Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القوى المقاطعة للانتخابات العراقية ترجح تكرار سيناريو 2018

السلاح المتفلت واستغلال النفوذ ومقدرات الدولة من قبل البعض عوامل تهدد نزاهة العملية الانتخابية

لم تتجاوز نسبة المشاركة في اقتراع أبريل 2018 الـ20 في المئة (صفحة مجلس النواب العراقي)

"صناديق الاقتراع ليست هي الديمقراطية، إنها إحدى تجلياتها، وتعبيرها ينعكس فقط في الشروط الملازمة لها والقادرة مجتمعة على تجسيد إرادة الناخبين"، هذا ما يتردد بصيغ مختلفة على لسان المقاطعين للانتخابات التشريعية المبكرة التي يُفترض أن تجري في العراق في 10 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وتشير الاستطلاعات غير الرسمية التي يغلب عليها التخمين و"المقايسة" على ما جرى في الانتخابات السابقة بشكل خاص، إلى أن نسبة المشاركة في اقتراع أبريل (نيسان) 2018 لم تتجاوز في أكثر الإحصاءات تفاؤلاً، 20 في المئة من الذين يحق لهم التصويت، مع ما رافق ذلك من تزوير مكشوف وفظ، ومن تعمدٍ لسرقة صناديق الاقتراع وحرق بعضها.

أحزاب تقاطع الانتخابات

وعلى الرغم من الأحجام الصغيرة نسبياً للتنظيمات التي أعلنت عن مقاطعة الانتخابات رسمياً، فإن بعضها يسجل حضوراً وتأثيراً سياسياً ملموساً، مثل الحزب الشيوعي العراقي وتجمعات وشخصيات معروفة بنزاهتها ومواقفها الوطنية، غير المتورطة في الصراع الطائفي وعمليات الفساد المالي والاستباحات التي شابت العملية السياسية التي أدارت البلاد منذ سقوط النظام السابق.
وتقول إحدى تلك الشخصيات المستقلة، إن "رد الفعل الرسمي حيال المقاطعة تمثل في الأيام الأخيرة باعتقال بعض الناشطين المقاطعين من بينهم كوادر قيادية شيوعية ويسارية، والتضييق على كل من يشارك في فعاليات شعبية توزع منشورات تحض على المقاطعة".

المقاطعة تعبيراً عن الاستياء

وقالت الناشطة المستقلة مروج الطائي (24 سنة) إن "المقاطعة الشعبية الواسعة في المناطق الشيعية بشكل خاص، لا ترتبط بالمقاطعة من قبل الأحزاب والتجمعات والشخصيات المذكورة مباشرةً، إنما هي تعبير عام عن  الاستياء من الحالة المزرية التي انحدرت إليها البلاد على مختلف الصعد والميادين، وفي مقدمتها استشراء الفساد المالي والسياسي، وتدهور الخدمات حتى بات بعضها شبه معدوم في محافظات عدة، وبخاصة محافظة بغداد، إضافة إلى تزايد أعداد العاطلين عن العمل وتدني مستوى الخدمات الصحية، ما أدى إلى حالة الاحتقان السياسي الذي تعيشه البلاد".
كذلك صرح الناشط حسن منعم (28 سنة) بأن "انتفاضة تشرين منذ بداية انطلاقتها أكدت مجموعة من المحددات لإخراج البلاد من أزماتها التي اتسعت لتشمل كل ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية". وأضاف أن تلك المحددات "أكدت بوضوح أن من بين أهم شروط إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة ونجاحها وضمان نزاهتها، بحيث تعكس الإرادة الشعبية الحرة، هو العمل على خلق بيئة آمنة توفر الحماية للمقترعين وتؤمن لهم الحرية الكاملة في ترجمة إرادتهم عبر صناديق الاقتراع". وأكد منعم أنه "من الواضح أن هذا الشرط غائب بكل المعايير مع استمرار السلاح المنفلت خارج أُطر الدولة ومؤسساتها. كما أن المال السياسي يجري ضخه بلا حدود، ودون أي معايير انضباطية أو رقابة سياسية أو شعبية".

انتخابات مثالية بعد 4 دورات

على الصعيد نفسه، بيّن مستشار رئيس الوزراء العراقي، عبد الرحمن الجبوري وجهة نظره القائلة بأن "الانتخابات في العراق لا يمكن أن تكون مثالية ما لم يتم التأسيس لها تدريجاً، وربما سيتحقق ذلك بعد أربع دورات انتخابية وليس الآن، طالما هنالك استحقاق دستوري ومطلب جماهيري من شباب تشرين".
واستطرد الجبوري قائلاً "في بلد يصبح الاستقرار الأمني فيه، حلم كل مواطن، من واجبنا التغاضي عن بعض السلبيات من أجل وضع خطوة على طريق التأسيس الصحيح". وأشار إلى أن "السلاح المنفلت لن يختفي وتأمين نزاهة الانتخابات لن تتحقق بالأماني، إذ نحن بحاجة إلى تأمين العيش الكريم للعراقيين وحفظ كرامة الإنسان، وإن لم تتمكن الحكومة من توفير ذلك ستبقى الدولة عاجزة عن سحب السلاح وحصره في أطرها الدستورية وأجهزتها العسكرية والأمنية".
وعن رأيه في جدوى العملية الانتخابية بعد مقاطعة بعض الجهات، علّق الجبوري "علينا توحيد الصفوف واحتواء الصوت الرديف والموازي المؤمن بالإصلاح والتغيير داخل وخارج قبة البرلمان". واعتتبر أن "مَن قاطع الانتخابات يفتقر لأدوات المنافسة، وهم يعملون على كسب الأعضاء لأن المقاعد بعيدة المنال".

المفوضية خاضعة للمحاصصة

وعن هذا الموضوع، رأى الوزير السابق، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، رائد فهمي أن "الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة تتطلب توفر مجموعتين من الشروط: أولها استقلالية ونزاهة وشفافية المنظومة الانتخابية، ويشمل ذلك قانون ونظام جديد للانتخابات، إضافة إلى استقلال المفوضية وآلياتها الفاعلة، التي تضمن عدم حدوث التزوير والإقصاء، أو ممارسة أساليب الالتفاف على إرادة الناخب، إضافة إلى تطبيق قانون الأحزاب الذي ينص على عدم جواز مشاركة الأحزاب التي تمتلك أذرعاً مسلحة، وأن تعلن عن مصادر تمويلها، وتضع سقفاً للإنفاق على الحملات الانتخابية".
وتقييماً لما تحقق في كل هذه المجالات، أشار فهمي إلى أن "القانون الجديد ينطوي على إيجابيات وسلبيات، من ضمنها أنه يوفر الإمكانية لفوز مرشح بنسبة ضئيلة من الأصوات بسبب توزعها على عدد كبير نسبياً من المرشحين، بحيث يمكن أن يفوز مرشح بنسبة أقل من 30 أو 20 في المئة من الأصوات. كما يتيح القانون مساحةً أكبر للمال السياسي، والقوى المتنفذة ذات الشبكات التنظيمية والبنى التحتية السياسية من زيادة تأثيره إضافة إلى زيادة نفوذ وتأثير التشكيلات العشائرية والقبلية التقليدية".

لا ضمانات من التزوير

وحول المال السياسي، قال فهمي إن "الحكومة أقرت بعدم قدرتها على ضبط المال السياسي، وذلك بسبب عجزها عن التطبيق الفعال لقانون الأحزاب، أما المفوضية، فعلى الرغم من إعادة تشكيل مجلسها ليتألف من قضاة، فإنها لا تزال خاضعة للمحاصصة، كما أن هياكلها وإداراتها الوسطية لا تزال تخضع لتأثير الأحزاب والقوى المتنفذة".
ونخلص من كل ذلك إلى أنه على الرغم من التقدم الحاصل على صعيد اعتماد البطاقة البايومترية وتحسين الضوابط إلى جانب المشاركة الدولية الأكبر في المراقبة، فإن الضمانات تظل غير كافية، إن لم تكن شبه معدومة، لمنع حصول اختراقات مخلة وصيغ مختلفة من التزوير وشراء الذمم والأصوات. وبات معروف حالياً على نطاق شعبي ظهور "بورصة" للتداول في بيع البطاقات الانتخابية.

مكافحة الفساد في مواجهة الأحزاب المتنفذة

أما عن المجموعة الثانية من شروط البيئة الانتخابية الآمنة والأجواء السياسية المناسبة، فقال فهمي "لم يتحقق نجاح يُذكر في كشف ومحاسبة قتلة المتظاهرين ومَن يقف وراءهم، كما أن مكافحة الفساد وشمول كبار الفاسدين، ظل محدوداً بسبب مقاومة المتنفذين". وتابع "من جانب آخر، ظل السلاح المنفلت الذي يقوم بأعمال القتل والاغتيال مستمراً حتى الآن، ولا تستطيع الحكومة الكشف عمَن يقف وراءهم من قوى متنفذة. لذا  نجد أعداداً كبيرة من الناشطين اضطُروا للانتقال من مناطق إقامتهم إلى كردستان أو إلى خارج العراق، ومَن يبقى منهم يتعرض لمخاطر جمة. لذلك مُنع العديد من الراغبين في الترشح. ويلاحَظ أن مَن يتجرأ على تقديم ترشحه يتعرض لكل أشكال التهديد والتضييق. ويفتقد المرشحون المؤيدون للانتفاضة والتغيير، الحرية والأمان، في مناطق الأحزاب المتنفذة، كما يتعرض الناخب إلى الضغط بصورة مباشرة أو غير مباشرة".

غزارة المال السياسي

وعن إمكانية إجراء الانتخابات في ظل ضخ المال السياسي، صرح الوزير السابق رائد فهمي بأن "المال السياسي يتدفق بغزارة، وبحسب إحدى البرلمانيات فإن متوسط كلفة حملة المرشحين التابعين للقوى المتنفذة يبلغ خمسة ملايين دولار. ونحن نتحدث عن متوسط ومعدل، إذ قد يبلغ أضعاف هذا المبلغ بالنسبة للبعض. أضف إلى ذلك استخدام موارد الدولة والنفوذ والموقع لصالح الحملات والمصالح الفردية".
وفي ضوء هذه العوامل والمؤثرات لا يمكن أن توفر الانتخابات فرصاً متكافئة للمرشحين. وتفيد كل المؤشرات بأن الأغلبية ستكون لصالح مرشحي القوى المتنفذة، وبالتالي سيُعاد إنتاج منظومة المحاصصة والفساد الذي يصاحبها، وإن تغيرت الوجوه، فستفوز نسبة بسيطة من المرشحين المؤيدين والمساندين للتغيير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


انتخابات معلومة النتائج

في السياق، قال الأمين العام لحزب "البيت الوطني"، المحامي حسين الغرابي، إن حزبه "أعلن منذ بدايات تأسيسه عن موقفه من الانتخابات"، مشيراً إلى "وجود مسافة بين ذلك الاستحقاق وما يدعى بالديمقراطية في العراق، بسبب فقدانه العناصر الأساسية التي تضفي عليه سمة الديمقراطية، كالأمن الانتخابي، والعدالة بين القوى المشاركة، إضافة إلى تمكين المشاركة الشعبية". وأشار الغرابي إلى أن "الانتخابات في العراق غير ديمقراطية، بسبب الأجواء المشحونة والسلاح لدى أحزاب السلطة، إضافة إلى السلاح المنفلت، والمال السياسي المستخدم، والمفوضية المخترقة من خلال مديرياتها العامة، والخاضعة للمحاصصة، كل ذلك دعا البيت الوطني مراراً وتكراراً إلى المطالبة بتهيئة بيئة ديمقراطية حقيقية لإجراء هذه الانتخابات، وإلا فما الفائدة من الذهاب لانتخابات معروفة النتائج؟".

عجز المؤسسات الحكومية

وفي هذا الإطار، بين عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، النائب جاسم الحلفي، أن "المطلب الأول للانتفاضة التشرينية وأحد شروطها لإجراء الانتخابات المبكرة ، يتمثل في توفير البيئة الصالحة للانتخابات، وحصر السلاح بيد الدولة، وعدم السماح بامتلاك سلاح غير شرعي، ومحاسبة قتلة المتظاهرين وحيتان الفساد، والحيلولة دون استغلال المال السياسي، ومحاكمة المستغلين وإبعادهم عن ساحة المشاركة السياسية". وأضاف أن "حالات الترهيب والخطف والاغتيالات، تؤكد انعدام وجود مثل هذه البيئة الآمنة كي يمارس المواطن الناخب حرية الاختيار، فالحملة الانتخابية في نهاية المطاف يجب أن تكون حرة ونزيهة".
وعن صلاحية البيئة الانتخابية، تابع الحلفي عرض وجهة نظره قائلاً "تصعب للأسف إقامة انتخابات في ظل الانتشار الكبير للسلاح الذي لم يبق بيد الميليشيات فقط بل امتد للعشائر والعصابات، ومثالاً على ذلك توسع ظاهرة النزاع العشائري الذي تضج به يومياً وسائل التواصل الاجتماعي، ومن بين أمثلتها تلك التي حصلت منذ أيام، وعجزت عن إيقافها كل المؤسسات المعنية بضبط الأمن. إن من غير الواقعي تصور دولة ديمقراطية والسلاح منفلت خارج سيطرتها، وأن تعجز عن إخضاع المؤسسات الأمنية والدفاعية والقوات المسلحة، من جيش وشرطة لسلطة الدولة والامتثال للقانون". وأضاف الحلفي أن "نسَب إنفاق المال السياسي ارتفعت الآن، مقارنة بالانتخابات السابقة. ويمكنني الإشارة إلى لقاء تلفزيوني جمع نائبتين، على قناة الشرقية الفضائية، حول كلفة الدعاية الانتخابية، فتذكر إحداهن أنها تجاوزت لدى بعض المرشحين المتمرسين 5 ملايين دولار، وإن أُحصيت هذه الأرقام وضُربت في عدد المرشحين نعلم كمية المبالغ المهولة التي تُبذخ على الانتخابات. وسؤالي هو، من أين سيسترد هذا المرشح أمواله؟ خصوصاً إن احتسبنا فترة خدمته البالغة أربع سنوات؟".
وهكذا يجري التأكيد في الأوساط الشعبية على أن الانتخابات إذ تجري، فإن موازينها لن تؤشر إلى إمكانية إحداث اختراق سياسي من شأنه التعبير عن تطلعات العراقيين وإجراء تغيير جدي بالقدر الذي يسمح بتنفيذ إصلاحات تضع حداً لمعاناتهم وتفتح باب الأمل أمام تطور يضع العراق على مسارات تحقق السلم الأهلي والاستقرار ويرسخ أسس دولة القانون والحريات ويستكمل بناء الدولة المتصدعة المفتوحة على خيارات صعبة لا تجسد الطموح في التطور والتقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي ولا ترتقي بدور العراق الفاعل في محيطه الداخلي وفي الجوار العربي والإقليمي.

المزيد من العالم العربي