Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اللوازم المدرسية تكوي الأهل في لبنان وتكلفة نقل الطالب صفيحة بنزين شهريا

مبادرات مجتمعية تحاول التخفيف من الأعباء المادية على ذوي التلاميذ في ظل أزمة اقتصادية خانقة

تشكل العودة إلى المدارس في ظل الأزمة الاقتصادية في لبنان هماً كبيراً بالنسبة للأهل (أ ف ب)

بسبب "قلم رصاص ومحاية"، ربما لن يتسنى للطلاب تعلّم الـ"ألف باء بوباية". لم يكُن الممثل اللبناني الراحل حسن علاء الدين، المعروف بـ"شوشو"، الذي قدّم هذه الأغنية المشهورة للأطفال في لبنان، أن يتخيّل يوماً أن وضع البلد المتدهور الذي لطالما عبّر عنه في مسرحياته الناقدة، سيطال القطاع التعليمي. فالقرطاسية أصبحت عبئاً على كاهل الأهل، وتجارها وإن امتلأت مستودعاتهم بالبضاعة القديمة، إلا أنهم يعرضونها بأعلى الأسعار مع ارتفاع سعر صرف الدولار. والجدير ذكره في البداية أن سعر الدولار الرسمي في لبنان ما زال يساوي 1500 ليرة لبنانية، وبينما البنوك تسعّره بقيمة 3900 ليرة، أما سعر الصرف اليومي في السوق، فيتراوح بين 16 ألف و20 ألف ليرة، وهو السعر المعتمد من قبل التجار.
في هذه الأيام، تتحضر المدارس لفتح أبوابها أمام رعب الأهالي مما ينتظرهم هذا العام من تكاليف ربما لا يستطيعون تحمّلها.
ويشكو أحد الآباء بسخرية موجعة "قد اضطر إلى بيع كليتي حتى أؤمّن تعليم أولادي"، بينما يحرم أهالٍ آخرون أنفسهم من بعض الضروريات لمتابعة تعليم أطفالهم. ويأتي غلاء أسعار القرطاسية فوق كل بقية تكاليف التسجيل في المدارس وشراء الكتب والزي الموحّد ليقطع ما تبقّى من أنفاسهم.

تبادل الكتب

ومع تعاظم الأزمة الاقتصادية في لبنان، نشأت صفحات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي، بخاصة "فيسبوك"، لتبادل وبيع الكتب القديمة والقرطاسية، تكثر فيها المنشورات عن العروض والطلبات.
وتزخر هذه الصفحات على مدار الدقائق بين "لدينا هذه الكتب" و"نريد هذه".

كما تتزايد الصفحات والجمعيات والمبادرات لتأمين القرطاسية والحاجات المدرسية الأخرى لتخفف عن الأهالي عبء المصاريف التي أصبحت كارثية هذا العام.
 


تكلفة تنقّل الطلاب

تقول السيدة اللبنانية رانيا توما إن ابنها الأكبر (14 سنة) أخذ الكتب من طالب أكبر منه بمرحلة مدرسية، وأعطى كتب أخيه الأصغر إلى شقيق ذلك الطالب، وبقيت كتبه لأخيه. هذه المعادلة أصبحت متداولة بين العائلات التي لديها أطفال في المدارس في لبنان.
تخشى توما من تسجيل أولادها في المدرسة، فهي غير واثقة أن العام الدراسي "سيمرّ على خير"، إذ إن المدارس قد تبدأ حضورياً، ثم من المحتمل التراجع عن هذا القرار بسبب عدم توافر البنزين والمازوت والكهرباء. وتقول إن "العام الدراسي على كف عفريت هذه السنة. كنا اعتقدنا أن الدراسة عبر الإنترنت (أونلاين) هي أسوأ ما قد يحدث، وإذا به رحمة أمام ما سيحدث". وتضيف أن سائق الباص الذي تحاول التعاقد معه لنقل الأولاد إلى المدرسة في حال فتحت أبوابها، لم يحدد سعراً لا بالليرة ولا بالدولار، بل إن تسعيرته جاءت بالبنزين، إذ قال لها إن "على كل طالب صفيحة بنزين في الشهر".
أما القرطاسية فهمّ آخر، وتوما ليست مستعدة لشرائها قبل مرور بعض الوقت في المدرسة التي سعّرتها بـ 400 ألف ليرة للطالب. كما أنها كانت احتفظت ببعض القرطاسية من الأعوام الماضية.

البقاء في الحضانة

في السياق، تقول ماريا ضو إنها فضلت إبقاء طفلها البالغ من العمر 3 سنوات ونصف السنة، في الحضانة هذا العام بعد جولة قامت بها على المدارس. وأضافت أن إحدى صديقاتها فعلت مثلها، ففي الحضانة يكون الاهتمام بالأطفال أفضل من ناحية المأكل وتأمين الدفء في الشتاء، إضافة إلى إبقائهم لوقت أطول يناسب الأمهات العاملات. وزادت ضو أنه "على الرغم من المناسبات التي لا تنتهي في دور الحضانة، مثل يوم البرتقال ويوم القبعة ويوم الأزياء الشعبية وغيرها من الأعياد التي لم نسمع بها إلا أخيراً في الحضانات، لكنها تبقى أقل تكلفة من المدرسة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


في العلية

أما جيزيل جبيلي، فذكرت أنها احتفظت بأنصاف أقلام الرصاص والحبر المنتهي نصفه أو ربعه، والمساطر، ومزقت الصفحات المكتوب عليها من الدفاتر القديمة لتصبح صالحة للاستخدام هذا العام. وقالت "نظفتها ورتبتها ووضبتها في حقيبة في العلية. ومحوت المكتوب بالرصاص عن بعض الدفاتر لتوفير صفحات بيضاء أكثر". وزادت أنها لن ترضخ لما تريده المدرسة وأن جوابها لها سيكون "بالموجود جود"، فالأقساط وحدها كفيلة بالتسبب بالإفلاس، على حد تعبيرها.
تقوم جبيلي بتبادل الكتب عبر بعض الجمعيات والصفحات التي تتيح ذلك، وتخبر أنها رتبت كتب أولادها السابقة ونظفتها جيداً لجعل الطالب الذي يستخدمها مرتاحاً، إذ إنها توصي أولادها دوماً بالمحافظة على كتبهم ودفاترهم وقرطاسيتهم مرتبة للاستفادة قدر الإمكان لهم ولمَن سيدرس فيها من بعدهم. لكن أسوأ سيناريو بحسب جيزيل جبيلي، هو الطبعات الجديدة من الكتب التي تثقل كاهل الأهل من دون أي تغيير جوهري في المضمون.

قرطاسية مجانية

في سياق متصل، تخبر نجاة عواد أنها أُبلغت بأن مدرسة أولادها الرسمية ستؤمن لهم التسجيل والكتب والقرطاسية مجاناً، لكنها غير متأكدة تماماً من الأمر. وتشير إلى أن "الأولاد يحبون التميّز في قرطاسيتهم عادةً، ويفرحون بأشكال الأقلام الجديدة والمساطر الملونة وغيرها، ولكن أسعار القرطاسية في المكتبات مخيف، بخاصة إذا كان شكلها مختلفاً". وتقول إنها ستكتفي حتماً بما تقدّمه المدارس إذا صدقت، إذ "لم يعُد بوسعنا جعل أطفالنا يتحمسون لما يريدون أن يختاروا من قرطاسية، وبدل أن تكون فرحة لهم أصبحت همّاً لنا".

مبادرات فردية

على الضفة الأخرى، تأتي المساندة المجتمعية بمبادرات فردية، منها "نحن واحد" التي أطلقتها سعاد غاريوس منذ عام 2015 لمساعدة كل الطلاب في كل لبنان من دون أي استثناء أو تمييز. وتهدف إلى تسجيل الطلاب في المدارس وتأمين القرطاسية والكتب لهم.
غاريوس كانت عضوة في لجنة الأهل في إحدى المدارس، ولطالما سمعت "شكاوى الأهالي من الأوضاع المادية التي تظهر على أولادهم في المدرسة من خلال نقص في كتبهم وثيابهم وقرطاسيتهم"، فجمعت 15 مليون ليرة، من خلال "صبحية" نظمتها في المدرسة لمساعدة هؤلاء الطلاب. وبات الأمر عرفاً في هذه المدرسة طوال فترة تعلّم أولادها فيها، وتوسعت الفكرة لاحقاً لتشمل مدارس أخرى تزورها للتحري عن أوضاع الطلاب وحاجاتهم.
وتتواصل غاريوس مع التلامذة وتزور المدارس، وتفرزهم بحسب الصفوف، ما يتيح لها معرفة ماذا يحتاجون من كتب وقرطاسية.

وتنظم الأسماء بحسب الصفوف والمدارس، وتتحرى عن الطلاب وأوضاع أهلهم المعيشية لوضع أولويات بحسب العائلات الأكثر حاجة، لإفادة أكبر عدد ممكن من التلاميذ، "فالبيت الذي يحتوي 5 أطفال، اختار منه طالبين أو ثلاثة"، وتؤمن لهم القرطاسية ورسوم التسجيل وأحياناً الزي المدرسي الموحّد والكتب.
وأضافت "في إحدى مدارس قضاء المتن (شمال بيروت) جمعنا كل الكتب التي تبرّع بها الناس، ونظمناها بحسب الصفوف ووزعناها شرط أن يترك الأهل إيداعاً بقيمة 50 ألف ليرة في صندوق الكتب، وهي ضمانة يستردونها في حال إرجاع الكتب نظيفة ومرتبة بعد العام الدراسي. أما إذا  لم يحافظوا عليها بشكل لائق، فيبقى المبلغ في الصندوق لشراء كتب لغير القادرين".
تتعامل غاريوس مع تجار الجملة للحصول على أفضل سعر ممكن. وتقول إن بعض المكتبات يتبرع ببعض القرطاسية وهذا يسهل عليها العمل لمساعدة أكبر عدد ممكن من الطلاب، و"البعض يساعد بتبرعات مالية لشراء هذه الحاجات".


الأسعار هذا العام

تذكر غاريوس أن الأمور اختلفت بين العام الماضي والحالي، "ففي الدراسة عن بُعد كان يمكن للطالب العمل على دفترين. لكن حضورياً سيختلف الأمر لأن كل مادة سيكون لها دفتر. والدفتر الذي كان سعره 5 آلاف ليرة أصبح سعره 50 أو 60 ألفاً. والقلم الذي كان بـ500 ليرة أصبح سعره 3000 آلاف وبعض الأقلام بعشرة آلاف ليرة".
وعن هذا الفرق الكبير، تقول "لأن كل شيء يشتريه التجار بالدولار ويحوَّل إلى الليرة بحسب سعر السوق وليس السعر الرسمي".

وتخبر غاريوس أن خلال أيام الدراسة عن بُعد، كان بعض الطلاب أحياناً يتشاركون الكتب، ولكن هذا العام يُفترض أن يجلس هؤلاء على مقاعدهم الدراسية ولكل منهم كتابه الخاص، "بعض كتب الرياضيات يبلغ سعرها 500 ألف ليرة، وبعض كتب القراءة ثمنها 250 ألف ليرة، وكتب التاريخ بعضها بمئة ألف. بينما كان أغلى كتاب سابقاً بـ25 ألف ليرة".
وتشير إلى أن العامين السابقين كانا أسهل بغض النظر عن تعب الطلاب بسبب الدراسة عبر الإنترنت. وكانت التكلفة أقل.

القرطاسية اللازمة

لكل مرحلة دراسية بحسب غاريوس، حاجة مختلفة للقرطاسية. فبالنسبة إلى الصفوف الابتدائية تتضمن القرطاسية: علبة تلوين ومبراة وممحاة وأقلام رصاص ودفاتر تلوين ودفاتر صغيرة. كما يزوَّد بعض الطلاب بالحقائب أو الزي المدرسي.
وترتفع الكلفة للصفوف الأعلى، إذ تحتاج الصفوف الثانوية إلى آلة حاسبة علمية ودفاتر كبيرة مقسمة إلى 5 مواد ودفاتر كبيرة ذات الـ200 ورقة وأقلام رصاص وحبر ومساطر وعلبة الهندسة وأوراق بيضاء للمسابقات ومحلول لمحو الحبر، إضافة إلى تأمين حقائب لهذه الصفوف تتسع لكتبهم وكامل القرطاسية. ففي بعض صفوف الثانوي، يحتاجون إلى 6 دفاتر كبيرة وغيرها يحتاج إلى 3 دفاتر.
وتحاول غاريوس مع فريق صغير يساعدها في بعض المناطق، تلبية أكبر عدد من التلاميذ، ويبلغ عددهم هذا العام أكثر من 400 طالب مدرسي وجامعي، إلى جانب الاهتمام بالطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة.

المزيد من تقارير