Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الإفراط في وصف الأدوية نتيجة المشاكل الاجتماعية وليس الصحية

نشرت أرقام جديدة وصادمة عن الزيادة السريعة في وصف الأدوية خلال السنوات القليلة الماضية. يحتاج الأطباء العامون إلى طريقة للحصول على العلاجات والموارد البديلة في الوقت المناسب، وليس للأدوية والعقاقير فحسب

"لا يجد ثلث الأشخاص أي فائدة علاجية لهذه الأدوية" (غيتي)

لا شك في أن الطب الحديث غير صحتنا وحسن حياة الملايين من الناس في المملكة المتحدة. وقد أضيفت عقود من الزمن إلى أعمارنا المتوقعة خلال القرن الماضي، ويعزا ذلك إلى حد كبير إلى الأدوية المستخدمة في معالجة أمراض الشريان التاجي والسرطان. لكن هناك مشكلة في الارتفاع السريع لوصف الأدوية خلال السنوات الأخيرة، وهذا ما يشير إليه تقرير حكومي جديد.  

تظهر في التقرير أرقام صاعقة ومقلقة. إذ يقدر أن 10 في المئة من الأدوية التي توصف في مرحلة الرعاية الأولية غير ضرورية. قد لا يبدو معدل عشرة في المئة معدلاً كبيراً لكن إن أخذنا في الاعتبار إصدار ملايين الوصفات الطبية كل عام، نجد أن الهدر والكلفة يبلغان الملايين. لكن الموضوع يتخطى الهدر الاقتصادي، فكل دواء تتلازم فيه المخاطر والمنافع. وهو ما يوضحه التقرير. ويشير كاتبوه إلى أن 20 في المئة من كافة حالات الإدخال إلى المستشفيات بالنسبة للفئة العمرية 65 فما فوق تعود إلى الآثار السلبية لوصف الأدوية. وهذا لا يقتل بعض هؤلاء الأشخاص الأكبر سناً فحسب، بل يترك لدى كثيرين منهم مشاكل صحية إضافية يضطرون لتحملها ما تبقى من حياتهم.

جميعنا واعون بالضغط الذي تنوء تحته المستشفيات بسبب الجائحة وقدرة استيعابها المحدودة، ولذلك فإن إدخال عدد كبير من الأشخاص إليها لعوامل يمكن تفاديها هو مشكلة يمكن تفاديها كذلك.

يعود جزء من الإفراط في وصف الأدوية إلى إعطاء عقاقير لعلاج آثار الأدوية التي يتناولها المريض أساساً. كل الأدوية تتفاعل مع بعضها البعض، وفيما تكون بعض هذه التفاعلات خفيفة أو تمر مرور الكرام، يؤدي بعضها الآخر إلى ضرر كبير قد يصل إلى حد الوفاة. 

لن يتفاجأ الأشخاص الذين يعملون في وصف وإعطاء الأدوية بهذا الخبر، وكما هو الحال بالنسبة لمعظم جوانب الرعاية الصحية، تدخل عدة عوامل في هذا الموضوع. وأحد هذه العوامل هو الثقافة، إذ يشير التقرير إلى "ثقافة رعاية صحية تفضل الأدوية على العلاجات البديلة ويعاني بعض المرضى فيها لكي يسمع صوتهم". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يبدو الحل بسيطاً إذن، وفروا بدائل الأدوية والعقاقير حيثما أمكن. تتناهى إلي أصوات صراخ الأطباء العامين وغيرهم في كل البلاد عندما يسمعون هذه الجملة، إذ يسعدهم أن يوفروا خيارات بديلة للمرضى لكن ليس لديهم منفذ إلى هذه البدائل بكل بساطة، أو أنهم لا يستطيعون الحصول عليها في الوقت المناسب. وأحد الأمثلة في هذا الإطار هو "العلاجات الكلامية" المستخدمة في علاج الاكتئاب والقلق المرضي، وهما من أكثر المشاكل النفسية شيوعاً ويؤثران على الملايين كل عام في المملكة المتحدة. 

والمشكلة هي أنه على الرغم من وجود أدلة تؤكد فعالية هذه العلاجات، ينتظر الناس أشهراً أو سنوات أحياناً قبل أن يتمكنوا من الوصول إلى معالجين متمرسين. وفي هذه الأثناء، يبقى الأطباء العامون أمام مرضى يعانون، فلا يكون لديهم أي خيار سوى وصف الأدوية المضادة للاكتئاب أو القلق لكي توفر لهم بعض الراحة فيما ينتظرون الحصول على العلاج. وتحمل هذه الأودية مخاطر خاصة بها، إضافة إلى منافعها. وفقاً للتقرير الجديد، لا يجد ثلث الأشخاص أي فائدة على صعيد حالتهم النفسية بسبب هذه الأدوية. 

وتشكل مضادات الاكتئاب مثلاً جيداً لمعضلة أخرى يثيرها التقرير وهي مراجعة الأدوية الموصوفة. وتظهر الدراسة أن ثلاثة أرباع الأدوية التي توصف هي وصفات مكررة، ولا ضير في هذا إن كانت هذه الوصفات تخضع لمراجعة دورية، لكن المشكلة هي أن عدم مراجعة بعضها. وبالتالي، يتناول العديد من المرضى أدوية ما عادوا بحاجتها. والسبب وراء الجزء الأكبر من هذه المشكلة هو ضغط الوقت إذ لا يملك كثير من الأطباء وقتاً كافياً لمراجعة الوصفات القديمة والتشاور مع الأشخاص بشأنها.

ومثل كثير من المسائل التي تمس الصحة، هناك توزيع غير متكافئ للغاية في موضوع الإفراط في وصف الأدوية. فقد وجدت الدراسة أن احتمال وصف دواءين أو أكثر يتضاعف ثلاث مرات تقريباً بالنسبة لمن يسكنون في أكثر المناطق حرماناً مقارنة بالمناطق الأكثر رخاء. ويلمح التقرير كذلك إلى أن عامل العرق يلعب دوراً في هذه المسألة كذلك، إذ يرجح أن يعطى الأشخاص الذين ينتمون إلى العرق الآسيوي، أكثر بكثير من أقرانهم البيض، ثمانية أدوية أو ما يزيد على ذلك.

وهنا بيت القصيد، إن المغالاة في وصف الأدوية هي نتيجة مشاكل اجتماعية وليس صحية. يواجه الأطباء أعداداً متزايدة من المرضى الذين يعيشون في حالة من الفقر والعطالة عن العمل ويقيمون في مساكن دون المستوى المطلوب ولا أمل لديهم في تغيير أي من هذه الأوضاع. أما الذين يصفون الدواء، فعاجزون مثل المرضى عن تغيير هذه العوامل أو السيطرة عليها. ليس من المفاجئ إذن أنهم يلجؤون إلى التصرف الإنساني عندما يتناولون دفتر الوصفات الطبية.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من صحة