إنها الدكتورة نادية تشودري، الكندية المتخصصة في علم الأعصاب. في مطلع الشهر الحالي، بلغ عدد متابعي حسابها على "تويتر" مئة ألف مستخدم. وفي هذه المناسبة، باحت لهم جميعاً بأنها تصارع سكرات الموت.
وفي هذا الصدد، جاء في تغريدة كتبتها تشودري ،"الآن، بعدما جمع حسابي (على تويتر) مئة ألف متابع، أريد أن أتحدث عن سرطان المبيض #OvarianCancer. أريد أن أقص لكم حكايتي أنا بالذات بكل ما تحمله من واقعية وشجاعة".
إن الدكتورة تشودري، (44 سنة)، بروفيسورة في علم النفس في "جامعة كونكورديا" في مونتريال بكندا. إنها أيضاً مريضة سرطان في مراحله الأخيرة. وترقد في مستشفى كندي حيث تتلقى رعاية طبية مخففة للألم لسرطان المبيض الغشائي العالي الدرجة والمقاوم للبلاتين. بعبارات أبسط، وعلى حد تعبيرها، لن تعود إلى المنزل أبداً.
في المقابل، لن تغادر الدكتورة تشودري هذه الدنيا بصمت وهدوء. وخلافاً لذلك، استفادت من "قصتها الواقعية والجريئة" كي توجه تحذيراً عاجلاً إلى بنات جنسها، قوامه "اعرفن أجسادكن". ولقد منعها السرطان الذي يفتك بها من إجراء مقابلات صحافية. وعلى "تويتر"، قدمت البرفيسورة سرداً مفصلاً مجبولاً بالألم لكل ما تكابده. ووفق كلماتها، تهدف تشودري "إلى التوعية. آمل أن تجدن هذا السرد من المعلومات".
وتفيد الدكتورة أنها بدأت تشعر بالمرض للمرة الأولى في يناير (كانون الثاني) 2020. آنذاك، "كنتُ متعبة، وعانيتُ آلاماً في البطن مجهولة الأسباب، وأوجاعاً شديدة في أسفل الظهر، فضلاً عن زيادة طفيفة في معدل التبول"، بحسب ما دونته على "تويتر".
جاء تشخيص طبيبها أنها مصابة بالتهابات في المسالك البولية، وكتب لها علاجاً بمضادات حيوية وملينات معوية. ولبعض الوقت، بدا أن حالتها تتحسن، لكن في منتصف فبراير (شباط) من العام نفسه، عادت أعراضها إلى الظهور مجدداً. ومرة أخرى، وصف طبيبها لها مزيداً من المضادات الحيوية.
وكتبت الدكتور تشودري، "يجيء مارس (آذار)، وتضرب جائحة كورونا العالم. في تلك المرحلة، صار بطني منتفخاً، والألم الذي ينتابني متوسط في حدته. تغيرت حركة أمعائي أيضاً، لذا استمريت في تناول الملينات المعوية. لم أستطع أن أزور طبيبي بسبب الجائحة. نال التعب الشديد مني، لكني ألقيت باللائمة على الجائحة". في أبريل (نيسان)، وصف لها الطبيب علاجاً آخر قوامه مضادات حيوية. طوال ذلك الوقت، بحسب البروفيسورة، لم تكن أعراضها مطابقة لأعراض التهابات المسالك البولية، لكن طبيبها بقي على اقتناعه بأنها تعاني تلك المشكلة الصحية.
في تلك الأثناء، خضعت الدكتورة تشودري لفحصين بالموجات فوق الصوتية لداخل المهبل، ثم عرضت الفحص الثاني على أحد عمومتها، وهو طبيب أمراض نسائية. بناء عليه، أوصى بإخضاعها لتحليل دم يكشف عن مستوى الـ"سي أي 125" (CA 125 بروتين موجود في الدم يمكن أن تنتجه خلايا سرطان المبيض) لديها، فضلاً عن تحليل مستوى بروتين المستضد السرطاني الجنيني "سي إي أي" CEA و"سي آي 19" CA19، علماً أن هاتين العلامتين تؤشران إلى الإصابة بالسرطان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في النتيجة، تبين أن بروتين الـ"سي أي 125" في دمها يساوي تقريباً 26 ضعف المستوى الطبيعي. في اليوم التالي، زارت الدكتورة تشودري عيادة أحد كبار أطباء أمراض النساء في مونتريال، حيث خضعت لفحص آخر بالموجات فوق الصوتية. تتذكر البروفيسورة، "بعد أربعة أيام التقيت الدكتورة النسائية في العيادة. أخبرتني أن 24 من بين 25 طبيباً في مجلس الأورام اعتبروا أنني مصابة بسرطان." في 10 يونيو (حزيران)، وبعد مرور ستة أشهر على شعورها الأول بالمرض، خضعت الدكتورة تشودري لما يسمى علمياً "استكشافاً للبطن"، جراحة كبيرة في البطن بغية التحقق من وجود سرطان. كتبت البروفيسورة مسترجعة تلك التجربة، "أحدثوا شقاً في بطني بدءاً من عظم القص الصدري إلى عظم العانة. إنني مصابة بالسرطان لا ريب في ذلك".
بعد مضي أربعة أسابيع على جراحة البطن، بدأت الدكتورة تشودري العلاج الكيماوي. طوال أشهر، بدا أنها تتحسن. ثم، في ديسمبر (أيلول)، أخذ معدل بروتين الـ"سي أي" في دمها يرتفع مجدداً.
وأضافت البروفيسورة، "ببطء راح يزداد (معدل الـ"سي أي" الذي يتواجد بكميات كبيرة لدى مريضات سرطان المبيض). وبالنظر إلى أن ذلك بدأ يحدث في غضون ستة أشهر من انتهاء العلاج الكيماوي، فمعنى ذلك أن السرطان الذي أعانيه يسمى "سرطان المبيض المقاوم للبلاتين". لقد تعلم السرطان أن يتملص من العلاج الكيماوي البلاتيني".
ساءت الأمور في تلك المرحلة. أصيبت الدكتورة بانسداد في الأمعاء، ما أدى إلى استبعادها من تجربة سريرية عن أحد الأدوية كانت مشاركة فيها. جربت عقاراً آخر لم يجدِ نفعاً، ثم لجأت إلى دواء آخر نجح في البداية بيد أن مفعوله توقف لاحقاً. شرعت خياراتها في النفاد. وفي تاريخ 13 سبتمبر، كتبت الدكتورة تشودري متابعة سرد قصتها مع سرطان المبيض، "في الفترة الممتدة بين مارس والآن، كابدت حالات لا تعد ولا تحصى من الانسداد في الأمعاء. وما زال الانسداد الأخير على حاله من دون علاج. لذا، انتقلت إلى مرحلة الرعاية الطبية التلطيفية المخففة للألم. أجدني عاجزة عن قضاء حاجتي أو إخراج الغازات. لا أستطيع أن أتناول أي طعام. منذ أسبوعين، أتغذى بالسوائل من طريق الوريد".
عند هذه المرحلة، لم يعد هم الدكتورة تشودري أن "تتغلب" على السرطان. وفي المقابل، لا يعني ذلك أنها خسرت المعركة، بحسب رأيها، بل ببساطة، إن العلاجات قد أخفقت في أن ترد لها عافيتها.
للأسف، تعتقد الدكتورة تشودري أن الحالة الميؤوس منها التي وصلت إليها تعزى في جزء منها إلى كمية الوقت الضائع بين الشعور بالأعراض الأولى وتشخيص إصابتها بالسرطان. وتشير إلى أنه لا بد من تعزيز المعرفة في هذا الشأن، سواء بين صفوف الأطباء أو المرضى من الإناث على حد سواء. وكتبت البروفيسورة، "خلاصة القول أن بحوث سرطان المبيض تعاني نقصاً في التمويل. يلزمنا أيضاً وعي أكبر بشأن الأعراض لأنه بفضل الاكتشاف المبكر تتحسن كثيراً التوقعات المتعلقة بسير المرض".
على مقدار بساطته، يتسم تحذير الدكتور تشودري بأنه ملح وعاجل. وبحسب كلماتها "اعرفن أجسادكن. تنبهن إلى علامات التعب والتغيرات التي تطرأ على حركات الأمعاء أو المسالك البولية. تأكدن من أنكن تفهمن كل الكلمات الواردة في التقرير الطبي. لا تتجاهلن آلامكن أو شعوركن بتوعك. اقصدن أطباء ذوي خبرة". بالنسبة إليها، ترى الدكتورة تشودري أن رحلتها الأخيرة تبعث الخوف في نفسها، لكنها في الوقت نفسه "تفيض بريقاً وحباً". لقد أمضت البروفيسورة وقتاً ثميناً مع زوجها وابنها، وهو في السنة المدرسية الأولى، وكذلك "الأصدقاء وثلة من الداعمين الذين ساندوني حينما غمرتني أحزاني".
"سأحتفي بحياتي الجديدة وأرحب بالجميع على مائدتي في الغابة (في الجنة). لست خائفة"، وفق كلمات البروفيسورة نادية تشودري.
© The Independent