Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريطانيا تتبوأ صدارة الإحراج عالميا بعد رحيل ترمب

بوريس جونسون مهرج أكل عليه الزمن من بلاد منهكة

بوريس جونسون في مجلس الأمن يرفع لواء مكافحة التغير المناخي ولكن ربما بعد فوات الأوان (رويترز)

 تلك كانت بريطانيا العالمية، متجلية بكل عظمتها المهتزة. بعد خمسة أيام في الولايات المتحدة الأميركية، وبعد محطة في مقر الأمم المتحدة وزيارة إلى البيت الأبيض، قام بوريس جونسون بما يقوم به عادة، وبالطبع إنه الأمر الوحيد الذي يجيده رئيس الوزراء البريطاني، وهو أن يسند ظهره إلى حائط المسرح العالمي ليهدر مخزون ماركته المسجلة من النكات المسيئة، والاستعارات اللغوية المملة، والكذب بسهولة وعلى المفضوح.

لم تكن صورة مشرفة تسهل مشاهدتها. لقد تكررت مثل هذه الزيارات على مر السنين. والعرض المسرحي هو نفسه لا يتغير- الأعلام الوطنية، المكتب البيضاوي، الخلفية الخضراء الرخامية المتقادمة لقاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة - التي تجعل من الصعب تجاهل حقيقة واقعنا المحلي الوطني الصادم.

إنها (قاعة الجمعية العامة) الحيز الخاص جداً حيث ينطق الزعماء الكبار من حين لآخر أو يفعلون ما هو عظيم [يقدمون على خطوات عظيمة]. إنها أيضاً البيئات حيث يحرج صغار الزعماء أنفسهم بسهولة كبيرة. وهذا هو بالضبط ما فعله بوريس جونسون وبالتالي بريطانيا خلال الأيام الماضية. بعد رحيل ترمب، أصبحت بريطانيا الآن مصدر الإحراج الدولي على مستوى العالم. 

ليس من الواضح جداً ما إذا كان أي منا قد صوت لصالح بريكست لأنهم أرادوا أن تستعيد بريطانيا هويتها وأن تخط طريقها في العالم. هذا الجدل، خصوصاً شعارات مثل "الخروج من أوروبا للولوج إلى العالم"، وبعد كل ما جرى، حجج قدامى المشككين بأوروبا التي تعود إلى خمسين سنة مضت، وعبارات يفضلها مشككون بأوروبا من أمثال بيل كاش Bill Cash وجون ريدوود John Redwood ومن لف لفيفهما الكئيب [في حزب المحافظين]. كبير مستشاري رئيس الوزراء السابق دومينيك كامينغز، [وأحد مهندسي حملة الخروج من أوروبا] كان محقاً في اعتبارهم مجانين، وأن الحجج التي يطلقونها (ضد المشروع الأوروبي) لا يمكنها الفوز بالاستفتاء، لذلك ألغى تلك الشعارات واستبدلها كلها بشعارات هي بمثابة قمامة مسيئة عن عمد مثل (خطر) تركيا [إذا انضمت إلى الاتحاد الأوروبي على الهوية البريطانية والأوروبية] و(حصول) خدمة الصحة الوطنية NHS] على تمويل إضافي بعد بريكست]. كل ذلك أصبح فصلاً من التاريخ اليوم بالطبع. 

حقيقة ليس معروفاً تماماً لو كان أي شخص غير بوريس جونسون نفسه يعير أي اهتمام لشخصية [لأداء ودور] بريطانيا العالمية. فعملية بريكست تعد عملاً انعزالياً فريداً لم يسبق لأي دولة أن أقدمت على تنفيذه خلال المئة عام الماضية أو أكثر، إلى درجة أنها اليوم تحولت إلى مهرج في عروض السيرك أمام نظر العالم، ولا يبدو أن ذلك يزعج أي من الذين صوتوا لصالح الخروج من أوروبا.

أما بالنسبة للبقية، وللأسف، فالمعاناة تنتظرنا بشكل من الأشكال. فلو كان لديك أي اهتمام بالسياسة، سيكون صعباً عليك متابعتها بشكل تلقائي، ومتابعة الأحداث، والخطابات، والتقارير التي تجمعها القنوات الإخبارية، لأن في قلبها رجلاً ليس لديه ما يعتد به ليقوله فحسب، بل مصمم بشكل استراتيجي على تقصد عدم قول أي شيء ذو قيمة على الدوام وفي كل الأحوال.

بعد عدة أشهر أو سنوات من عهد الرئيس دونالد ترمب، لم يعد كثير من الناس يكترثون، أو لنقل على الأقل لم يعد يصدمهم الكذب المستمر. هل يهتم أي منا كثيراً ليصدق بوريس جونسون عندما يقول إنه لم يتم التطرق إلى مسألة بروتوكول إيرلندا الشمالية خلال 90 دقيقة من المحادثات مع الرئيس جو بايدن؟ وبعد ذلك مباشرة يقوم البيت الأبيض بنشر الملخص التقليدي read out عما جرى في الاجتماع، ويكشف بشكل قاطع وصريح أن موضوع (إيرلندا الشمالية والبروتوكول) تم التطرق إليه ومناقشته بشكل مطول ومسهب؟ 

هل كان ليكترث أي منا إذا ادعى بوريس جونسون وبكل بساطة أن رئيس الوزراء الهولندي قد تبرع بالتوسط في مفاوضات لحل مسألة بروتوكول إيرلندا الشمالية (بين بريطانيا وأوروبا)، لنعلم لاحقاً أن رئيس الوزراء الهولندي لم يقترح مثل تلك الوساطة إطلاقاً؟ وهل يكترث أي منا ليحصي بعد اليوم عواصف الكذب من الوزن المتوسط التي تطلق فقط من أجل تمرير الساعات التي بقيت من النهار؟   

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أن يفشل بوريس جونسون في أن يتمالك نفسه، أو أنه لا يريد أن يضبط نفسه عن التفوه بعبارات بلغة فرنسية مأنجلزة franglais تعبر عن الخلاف المستمر حول صفقة الغواصات النووية قد لا يكون مهماً. إنه أمر مخجل للغاية بالطبع.

ذلك ليس مجرد نتيجة قبولنا بتبوؤ كاتب عمود منصب رئيس الحكومة. إنه أيضاً ما نحصده نتيجة لوجود كاتب مقال في منصب رئيس للوزراء انتهت صلاحيته. يبلغ بوريس جونسون من العمر 57 سنة. لا ينجح كثيرون من كتاب المقالات في الوصول إلى هذه المرتبة، لسبب ليس أبسط من مجرد أنهم استنفدوا كل أقوالهم ويجدون أنفسهم مفلسين ولا يملكون شيئاً يسطرونه عن زمن فشلوا في مواكبته.

"أعطني فرصة" Donnez-moi un break، عبارة قالها جونسون بغبطة للرئيس إيمانويل ماكرون، وربما كان لتلك العبارة وقع مرح عندما قالها في مقال له في صحيفة "دايلي تيلغراف" عام 1994. مارغوري (اللفظ الفرنسي لاسم مارغريت في إشارة إلى مارغريت تاتشر) وميجور (رئيس الحكومة الذي خلف تاتشر) ربما كانا قد ابتسما عند قراءتها خلال تناولهما فطورهما المكون من الخبز والمربى في حينه، في عالم لم يعد موجوداً حالياً.

بالنسبة إلى البعض منا المرغمين على متابعة مثل هذه الأمور، إن الأمر مؤلم لأن النفاق لا ينطلي عليك. لقد كان بوريس جونسون يكتب نافياً الاعتراف بوجود أي تغيرات مناخية في مقالاته حتى عام 2015. واليوم ها هو، يقف أمام العالم ليقول إن على هذا العالم أن يتغير بعباراته المسرحية المتعبة. لقد بلغت الإنسانية سن المراهقة، وعثرت على مفتاح خزانة المشروبات الكحولية... "كيرميت" الضفدع (في سلسلة الرسوم المتحركة) Kermit the Frog  كان على خطأ. فمن السهل أن يكون المرء أخضر أو مؤيداً لحماية البيئة (والضفدع "كيرميت" لونه أخضر).     

فالمسؤول الحكومي الدولي هذا (أي جونسون)، وبعد التفكير، لم يجد سوى الصوت [أسلوب الكلام] الذي بإمكانه الاعتماد عليه لانقاذه وهو الصوت الطفولي لكاتب العمود الصحافي القادر على إطلاق النكات الرخيصة أمام عالم غير مهتم للغاية بمزاحه.

الناس ليسوا أغبياء. فهم ينصتون إلى السياسيين، وإلى الزعماء، عندما يعلمون أن لدى هؤلاء ما يقولونه. فلماذا إذا عليهم تكبد عناء الالتفات ولو لبرهة من الوقت عن مشاغلهم الحياتية للاستماع إلى التفاهات الحماسية المرهقة التي يطلقها شخص اعتنق حديثاً قضية التغير المناخي، وكان (حتى الأمس القريب) ينكر الأدلة العلمية الواضحة عن كل ذلك على مدى الأعوام العشرين الماضية، ولدى مواجهته بالحقائق حولها، كان يختار أي كذبة تنفع ليطلقها في حينه.

والطامة الكبرى هنا، هي أننا نحن فقط المضطرين للإنصات إلى كل تلك الأمور، وتنقيبها من أجل كشف المغزى منها، وتحليل ما هو مفيد منها أو ما قد يكون له معنى انتخابي (محتمل). بقية العالم غير مهتم ببساطة.

لم تكن الأمور على هذا المنوال دائماً. توني بلير، وغوردون براون، ومارغريت تاتشر كل هؤلاء كانت لهم مشاركات مفيدة على المسرح العالمي عند المنعطفات الحاسمة في تاريخه، ولم يكن ما قدموه بالضرورة مفيداً لتحقيق الأفضل دوماً. لقد نجح جونسون بتغيير بلده بنسبة أكبر مما فعله من سبقوه. لكن التداعيات الدولية لما أقدم عليه (جونسون) ماثلة أمامنا جميعاً لنراها بوضوح، وهي تداعيات فصلت على قياسنا. لذلك جونسون هو ربما الرجل المناسب لهذه المرحلة. (جونسون) مهرج أكل عليه الزمن وصل من أرض فتك بها المرض، وهو نسخة مضجرة أعيد انتاجها من بلد قرر أنه خائف للغاية من المستقبل إلى درجة الانكفاء عن المشاركة والتأثير فيه.

© The Independent

المزيد من آراء