Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تحولت بلدة لوبمين الألمانية لساحة حرب باردة بين أوروبا وروسيا؟

سيمنح خط الأنابيب "نورد ستريم 2" البالغ طوله 764 ميلاً بوتين السيطرة على إمدادات الطاقة لبريطانيا والاتحاد

 هذه البلدة أصبحت نقطة محورية في "الحرب الباردة الجديدة" بين أوروبا وروسيا (أ ف ب)

تشتهر بلدة لوبمين الألمانية الصغيرة بسياحتها اللطيفة بفضل رصيفها الخشبي الطويل، الذي يطل على بحر البلطيق وشاطئ رملي بطول ثلاثة أميال، محاط بالغابات. ومع اقتراب موسم الصيف الصاخب من نهايته، تتجول مجموعات من كبار السن في نزهة، ويتوقف راكبو الدراجات لتناول المرطبات في الشوارع التي تصطف على جانبيها الفنادق والفيلات الذكية ومنازل العطلات ذات الطراز الاسكندنافي. قلة على ما يبدو على علم بأن قرية الصيد السابقة هذه على الساحل الشمالي للبلاد أصبحت النقطة المحورية لحرب باردة جديدة بين أوروبا وروسيا، وهي عامل رئيس في الأزمة الحالية التي شهدت ارتفاع أسعار الغاز بالجملة في بريطانيا بنسبة 250 في المئة منذ بداية العام.

ويمكن العثور على السبب على بعد ميلين، حيث توجد مجموعة متشابكة من المقاييس والأنابيب والأنابيب المغلفة بالفضة والمداخن الطويلة خلف الأسوار العالية والكاميرات الأمنية في موقع صناعي مترامي الأطراف مقطوع إلى غابات الصنوبر، وهو نقطة الهبوط لمشروع غاز "ستريم 2"، خط أنابيب جديد بقيمة 8.1 مليار جنيه استرليني (11 مليار دولار أميركي)، يمتد من روسيا عبر بحر البلطيق لتزويد أوروبا بالغاز. لا يمكن المبالغة في الأهمية الاستراتيجية للمشروع في وقت تم فيه تسليط الضوء بشكل كبير على ضرورة إمدادات الطاقة المستقرة.

بوتين يُحكم قبضته على أوروبا

أنظر إلى كل العناوين الرئيسة حول ارتفاع فواتير الوقود وإفلاس شركات الطاقة، وحتى المخاوف بشأن النقص المحتمل في الديوك الرومية في أعياد الميلاد، وستجد أثراً يؤدي إلى هذا المنتجع الساحلي الصغير الهادئ.

خط الأنابيب المزدوج المثير للجدل الذي يبلغ طوله 764 ميلاً، والذي يمتد من فيبورغ بالقرب من سانت بطرسبرغ، إلى هذه المدينة الألمانية على الحدود البولندية، سيمنح الرئيس فلاديمير بوتين قبضته الخانقة على إمدادات الطاقة في أوروبا.

ويقول توم توغندهات، عضو البرلمان عن حزب المحافظين، رئيس لجنة الشؤون الخارجية لـ"ديلي ميل": "يسمح نورد ستريم 2 لبوتين باستخدام الغاز كسلاح مستهدف ويقوّض حلف شمال الأطلسي. إن منح بوتين المزيد من السلطة على شبكات الطاقة يجعلنا أكثر عرضة لديكتاتوريته، وهذا أمر سيء لنا جميعاً".

وأُنجز خط الأنابيب هذا الشهر، ما يعكس تصميم بوتين على الفوز بالموافقة على المرحلة التالية وضمان بدء تدفق الغاز. ويعتقد المحللون أن الرئيس الروسي تعمّد تقليص الإمدادات الأوروبية لرفع الأسعار بشكل مثير للسخرية، والضغط على المنظمين في برلين وبروكسل كي يمضي قدماً لفتح الصنابير، في تحدٍّ للعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا عام 2014 بعد أن ضمت شبه جزيرة القرم بشكل غير قانوني.

توفر روسيا 40 في المئة من الطاقة لأوروبا وبريطانيا  

ويصف بعض الخبراء المشروع بالسياسي للغاية تدعمه "غازبروم" شركة الطاقة الروسية العملاقة المملوكة للدولة.

وتوفر روسيا حوالى 40 في المئة من الطاقة في بريطانيا والاتحاد الأوروبي، لكن هذا المشروع المكلف ليس له معنى تجاري نظراً إلى وجود قدرة وفيرة من خلال الشبكات الحالية في أوكرانيا وبولندا و"نورد ستريم 1"، الذي أُنجز  عام 2010.

ومع ذلك، فإن المشروع يضع حبل المشنقة حول أوكرانيا، لأنه يتيح لروسيا الالتفاف على الطرق التي تكسب كييف عبرها مبالغ كبيرة كل عام، وحتى قطع جميع الإمدادات في أي صراع مستقبلي من دون الإضرار باقتصادها أو الإضرار بدول صديقة مثل ألمانيا.

إذاً لماذا كانت ألمانيا بقيادة أنغيلا ميركل، التي ستتنحى بعد 16 عاماً كقائدة للبلاد عقب انتخابات الأحد 26 سبتمبر (أيلول) الحالي، تلعب دوراً في مصلحة بوتين؟

تكمن الإجابات في ثلاثة أعضاء رئيسيين في المؤسسة الألمانية الذين لعبوا دوراً محورياً في التقرب من الكرملين: ميركل نفسها وسلفها الديمقراطي الاجتماعي غيرهارد شرودر ورئيس مشروع خط الأنابيب جاسوس ستاسي سابقاً الذي أصبح صديقاً حميماً لبوتين.

شرودر، الذي صار مستشاراً لألمانيا عام 1998، كان حليفاً ليسار الوسط وداعماً لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، وافق في الأصل على المشروع. من الواضح أنه تعرّض للسخرية باعتباره "فتى المهمات" لبوتين من قبل الناشط المعارض الروسي المسجون أليكسي نافالني.

قرب ألمانيا التقليدي من روسيا يعني أنه على الرغم من القمع الداخلي الذي يمارسه بوتين والتدخل الأجنبي، فإن المواقف العامة في برلين تميل إلى أن تكون أكثر إيجابية تجاه جيرانها القريبين منها في معظم الدول الغربية.

ومع ذلك، فإن هذا لا يفسر سبب توقيع شرودر على صفقة "نورد ستريم 2" بعد أيام قليلة من خسارة انتخابات 2005، وبعد ذلك بأسابيع انضم إلى مجلس إدارة الشركة التي تدير المشروع ليصبح في ما بعد رئيسها.

ذهب للاحتفال بعيد ميلاده السبعين في حفل أقيم في سان بطرسبرغ مع بوتين بعد غزو روسيا لشبه جزيرة القرم مباشرة، ثم أصبح رئيساً لشركة "روسنفت"، وهي شركة نفط عملاقة مملوكة للدولة تخضع لعقوبات الاتحاد الأوروبي بسبب صلاتها بضم الجزيرة.

ميركل في فخ بوتين

ورثت ميركل مشكلة "نورد ستريم 2" عندما انتُخبت مستشارة عام 2005، وبعد أن نشأت تحت السيطرة السوفياتية في ألمانيا الشرقية، لم يكن لديها أي أوهام بشأن روسيا. مع ذلك، لطالما كانت ميركل حذرة بالفطرة في الحفاظ على الحوار مع بوتين. وقد أضعفت يدها في خطوة جريئة بشكل غير عادي عندما أمرت بإنهاء إنتاج الطاقة النووية في ألمانيا بعد حادثة المفاعل النووي في فوكوشيما، اليابان، عام 2011.

ومن المقرر أن يتم إغلاق آخر مفاعل نووي في ألمانيا العام المقبل، ما يجعل سكان البلاد البالغ عددهم 83 مليون شخص يعتمدون على الغاز، وكذلك الشركات. البلاد لديها مصادر محدودة للطاقة المتجددة وتواجه حظراً على محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهكذا دخلت ميركل في فخ بوتين بجعل ألمانيا، إلى جانب معظم دول أوروبا الأخرى، تعتمد على إمدادات الطاقة لديه. يقول جورج ميلبرادت، الزعيم السابق لساكسونيا والمبعوث الألماني الخاص لأوكرانيا: "المشروع لا يقلل أبداً من مدى شعبية روسيا في ألمانيا".

أوضح بوتين أجندته التي تتمثل في إعادة تجميع الإمبراطورية الروسية. قال إن أكبر كارثة في القرن العشرين كانت تفكك الاتحاد السوفياتي، وليست الحرب، ومع ذلك يعتقد عدد من الألمان أن هذا لن يحدث إذا تعاونّا.

هناك استياء من موقف برلين تجاه الكرملين بين بعض الحكومات في أوروبا الشرقية. على سبيل المثال، أطلق الوزراء البولنديون على "نورد ستريم 2"، "خط أنابيب مولوتوف-ريبنتروب". هذه إشارة مريرة إلى اتفاقية مولوتوف-ريبنتروب سيئة السمعة التي وقّعتها ألمانيا النازية والاتحاد السوفياتي عام 1939 والتي يعتقد الكثيرون أنها أشعلت الحرب العالمية الثانية وخططت لتقسيم أوروبا إلى منطقتين من النفوذ.

وكان بوتين ألمح من قبل في صراع بلاده مع أوكرانيا، أنه سيستخدم الغاز كسلاح، ويعتقد محللو الصناعة أنه تعمّد تقييد الإمدادات لأوروبا وسط زيادة عالمية في الطلب بعد الوباء، للفوز بموافقة الجهات التنظيمية على "نورد ستريم 2".

المصالح الاقتصادية

ويبدو أن بوتين، كما كان دائماً، يستغل الضعف، إذ تتمتع بريطانيا بمستويات تخزين منخفضة للغاية، بينما لعبت أنماط الطقس غير العادية دوراً في زيادة الطلب على الطاقة في كل مكان، من البرازيل إلى الصين.

ومع ذلك، دافع السياسيون في منطقة مكلنبورغ-فوربومرن الألمانية، موطن "نورد ستريم 2"، عن المشروع. وقالت رينات غوندلاش، وزيرة الطاقة والبنية التحتية والرقمنة الألمانية: "الغرض الرئيس من خط الأنابيب هو تأمين إمدادات الغاز الأوروبية".

ورفضت غوندلاش مخاوف الولايات المتحدة باعتبارها "مدفوعة بالمصالح الاقتصادية البحتة" لتأمين مبيعات صادراتها من الطاقة (التي وصفها دونالد ترمب بحماقة "غاز الحرية") ورفضت التعليق على السلوك الروسي.

وتقول إن أسعار الغاز المرتفعة الحالية في بريطانيا وألمانيا ستنخفض "بمجرد أن يتدفق الغاز إلى أوروبا عبر نورد ستريم 2 ويساعد في تلبية الطلب القوي".

في حين يعتقد المحللون أن هذا قد يحدث بحلول نهاية العام.

ربما ينبغي على ألمانيا أن تتعلّم من الدروس المستفادة من ليتوانيا، التي كانت تعتمد كلياً على الغاز الروسي. وقال روماس سفيداس، وزير الطاقة السابق في دولة البلطيق: "كانت موسكو تسيء استخدام موقعها المهيمن من خلال فرض أسعار أعلى والتهديد بقطع إمداداتنا". وأضاف أن "نورد ستريم 2" سيزيد من الاعتماد الأوروبي على روسيا، وأن الكرملين "سوف يسيء استغلال ذلك حتماً لأهدافه الجيوسياسية".

عند التنزه على طول الواجهة البحرية في لوبمين تحت أشعة الشمس الخريفية، يبدو من الصعب تصديق أنها مصدر لأزمة الطاقة المفاجئة في أوروبا. ومع ذلك، فإن بوتين يستمتع باستغلال الانقسامات في الديمقراطيات أو التحالفات الغربية. الوقت وحده هو الذي سيخبرنا بالتكلفة الحقيقية لقرار ألمانيا بتسليم الكثير من القوة إلى روسيا.

اقرأ المزيد