Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخلاف مع فرنسا يلقي بحجر عثرة أمام بايدن في الأمم المتحدة

يرى مراقبون أن السياسات الخارجية للرئيس الأميركي امتداد لما كانت عليه خلال إدارة ترمب

الرئيس الأميركي جو بايدن (غيتي)

يلقي الرئيس الأميركي جو بايدن، غداً الثلاثاء، خطابه الأول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ توليه منصبه في البيت الأبيض. ويأتي الخطاب في مرحلة عاصفة ليس فقط لإدارته لكن أيضاً تاريخياً للولايات المتحدة، إذ إنه يعقب انسحاب فوضوي من أفغانستان أثار انتقادات واسعة وقلقاً حتى بين حلفاء أميركا. ويزيد على المشهد أزمة دبلوماسية طاحنة مع فرنسا تقوّض من خطاب التعددية الذي طالما تبنّته الإدارة الحالية. 

في أفغانستان، عقب انسحاب القوات الأميركية، اجتاحت حركة "طالبان" البلاد، ما أدى إلى انهيار سريع للحكومة المدعومة من الولايات المتحدة، واستولت عناصر الحركة المتطرفة على العاصمة كابول والحكم بشكل أسرع كثيراً مما توقعته الإدارة الأميركية. بينما سعى مئات الآلاف إلى الفرار من البلاد على متن طائرات الإجلاء الأميركية والأجنبية، ما أغرق مطار العاصمة في الفوضى وسهّل اختراق تنظيم "داعش -خرسان" الإرهابي لتنفيذ هجوم إرهابي أسفر عن مقتل العشرات، بينهم 13 جندياً أميركياً. 

وبعد أربعة أعوام من السياسات الانفصالية القائمة على شعار "أميركا أولاً" لإدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، بشّر فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 العالم بعودة الولايات المتحدة إلى قيم التعددية الدولية، وأعلنت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة أميركا لدى الأمم المتحدة، أن "أميركا عادت، وعادت معها التعددية والدبلوماسية". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن الدبلوماسي السابق جيمس دوبينز يشير في تعليقات للإذاعة العامة الوطنية الأميركية، إلى أنه "في حين أن بايدن من الشخصيات الدولية المعروفة، فإنه يواجه أسئلة حول أسلوبه في العمل مع الحلفاء بعد الخروج الفوضوي من كابول، إذ إنه صاغ قراره بسحب القوات من أفغانستان على أنه يخدم المصلحة الوطنية للولايات المتحدة، وتمسك به على الرغم من تحفظات بعض الحلفاء، وباتت الأمم المتحدة تتكبد أعباء إضافية نتيجة للخروج الأميركي".

يقول السفير الأميركي الأسبق لدى الأمم المتحدة ونائب وزير الخارجية في إدارة جورج دبليو بوش، جون نيغروبونتي، "بينما هناك الكثير من الانزعاج والاستياء حيال الطريقة التي تم بها الانسحاب الأميركي من أفغانستان، الذي سيضر بالولايات المتحدة على المدى القصير، لكن لا يزال الاقتصاد الأميركي هو الأكبر في العالم والجيش الأميركي هو الأقوى، لذا فبغض النظر عما قد يقوله البعض حول ما إذا كنا ملتزمين التعددية أو لا، فقد كنا حاضرين في إنشاء الأمم المتحدة. هذا ليس شيئاً يمكن محوه".

التحدي الأكبر

يتمثل الشاغل الاستراتيجي الأكبر لإدارة بايدن في منع أفغانستان من تصدير الإرهاب مرة أخرى، لكن أصبح النفوذ الدبلوماسي لواشنطن محدود بعد الإدارة السيئة لعملية سحب القوات العسكرية الأميركية والموظفين المدنيين، ومن ثم سيحتاج الرئيس الأميركي خلال خطابه أمام الجمعية العامة، وفقاً لمجلس العلاقات الخارجية الأميركية، مركز أبحاث سياسية في نيويورك، أن يجادل بأن الانهيار الوشيك للاقتصاد الأفغاني واليقين باستمرار عدم الاستقرار السياسي في أفغانستان يجعل مشاركة الأمم المتحدة المستمرة في ذلك البلد أمراً حتمياً". 

والأسبوع الماضي، حشد مؤتمر برعاية الأمم المتحدة في جنيف تعهدات بقيمة مليار دولار لتلبية الحاجات الإنسانية العاجلة في البلاد، حيث يحتاج نصف السكان إلى مساعدة طارئة ومليون طفل معرضون لخطر الجوع. كما صوّت مجلس الأمن الدولي، الجمعة الماضية، على تجديد تفويض بعثة المساعدة التابعة للأمم المتحدة، التي ستكون حاسمة لمراقبة احترام "طالبان" لحقوق الإنسان وانتهاكاتها.

ويقول مدير برنامج الحوكمة العالمية والمؤسسات الدولية لدى مجلس العلاقات الخارجية ستيوارت إم باتريك إن "التحدي الأكبر الذي يواجهه بايدن هو إقناع القوى الإقليمية، بما في ذلك باكستان والهند وإيران، والمنافسيَن الجيوسياسيين الصين وروسيا، بأن لديها مصلحة مشتركة في أن تكون أفغانستان مستقرة لا تهدد الأمن الدولي، ويجب أن يستخدم الرئيس خطاب الجمعية العامة لإثبات هذه القضية".

أزمة دبلوماسية خطيرة

وبينما تتلاطم أمواج أفغانستان في البيت الأبيض، وقع، الأسبوع الماضي، ما هو على نقيض ما وعدت به حقبة بايدن. فقبل أيام من أول خطاب له كرئيس للولايات المتحدة، أغضبت واشنطن واحدة من أقرب حلفائها الأوروبيين بإبرام صفقة غواصات مع أستراليا وهي الصفقة التي كانت مقررة بين أستراليا وفرنسا، مما أثار غضباً فرنسياً علنياً، الأمر الذي عدّه مراقبون خلافاً مريراً من شأنه أن يقوّض وعود البيت الأبيض باستعادة مصداقية الولايات المتحدة على المسرح العالمي في حقبة ما بعد ترمب. 

 

وأعربت الحكومة الفرنسية عن غضبها حيال خطط واشنطن لإقامة شراكة أمنية استراتيجية مع أستراليا والمملكة المتحدة تشمل تبادل التكنولوجيا الحساسة وبيع الغواصات النووية الأميركية الصنع إلى أستراليا. 

الاتفاق، الذي فاجأ فرنسا أدى إلى تخلي أستراليا عن صفقة بقيمة 66 مليار دولار لشراء غواصات فرنسية تعمل بالديزل، إذ أعلنت كانبيرا خطة لبناء ما لا يقل عن ثماني غواصات تعمل بالطاقة النووية باستخدام التكنولوجيا الأميركية والبريطانية في شراكة أمنية ثلاثية.

واستدعت باريس، الجمعة الماضية، سفيريها من الولايات المتحدة وأستراليا احتجاجاً على الاتفاق الأمني الثلاثي. وفي حديث عبر قناة "فرانس 2"، لم يُبدِ وزير الخارجية جان إيف لودريان، أي مؤشر إلى اتجاه فرنسي نحو تهدئة للأزمة، وبرر استدعاء سفيري بلاده في كانبيرا وواشنطن بـ"وجود أزمة خطيرة بيننا". وقال إن "هذا الإجراء غير المسبوق في تاريخ العلاقات بين باريس وواشنطن هو رمزي جداً. لقد حصل كذب، حصلت ازدواجية، حصل تقويض كبير للثقة، حصل ازدراء، لذا فإن الأمور بيننا ليست على ما يرام". 

وأضاف لودريان، "استدعينا سفيرَينا لمحاولة الفهم ولنظهر لبلداننا الشريكة منذ وقت طويل أننا نشعر باستياء كبير، وأن هناك فعلاً أزمة خطيرة بيننا". فيما لم يُعِر لودريان أهمية لإمكان استدعاء السفير في لندن، قائلاً "نعلم انتهازيتهم الدائمة"، في إشارة إلى البريطانيين بعد بضعة أشهر على "بريكست"، مضيفاً ما معناه أن المملكة المتحدة ليست الطرف الأول المعني بهذه القضية.

استمرار سياسات ترمب

وذهب لودريان إلى وصف تصرف إدارة بايدن بأنه "طعنة في الظهر"، مما يمثل بداية مشؤومة لأسبوع من الدبلوماسية متعددة الأطراف، إذ تحتاج واشنطن إلى دعم جميع حلفائها، لا سيما بالنظر إلى مواجهتها الناشبة مع الصين. وأشار وزير الخارجية الفرنسي إلى قرار الإدارة الأميركية بأنه "أحادي الجانب. يذكرني كثيراً بما كان ترمب يفعله".

وتقول مجلة "فورين بوليسي" الأميركية إن النزاع عبر الأطلسي ألقى حجر عثرة أمام جهود بايدن لاستخدام خطابه، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة للتخلص على نحو جاد من انعزالية إدارة ترمب. وبالنظر إلى الأزمات السابقة، فإن الجمعية العامة هذا العام ستشهد "ولايات متحدة" أقل ثقة بنفسها مما كانت عليه قبل حوالى 31 عاماً، عندما تنبّأ الرئيس الأسبق جورج بوش (الأب) بنظام عالمي جديد حيث انهار الاتحاد السوفياتي وتم تشكيل تحالف دولي للرد على غزو الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين للكويت. 

 

فالحروب التي قادتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، أثارت الشكوك الدولية بشأن قيادتها وتركت انقساماً داخلياً، لا سيما مشهد الفوضى الأخير في أفغانستان. وتقول المجلة إن كل هذا يأتي في الوقت الذي تسعى واشنطن إلى توجيه سياستها الخارجية نحو عصر المنافسة مع الصين، الأمر الذي يسبب جميع أنواع التوترات داخل مؤسسة الأمن القومي لواشنطن، ومع الحلفاء والخصوم على حد سواء، مما يجعل بايدن في حاجة إلى دعم عالمي في الأمم المتحدة أكثر من أي وقت مضى، عندما يتحدث أمام الجمعية العامة الأسبوع الحالي.

ووفقاً لمراقبين تحدثوا لوكالة "رويترز"، فإن الخلاف الناشب مع فرنسا أكثر من مجرد أزمة تجارية بل "أزمة ثقة"، وحتى إذا كان المسؤولون الأميركيون يأملون أن تنتهي سريعاً، فمن المحتمل أن تلحق أضراراً دائمة بالتحالف مع فرنسا وأوروبا وتلقي بظلال من الشك على الجبهة الموحدة التي تسعى واشنطن إلى تشكيلها ضد القوة المتنامية للصين.

وقال مدير مركز أوروبا لدى المجلس الأطلسي بنجامين حداد إن "هذا يجعل الأوروبيين يدركون أن بعض سياسات ترمب بخلاف الفضائح والتغريدات لم تكُن انحرافاً لكنها تشير إلى تحوّل (أميركي) أعمق بعيداً من أوروبا. ففي الوقت الذي تريد إدارة بايدن حشد الأوروبيين في جبهة مشتركة عبر المحيط الأطلسي للرد على التوسع الصيني، فلماذا لا تجلب ممثل الاتحاد الأوروبي الرئيس إلى المنطقة؟"، وقال دبلوماسي فرنسي، لم تسمِّه رويترز، "تماماً مثل أفغانستان، فإن هذا العمل الجديد الذي يحمل عنوان أميركا أولاً ضعيف التصميم وتم تنفيذه بشكل أكثر سوءاً".

المزيد من سياسة