Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصين لا تحاول الهيمنة على الشرق الأوسط

تقليص أميركا وجودها فيه قد يتيح ذلك

كرست بكين في العقدين الماضيين قدراً كبيراً من الوقت والموارد بغية بناء روابط دبلوماسية وتجارية مع  اللاعبين الأساسيين في الشرق الأوسط (أ ف ب)

شهدت السنوات القليلة الماضية نقلة نوعية في نموذج عمل السياسة الخارجية الأميركية. ولم يعد الشرق الأوسط في عداد المناطق التي تعتبرها واشنطن ضمن أولوياتها الرئيسة. فقد خفضت أميركا عدد قواتها في العراق بشكل كبير، وتعهد الرئيس جو بايدن أن يركز حصراً على عدد صغير من الأهداف في المنطقة. ومع مضي عمليات تقليص الوجود الأميركي قدماً إلى الأمام، حذر محللون وكتاب أعمدة وقادة منتخبون من أن الصين تستعد للحلول بديلاً من الولايات المتحدة في جزء من العالم هيمنت واشنطن عليه طويلاً. واستطراداً، تتمثل حجتهم في ضرورة أن تواجه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وغيره، قوة الصين العسكرية، ونفوذها الاقتصادي وأيديولوجيتها، عند كل منعطف كي لا تتمكن بكين أن تأخذ مكان واشنطن كقوة عالمية عظمى بارزة.

 وحتى في وقت تنسحب فيه الولايات المتحدة من المنطقة، يعتقد بعض المعنيين في السياسة الخارجية أن الشرق الأوسط سيكون إحدى المناطق التي ستدور فيها ما يسمى بمنافسة القوى الكبرى بين واشنطن وبكين. ويسوق أولئك المحللون أدلة على التهديدات الجديدة والخطيرة التي يتعرض لها أمن الولايات المتحدة، تشمل استثمار الصين في الشرق الأوسط، والصفقات التجارية الثنائية التي أبرمتها مع القوى الإقليمية في المنطقة، وقاعدتها العسكرية في جيبوتي، إضافة إلى علاقات بكين التي يجري تعزيزها بشكل متزايد مع إيران. وانسجاماً مع وجهة النظر تلك، جادل الباحثان مايكل دوران وبيتر روف بأن اندفاع الصين "الذي لا يعرف الرحمة" للمضي بعملية تحقيق مصالحها إلى الأمام في المنطقة، يسهم في تكريس الخطر الأوسع نطاقاً المتمثل في خسارة الولايات المتحدة السيطرة على مجمل النظام الدولي.

ويستند هذا النوع من المزاعم إلى أدلة واهية. في المقابل، غالباً ما تتشكل المفاهيم الأميركية بشأن الدور الذي تلعبه الصين في الشرق الأوسط، من خلال تجربة واشنطن الخاصة في المنطقة. وبالتالي، تتحدد تلك المفاهيم عبر التحالفات العسكرية والتدخلات المسلحة، بدلاً من أن ترتسم معالمها من خلال السلوك الصيني الفعلي. وفي الواقع، لم يكن وجود بكين المتنامي مدفوعاً بالرغبة في الهيمنة بقدر ما حفزته مخاوف اقتصادية وسياسية داخلية. إذ يحمل اعتماد الصين على الوقود الأحفوري، إضافة إلى رغبتها في اتقاء الازدراء الإقليمي فيما يتصل بمعاملتها لأبناء إثنية الأويغور المسلمة، على بذل جهود كثيرة بهدف التواصل مع المنطقة.

في المقابل، لم تترسخ بعد استراتيجية الصين ولا تزال بعيدة تماماً عن الاستقرار. إذ يمكن أن تؤدي كارثة اقتصادية عالمية، أو انهيار جيوسياسي، إلى حمل الحزب الشيوعي الصيني على إعادة النظر في نهجه الحالي. من زاوية مقابلة، تبقى الحقيقة ماثلة في أن بكين حافظت على علاقاتها مع دول تعاني صراعات داخلية وخارجية على امتداد العقدين الأخيرين من الزمن. وقد شمل ذلك أفغانستان وميانمار والسودان. وستواصل على الأرجح البرهنة على أنها تتمتع بدرجة عالية من التسامح مع العنف والتذبذب في الشرق الأوسط. وقد تنطلق الصين فعلاً صوب كونها القوة المهيمنة في الشرق الأوسط، لكن إذا حصل ذلك، فلن يحدث بسبب خطط استراتيجية كبرى من جانب بكين، بمقدار ما سيتأتى من انفصال واشنطن البطيء ولكن الثابت عن الشرق الأوسط.

إنه الاقتصاد، يا غبي

لقد كرست بكين في العقدين الماضيين قدراً كبيراً من الوقت والموارد بغية بناء روابط دبلوماسية وتجارية مع جميع اللاعبين الأساسيين في الشرق الأوسط. ولا تستطيع سوى قلة من الدول الأخرى أن تتباهى بعلاقاتها الجيدة مع إيران وإسرائيل والسعودية ودول الخليج العربية الأخرى، علماً أن التوازن في صلات بكين لا يزال مكوناً حاسماً في استراتيجيتها الإقليمية. وحينما قام شي جينبينغ بأول رحلة له إلى المنطقة كرئيس لجمهورية الصين الشعبية في يناير (كانون الثاني) 2016، شكلت المملكة العربية السعودية أولى المحطات التي توقف فيها ووقع هناك اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة بين بكين والرياض. وتوجه بعد ذلك مباشرة عن طريق الجو إلى طهران حيث فعل الشيء نفسه مع إيران. وعلى نحوٍ مماثل، جاءت زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى المنطقة في مارس (آذار) الماضي، وقد كرر فيها الموضوعات البالية في خطاب السياسة الخارجية الصينية حول "مشاريع مربحة للجانبين" والاحترام المتبادل والحوار في الشرق الأوسط. وقد أشرت تلك الزيارة إلى استمرار بكين في اتباع نهج الصداقة مع الجميع الذي خدمها جيداً.

وبالتالي، قادت تلك التحركات كثيرين، من بينهم مجموعة متنوعة من خبراء السياسة الخارجية، وكتاب في هيئات التحرير لدى صحف رئيسة، وأعضاء في الكونغرس الأميركي، قادتهم إلى استنتاج أن الصين تخفي طموحات إقليمية كبيرة. ووفقاً لروايات أولئك الأشخاص، تضفي عوامل كموقع الشرق الأوسط الفريد كمركز لوجستي، ومورد للوقود، وعنق زجاجة محتملة في التجارة العالمية، على تلك المنطقة أهمية حاسمة بالنسبة إلى هدف شي جينبينغ المتمثل في إعادة توجيه الحوكمة العالمية بحيث تتركز بعيداً من الولايات المتحدة. وبالتالي، نفذت الصين بشكل واضح سياسة خارجية هجومية في السنوات الأخيرة. وأخذت القيادة الصينية في أعقاب الأزمة المالية العالمية في 2008، وتسلم شي جينبينغ زمام السلطة في 2012، تبتعد بصورة بطيئة عن القول المأثور للزعيم البارز السابق دينغ شياو بينغ بأن على البلاد أن "تخفي قدراتها وتتحين الفرص المناسبة". وتعرض الآن الصين عضلاتها في شرق آسيا وخارجها من خلال تجاهل حكم أصدرته محكمة دولية بشأن مطالبات بكين المتعلقة ببحر الصين الجنوبي، وخرق بروتوكولات الطيران المستقرة منذ وقت طويل في مضيق تايوان، وفرض رسوم جمركية على أستراليا وكوريا الجنوبية في معرض الرد على إهانات تصورت بكين أن التحقيق الذي أجرته كانبيرا بشأن أصول فيروس كورونا المستجد قد وجهها إليها، ونشر سيول نظاماً مُعززاً مضاداً للصواريخ، إضافة إلى التنمر على منظمات الأمم المتحدة في قضايا تشمل تفشي فيروس كورونا والمخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان،

 ومع ذلك، فمن الخطأ، الافتراض بأن النهج الذي تسير عليه بكين في الشرق الأوسط يستند إلى سلوكها الحازم ضمن شرق آسيا وأمكنة أخرى. وعلى الرغم من أن قادة الصين قد يسعون إلى التفوق على الولايات المتحدة في مجالات شتى، لا يوجد سوى قليل من الأدلة على تلك الجهود الطموحة تشمل الشرق الأوسط. ونظراً إلى المغامرات العسكرية الأميركية المغلوطة في أفغانستان والعراق وأماكن أخرى، خلُصَتْ النخب السياسية الصينية منذ وقت طويل إلى أن سياسات واشنطن الإقليمية قد استنزفت قدراتها العظيمة، وقلصت نفوذها العالمي، ووضعتها على طريق التدهور النسبي. وليس لدى بكين أي رغبة في أن تحذو حذو واشنطن.

لم يكن وجود بكين المتنامي مدفوعاً بالرغبة في الهيمنة بقدر ما حفزته مخاوف اقتصادية وسياسية داخلية

 واستطراداً، يتمثل الدافع الحقيقي لوجود الصين داخل الشرق الأوسط في التطور الاقتصادي السريع الذي تشهده. إذ ارتفع حجم واردات الصين من نفط الشرق الأوسط بين عامي 1990 و2009 بنحو عشرة أضعاف. وزودت دول الخليج العربية في 2019-2020 الصين نحو 40 في المئة من واردات النفط التي جاء 16 في المئة منها من المملكة العربية السعودية وحدها، الأمر الذي يجعل تلك الدولة أكبر مُصدر للنفط إلى الصين. وكذلك بات العراق الذي أنفقت الولايات المتحدة تريليونات الدولارات على تغيير النظام فيه، من بين أكبر خمس دول مصدرة للنفط إلى الصين، فيما تحتل إيران المرتبة الثامنة بين الدول التي تمدها بالنفط. ومن الواضح أن بكين تنظر إلى موارد الطاقة في منطقة الشرق الأوسط بوصفها بالغة الأهمية بالنسبة إلى التنمية المستمرة في الصين، وبالتالي نفوذ بكين العالمي.

واستكمالاً، لا تقتصر علاقة الصين الاقتصادية مع الشرق الأوسط على الطاقة. إذ تعمل تلك الدولة على توسيع نطاق علاقاتها عبر "مبادرة الحزام والطريق". ويعود الفضل في جانب كبير منه إلى تلك المبادرة في كون الصين باتت تعتبر حالياً أكبر مستثمر في المنطقة وأهم شريك تجاري لـ11 دولة شرق أوسطية. ولقد مولت إنشاء موانٍ ومجمعات صناعية في مصر، وعُمان، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة، وجيبوتي التي تضم القاعدة العسكرية الصينية الوحيدة خارج البلاد. وتقع تلك المرافق على طول النقاط الحيوية التي تصل منطقة الشرق الأوسط مع بقية دول العالم، كالخليج العربي، وخليج عُمان، والبحر الأحمر، وباب المندب، وقناة السويس. ويعتمد نجاح "مبادرة الحزام والطريق" على إبقاء تلك الشرايين مفتوحة. وليس على المرء إلا أن يلقي نظرة سريعة على جنوح سفينة الحاويات "إيفر غيفن" في مارس (آذار) 2021 في قناة السويس والتداعيات الاقتصادية التي أعقبت ذلك، من أجل فهم سبب إيلاء القادة الصينيين أهمية خاصة للشرق الأوسط وممراته المائية.

وبالتالي، إن مستلزمات الصين الاقتصادية الملحة التي تجدها في الشرق الأوسط، جنباً إلى جنب مع الجهود الدبلوماسية المطلوبة منها في ضمان استمرار توفر تلك المستلزمات، تشرح قدراً كبيراً من أسباب تواصلها الحديث مع المنطقة. ومثلاً، في أوائل 2021، أبرمت بكين اتفاق "شراكة استراتيجية" مع طهران، وقد جرى تضخيمه بمزاعم عدة. وشعرت واشنطن بالدهشة حيال الصفقة التي تسري طوال 25 عاماً، وشملت تعهداً باستثمارات صينية بـ400 مليار دولار لقاء إمدادات نفطية بأسعار مخفضة للغاية وزيادة في التعاون الأمني. وبالنسبة إلى كثيرين، بدا الأمر كأنه محاولة من بكين لتقويض العقوبات الأميركية التي تهدف إلى فرض ضغوط على طهران من أجل وضع حد لسياستها الخارجية العدوانية وتطوير برنامجها النووي.

وفي الوقت نفسه، جاء اتفاق إيران مع الصين تعبيراً مفهوماً عن مصالح الصين الاقتصادية والدبلوماسية. وباعتبار أن إيران واحدة من أكبر موردي النفط إليها، تملك الصين مصلحة في الحؤول دون انهيار النظام الإيراني تحت وطأة الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية الأميركية. ويحرص القادة الصينيون أيضاً على الحفاظ على موقع إيران في الإقليم، وإبقاء الولايات المتحدة مشغولة بالتطورات التي يشهدها الخليج العربي وشرق آسيا. وعلى الرغم من أن بكين قد لا ترضى عن نشاطات المجموعات المسلحة التي ترعاها إيران في بلاد الشام أو الخليج، فلا يرى المسؤولون الصينيون حاجة إلى قطع الروابط مع طهران بسبب تلك المسائل. وبالمثل، لا تزال الصين غير منزعجة من حملات القمع التي جرت داخل إيران بين 2009 و2019، وفي الواقع ظهرت تقارير موثوقة تفيد بأن طهران اعتمدت بقوة على التكنولوجيا الصينية في ملاحقة أعدائها المحليين.

 

شؤون داخلية

في سياق مقابل، لا تتعلق السياسات الصينية كلها بالنفط وحده. وعلى أي حال، فقد استخدمت الصين بنجاح مزيجاً من الدبلوماسية والاستثمارات الجديدة وتنويع السوق، من أجل تلبية الطلب المحلي المتزايد على الوقود الأحفوري. وتسهم عناصر عدة كالنفط الخام من الولايات المتحدة، والغاز الطبيعي من أستراليا، علاوة على الفحم المستخرج محلياً، في استكمال واردات الصين المتزايدة من الشرق الأوسط. وكذلك سيعوض الاستثمار في الطاقة المتجددة حتماً عن جزء من اعتماد الدولة على الوقود الهيدروكربوني.

 إذاً، بدلاً من النظر إلى الشرق الأوسط كمصدر للطاقة فحسب، تأخذ الصين أيضاً في الاعتبار الروابط التي نسجتها هناك كبوليصة تأمين ضد تهديد داخلي واضح تماماً، يتمثل في الحركة الانفصالية التي ينهض بها شعب الأويغور ذو الغالبية المسلمة في إقليم شينجيانغ المتمتع بالحكم الذاتي. وقد بدأت بكين حملتها الوحشية لقمع سكان الصين من الأويغور في أعقاب اعتداءات سبتمبر (أيلول) 2001 الإرهابية في الولايات المتحدة. وعززت الصين تلك الحملة بعد سلسلة من الهجمات التي شنها الانفصاليون "الأويغور" في الصين ودول مجاورة في عامي 2014 و2015. وأعلن شي جينبينغ في 2019 أن "أي شخص يحاول فصل أي منطقة عن الصين، سيتم سحقه وتكسير جسده وعظامه". وقد خلُصت إدارتا ترمب وبايدن إلى أن القمع الشديد من جانب بكين للأويغور، بما فيه السجن التعسفي وحرمان النساء قسراً من القدرة على الحمل، إضافة إلى الاغتصاب والتعذيب والسخرة والقيود الصارمة على حرية ممارسة الشعائر الدينية، تشكل كلها جرائم ضد الإنسانية وتعتبر عمليات إبادة جماعية.

في ملمح متصل، لطالما امتلك القادة الصينيون أملاً قوامه أن تنمية علاقات أقوى مع أنظمة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، ستمكنهم من منع الانفصاليين الأويغور من تلقي دعم خارجي، وستساعدهم [القادة الصينيين] على خنق الشبكات الإسلامية العاملة عبر الحدود. وعلى الرغم من استياء واشنطن، يبدو أن تواصل بكين مع الشرق الأوسط سار بشكل ناجح. ومن خلال الدبلوماسية المنتظمة، وشراء النفط والغاز، والاستثمارات الواسعة النطاق، نجحت بكين في ثني الحكومات والمنظمات الدينية في البلدان ذات الأغلبية المسلمة عن تقديم دعم مادي ومعنوي إلى شعب الأويغور، أو حتى انتقاد الإجراءات القاسية التي اتخذتها بكين ضدهم. وقد رفض عدد من تلك الحكومات والمنظمات، حتى الحديث عن الإجراءات الصارمة معتبراً إياها مسألة داخلية محضة. وتعاونت دول أخرى مع الصين ضد ناشطي الأويغور.

على أهبة الاستعداد

 ثمة حقيقة مفادها أن سياسات الصين في الشرق الأوسط تنبع في الغالب من اعتبارات اقتصادية وسياسية محلية. ولا يعني ذلك ألا تكون واشنطن معنية تماماً بالسلوك الصيني في المنطقة. إذ لا تزال القيادة الصينية ملتزمة التحديث العسكري وتطوير منصات عرض القوة، الأمر الذي قد يؤثر في منطقة الشرق الأوسط. ومثلاً، من المستطاع تفسير المشاركة الصينية في فرقة عمل لمكافحة القرصنة في خليج عدن، كدليل يؤشر إلى حرص الصين على التزام التعاون الدولي. وفي المقابل، من شأن تلك التجربة أن تساعد أيضاً في إعداد القوى البحرية الصينية للنهوض بمهمات في المستقبل في مناطق بعيدة عن السواحل الصينية.

واستطراداً، من الواضح أن بكين لا تنفر من العمل العسكري. فقد خاضت جمهورية الصين الشعبية منذ تأسيسها في 1949، صراعات مسلحة مع جميع جيرانها تقريباً، بدءاً من الحرب الكورية في 1950 إلى المناوشات الحدودية الأخيرة مع الهند. ويبقى أن نشر الصين معداتها العسكرية في بحري الصين الجنوبي والشرقي، ومضيق تايوان، يشكل مصدراً للقلق، وكذلك محاولات بكين المتكررة في تقويض الأعراف والمؤسسات العالمية.

 ومع ذلك، لا يوجد سبب كبير يحمل المرء على الاعتقاد بأن القادة الصينيين سيطبقون قواعد مماثلة في الشرق الأوسط. إذ لا تحظى بصمة واشنطن الأمنية التي تعود إلى أجيال عدة، بجاذبية كبير بالنسبة إلى بكين. ومن شأن نهج فظ كذلك [بمعنى اتباع نهج تدخل عسكري وأمني] أن يقوض الإنجازات الاقتصادية والدبلوماسية التي حققتها الصين.

ومن الواضح أن الصين والولايات المتحدة تملكان مصالح متباينة في الشرق الأوسط. وببساطة، لا تبرر الأدلة المتوفرة التوصل إلى خلاصة مفادها أن بكين تريد أن تحل بديلاً من واشنطن في منطقة الشرق الأوسط. وبالتالي، ستتابع القيادة الصينية أهدافها بصرف النظر عن رغبات واشنطن، في مثل تلك الظروف، ومن غير المرجح أن يسعى الصينيون إلى الصراع، بل يفضلون المضي في بناء علاقات مع مجموعة من دول المنطقة بهدف ضمان حصولهم على النفط ووصولهم إلى الأسواق. وبالنتيجة، سيجري قدر كبير من المنافسة مع الولايات المتحدة من أجل النفوذ، فيما ستناور القوى الإقليمية بين واشنطن وبكين على أمل أن تتجنب وضعاً تُضطر فيه إلى اختيار واحدة منهما. وستبقى الولايات المتحدة مهيمنة في هذا السباق، وذلك إلى الحد الذي يظل فيه قادة الشرق الأوسط ميالين إلى التعاون مع واشنطن. ومع ذلك، إذا بدأ تقليص الوجود الأميركي يظهر كأنه انسحاب للولايات المتحدة من المنطقة، سينأى هؤلاء القادة بأنفسهم عن واشنطن. وفي تلك الحالة، قد ينتهي الأمر بالصين إلى أن تضحى القوة المهيمنة في الشرق الأوسط، على الرغم من أنه ليس لديها نية واضحة في أداء ذلك الدور.

* ستيفن آ. كوك، زميل متقدم في "آيني انريكو ماتي، لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا" في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي

* جيمس غرين، زميل باحث متقدم في "مبادرة جامعة جورج تاون للحوار الأميركي الصيني حول القضايا العالمية"

مترجم من فورين أفيرز، أغسطس (آب) 2021

المزيد من تحلیل