Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الإعداد للمستقبل

أتمنى أن نشهد محافل عربية متنوعة وعديدة تدفع إلى حوار عربي وتضع النظرة المستقبلية وما هو مقبل على رأس أولوياتها

أسئلة عديدة  حول ما هو قادم في العالم العربي تستحق كلها وغيرها حوارا عربياً عربياً جادا ومُعمّقا (رويترز)

نتحدث كثيراً كعرب عن الحضارة، لتنوعها وثرائها في الشرق الأوسط، من المغرب العربي شرقاً عبر شمال أفريقيا إلى المشرق وجنوباً إلى الخليج العربي.

ونتحدث ونفتخر بالتاريخ، الممتد بالنسبة إلى بعضنا آلاف السنين، والذي ترك أثراً عميقاً على أجيال متعددة، وخلق تواصلا بينهم، حضارة وتاريخ امتدا ليسهما في تشكيل وتطوير حضارات وأوطان وثقافات غرباً وشرقاً عبر قارات وبحار.

وهناك الكثير مما يمكن لنا أن نفتخر به في ماضينا، فإنجازاته أكبر وأهم كثيراً من سلبياته أو كبواته، بصرف النظر عن أن الواقع العربيّ وحاضرنا الآن مضطرب ومقلق.

ولكي نعود إلى ترجيح الإنجازات على الإخفاقات، وضبط  الميزان ودفّة السفينة العربية، في المناخ المتقلّب والسائد، وأمام الرياح العاتية الشديدة، والتي تجرفنا تارة شرقاً وأخرى غرباً، في معارك قاسية وأمام تحديات كبرى، ليس أمامنا سوى التعامل مع الحاضر بتحدياته السلبية والإيجابية، والاستعداد في نفس الوقت بالتزامن مع ذلك لما هو قادم في المستقبل.

ويجب أن يكون الاستعداد بأيدينا قبل أن يكون بأيدي الغير، وذلك من خلال الدراسة والتخطيط الواعي، للحدّ من خطورة المرحلة المقبلة، بما يمكّننا من الاستفادة إلى أقصى درجة من ثراء الفرص والإمكانيات في القرن الـ21.

ولقد أطلقت الجامعة الأميركية بالقاهرة في منتصف أبريل (نيسان) من هذا العام مشروعا بحثيا علميا وسياسيا مهما، بعنوان "المستقبل: الشرق الأوسط ينظر إلى الأمام،" يمتد عامين ونصف ويستهدف غرضين أساسيين، أولهما خلق محفل لحوار وصوت عربي عن المستقبل، ينتهي إلى توصيات محددة حول السياسات المطلوبة في مجالات لها أهمية وأولوية لمجتمعاتنا، وثانيها تشجيع الرأي العام على مناقشة قضايا المستقبل بموضوعية وصراحة وهدوء، حتى تتسق السياسات المقبلة مع اهتماماته، ويكون المجتمع العربي مشاركاً حقيقياً في مسؤولية ما هو قادم، بحسناته وسيئاته.

وجمع الاجتماع الأول لهذا المشروع كوكبة من المفكرين والسياسيين السابقين، من شخصيات عربية أو من الأصول العربية، وذلك للتأكيد على النكهة العربية الوطنية للعمل، وكانت أمام المحفل موضوعات وقضايا عديدة، فقسمت مجالات الدراسة والتفكير في أربعة قطاعات رئيسية، هي الاقتصاد، والأمور الاجتماعية، والنزاعات الإقليمية، والترتيبات الإقليمية الشرق أوسطية، وبدأ النقاش خلال مجموعتي عمل، إحداهما للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، والأخرى للنزاعات والترتيبات الإقليمية لتشعب وتداخل هذه القضايا، ويتم الآن اختيارعدد محدود من الموضوعات ذات الأهمية والأولوية في كل قطاع، بحيث يحصل الموضوع على تركيز كافٍ في البحث والنقاش المتعمق، خلال اجتماعات تعقد مرتين في العام على أساس دراسات تعدّ مسبقاً خصيصاً للنقاش، لاستخلاص توصيات وفقاً لأسس علمية قابلة للتنفيذ، بعيداً عن التنظير أو المزايدة غير الواقعية، للتعامل مع الأوضاع الإقليمية المنتظرة عام 2030.

وأتمنى أن نشهد محافل عربية متنوعة وعديدة، تدفع إلى حوار عربي مماثل، وتضع النظرة المستقبلية، وما هو مقبل، على رأس أولوياتها، لتوسيع أفق التفاهم والتعاون فيما بيننا، وكذلك للحدّ من تداعيات الخلافات والمصاعب من خلال إدارة تباين وجهات النظر واختلاف الأولويات بين الحين والآخر، دون المساس بمصالح وحقوق جيراننا، إذا كنا نريد أن تتحسن أوضاعنا، ويحترم الغير سيادتنا، وتوفَر لمواطنينا الحرية.

وأعتقد شخصياً أن هناك الكثير الذي يجب الاستعداد له اقتصادياً، منها على سبيل المثال وليس الحصر، أن الوطن العربي وشمال أفريقيا مهدّد بشحة المياه، والحديث هنا يتجاوز الخلاف المستمر حول سد النهضة وإدارة مياه النيل رغم أهميتها وحساسيتها، بل إن العالم العربي على اتساعه أكثر منطقة تعاني من شحة المياه، ويشهد أكبر خسائر اقتصادية من ندرة المياه المرتبط بالمناخ، والذي يقدّر حسب دراسات البنك الدولي من 6-14 % من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050، وحذرت الأمم المتحدة من أن المنطقة تعاني من مشكلة استنزاف المياه الجوفية والسطحية على حد سواء، وقد نوهت الدراسات الدولية بأن شحة المياه تهدد الاستقرار وتعيق التنمية وتجعلها أكثر هشاشة، وإذاً لها تداعيات بيئية واقتصادية وسياسية وأمنية.

ومن القضايا الاقتصادية الأخرى والمتطلبات الضاغطة في الوطن العربي توفير الفرص والوظائف للشباب العربي، وسبق أن صرحت منظمة العمل الدولية بأن بطالة الشباب في العالم العربي وشمال أفريقيا هي الأعلى عالمياً بنسبة 30%، وأن مشكلة البطالة في العالم العربي لا يمكن حلها بسياسات فقط، وإنما تتطلب تغييراً بشامل العناصر الهيكلية الوظيفية، في حين لم تطور غير 9 فقط من 22 دولة عربية سياسات وقوانين خاصة بالشباب.

 وعلى المستوى المجتمعي والاجتماعي أعتقد أنه يجب أن يكون على رأس القضايا موضوع الحفاظ على الهوية الوطنية لدولنا، مع احترام التنوع والتعدد العرقي لفئات كثيرة من مجتمعاتنا داخل شعوبنا وفيما بينها، بإيجاد معادلة مواطنة تعكس الواقع وتحترم الكل باعتبارهم شركاء في التراث والتاريخ والحضارة الوطنية، تُعَرف غربياً بالعلاقة بين الأغلبية والأقليات، وإن كنتُ لا أميل إلى هذا التوصيف لاعتقادي بأن المسألة أكثر من ذلك بكثير، ولعلنا نتذكر جيداً الحوار الذي دار مع دولة العراق الشقيقة بعد انتهاء حقبة صدام حسين، التي رفضت وصفها بأنها دولة عربية، وإنما صممت على أنها جزء من العالم العربي وكل الشواهد تدلّ على أنها تعتز وتتحمس بمكانها في جامعة الدول العربية وتلعب دورا نشطا فيها.

ولا يفوتني في السياق الاجتماعي الإشارة إلى أهمية مراجعة وتقويم النظرة المجتمعية العربية لدور المرأة، والتي شهدت تراجعاً وإجحافا ليس بمستوى الدول الصناعية فحسب، وإنما بالمعايير العربية والإسلامية والدينية الشرقية التي لم تقايض بين العادات والتقاليد الشرقية وحق ومكانة المرأة إلا مع تدهور النظم التعليمية، وما شهدناه معه من ردة وتصلب وتعنت.

والحديث يطول حول النزاعات السياسية المشتعلة، وما يجب التصدي له، من استمرار سلب حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وإذا استمر النزاع حتى 2030 هل يكون البديل هو حل الدولة الواحدة الفلسطينية الإسرائيلية، أو حتى استمرار الاحتلال الإسرائيلي وتحميل الدول العربية المجاورة مغبة الحق المسلوب، وهل يوّلد هذا الظلم سلسلة متجددة من العنف المتبادل؟

هل تستقر الأوضاع في ليبيا أم تُقسَّم إلى دويلات لغياب قوة قادرة على فرض السيطرة الميدانية عبر البلاد؟ هل ينقسم اليمن جنوباً وشمالاً أم يصبح مستنقعاً للمنافسة بين أقطاب إقليمية وجماعات غير مشروعة وميليشيات عسكرية متعددة؟ كيف تستعيد سوريا عافيتها وتوافقها الاجتماعي، بحيث تلمّ الشمل وتحقق توافق شعبها، وتوفّر حقوقهم الإنسانية وتطلعاتهم الطبيعية، وهل تخرج سوريا سليمة من الصراعات الإقليمية ومؤامرات الدول الكبرى؟

مع قدوم 2030، هل نكون قد قضينا على الإرهاب والتطرف، أم غيّرنا ممارساته وخططه ومواقعه فقط بانتقاله إلى دول وساحات عديدة، ليستهدف المدنيين بغرض إرهاب الشعوب وعدم استقرار الأوطان، كما شهدنا خلال النصف الأخير من القرن الماضي؟

وهل نكون قد وجدنا توازنا مقبولا وعلاقات تنافسية مشروعة مع الدول الشرق أوسطية غير العربية مثل إيران وتركيا وحتى إسرائيل، وهل تستعيد جامعة الدول العربية رونقها أم تزول؟ وهل تنشئ مؤسسات إقليمية مكملة أو بديلة لها تتوافق مع تحديات العصر الحالي، وتفتح الباب لعلاقات أفضل مستقبلاً؟

أسئلة عديدة وإنما غير كاملة ومحدودة حول ماهو قادم، تستحق كلها وغيرها حوارا عربياً عربياً جادا ومُعمّقا.

المزيد من آراء