استبق كبير الأطباء في بريطانيا البروفيسور كريس ويتي المؤتمر الصحافي لرئيس الوزراء بوريس جونسون، الثلاثاء، ليعلن مساء الاثنين 13 سبتمبر (أيلول) الحالي عن نصيحة المستشارين العلميين والطبيين للحكومة بتطعيم الأطفال من عمر 12 سنة إلى 15 سنة بجرعة واحدة من لقاح "فايزر" المضاد لفيروس كورونا. ويستهدف القرار التشجيع على حضور التلامذة للمدارس مع بدء الفصل الدراسي في المملكة المتحدة.
وكانت لجنة اللقاحات والتطعيمات في البلاد نصحت من قبل بأن لا يُطعّم الأطفال من تلك الفئة العمرية ضد "كوفيد-19". لكن الحكومة طلبت من كبار الأطباء إعادة النظر مرة أخرى وتقديم المشورة العلمية والطبية. وعلى الرغم من أن هيئات علمية مستقلة وأقسام الأطفال والأوبئة في بعض جامعات بريطانية لم يعارضوا تطعيم الأطفال، إلا أنهم لم يحسموا الفائدة الطبية منه. ويرى كثيرون أن هذا التحصين ربما لا يكون كافياً لوحده لتجنّب احتمالات الاضطراب في الفصل الدراسي المقبل.
ومن الواضح أن الحكومة البريطانية تركز على التطعيم بلقاحات فيروس كورونا لمواجهة الوباء، أكثر من اللجوء إلى إجراءات الوقاية ومنع الانتشار عبر تقييد الحركة وإغلاق البلاد. مع ذلك، أعلنت لندن إلغاء طلبية لقاحات من شركة "فالنيفا" الفرنسية، متهمةً الشركة بمخالفة الشروط التعاقدية، وهو ما نفته الشركة في بيان لها. وكانت المملكة المتحدة طلبت 190 مليون جرعة من اللقاح الذي تنتجه الشركة في صفقة بنحو 1.2 مليار جنيه استرليني (1.7 مليار دولار). و"فالنيفا" هو أقرب إلى لقاح "أسترازينيكا" والتطعيمات التقليدية التي تُعتبر الأكثر قبولاً لدى كثير ممن يخشون لقاحات كورونا المنتجة معملياً مثل "فايزر". وفور إعلان بريطانيا إلغاء الصفقة، هوت أسهم الشركة الفرنسية في السوق بنسبة 40 في المئة.
خطة الخريف والشتاء
يعقد جونسون مؤتمراً صحافياً مساء الثلاثاء يعلن خلاله عن خطة حكومته لمواجهة "كوفيد-19" في فصلَي الخريف والشتاء المقبلين. وتتكتم الحكومة على تفاصيل الخطة، لكن بعض التكهنات التي نُشرت في الصحف والقنوات التلفزيونية، الاثنين، تشير إلى أنها ستكون عملية مراوحة بين تخفيف القيود والإبقاء على احتمال فرضها مجدداً.
ورفض جونسون أن يشبع رغبات الصحافيين بشأن تفاصيل الخطة حين حاصروه بأسئلتهم أثناء زيارته ليستر، الاثنين. ومن شبه المؤكد أن يوجّه جونسون رسالة إلى البريطانيين، الثلاثاء، بأن "هذه هي الحياة العادية الجديدة" وعليهم التعايش مع وجود وباء كورونا.
وتحت الشعار السياسي أن "نفعل كل ما بوسعنا لحماية البلاد من دون تعطيل الأعمال"، سيعرض رئيس الحكومة إلغاء كثير من القيود المدرجة في قانون "كوفيد" الذي أقرّه البرلمان العام الماضي لتشريع إجراءات الإغلاق والقيود الأخرى على حركة المواطنين واستخدامهم الفضاءات العامة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من معارضة جونسون مسألة إعادة إغلاق البلاد مجدداً، لن يستبعد ذلك تماماً ولا اللجوء إلى فرض إجراءات وقائية مثل ارتداء غطاء الوجه إذا ما دعت الضرورة إلى ذلك. وعلى الرغم من إلغاء كثير من بنود قانون "كوفيد" كما هو متوقع، سيظل هناك قانون الصحة العام الذي يعطي الحكومة والوزراء سلطات تمكّنهم من فرض إجراءات يرونها ضرورية لحماية الصحة العامة للبريطانيين.
واستبق وزير الصحة ساجد جافيد الكشف عن الخطة بتصريحه عن إلغاء ضرورة استخدام "جواز التطعيم" لدخول الأماكن المزدحمة، مثل الملاهي الليلية، في إنجلترا. وأعلن أنه يريد إعادة النظر في اختبارات "بي سي آر" للمسافرين، التي تكلف الوافدين إلى بريطانيا مبالغ طائلة وينتقدها الجميع تقريباً من جمهور وشركات سفر وطيران وأعمال.
وسيجعل قرار إلغاء جوازات التطعيم إنجلترا متعارضة مع اسكتلندا وويلز اللتين تفرضان تلك الجوازات لدخول الأماكن المزدحمة، وإن كان يخفف من اعتراضات قوية من أصحاب الأعمال، وقطاع معقول من أعضاء حزب المحافظين الحاكم على تلك الإجراءات.
سيركّز جونسون في عرض خطته على تفاصيل كثيرة تتعلق بالتطعيم، كبديل وقائي في مواجهة وباء كورونا يعطي الحكومة فرصة لتجنّب مزيد من تشديد قيود الإغلاق. وربما يطرح بشكل مفصل خطط تحصين من هم فوق عمر الخمسين سنة بجرعة منشطة ثالثة من اللقاح، هذا بالطبع إضافةً إلى تطعيم صغار السن بجرعة واحدة، كما نصح كبار الأطباء الاثنين.
محاولة إرضاء الجميع
ويتوقع كثير من المحللين الذين استضافتهم شبكات التلفزيون البريطانية، الاثنين، أن خطة جونسون ستكون محاولة لإرضاء الجميع: من يعارضون أي قيود في حزبه، ومن يريدون الحفاظ على نظام الصحة الوطنية من دون أن يواجه كارثة في الشتاء، وبين من يرون ضرورة الإبقاء على خيار اللجوء إلى إجراءات طارئة لكن مع إلغاء القوانين الاستثنائية.
ومن المرجح أن تؤدي محاولة إرضاء الجميع إلى عدم إرضاء أحد، خصوصاً أن المراجعة المتوقعة نهاية هذا الأسبوع لنظام شارات المرور للسفر إلى بلدان العالم ربما تزيد من عدد الدول في الخانة الحمراء بدلاً من الصفراء أو الخضراء. وسيرفع ذلك سخط شركات السفر والعطلات وخطوط الطيران والمطارات وكل الأنشطة المرتبطة بها.
ويعارض جونسون اللجوء إلى إغلاق البلاد مجدداً، لكن يبدو أن ارتفاع أرقام الإصابات والوفيات قبل دخول فصل الشتاء يجعله غير قادر على استبعاد أي إجراء مهما كان تأثيره في النشاط العام ببريطانيا.
وتلك مشكلة غالبية دول العالم الآن: تعلّم العيش مع وجود وباء كورونا، وإجراءات الحماية للحد من ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات.
ويراهن كثيرون، كما سيقول جونسون الثلاثاء، على التوسع في تطعيم السكان. وزاد عدد من تلقّوا اللقاحات في المملكة المتحدة على ثلاثة أرباع السكان. ومع توسع الدول "المتقدمة" في أعداد مَن تحصّنوا، ما زالت الدول النامية والفقيرة تعاني من قلة تلك الأعداد. وحتى يتم تطعيم أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية، ستظل هناك إمكانية اللجوء إلى قيود الوقاية ومنع الانتشار واحتمالات الإغلاق الجزئي أو الكلي في مناطق مختلفة من العالم. ولن تكون بريطانيا استثناءً من ذلك.