Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لم تشعر بريطانيا بعد بالقوة الكاملة للغضب الفرنسي

تحس باريس بالخديعة بعد صفقة الغواصات والمعاهدة الدفاعية والأمنية مع أستراليا وأميركا اللتين تشكلان محور نقمتها المباشرة حتى الآن

شعر سكوت موريسون وجو بايدن وبوريس جونسون (من اليسار إلى اليمين) بغضب فرنسا بعد إعلان اتفاق "أوكوس" (غيتي)

"يشكو المرء الطعام الرديء في مطعم إلى المدير والطاهي، وليس إلى غاسل الأطباق". ردد مسؤول فرنسي تلك الكلمات في معرض إجابته عن سؤال حول عدم سحب سفير بلاده من لندن، على عكس ما فعلته مع سفيريها لدى الولايات المتحدة وأستراليا، عقب توقيع اتفاق "أوكوس".

استطراداً، لم تشعر بريطانيا بعد بالقوة الكاملة للغضب الفرنسي بعد الاتفاق حول الغواصات النووية الذي كبد باريس خسارة كبرى صبت في مصلحة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وكذلك تتهم الدبلوماسية البريطانية المخاتلة بممارسة "الانتهازية المعتادة" وأداء دور "المعرقل". في المقابل، يبدو أن فرنسا تستهدف إظهار رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وحكومته بمظهر اللاعبين الثانويين في الاتفاق، إلى درجة أنهما لا يستحقان حتى مجرد انتقام مناسب. وكذلك استهدف القدح الذي أطلقه جان إيف لودريان، وزير الخارجية الفرنسي، بقوله "لقد حصلت كذبة، لقد حصل خداع، لقد حصل خرق كبير للثقة، لقد حصل احتقار، لذلك فالأمور ليست على ما يرام بيننا"، استهدف في شكل رئيس واشنطن وكانبيرا.

وثمة سبب مبرر وراء ذلك. إذ لم يكن من المستطاع بناء أسطول الغواصات النووية لمصلحة أستراليا، لو لم توافق الولايات المتحدة على نقل التكنولوجيا [المتعلقة بالمحركات التي تعمل بالطاقة النووية]. واقتصر دور المملكة المتحدة، عموماً، على تسهيل الصفقة.

وفي ذلك الصدد، ألغت فرنسا اجتماعاً هذا الأسبوع بين وزيري الدفاع في البلدين، فلورانس بارلي وبن والاس، فيما راج أن الاجتماع أجل ولم يلغ نهائياً، والتعاون العسكري الفرنسي البريطاني سيستمر.

وفي الأقل، يبدي البريطانيون حذراً في العلن، فلا يفاخرون بقضية الغواصات. إذ أورد والاس أنه يتعاطف تماماً مع الإحباط الفرنسي إزاء ما حصل. وأعلن جونسون، أثناء انتقاله جواً إلى نيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن "حبنا لفرنسا لا يمكن القضاء عليه. وليس اتفاق "أوكوس" شيئاً يوجب قلق أي أحد حياله، لا سيما أصدقاءنا الفرنسيين".

ثمة أطراف أخرى شكلت محور الغضب الفرنسي المباشر حتى الآن. فقد أثيرت مزاعم غاضبة بالخداع في وجه الأستراليين الذين وقعوا في 2016 اتفاقاً يبني بموجبها الفرنسيون غواصات تعمل بالديزل وتبلغ قيمتها 90 مليار دولار أسترالي (65 مليار دولار أميركي) ثم أبطلوها. وفي يونيو (حزيران)، أفاد رئيس الوزراء الأسترالي، سكوت موريسون، حين استضافه (الرئيس الفرنسي) إيمانويل ماكرون في باريس، إنه يتطلع إلى صفقات مماثلة. وقبل أسبوعين، أصدر وزيرا الخارجية والدفاع الأستراليان بياناً أكدا فيه أن الاتفاق في شأن الغواصات لا يزال مستمراً.

 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستطراداً، يستمر الأخذ والرد في شأن المدة التي استغرقها الاحتيال المفترض. فقد ذكر جان بيار تيبو، السفير الفرنسي في أستراليا، أنه "حيكت هذه المؤامرة لـ18 شهراً، إذ كنا في الوقت نفسه منهمكين في تطبيق البرنامج. فيما وجد هناك مشروع آخر تماماً". وفي لندن، ذكر والاس [وزير الدفاع] ومستشار الأمن القومي، السير ستيفن لافغروف، أن "أوكوس" وصفقة الغواصات النووية أثيرا للمرة الأولى في مارس (آذار) ثم سارا بسرعة كبيرة.

وأياً كانت الحالة، تفيد الحكومة الفرنسية بأنها لم تكتشف ما يجري حتى قبل ساعة من إعلان جو بايدن وجونسون وموريسون الاتفاق. وذكر تيبو أن هذا الاكتشاف نفسه لم يحصل إلا "بفضل الصحافة. وبذا، يمكنكم أن تتخيلوا غضبنا. لقد شعرنا بأننا خدعنا".

وبالتالي، يثير ذلك الأمر أسئلة واضحة حول قدرة الخدمات الدبلوماسية والاستخبارية الفرنسية على جمع المعلومات. وربما لم يكن ماكرون راضياً عن وزارة الخارجية والمديرية العامة للأمن الخارجي، الأمر الذي قد يفسر جزئياً مستوى غضبه.

وفي ذلك الصدد، ذكر موريسون أنه أثار قبل أشهر كثيرة "مسائل" تتعلق بالعقد الفرنسي الذي عانى مشاكل بالفعل. ولا يتطابق ذلك مع القول للفرنسيين بأن أستراليا شرعت في مشروع آخر. وكذلك أصر جونسون أيضاً على أنه أخبر ماكرون عن "أوكوس" قبل الإعلان الرسمي عنه.

قد يتخذ الانتقام الفرنسي من أستراليا سبلاً عدة من بينها مفاوضاتها الجارية مع الاتحاد الأوروبي. وقد جرت 11 جولة من المحادثات بالفعل، لكن كليمان بون، الوزير الفرنسي للشؤون الأوروبية، أعلن أن تقدمها لم يعد ممكناً الآن. وكذلك نقل بون إلى موقع "بوليتيكو" الإلكتروني أنه "من غير المتصور المضي في محادثات تجارية كأن شيئاً لم يكن مع بلد لم نعد نثق فيه".

من جهة أخرى، فإن وقف الاتفاقات التجارية ليس بالأمر الجديد على الفرنسيين، حينما لا تتناسب مع مصلحتهم. ففي 2016، عطل (الرئيس الفرنسي السابق) فرنسوا هولاند "الشراكة التجارية والاستثمارية العابرة للمحيط الأطلسي"، في حين أبدى ماكرون نفوراً من اتفاق قيد التفاوض مع بلدان السوق المشتركة في أميركا اللاتينية (اتفاق ميركوسور).

وتذكيراً، شكلت الإدارة الأميركية الطرف الذي أثار أكبر قدر من الذهول في صفوف الفرنسيين، وكذلك في الاتحاد الأوروبي الذي فرغ للتو من كشف استراتيجيته الخاصة في منطقة المحيطين الهندي والهادي. ومن أسباب هذا الذهول، وجود توقع بأن التعددية التي وعد بها بايدن، بعد السنوات المضطربة والسامة لعهد (الرئيس الأميركي السابق) دونالد ترمب، ستعني عودة إلى الثقة والعمل الجماعي مع الحلفاء.

فقد أثار الانسحاب الفوضوي الذي نفذه بايدن من أفغانستان، بقليل من التشاور مع الحلفاء، قلقاً عميقاً، ودفعت المؤامرة الخاصة بالغواصات بكثيرين إلى الاعتقاد بأن أموراً كثيرة لم تتغير منذ سنوات ترمب. واندرج جيرار أرو، السفير الفرنسي السابق إلى واشنطن، بين الذين شعروا بالخذلان. وقد استنتج بمرارة، "لقد داست الولايات المتحدة عمداً المصلحة المهمة لأحد الحلفاء. كان يمكنها دعوة فرنسا للانضمام إلى المشروع أو عرض نوع من التعويض عليها. إنها لم تبد أي اهتمام".

وعلى عكس البريطانيين، بدا الأميركيون غير مهتمين بالمشاعر الفرنسية المجروحة أو حتى غير متنبهين إليها. فحين ظهرت رئيسة مجلس النواب الأميركي، الديمقراطية نانسي بيلوسي، في (المؤسسة البحثية) "تشاتام هاوس" بلندن، لم تر سوى إشكالية بسيطة حول ما حصل. وزعم مسؤولون أميركيون أن الفرنسيين قد أطلعوا في شكل كامل ومستمر على "أوكوس"، لكن هؤلاء المسؤولين أجبروا لاحقاً على التراجع. وفي المقابل، زعم بعض المسؤولين الفرنسيين أن إدارة بايدن نفت بوضوح وجود خطة من هذا النوع قيد النظر.

هناك، بالطبع، بلد آخر ما كان قيض لكل ما جرى أن يجري من دونه. إذ جرى إطلاق تحالف "أوكوس" من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، مع تجنب متعمد لذكر الصين. أكثر من ذلك، ذكر مسؤولون بريطانيون بارزون تحدثوا إلى الصحافة، أن الصين لم تكن عاملاً في حصول أستراليا على أسطول من الغواصات العاملة بالطاقة النووية. لكن مما يثير الذعر هو الموقف العدواني بلا هوادة الذي تتخذه الصين حول ملكية مناطق بحرية غنية بالمعادن متنازع عليها، وممارستها القمع في هونغ كونغ وشينجيانغ، وتهديداتها بغزو تايوان، إضافة إلى عدوانيتها حيال كل المتسائلين عن دورها في جائحة فيروس كورونا.

وتذكيراً، فإن الصين، بقوتها البحرية التي يضاف إليها كل أربع سنوات عدداً من القطع يوازي أسطول البحرية الفرنسية برمته، وتملك قطعاً أكثر من البحرية الأميركية، هي ما دفع الدول إلى مراجعة عاجلة بشأن دفاعاتها.

وفي ذلك السياق، دفعت دعوة أستراليا إلى تحقيق مستقل في أصول جائحة "كوفيد: بكين إلى فرض رسوم جمركية عقابية على الواردات الأسترالية. وفي أعقاب انتقاد أستراليا الممارسات الصينية في هونغ كونغ وضد الإيغور، تعرضت إلى هجمات سيبرانية من قبل قراصنة إلكترونيين ربط بينهم وبين بكين.

وهكذا، تشرع أستراليا التي لا تزال الصين شريكها التجاري الأكبر في الحصول على أسطول من الغواصات العاملة بالطاقة النووية. وتعاود الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند في شكل منفصل، التدريبات البحرية قرب ساحل مالابار (الهندي)، وتحض اليابان الدول الأوروبية على اتخاذ موقف ضد العدوانية الصينية، وتسعى تايوان إلى مزيد من المساعدة العسكرية الأميركية.

وكخلاصة، تتحول منطقة المحيطين الهندي والهادي بسرعة، منطقة تنافس ومواجهة. ومن غير المرجح أن تكون الاتهامات والاتهامات المضادة حول برنامج الغواصات آخر مصدر للجدال في هذه الساحة الجديدة التي يتزايد تغيرها وتقلبها.

© The Independent

المزيد من آراء