Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"تيك توك" حائر عربيا بين حلم وكابوس

إنه التطبيق المراهق من حيث صناعة المحتوى والشاب في استدامته وثوريته منذ ظهوره عام 2016

شهرة "تيك توك" باتت حلما لدى بعض الشباب العرب  (أ ف ب)

قوائم المؤثرين الخمسة أو الـ 10 أو الـ 15 أو الـ 20 أو الـ 30 أو الـ 100 الأولى بالمشاهدة والمتابعة ودق الـ "لايك" والقيام بالـ "شير" تحاصر المستخدمين من كل جهة. وإن لم تباغت القوائم المستخدم فهو حتماً سيجد نفسه مضطراً إلى سماع قصة نجاح هذا من خلال حكايات أبناء العم والخال، أو لمتابعة قصة القبض على هذه بعد ما صُنِّف تأثيرها باعتباره منافياً للأخلاق الحميدة أو مجافياً للسلوكيات الرشيدة. وإن نجا من كل ما سبق، فإن إصرار الابن على طرق مجال "تيك توك" مستشهداً بقصص الأصدقاء الذين أصبحوا نجوماً قيمتهم تقدر بالملايين، أو إعلان الزوجة أنها بدأت فصلاً جديداً في حياتها بفضل "تيك توك"، أو اكتشاف أن "طه" ابن البواب (حارس العقار) الأصغر (19 سنة) بات نجماً من نجوم "تيك توك" يجعل الجميع في مرمى هذا التطبيق.

طه منخرط في تطبيق "تيك توك" منذ نحو عام، وتحديداً منذ بلغ 18 سنة السن القانونية الدنيا لجني المال من الفيديوهات. طه عُرِف بفيديوهاته التي يتجول من خلالها على "عربات الفول المدمس" المنتشرة في أرجاء الجيزة حيث يسكن. طه المتعثر في دراسته في إحدى المدارس الثانوية الفنية أبعد ما يكون عن التعثر في فيديوهاته. وعلى الرغم من عدم معرفته بما تعلنه شركة "تيك توك" عن هدفها، فإنه يطبقه بحذافيره.

إلهام الإبداع واستدعاء البهجة

"إلهام الإبداع واستدعاء البهجة" هما ما تعمل الشركة المالكة "تيك توك" على إنتاجهما وإتاحتهما لمليارات البشر عبر تطبيقها الذي اجتاح العالم. "تيك توك" هذا التطبيق الهادر الذي تهدد دول بحجبه وتلوح أخرى بسلبه أعز ما يملك، ألا وهو قاعدة محمليه ومستخدميه، يفاخر بـ1.1 مليار تحميل لتطبيقه في عام 2020 فقط، و80 مليون تحميل في مايو (أيار) الماضي وحده، (حسب موقع "بيزنس أوف أبس" 2021).

إنه التطبيق المراهق من حيث صناعة المحتوى، الشاب في استدامته وتحديثاته وإثارته وثوريته منذ ظهوره في عالم التطبيقات في عام 2016، الذي يضم بين قاعدة مستخدميه المليارية كل الأعمار والفئات والطبقات من سن ست سنوات (وربما أصغر) إلى الثمانينيات (وربما أكبر بحسب ما تسمح به الحالة الصحية).

لكن الصحة النفسية لمستخدمي "تيك توك" تجد نفسها بين الحين والآخر موضع قلق ومدعاة للبحث والتدقيق! وحيث إن ما يزيد على 50 في المئة من مستخدميه تتراوح أعمارهم بين 13 و24 سنة، وتتقاسم الفئات العمرية الأخرى الأصغر والأكبر الـ 50 في المئة المتبقية، (حسب موقع "بيزنيس أوف أبس")، فإن هذا يعني أن الاهتمام بالصحة النفسية في هذا الشأن هو اهتمام بمستقبل الصغار في أغلب دول الكوكب، باستثناء عدد محدود من البلدان لا يزيد على أصابع اليد الواحدة حجب أو يحاول حجب التطبيق.

حجب التطبيق

الحديث عن حجب التطبيق كلما وقعت حادثة أو القبض على صناع محتوى في حال جاء مناقضاً لتوجهات "المراقبين" في بعض الدول لا سيما العربية، لا يمتان بصلة إلى القلق على صحة مستخدمي وصانعي فيديوهات "تيك توك" النفسية. ولأن "تيك توك" باغت الكبار بظهوره من دون سابق إنذار، وأفقدهم توازنهم بسرعة الانتشار، وهيمن عليه جيل الألفية من دون استئذان، فإن فهم الثقافة المرتبطة بـ"تيك توك" يظل عصياً، بل يمكن القول إن قليلين فقط من يستدعونها.

استدعت دراسة عنوانها "عِش اللحظة: أثر تيك توك في التأثير على الأجيال الأصغر نحو الشهرة الصغيرة" (2019) (جامعة أمتي الهندية في دبي) آثار التطبيق على الصغار. وحددت عاملين رئيسين وراء الاهتمام المفاجئ به: الأول اعتماد التطبيق بشكل رئيس على النظرية المركزية، أي مخاطبة المستخدمين واحتياجاتهم في المقام الأول. فهو ليس منصة تواصل اجتماعي فحسب، لكنه منصة تعتمد في المقام الأول والأخير على المخزون المعرفي للمستخدم وأولوياته الشخصية وقدراته الابتكارية والإبداعية. والثاني تعامل الشركة المطورة للتطبيق معه باعتباره "نموذج عمل" فائق السرعة.

نموذج العمل

نموذج العمل هذا يعتبره البعض مفسدة لملايين الشباب والمراهقين. وفي أقوال أخرى، يفتح أبواب الشهرة والمجد والثراء لهم. وفي قول ثالث، مساحة تتميز بالبراح، حيث هواء التنفس من دون أن "يطبق الكبار على رقاب الصغار"، كما يقول محمد مصطفى (20 سنة)، الذي يجاهد من أجل أن يصبح اسماً في عالم "تيك توك".

مصطفى، الطالب في كلية الحقوق، يرد بكل ثقة على سؤال "أين ترى نفسك بعد التخرج؟"، بقوله "نفسي أكون نجم تيك توك أو مؤثراً". وكم سيستغرق تحقيق هذا الحلم؟ يتنهد مصطفى وتظهر عليه علامات البؤس ويقول "يبدو أنني تأخرت بعض الشيء. فقد بدأت في التركيز على عمل فيديوهات على تيك توك منذ شهرين، ولم أنتشر أو أصبح نجماً بعد"!

قواعد الانتشار وصناعة النجومية تتغير بسرعة تنافس البرق وتتفوق على الضوء. موقع "الكنافة" الترفيهي على الإنترنت يعطي خلفية تحليلية عن "فرقعة" التطبيق السريعة في مقال كتبه طارق محمد عن نجوم "تيك توك" المصريين. يشير المقال إلى أن كلمة "الانتشار" كان فنانو التسعينيات وأوائل الألفية الثالثة يكررونها كثيراً حين يُسألون: أين ترى نفسك بعد سنة أو خمس أو 10؟ "الانتشار" بعد أعوام ظل غاية المنى والأمل. وكما يشير المقال، يبدو هذا طبيعياً في هذه الحقبة لأن الانتشار كان يستغرق وقتاً. ويضيف "عمل وراء عمل، كان الجمهور يحفظ وجوه الممثلين ويزيد تعلقه بهم في حال كان أداؤهم مقنعاً. ولم تكن هناك وسيلة انتشار أخرى تجعلهم نجوماً بين ليلة وضحاها".

نقطة القوة السرعة

الزمن اختلف ويقول البعض إنه اختل، لكن المؤكد أن تعريف السرعات انقلب رأساً على عقب. يقول محمد في مقاله إن الأجيال الحالية تلجأ إلى أي شيء تكون نقطة قوته السرعة. وهذا تحديداً هو سر نجاح "تيك توك". وهو يتفوق على "يوتيوب" في أنه أكثر مباشرة ومتوفر بسهولة عبر أجهزة الهواتف المحمولة.

وعبر الهاتف المحمول، أرسل أحد نجوم "تيك توك" المصريين واسمه محمد رضا (15 سنة) فيديو يوثق تجهيزاته الدقيقة وتنفيذه "الناجح" للانتحار لصديق له عبر "واتساب"، وهو ما أعاد إثارة المخاوف حول الصحة النفسية لـ"نجوم" ومتابعي "تيك توك" ومدى قانونية محتوى التطبيق. وقبل انتحار رضا، وثقت نجمة "تيك توك" مصرية اسمها جنات محاولة انتحارها أيضاً، وظهرت وهي تتناول كمية كبيرة من الحبوب المخدرة.

وفي فبراير (شباط) الماضي، زودت إحدى نجمات "تيك توك" وهي مراهقة أميركية اسمها دزاريا كوينت واشتهرت باسم "دي" (18 سنة) متابعيها بفيديو يحوي رقصاً وغناءً، ثم شنقت نفسها في خزانة ملابسها بعد ما قالت في رسالة مؤثرة إنها لن تزعج أحداً بعد اليوم.

القيمة العنكبوتية

تصنيف نجوم "تيك توك" يلقي الضوء على ما يجري في عقول نجومه ومتابعيه من المراهقين والأطفال والشباب والبعض من الكبار. تصنيف "دي" العنكبوتي كالتالي: الاسم دزاريا كوينت. السن: 18 سنة. قاعدة المتابعين: 1.5 مليون. قيمتها على الإنترنت: 100 ألف دولار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قائمة مبدئية لعام 2021 وضعتها كل من "فوربس" و"قيمة المشاهير على الإنترنت" (الموقع الذي يحوي قوائم بالقيمة المالية لمشاهير العالم على الشبكة العنكبوتية) تشير إلى أن أغلى نجم "تيك توك" خلال العام الحالي، المغنية و"المؤثرة" والراقصة آديسون راي، وقيمتها خمسة ملايين دولار أميركي. وتليها في القائمة تشارلي داميليو ابنة الـ 16 سنة، التي تقدم محتوى تدعمه شركات خطوط أزياء شابة. وقد بلغت قيمته العنكبوتية العام الماضي نحو أربعة ملايين دولار أميركي، ويتوقع أن تكسر حاجز ثمانية ملايين دولار في العام الحالي. وتحوي القائمة أسماء أخرى لمراهقات ومراهقين.

مليارات ودولارات

توقعات العالمين ببواطن أمور التطبيقات العنكبوتية تشير إلى كسر "تيك توك" حاجز 1.2 مليار شخص حول العالم هذا العام. وحسب "بيزنيس أوف أبس"، فقد قفز "تيك توك" في عام 2020 خمسة مراكز ليصبح ثاني أكثر تطبيق توليداً للربح بعد "تيندر". وحسب "بلومبيرغ" فإن قيمة الشركة المالكة "تيك توك" حالياً تقدر بنحو 250 مليار دولار أميركي، وهو ما يجعلها الشركة الخاصة الأكثر قيمة في العالم.

العالم الواقعي في العقد الثالث من الألفية الثالثة يشير إلى أن نسبة من الصغار الذين يُسألون عن طموحاتهم المستقبلية لم تعد كلها "أريد أن أصبح طبيباً يعالج المرضى" أو "شرطياً يقبض على الأشرار" أو "مهندساً أشيد العمارات"، بل أصبح "أريد أن أصبح مؤثراً" و"أحلم بأن أكون نجماً في أسبوع".

يهرع مراهقون وشباب صوب تطبيق "تيك توك" لأنه يوفر إشباعاً لرغبة تحقيق الشهرة الفورية والانتشار الفيروسي والتواصل مع آخرين يشاركونه الاهتمامات نفسها. وعلى الرغم من أن الغالبية المطلقة من منصات التواصل الاجتماعي تعمل على تحقيق هذه الأهداف، فإن "تيك توك" له اليد العليا حالياً، لا سيما أنه ما زال ساحة المراهقين والصغار وليس الكبار.

الصغار في مقابل الكبار

وحيث إن الغالبية المطلقة من صانعي المحتوى على "تيك توك" صغار (مراهقون وشباب)، فإن متابعة ما يفعلون ربما تكون ضرورة حتمية للكبار، ولا تكفي "إرشادات المجتمع" المنصوص عليها في "تيك توك" نفسه.

وبحسب هذه الإرشادات، تضع "تيك توك" مجموعة من الأعراف وقواعد السلوك. تشير الشركة إلى أن أولويتها هي الأمان والتنوع والشمول والأصالة، مع "الأخذ في الاعتبار النطاق الواسع للأعراف الثقافية". وتحدد الشركة عدداً من الممنوعات هي: التطرف العنيف، والسلوكيات التي تعبر عن كراهية، والأنشطة غير المشروعة، والمحتوى العنيف، والانتحار وإيذاء النفس والأعمال الخطرة، والتحرش والتنمر، والعري والأنشطة الجنسية بين البالغين، وسلامة القاصرين، والنزاهة والأصالة.

لكن كل ما سبق يصعب ضبطه وربطه من قبل صانعي المحتوى من أبناء الألفية الثالثة من دون متابعة. لكن كلما جرى توثيق انتحار أحدهم على "تيك توك" أو وقوع حادثة على الهواء مباشرة أو إدراج محتوى مصنف باعتباره "غير مقبول"، تتواتر تفسيرات الأطباء النفسيين التي تتطرق إلى الهستيريا والقلق والتوتر وضعف البنيان الأخلاقي... إلخ.

عصبية وقلق

أستاذ الطب النفسي، محمد عطية، يشير إلى حوادث الانتحار والعنف والضرر التي تحدث على أثير "تيك توك"، باعتبارها تعكس درجة واضحة من العصبية الهستيرية، حيث القلق يسيطر عليها وإن بدت عكس ذلك، وقوامها التوتر حتى لو ظهرت بمظهر الواثق في نفسه وأفعاله. ويضيف أنه "نظراً إلى صغر سن أغلب هؤلاء، فإن ما يقدمونه مهما كان ناجحاً لكنه لا يعني أبداً نضجاً أو فهماً واضحاً للحياة وظروفها ومتطلباتها وما يمكن وما لا يمكن عمله، حتى لو فاق عدد المتابعين عشرة ملايين وفاقت قيمتهم المليارات".

كما يلفت إلى مشكلة أخرى ألا وهي القدرة، أو بالأحرى عدم القدرة، على التواصل مع الآخرين في الواقع، فيجري تعويض هذا افتراضياً، مشيراً إلى أن كل ما سبق يحتاج إلى تنظيم.

عدد من دول العالم يتطرق بين حين وآخر إلى محاولة حظر "تيك توك" لأسباب تتعلق بالأمن القومي أو الأخلاقي. الولايات المتحدة وأستراليا والهند وباكستان وإندونيسيا وبنغلاديش ومصر وغيرها تطرقت إلى حجب التطبيق خوفاً على الأمن الوطني أو على الأخلاق والفضيلة.

قوانين داخلية

أما تطرق الشركة المالكة "تيك توك" نفسها إلى القانون، فهي قوانين سنتها لنفسها بنفسها، وتتعلق بحقوق الملكية الفكرية أو قواعد سياسة المصدر المفتوح أو شروط متاجر التطبيقات.

أما المحتوى من حيث المعايير الاجتماعية والثقافية والأخلاقية فيظل ريشة في مهب العالم، الذي تحول إلى قرية صغيرة بلا حدود. وبالنسبة إلى لوائح "تيك توك" فهي تنص على أن يكون الوصول إلى الخدمات واستخدامها متوافقاً مع السياسة المجتمعية الخاصة بالتطبيق، مع احتفاظ الشركة "بحق إزالة أو تعطيل الوصول إلى المحتوى وفقاً لتقديرنا لأي سبب أو من دون سبب. وقد تتضمن بعض الأسباب العثور على محتوى مرفوض، بما يخالف هذه الشروط أو السياسة المجتمعية، أو ما يضر بالخدمات أو مستخدمينا"، مع الإشارة إلى أن "محللي الشركة الآليين يحللون المحتوى بما في ذلك رسائل البريد الإلكتروني، كي تقدم لك ميزات المنتج المناسبة لشخصيتك، مثل نتائج البحث المخصصة والإعلانات".

الإعلان عن قضايا يرفعها مواطنون عاديون أمام المحاكم في دول عربية أبرزها مصر، للمطالبة بحجب أو منع محتوى "تيك توك"، لم يعد يثير الدهشة. وليس أدل على ذلك من مسلسل القبض على "فتيات تيك توك" في خلال الأشهر القليلة الماضية لأسباب تتعلق بحماية الفضيلة.

المرأة والإباحية

تظل الغالبية المطلقة من الاعتراضات على المحتوى، وتأييدها من قبل المحكمة، قائمة على أسس تتعلق بمفهوم الفضيلة. أما المحتوى أو "نموذج العمل" الذي يطرحه التطبيق والضغوط النفسية وغيرها فلم تشكل بعد مصدراً للقلق المجتمعي.

يفتح كتاب "النظام القانوني لوسائل التواصل الاجتماعي" لمؤلفه القاضي وسيم شفيق النجار (2017) أبواباً غير مطروقة عربياً أمام منظومة منصات التواصل الاجتماعي والقانون والمسؤولية، وجميعها يتعلق بالقلق المجتمعي الغائب. يفرق المؤلف بين الناشر والوسيط، ويقول إنه في عالم الإنترنت الافتراضي، كما في العالم المادي الحقيقي، مؤلف ومنشئ المحتوى غير المشروع هو دائماً المسؤول. لكن في بعض القوانين الوطنية، يتم اعتبار الأشخاص الذين يوزعون المحتوى والذين يحوزونه أيضاً مسؤولين.

ويشير النجار إلى أن "البعض رغب عندما خُلِقت التكنولوجيا في هذا العالم الافتراضي الجديد أن يبقى خارج إطار أي تنظيم. وأراد البعض الآخر وضع تنظيم جديد خاص به. لكن خلافاً لهذا الجدال فإن القوانين النافذة والموجودة تطبق على ما تخلقه التكنولوجيا من تطور، مع بعض الإضافات التشريعية أو التعديلات".

لكن تبقى هذه الإضافات والتعديلات غامضة مبهمة منحصرة في ردود الفعل على حادثة هنا أو أزمة هناك. أما الاستمرارية والاستدامة فتظلان واقفتين على الجبهة المقابلة للإنترنت وعوالمها المتغيرة على مدى الساعة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات