكيل الحكومة قد تستغرق أشهراً

لم تحسم نتائج الانتخابات التشريعية اللون السياسي للحكومة المقبلة وما تزال المهمة شاقة أمام الأحزاب لتشكيل أغلبية نيابية (أ ف ب)

على وقع نتائج انتخابية متقاربة، حقق فيها معسكر يسار الوسط (الحزب الديمقراطي الاشتراكي) تقدماً طفيفاً على حساب معسكر يمين الوسط (الحزب المسيحي الديمقراطي) و(الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري)، دخلت ألمانيا في حالة من "الغموض وعدم اليقين"، قد تخيم على المشهد السياسي في البلاد لأشهر مقبلة، ويزداد معها تعقد الأمور في مرحلة ما بعد عهد المستشارة أنغيلا ميركل التي بقيت في السلطة على مدى 16 عاماً.

وفيما يشير مراقبون إلى أن نتائج الانتخابات التشريعية الألمانية، التي لم تحسم اللون السياسي للحكومة المقبلة، ما هي "إلا نصف قصة المعركة على السلطة في رابع أكبر اقتصاد في العالم" مع ترقب ما سيسفر عنه احتدام المنافسة الحزبية التي قد تطول لأشهر من أجل بناء "أغلبية برلمانية"، تزداد المخاوف بشأن استقرار ألمانيا الركيزة الأساسية في الاتحاد الأوروبي، وتداعيات الارتدادات السياسية لانتخابات "البوندستاغ".

وأظهرت النتائج الأولية حصول الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة أولاف شولتز على 25.7 في المئة من الأصوات، متقدّماً بفارق ضئيل على المسيحيين الديمقراطيين المحافظين بقيادة أرمين لاشيت، الذين حصلوا على 24.1 في المئة من الأصوات، وهي أدنى نسبة لهم (لم يسبق أن سجلوا نسبة تقل عن 30 في المئة)، وهو ما يشكل انتكاسة قوية لمعسكر المستشارة ميركل، وحل في المرتبة الثالثة حزب الخضر المعني بقضايا البيئة، بعد حصوله على 14.3 في المئة، فيما حل حزب الديمقراطيين الأحرار (الليبراليين) في المركز الرابع بنسبة 11.5 في المئة.

وفي ألمانيا لا يختار الناخبون مباشرة المستشار بل النواب ما إن تتشكل غالبية، وفي الحالة الراهنة يبدو التوصل إلى غالبية معقداً جداً لأنها ينبغي أن تشمل ثلاثة أحزاب بسبب تشرذم الأصوات، ما يصعّب التوقع بشأن تشكيل الحكومة المقبلة، وهو أمر غير مسبوق لم تشهده البلاد منذ 1950.

"الحكومة المرتقبة" سؤال المرحلة

لا يختلف المتابعون للشأن الألماني على أن نتائج الانتخابات الراهنة زادت من الغموض في المشهد السياسي بالبلاد، ووضعت مرحلة ما بعد رحيل ميركل في "مفترق طرق". وبحسب ما ذكرت مجلة "دير شبيغل" الألمانية، فإن مرحلة التصويت "أبقت الأسئلة الرئيسة مفتوحة دون إجابة: من سيتولى منصب المستشار؟ ما طبيعة التحالف الذي سيحكم البلاد في المستقبل؟"، مضيفة أن "لعبة البوكر بدأت".

وقاد ثلاثة مرشحين حملة لخلافة المستشارة ميركل، هم، أرمين لاشيت (60 سنة) من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين وسط)، وأولاف شولتز (63 سنة) من الحزب الاشتراكي الديمقراطي (يسار الوسط)، وأنالينا بربوك من حزب الخضر المدافع عن البيئة.

واليوم الاثنين، تبادل كل من شولتز ولاشيت تأكيد المضي قدماً في تشكيل الحكومة المقبلة، والدخول في مسار التحالفات، وبينما قال زعيم الاشتراكيين الديمقراطيين "من المؤكد أن الكثير من المواطنين صوتوا لنا لأنهم يريدون تغييراً في الحكومة، ويرغبون في أن يكون المستشار المقبل أولاف شولتز"، تمسك منافسه اليميني الوسطي المنتمي إلى معسكر ميركل بالعمل على بناء تحالف حكومي ورفض الجلوس في مقاعد المعارضة، قائلاً "سنبذل قصارى جهودنا لبناء حكومة من تحالف المحافظين".

 

من جانبها، وبحسب ما ذكرته صحيفة "التايمز" البريطانية، فإنه وعلى الرغم من النتائج الأولية "فإنها ليست سوى نصف قصة المعركة على السلطة في ألمانيا"، مشيرة إلى أنه في الوقت الحالي ستبقى ميركل المستشارة المؤقتة، "بينما ينخرط المتنافسون على العرش في جدال طويل لمحاولة بناء أغلبية برلمانية".

وذكرت الصحيفة، في معرض تعليقها على انتخابات "البوندستاغ"، أنه "نظراً إلى ضعف الأحزاب الرئيسة والاختلافات العديدة في الرأي حول السياسة، فقد يستغرق الأمر حتى أوائل عام 2022 قبل أن تتضح هوية خليفة ميركل"، معربة عن ترجيحها، أن يكون أولاف شولتز (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) خليفة ميركل، أو في الأقل "يد قوية في محادثات الائتلاف المقبلة؛ لامتلاك الديمقراطيين الاشتراكيين عدة خيارات".

وشولتز، وفق ما تقول "التايمز"، كان يشغل منصب وزير المالية ونائب المستشارة، "يشبه ميركل في سلوكه العام المتحفظ، ونهجه التكنوقراطي وأسلوبه الجماعي، لكنه طبق إجراءات صارمة في ملف الضرائب والإنفاق؛ ما يقلل من شعبيته"، في المقابل فإن لاشيت (زعيم حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي)، الذي يشغل منصب رئيس وزراء ولاية شمال الراين وستفاليا، أكبر ولاية في ألمانيا، الذي كافح لإظهار سلطته في هذه الحملة، "قد يواجه معركة شاقة لبناء الحكومة، بعد تخلف حزبه في الانتخابات خلف الحزب الديمقراطي الاشتراكي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبينما رجحت صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن "تجد ألمانيا، رابع أكبر اقتصاد في العالم وأكبر عضو في الاتحاد الأوروبي، نفسها من دون قيادة قوية، ثم مع حكومة ضعيفة في السنوات الأربع التالية"، ذكرت "فايننشال تايمز" البريطانية أن أكثر ما يثير الانتباه في الانتخابات الألمانية الراهنة هو "زعم مرشحي الحزبين الرئيسين في ألمانيا أنهما فازا بتفويض لتشكيل أول حكومة في البلاد بعد ميركل، إثر انتخابات فشلت في تحقيق فائز واضح"، موضحة أن "النتائج المتقاربة تشير إلى أن الأمر قد يستغرق بعض الوقت لتحديد من سيحكم ألمانيا في حقبة ما بعد ميركل، مع مفاوضات ائتلافية صعبة، تشمل عدداً من الأحزاب المختلفة في المستقبل".

وتدور المحادثات لتشكيل حكومة جديدة في ألمانيا بين الأحزاب السياسية فقط، وفي آخر انتخابات تشريعية عام 2017، لم يتم التوصل إلى الائتلاف الحكومي الواسع الحالي إلا بعد ستة أشهر ما أدى إلى شلل سياسي في ألمانيا، لا سيما على صعيد القضايا الأوروبية، لكن الحزب الاشتراكي الديمقراطي واليمين الوسط أكدا أنهما يسعيان إلى بت أمر الحكومة قبل عيد الميلاد. ويبقى معرفة إن كانا سينجحان في ذلك.

سيناريوهات الحكومة المقبلة

في ضوء النتائج الأولية للانتخابات التشريعية الألمانية، يعدد مراقبون ثمة سيناريوهات ممكنة للحصول على أغلبية برلمانية، في ضوء عدد النواب القياسي في هذه الدولة، الذي وصل وفق لجنة الاقتراع الألمانية، لـ735 عضواً أي أكثر بـ137 مما كان عليه العدد قبل أربع سنوات.

وبحسب لجنة الاقتراع ذاتها، فإن أكبر كتلة في البرلمان الجديد سيشكلها الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني (206 مقاعد)، فيما ستحصل كتلة الاتحادين المسيحي الديمقراطي والمسيحي الاجتماعي على 196 مقعداً، وتحالف الخضر على 118 مقعداً، وحزب الديمقراطيين الأحرار على 92 مقعداً، وحزب "البديل من أجل ألمانيا" على 83 مقعداً. أما حزب اليسار فلم يتجاوز نسبة خمسة في المئة الضرورية، لكنه حصل على ثلاثة انتدابات مباشرة وبالتالي حصل على الحق في تشكيل كتلة في البرلمان، وسيكون له 39 مقعداً. وعليه فإنه من أجل تحقيق الأغلبية في البرلمان من الضروري أن يكون للكتل 368 نائباً.

ووفق مراقبين، فإن السيناريوهات المرجحة في النقاشات الحزبية التي بدأت لتشكيل الحكومة الجديدة في البلاد، من الممكن أن تأتي من تشكيل الحزب الاشتراكي الديمقراطي ائتلافاً مع كتلة الاتحادين المسيحي الديمقراطي والمسيحي الاجتماعي (402 صوت) أو مع حزب الخضر وحزب الديمقراطيين الأحرار (426 صوتاً). كما من الممكن أن يشكل تحالف الاتحادين المسيحي الديمقراطي والمسيحي الاجتماعي ائتلافاً مع حزب الخضر وحزب الديمقراطيين الأحرار (406 أصوات).

لكن وبحسب أحدث نتائج استطلاعات الرأي، التي نشرها معهد يوغوف (ليل الأحد الاثنين)، فإن غالبية الناخبين تحبذ الخيار الأول (تحالف الاشتراكيين الديمقراطيين مع المسيحيين الديمقراطيين)، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن 43 في المئة من المستطلعة آراؤهم يرون أن أولاف شولتز يجب أن يصبح مستشاراً للبلاد.

 

وفيما تقول صحيفة "بيلد" الألمانية إن تشكيل التحالفات البرلمانية في ألمانيا بات رهناً بإرادة الحزبين الصغيرين اللذين وصفتهما بأنهما "صناع ملوك"، فإن الأسابيع المقبلة ستكون صعبة على ألمانيا، في وقت قد تدفع التحديات أمام زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي "شولتز" الراغب بقوة في قيادة البلاد، إلى التخلي عن نصف برنامجه لاستمالة اليمين الليبرالي، الرافض وبقوة زيادة الضرائب على أغنى الأغنياء التي يريدها الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر، على ما نقلت صحيفة "سودويتشه تسايتونغ".

حقائق أفرزتها الانتخابات

أظهرت النتائج الأولية للانتخابات التشريعية الألمانية مجموعة من الحقائق، التي من بينها، تراجع نسب التصويت لأعلى مستوياتها بالنسبة لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والتقدم اللافت لحزب الخضر، إضافة إلى تأكيد تراجع شعبية على المستوى الوطني لليمين المتطرف واليسار الراديكالي.

وجاءت نتائج المعسكر المحافظ بقيادة حزب المستشارة "المسيحي الديمقراطي" الأسوأ في تاريخه، وبحصوله على 24.1 في المئة، تجعل تلك النتائج بحسب "دير شبيغل" الألمانية، هذه الانتخابات الأقرب إلى سابقتها في عام 2002، عندما حصل كل من الحزب الاشتراكي الديمقراطي والاتحاد الديمقراطي المسيحي على 38.5 في المئة من الأصوات، مشيرة في الوقت ذاته إلى أنه "في أعوام 1969 و1976 و1980 انتهى الأمر بالحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى قيادة الحكومة على الرغم من حصوله على المركز الثاني. ما يعني أن القدرة على بناء ائتلاف أغلبية في نهاية المطاف أكثر أهمية من الحصول على المركز الأول".

وبحسب رافائيل لوس، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في مكتب برلين، الذي نقل عنه موقع "يورونيوز" فإن النتائج تظهر "تراجعاً كبيراً للمصوتين في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي ينتمي إليه أرمين لاشيت، وهي أسوأ نتيجة له ​​على الإطلاق"، مضيفاً مع ذلك، "سيكون على شولتز ولاشيت ضرورة لإيجاد أرضية مشتركة مع الخضر والحزب الديمقراطي الحر من أجل تشكيل (تحالف ملون)، وهذا يعني أنه في نهاية المطاف، لا يزال أمام لاشيت حظوظ ليصبح خليفة لميركل".

ومن بين أبرز التجليات التي كشفتها النتائج الانتخابية، كذلك، حصول حزب الخضر على المركز الثالث بـ14.8 في المئة في أعلى نسبة له على الإطلاق في "البوندستاغ". في المقابل، تلقى اليمين المتطرف واليسار الراديكالي، الضربة الأقسى، مسجلين تراجعاً تاريخياً، حصل حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف على 10.3 في المئة من الأصوات، وفقاً للنتائج المعلنة وهي نسبة أقل من التي حصل عليها 12.6 في المئة خلال انتخابات 2017، حيث كان الحزب ثالث أكبر حزب في ألمانيا.

في غضون ذلك، حصل حزب اليسار الراديكالي (دي لينكه) على نحو 4.9 في المئة من الأصوات، بانخفاض كبير عن حصته البالغة تسعة في المئة من الأصوات خلال انتخابات 2017، وهذا يعني أن "دي لينكه" لا يملك مقاعد كافية لمنح الديمقراطيين الاجتماعيين والخضر أغلبية، لذا سيتعين على مرشح الحزب الديمقراطي الاجتماعي أولاف شولتز الاعتماد على الحزب الديمقراطي الحر إذا كان يريد قيادة الحكومة الألمانية المقبلة.

ويقول المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، "إن الألمان لا يزالون غير قادرين على تخيل بلدهم من دون المستشارة ميركل، بسبب ملامح المرشحين الجديدة أو الجودة المنخفضة التي أظهرتها حملاتهم الانتخابية". مشيراً إلى "أن ميركل كانت رمزاً مثالياً لروح العصر الألماني في بداية القرن الحادي والعشرين، وعكس أسلوبها السياسي وقراراتها التغييرات المهمة التي حدثت في المجتمع الألماني والسياسة في السنوات الـ16 الماضية، فضلاً عن الرغبة العارمة في الحفاظ على الوضع الراهن لأطول فترة ممكنة من خلال تجنب التحولات الثورية".

المزيد من تقارير