Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سيناريوهات مفتوحة خلف زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى إيران

ترتبط برعاية بغداد سلسلة من اللقاء المعلنة وغير المعلنة بين الأطراف الإقليمية المختلفة

يبدو أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قرر أن يختم جدول زياراته الخارجية بطهران، قبل أسابيع قليلة من الانتخابات المقررة في العاشر من شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات حول السبب الرئيس خلف تلك الزيارة، وما إذا كانت تندرج ضمن مساعي الحصول على دورة ثانية. 

وتعد تلك الزيارة الثانية من نوعها إلى إيران، بعد أن افتتح الكاظمي زياراته الخارجية بطهران في يوليو (تموز) 2020. 

وتتباين التحليلات بشأن أهداف زيارة الكاظمي إلى طهران، ففي مقابل الحديث عن أنها تمثل زيارة بروتوكولية استجابة لدعوة سابقة من الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، يعتقد مراقبون أنها تأتي استكمالاً لمؤتمر بغداد للتعاون والشراكة التي جرت نهاية شهر أغسطس (آب) الماضي، فيما يذهب آخرون إلى الحديث عن أنها تمثل محاولة من الكاظمي لضمان بقائه لولاية ثانية. 

تعزيز العلاقات بين البلدين

وأشار المكتب الإعلامي للكاظمي في بيان، في 11 سبتمبر (أيلول) الحالي، إلى أن الزيارة تأتي بدعوة رسمية من الرئيس الإيراني. وقال الكاظمي وفقاً للمكتب الإعلامي، إن الزيارة تهدف إلى "تعزيز العلاقات الثنائية وفتح آفاق التعاون في مختلف المجالات، والتركيز على عمق العلاقة بين البلدين الصديقين". 

وأضاف أن العراق "نجح في الاضطلاع بدور محوري في المنطقة عبر تعزيز الشراكة الاستراتيجية على وفق مبادئ دعم الاستقرار، والتعاون، والصداقة، من أجل ترسيخ أسس السلام والازدهار". وأشار إلى أن "العراق يسعى لاتخاذ خطوات مهمة في ما يتعلق بالالتزامات المالية تجاه إيران".

ويرى مراقبون أن تلك التصريحات تأتي رداً على التكهنات بخصوص "البحث عن ولاية ثانية من بوابة طهران".

من جانبه، قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، إنه "خلافاً لرغبة الأعداء، فإن العلاقات بين إيران والعراق ستشهد نمواً في جميع المجالات". وأضاف، "اتُّخذت قرارات أيضاً بشأن المسائل المالية في البلدين، ويجب تنفيذها".

وتعيش إيران خلال السنوات الماضية عزلة دولية واسعة نتيجة العقوبات المفروضة عليها من قبل واشنطن، الأمر الذي أدى إلى إنهاكها اقتصادياً، وهو ما يدفع بمراقبين إلى ترجيح أن تكون الغاية من الزيارة استكمال الحوارات بشأن علاقة طهران مع المحيط العربي، وتحديداً السعودية، كمنطلق للوصول إلى تسوية أوسع لملف العقوبات المفروضة عليها. 

"التوازن الهش" يعزز حظوظ الكاظمي 

ولعل ما يعطي انطباعاً بأن زيارة طهران تأتي لترتيب أوضاع الكاظمي لولاية ثانية، هو توقيتها على بعد شهر من إجراء الانتخابات العراقية المقبلة. 

وعلى الرغم من الحديث عن سعي الكاظمي الحصول على موافقة طهران لولاية ثانية له، يشير مراقبون إلى عديد من المحددات الأخرى التي يجري وفقها اختيار الرئاسات في البلاد، من بينها نتائج الانتخابات وتوزيع خريطة نفوذ القوى السياسية وطبيعة التحالفات في البرلمان المقبل، بالإضافة إلى تأثير قوى دولية أخرى على رأسها الولايات المتحدة. 

في المقابل، يؤكد أستاذ العلوم السياسية هيثم الهيتي، أن زيارة الكاظمي إلى طهران في هذا التوقيت تمثل "رغبة واضحة في التجديد لولاية ثانية، خصوصاً مع صعوبة التكهن بمن سيصل إلى المنصب بسبب احتدام التنافس بين الكتل المختلفة"، مبيناً أن التوقعات بعدم حصول أي كتلة على فوز ساحق يؤهلها لتشكيل الحكومة المقبلة "تعزز حظوظ الكاظمي". 

ويعتقد الهيتي، أن "التوازن الهش"، سواء على مستوى الحراك السياسي الداخلي أو علاقات العراق بدول المنطقة، يفرض معادلة إيصال رئيس وزراء "محدود القدرات"، لافتاً إلى أن "الكاظمي هو الأصلح لإدارة هذا التوازن الهش، خصوصاً إذا حصل على موافقة طهران". 

ويحظى ملف تهدئة الأجواء في المنطقة وترطيب العلاقة بين طهران والرياض بأولوية كبيرة خلال الفترة الحالية، حيث يشير الهيتي إلى أن الزيارة ربما تأتي "استكمالاً لما جرى في مؤتمر بغداد، في محاولة لتجسير فجوة الثقة بين السعودية وإيران، الأمر الذي يمثل هو الآخر منطلقاً لحصول الكاظمي على ولاية ثانية". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويختم بأن طهران ربما "توافق على بقاء الكاظمي لدورة ثانية شريطة إبقاء العراق على وضعه الحالي وتجنب الإصلاحات التي قد تضر بمصالحها في البلاد، ومن بينها السلاح المنفلت الذي يمثل بوابة التأثير الإيراني في الداخل العراقي"، مبيناً أن "موافقة الكاظمي على تقديم التنازلات لطهران ربما ستضمن له الحصول على دورة ثانية".

أبعاد عدة خلف زيارة طهران

في المقابل، يقول مصدر مطلع إن، المعلومات المتوفرة بشأن زيارة الكاظمي إلى طهران، تشير إلى أنها تأتي لـ"مناقشة العديد من الملفات التي تم الإعداد لها قبل مؤتمر بغداد الأخير". 

ويشير المصدر في حديث لـ"اندبندنت عربية"، إلى أبعاد عدة قد تقف خلف زيارة الكاظمي إلى طهران من بينها "ملف الغاز والكهرباء بين البلدين، والضغوط الإيرانية باتجاه أن تقوم بغداد بسداد أجور الطاقة بالدولار، ما يُعد خرقاً للعقوبات المفروضة على إيران".

ويضيف المصدر، أن الزيارة ترتبط أيضاً بـ"مساعي تهدئة الداخل العراقي قبيل الانتخابات المرتقبة، خصوصاً أن وزير الدفاع العراقي كان ضمن الوفد الحكومي".

منافذ الوصول إلى السلطة في بغداد

ويبدو أن الكاظمي يحاول تجنب مصير رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي، حيث يشير الكاتب والصحافي العراقي أحمد حسين إلى أن رئيس الحكومة "يدرك جيداً أن الانتخابات المقبلة لن تأتي بجديد، بل على العكس سترسخ معادلة السلاحين (الفتح - سائرون) المتحكمة بالمشهد، بالتالي فهو ينتظر ولاية ثانية على طريقة ترشيح رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي الذي لم يشارك في انتخابات عام 2018".

ويضيف حسين، أن "الكاظمي يخوض حراكاً محموماً لترميم علاقته مع التيارات المُوالية لإيران عبر تقديم تنازلات، كان آخرها الموافقة على إعادة 30 ألف مقاتل إلى صفوف الحشد الشعبي".

ولعل ما يزيد من الترجيحات بارتباط زيارة الكاظمي إلى طهران مع مساعي البقاء في المنصب لدورة أخرى، هي ظهوره في أكثر من مناسبة في الفترة الأخيرة مع القيادي البارز في هيئة الحشد الشعبي، أبو فدك المحمداوي، والذي يمثل التيار الموالي لإيران داخل الهيئة، الأمر الذي يعطي انطباعاً أن ثمة تحركات لترطيب الأجواء مع الجماعات الموالية لإيران لضمان القبول به لولاية ثانية، بحسب مراقبين. 

استكمال مباحثات بغداد 

ويرى مراقبون أن للزيارة بعداً آخر يرتبط بما جرى خلال الفترة الماضية من رعاية بغداد سلسلة من اللقاء المعلنة وغير المعلنة بين الأطراف الإقليمية المختلفة، وتحديداً بين السعودية وإيران، فضلاً عن محاولة العراق حسم العديد من الملفات العالقة بين البلدين من بينها ملف الطاقة، إضافة إلى ملف الجماعات المسلحة الموالية لإيران.

في المقابل، يقول أستاذ الإعلام غالب الدعمي، إن الأحداث المتسارعة في العراق والمنطقة خلال الفترة الأخيرة "دفعت الكاظمي إلى القيام بعدة تحركات إقليمية ودولية لترتيب تلك الأوضاع، خصوصاً أن العراق يمثل مرتكزاً لحل العديد من الإشكالات في المنطقة".

ولا يستبعد الدعمي أن يكون أحد الأبعاد الرئيسة لزيارة الكاظمي إلى إيران يرتبط بـ "الحوارات الأميركية الإيرانية الخليجية واستكمالاً للمحادثات التي بدأتها بغداد حتى قبل المؤتمر".

ويضيف أن "الكاظمي تمكّن من إقناع الأطراف الإقليمية والدولية بأنه لاعب مهم في المرحلة المقبلة، خصوصاً بعد نجاحه إخراج العراق من سياسية المحاور وتحويل دور البلاد إلى قاعدة أساسية للتفاهمات مع كل دول المنطقة المتباينة في وجهات النظر".

وبناءً على كل تلك الملفات، يستبعد الدعمي أن تكون الغاية الأساسية للزيارة هي البحث عن ولاية ثانية، مبيناً أن ما يجري يمثل "استكمالاً للعديد من الملفات التي ربما تمهد الطريق بشكل غير مباشر لولاية ثانية للكاظمي".

ولعل واحدة من أبرز العقبات أمام التجديد للكاظمي هي أن رئيس الجمهورية برهم صالح، والذي يُعد أحد أبرز شركاء الكاظمي، يبحث هو الآخر عن ولاية ثانية، كما يبدو أن العراق للمرة الأولى أمام ثلاث رئاسات طامحة بولاية ثانية بشكل صريح، حيث أعلن الرئيس برهم صالح في مقابلة متلفزة عن تطلعه إلى ولاية ثانية، فيما أشار إلى أن هذا الأمر مرهون بنتائج الانتخابات المقبلة.  وقال صالح، "مهمتي الأولى إجراء الانتخابات بسلام، واتطلع إلى الحصول على ولاية ثانية، فلديّ الكثير لأقدمه في هذا المنصب". 

وعلى الرغم من الحديث عن أن طموح رئيسي الجمهورية والبرلمان بالحصول على دورة ثانية يضع العقبات أمام احتمال حصول الكاظمي على دورة ثانية، فإن الدعمي يستبعد ذلك، مشيراً إلى أن "الحزب الديمقراطي الكردستاني لا يرغب ببرهم صالح، لكنه يرغب بالكاظمي، وكذلك الكثير من الكتل السنية التي لا ترغب بالحلبوسي وتؤيد بقاء رئيس الحكومة"، مردفاً أن "الكاظمي يحظى بمقبولية العديد من الكتل الشيعية أيضاً، ما يعني أنه الأكثر حظاً في الحصول على ولاية ثانية". 

وتبقى التوقعات مفتوحة بشأن زيارة الكاظمي الأخيرة إلى طهران، خصوصاً أنها تأتي مع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة في البلاد، بالإضافة إلى تزامنها مع مؤتمر بغداد ومساعي الحكومة العراقية لتخفيف حدة التوتر بين الأطراف المختلفة في المنطقة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير