كشفت الأحداث التي شهدتها الجمعة الـ 13 في الجزائر، عن "سخونة" الحراك الشعبي و"قلق" العناصر الأمنية، بشكل يجعل إشعال فتيل المواجهات والفوضى في متناول أي جهة تستهدف أمن البلاد واستقرارها، لكنّ البعض فسّر الأحداث "بالاستفزاز الأمني المقصود لجس نبض الشارع، ومعرفة رد فعله في حال استخدام لغة القوة والتضييق".
محاولات من أطراف في النظام
ولم تكن الجمعة الـ 13 كسابقاتها بعد ظهور "مؤشرات أمنية" غير معهودة، أربكت الحراك في ظل غياب قائد الأركان الذي تعهد بحماية الشعب. وتخوف الجميع من "أمر دُبّر في الليلة السابقة" لاستهداف سلمية التظاهرات. وقد انتشرت قوات الأمن بشكل مكثف حول البريد المركزي (الرمز)، ومنعت المتظاهرين من صعود سلالم المبنى، لتندلع مناوشات تطورت إلى اشتباكات استُعمل فيها الغاز المسيل للدموع، مقابل الرشق بالعصي والحجارة، بلغت حد إسقاط رجل أمن من فوق شاحنة قوات مكافحة الشغب التي سارعت إلى اعتقال عدد من المحتجين، في مشهد أعاد إلى الأذهان صور "فوضى التسعينات"، ما استغربت له أطراف عدة تساءلت عن الجهات التي تحاول الزج بالبلاد في مستنقع العنف، وقد تم "اقتياد رؤوس العصابة" إلى السجن.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة وهران رابح لونيسي أكد في تصريح لـ "اندبندنت عربية"، أن "هناك محاولات من أطراف في النظام المؤقت لدفع الحراك إلى العنف، والحصول بذلك على مبرر للقمع، بل هناك محاولات لخلق شرخ بين الحراك من جهة والمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية من جهة أخرى، من خلال الترويج بأن معارضة سياسات ومواقف قائد الأركان هي معارضة للجيش، وقد أعلن الشعب صراحة وقوفه مع الجيش"، وتابع قائلاً "النظام يحاول إنقاذ نفسه، ولهذا سيستغل أي حدث مهما كان بسيطاً، مثل الذي وقع مع الشرطي في البريد المركزي، للجوء إلى القمع".
الحل الأمني غير وارد
وقال لونيسي إن "الفاعلين في الحراك وفي المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية يدركون ذلك جيداً، ولهذا هم يحذرون من العنف ويحرصون على السلمية، لأنهم يعلمون جيداً أن ذلك سيدفع بالبلاد إلى الفوضى خدمة لمصالح ضيقة"، معتبراً أنه "من واجب الجيش مواصلة حماية الحراك من كل ما من شأنه دفعه إلى الفوضى"، مؤكداً أن "الذهاب إلى حل أمني في التعاطي مع الحراك أمر غير وارد ومستبعد، بحكم أن أفراد الجيش وضباطه يرفضون ذلك، وكذلك الأجهزة الأمنية".
وعبّر الجزائريون عن استنكارهم لعودة استعمال عناصر الأمن العنف ضد المتظاهرين واستخدام الغاز المسيل للدموع، وقالوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، "بعد أحداث النفق الجامعي وما نجم عنه من إصابات، عاد بعض رجال الشرطة لأسلوبهم القمعي من خلال تعنيف المحتجين، منتقدين رد الفعل المرفوض من الشباب، الذين دفعوا الشرطي من فوق المركبة، الحادثة التي أثارت جدلاً واسعاً، وتحولت صفحات "فايسبوكية" الى قاعات محاكمة لقوات الأمن والحراك الشعبي".
المؤسسة العسكرية لن تغامر
ونشر النائب البرلماني عن حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية عثمان معزوز على صفحته على "الفايسبوك"، فيديو يظهر لحظة الاعتداء على رؤساء بلديات شاركوا في مسيرة الجمعة الـ 13، حين اعتُقل عدد منهم إلى جانب متظاهرين، قبل أن يُعاد إطلاق سراحهم في وقت متأخر من الليل، مندداً بما وصفه بـ "أعمال وحشية" في مراكز الشرطة.
في السياق نفسه، أوضح الاعلامي المهتم بالشأن السياسي علي شمام أن ما حدث الجمعة الماضية في البريد المركزي هو فعل معزول، لا يمكن أن يكون بداية للتحول عن الطابع السلمي الذي اتسم به الحراك منذ 22 فبراير (شباط)، مستبعداً أن تتحول الأمور في اتجاه الحل الأمني، بعدما ترسخت قناعة الحل السياسي لدى الشعب الجزائري والمؤسسة العسكرية، التي وعدت بأن تحمي الإرادة الشعبية. وحذر شمام من "احتمال حصول أحداث غير مرغوب فيها، قد لا تصل إلى حد الانزلاق الأمني"، وخلص إلى أن المؤسسة العسكرية لن تغامر، وستعمل على تحقيق أقصى حد ممكن من مطالب الشعب، التي لم يتبق منها إلا القليل، أي رحيل "الباءات" وتشكيل هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات.
بالنظر إلى ما حدث أمنياً قبل اعتقال رؤوس "العصابة" المتهمين بدفع البلاد نحو العنف والفوضى، وبعد اقتيادهم إلى السجن العسكري، فإن المراقبين يجزمون بأن "الخطر" لا يزال قائماً، وأن ما حدث الجمعة الـ 13، دليل على أن الوضع على سفيح ساخن وكل الأطراف قابلة للاشتعال، وبات إيجاد حل للأزمة القائمة أمراً مستعجلاً لا يقبل مزيداً من الانتظار.