Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل وقع العالم مجددا في فخ الديون؟

الاقتصاد العالمي يستمر هشاً وسط غياب القدرة على تنفيذ شروط ائتمانية أكثر صرامة

حذر مراقبون من أن انخفاض العائدات في العالم يشير إلى أن سوق السندات تسير بشكل غير عقلاني بشكل متزايد بعيداً عن التعافي العالمي السريع (غيتي)

طوال هذا العام حذر المراقبون من أن انخفاض العائدات في العالم يشير إلى أن سوق السندات تسير بشكل غير عقلاني وبشكل متزايد، وبعيداً من التعافي العالمي السريع وفي ظل عمليات الشراء الكثيفة للبنوك المركزية أو موجات المد والجزر لجائحة كورونا. يقول روشير شارما كبير الاستراتيجيين العالميين في "مورغان ستانلي إنفستمنت مانيجمنت"، ومؤلف كتاب "القواعد العشر للأمم الناجحة" لـ "فاينانشال تايمز"، إن أزمة "إيفرغراند" مطور العقارات الأكثر مديونية في العالم اليوم، والتي يتردد صدى أزمتها في العالم، تكشف عن سبب منطقي للغاية لعدم ارتفاع أسعار الفائدة طويلة الأجل بشكل كبير، وهو أن الاقتصاد العالمي مثقل بالديون وهش مالياً للغاية بحيث لا يستطيع التعامل مع شروط ائتمانية أكثر صرامة، مضيفاً "لقد وقعنا في فخ الديون".

عالقة في نهاية هذا المستنقع

ويضيف أن الصين عالقة في نهاية هذا المستنقع، ففي الفترة التي سبقت الأزمة المالية العالمية لعام 2008 ارتفعت مستويات الديون بشكل كبير في الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأوروبية، ومنذ ذلك الحين تصدرت الصين نوبة الديون وارتفع الدين الخاص الذي تملكه الأسر والشركات بنحو 100 نقطة مئوية إلى 260 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الصين، وهو ما يمثل ما يقرب من ثلثي الزيادة العالمية.

وبحلول أوائل العام 2016 كانت الصين على حافة الهاوية المالية، وكانت معدلات التخلف عن السداد ترتفع بسرعة، وكان رأس المال يندفع خارج البلاد، وفي الولايات المتحدة اضطر الاحتياط الفيدرالي الأميركي إلى التخلي عن خطط تشديد السياسة النقدية لدرء أزمة مالية عالمية أخرى، واضطرت السلطات الصينية إلى ضخ مبالغ ضخمة من الأموال في النظام المالي.

وعلى مدى السنوات الخمس التالية تراجع تباطؤ الصين بسرعة أقل بكثير مما يتوقعه المرء بالنظر إلى مستويات الديون، بفضل الارتفاع السريع لقطاع التكنولوجيا فيها، وكان الاقتصاد الجديد بقيادة شركات التكنولوجيا الرقمية في القطاع الخاص خالياً من الديون تقريباً ونما بشكل كبير، ويمثل قطاع التكنولوجيا الآن نسبة مذهلة تبلغ 40 في المئة من الاقتصاد الصيني، ارتفاعاً من 20 في المئة عام 2016.

قنبلة الدين

لكن في الخلفية كانت قنبلة الدين لا تزال موقوتة، فبعد عام 2016 ارتفعت الديون الخاصة بنسبة 20 نقطة مئوية أخرى كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، مع حصول الأسر على قروض عقارية بوتيرة قياسية، ذهب كثير منها لتضخيم فقاعة العقارات، وحوالى 40 في المئة من أصول النظام المصرفي الصيني مرتبطة الآن بقطاع العقارات.

وتمثل ديون "إيفرغراند" المستحقة التي تزيد على 300 مليار دولار 0.6 في المئة فقط من إجمالي الائتمان في الصين، لكن القلق في مثل هذه المواقف دائماً ما يتعلق بتأثير العدوى لأي تخلف عن السداد، وقبل عام 2008 بلغت سوق الرهن العقاري في الولايات المتحدة ذروتها عند 600 مليار دولار فقط، قبل أن تنهار وتهدد بتدمير النظام المالي العالمي.

شكل من أشكال الاشتراكية

ويجادل معظم المحللين الماليين بأن الصين لا تستطيع تحمل ترك "إيفرغراند" تنهار تماماً والمخاطرة بأزمة ديون أخرى، لكن السياسة هذه المرة في صراع مباشر مع الاقتصاد.

ويحاول الرئيس الصيني شي جين بينغ إحياء شكل من أشكال الاشتراكية يذكرنا بعصر ماو تسي تونغ مؤسس الصين، إذ بدأت حكومته في اتخاذ إجراءات صارمة ضد تجاوزات الرأسمالية، بما في ذلك ثروة وقوة أباطرة التكنولوجيا، والمضاربة المتفشية والديون المتزايدة لقطاع العقارات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والمشكلة تكمن في أن ما يحدث لم يعد قائماً فقط في الصين التي تعد المحركة الرئيس للنمو العالمي، ومن نواح كثيرة تتبع الصين النموذج المشوه نفسه للرأسمالية الذي تتبعه معظم الدول الغربية وأكثر من ذلك، حيث تتحمل مستويات متزايدة من الديون لتوليد نمو أقل وأقل، والنتيجة هي تزايد الهشاشة المالية.

نظام مالي

مثل منافسيها الأكثر تقدماً من الولايات المتحدة إلى اليابان، أنشأت الصين نظاماً مالياً في حاجة دائمة إلى الدعم الحكومي والتحفيز، ويحافظ صانعو السياسة على استمرار النمو الاقتصادي بأي ثمن، ويتراجعون مراراً وتكراراً عن تشديد السياسة عند أدنى إشارة إلى وجود مشكلة اقتصادية أو مالية، فكلما واجهت شركة عواقب صعبة تدخلت السلطات في عملية إنقاذ، وهذا صحيح بشكل خاص في الصين، حيث كانت معدلات التخلف عن السداد في السنوات الأخيرة أقل بكثير من المتوسطات العالمية المنخفضة للغاية.

وبشرط توقع تدخل الحكومة في الوقت المناسب لدرء أي أزمة، لم يسحب المستثمرون العالميون الأموال من الصين حتى الآن، ولكن إذا ابتعد الرئيس الصيني من الماضي من طريق التخلص من الديون وترك التخلف عن السداد يرتفع، فقد يؤدي ذلك إلى انهيار عصبي في النظام المالي العالمي.

وما نراه على الأرجح خلال الأشهر المقبلة هو صدام ملحمي بين زعيم قوى مصمم على تغيير مسار أمته، والقيود الاقتصادية التي تفرضها الديون الضخمة، وفي الوقت الحالي لا تزال الأسواق تراهن على أن المخاطر كبيرة للغاية، حتى بالنسبة إلى قائد قوي مثل الرئيس الصيني، لفطم الصين فجأة عن شكل من أشكال الرأسمالية التي تغذيها الديون، والتي يمارسها العالم منذ سنوات.