Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل البرلمان العراقي العتيد سيولد تحت عباءة العشائر؟

يرى البعض أن المرشح الفائز لن يعمل إلا ضمن دائرته الانتخابية كي يضمن مقعده في الاستحقاق المقبل

جانب من الحملة الانتخابية لأحد شيوخ العشائر المرشحين للبرلمان في العراق (صفحة المرشح على فيسبوك)

في كل استحقاق انتخابي نيابي في العراق، يبحث المرشحون عن الدعم العشائري بهدف الحصول على مقعد نيابي، حيث أسهمت بعض العشائر في نجاح مرشحين في الدورات الانتخابية السابقة. ويُعد الإسناد العشائري شكلاً من أشكال الدعم الانتخابي، لكن ما يميز الانتخابات التي يُفترض إجراؤها في 10 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، هو القانون الجديد الذي يعتمد على الدوائر الانتخابية لأول مرة منذ تأسيس العملية السياسية في العراق.

وعزز القانون الجديد حظوظ مرشحي بعض العشائر في الفوز، إذ إن تركز بعض المجموعات التابعة لعشيرة المرشح في منطقة أو عدة مناطق ضمن الدائرة الواحدة، يسهم في دعم هذا المرشح بهدف تمثيلهم في البرلمان الجديد. وما يشكل حدثاً جديداً في العراق، هو أن المرشح الفائز لن يخدم إلا المناطق التابعة لدائرته الانتخابية لكي يضمن فوزه في الانتخابات المقبلة، ما يعزز العشائرية والمناطقية والمذهبية على حساب الممارسة الديمقراطية بحرية اختيار المرشحين. 

والعشيرة ككيان اجتماعي هي جزء أساسي من المجتمع العراقي، تمارس مهماتها وفق الأعراف والعادات والتقاليد التي تتناقلها عبر الأجيال وتحكمها قوانين خاصة بها، ودخلت المعترك السياسي من خلال ترشيح أو دعم جهات سياسية معينة.

التخندق العشائري والطائفي والإثني

يقول عضو "ائتلاف النصر" (يتزعمه رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي)، حمزة الحردان، إن "قانون الانتخابات الجديد الذي اعتمد تقسيم المحافظات والمناطق إلى دوائر متعددة عزز التخندق العشائري والطائفي والإثني وللأسف سنشهد تمثيلاً نيابياً مناطقياً يبحث عن الخدمات لمناطقه، ويتحول دور البرلماني من تشريعي رقابي إلى دور عملي وتنفيذي من أجل الحفاظ على الجمهور والمقعد في الدورات الانتخابية المقبلة".
وأكد الحردان أن "ذلك لا يعبر عن الدور الحقيقي لمجلس النواب والعملية الديمقراطية والغاية من وجود مجلس رقابي تشريعي والذي سيتحول إلى مجلس أشبه بالمجالس البلدية أو المحلية، ويعزز الانقسامات المجتمعية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


يكرس طائفية جديدة

بدوره، أشار الباحث السياسي، علي البيدر إلى أن "افتقار التجربة السياسية والديمقراطية إلى النضج، دفع الأحزاب السياسية إلى استخدام أساليب الشحن الطائفي". وأضاف "كانت القوى السياسية تعول في السابق على مفاهيم طائفية تتعلق بالمذهب أو القومية، أما اليوم وبعدما أصبح الشارع العراقي يمتلك كثيراً من الوعي، فصارت تستخدم عناوين جديدة ومنها المناطقية أو العشائرية بسبب انحسار مساحة المنافسة وطبيعة قانون الانتخابات".

يرأى البيدر أن "توجه دفع العشائر إلى تقديم مرشحيها كجزء من مشروع عشائري، سيخلق حالة من الصراع العشائري. وقد يكون ممثلو الدوائر الانتخابية هم ممثلو العشائر وليسوا ممثلي النسبة الدستورية الخاصة بالجانب النيابي".

ولفت البيدر إلى أن ذلك "يكرس لطائفية جديدة يمكن أن تحول الصراع من صراع سياسي إلى صراع اجتماعي قد يعصف بالمجتمع العراقي ويزيد من أزماته".

شرخ اجتماعي

في المقابل، نوه الباحث السياسي، واثق الجابري، بأن "طبيعة القانون الانتخابي أتاحت للمرشحين الاعتماد على العشائر في كثير من المناطق الريفية، فطرحت كل عشيرة مرشحاً ومن المؤكد أنها تدعمه بغض النظر عن الكفاءة والنزاهة. وهذا مدعاة للعودة إلى العصبية وتنافس بين العشائر".

وتابع الجابري أن هذا الوضع سيؤدي بل تأكيد إلى إحداث شرخ اجتماعي، في حين أن الترشح على أساس العشيرة ينطوي على ما يخالف مفهوم الترشيح "لأن المرشح لا يمثل دائرته بعد الفوز، بل يُفترض أن يكون لكل العراق. ولكن القانون أتاح التقسيم العشائري والمناطقي والقومي والطائفي، وبذلك سيكون عمل النائب كأنه دور محلي لا وطني. ويبتعد عن الديمقراطية باعتبار القوى السياسية مشكلة من كتل لا مناطق أو عشائر".
 


القبلية والعشائرية من سمات المجتمع العراقي 

من جهة أخرى، أشار الباحث السياسي نبيل جبار العلي، إلى "طبيعة المجتمع العراقي التي تُعد القبلية والعشائرية إحدى سماته البارزة، وفي ظل هذه الحال، يصبح ركون المرشحين إلى عشائرهم أمراً طبيعياً وغير مستغرب إطلاقاً خصوصاً في المناطق الريفية، وحتى في المناطق الحضرية التي تغيرت ديموغرافيتها وأصبحت الثقافات والأعراف الريفية هي السائدة فيها". 

أما عن تأثير هذا السلوك على المبادئ الديمقراطية وقيمها، فصرح العلي بأن "الديمقراطية أو مبادئها لا تتعارض مع اختيار الناخبين وطبيعة ذلك الاختيار مهما كان، لكنها تفترض أن خيارات الناخبين ستتغير في المستقبل تبعاً لمصالحهم وأثر اختياراتهم السابقة على واقعهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي". 

وعبر العلي عن اعتقاده بأن "تطور السلوك الاجتماعي نحو التوجه إلى اختيار مرشحين بالاعتماد على انتمائهم القبلي أو العشائري هو أفضل بكثير من التوجه للانتخاب على الأساس المذهبي"، واصفاً إياها بـ"الخطوة المتقدمة في الوعي والتطور الديمقراطي". 

وأقر العلي بأن "الانتخاب على مستوى القبيلة أو العشيرة يبقى نوعاً من التمثيل السياسي والاجتماعي، ويحقق جزءاً من أهداف الانتخابات على الرغم من السلبيات المحتملة نتيجة تفكك المجتمع وانقسامه وتصارعه أحياناً نتيجة هذا السلوك".

تقوية الأرضيات المشتركة بين أفراد المجتمع

إلا أن الأستاذة الجامعية والباحثة فينوس سليمان، ترى أن "بناء سلام إيجابي ومستدام يتطلب بشكل أساسي بناء وتقوية الأرضيات المشتركة بين أفراد المجتمع مع احترام خصوصياتهم وهذا المعيار ممكن ترجمته ضمن واقعنا المحلي ونحن ندخل مرحلة الانتخابات النيابية في العراق، من خلال التأكيد على الانتماء الوطني كقيمة عليا وقاعدة مشتركة ينتمي إليها الجميع بعيداً عن كل ما من شأنه أن يوضح خطوط الاختلاف ويعمقها بطريقة سلبية".

وأكدت سليمان أنه "من هذا المنطلق يصبح الترشيح أو الانتخاب على أساس الطائفة أو الدين أو العشيرة أو أي مسمى آخر ينتمي إلى الجزء ولا يضع الوطن كقيمة عليا، ما هو إلا تكرار لكل التجارب السابقة التي كانت عواقبها سنين من التأخر واللاسلام واللاتنمية".
وتابعت "الجانب الإيجابي  الوحيد في الموضوع هو أنه من خلال طريقة الترشيح، يمكن تمييز المرشح الوطني الذي لديه أهداف باتجاه بناء وطن موحد حر وقوي، من المرشحين الذين لا يزالون يدورون ضمن أفلاك الطائفة والتحزب والعنصرية وبالتالي تصبح الصورة واضحة للناخب. وقد تختلف أهدافنا عندما تكون مرتبطة بالخصوصيات والجزئيات، بينما يتفق الجميع عندما تصبح أهدافنا مرتبطة بالوطن كقاعدة مشتركة ينتمي إليها الجميع".

المزيد من العالم العربي