Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الطبقة السياسية في لبنان تجدد لنفسها بضوء أخضر إيراني - فرنسي

نجح عون في الحصول على حد أدنى من القرار داخل الحكومة في ثلث غير معلن داخلها

في لحظة اندفاعة إيرانية نحو انفتاح على فرنسا، وفي ظل تراخ أميركي من قبل الإدارة الجديدة، وفي غياب للدور العربي باستثناء مصر التي كانت الأولى التي أيدت المبادرة الفرنسية، ولدت الحكومة الرابعة والأخيرة في عهد رئيس الجمهورية ميشال عون. أما على المستوى الداخلي، فأتت حكومة نجيب ميقاتي بمثابة إعادة تجديد للتسوية الرئاسية التي حصلت عام 2016 مع استبدال اسم سعد الحريري بنجيب ميقاتي وبرعاية "حزب الله".

نجح عون في الحصول على حد أدنى من القرار داخل الحكومة في ثلث غير معلن داخلها، وتمكن من ضبط إيقاع غضب سني رافق تشكيل الحكومة، بعدما بات أحد أركان نادي رؤساء الحكومات السابقين شريكاً لا بل رئيساً للسلطة التنفيذية واضعاً في ذلك، وفق الحسابات السنية، حداً لتفرد رئيس الجمهورية الماروني بالقرار التنفيذي في البلد. أما الرابح الأكبر فكان "حزب الله" الذي تمكن وبتوقيته المرتبط بالتوقيت الإيراني، أن يعيد إحياء تسوية كانت باتت في فصولها الأخيرة مع اقتراب موعد انتهاء عهد حليفهم رئيس الجمهورية.

وفي وقت رأى كثيرون أن تشكيل حكومة أفضل من الفراغ، لا سيما إذا تمكنت من ضبط الوضع ووقف الانهيار، يتوقع البعض الآخر أن تشهد المرحلة المقبلة، استناداً إلى ظروف تشكيل هذه الحكومة، وتركيبتها، مزيداً من الهيمنة الإيرانية على لبنان.

حكومة ماكرون رئيسي

كان الاتصال الذي أجراه رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون بنظيره الإيراني إبراهيم رئيسي، وهو الثاني منذ فوز الأخير بالانتخابات الرئاسية الإيرانية، الممهد الأساس لاقتراب موعد ولادة حكومة لبنان، سبق الاتصال الرئاسي الفرنسي- الإيراني فوز شركة "توتال" بأكبر استثمار أجنبي في العراق في قطاعات الغاز والنفط والطاقة البديلة، وهو ما لم يكن ليحصل لولا موافقة إيران، سهّل الإيراني الاستثمار الفرنسي في العراق، فوافق الفرنسي على تفعيل دور إيران في لبنان، فأتى البيان الملخص للاتصال الرئاسي الصادر عن الجانب الإيراني واضحاً في هذا الاتجاه، ولم يحمل أي التباس لا سيما في العبارة التي أشارت إلى "جهود ودعم فرنسا وإيران وحزب الله لتشكيل حكومة قوية في لبنان". أعطى رئيسي الضوء الأخضر لتسهيل مهمة ميقاتي، وتولى "حزب الله" الذي وضعه رئيسي بمصاف رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، التنفيذ في الداخل اللبناني على خط الحلفاء وتحديداً التيار الوطني الحر، وتمكّن المعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين الخليل في اجتماع حصل في بعبدا مع النائب جبران باسيل بحضور رئيس الجمهورية، من إقناع باسيل بالمضي في التشكيلة الحكومية، وعندما طلب رئيس التيار الضمانات معتبراً أن الحزب يمكن أن يصطف إلى جانب رئيس مجلس النواب نبيه بري وتيار المستقبل في مواجهة التيار الوطني الحر، رد الخليل بأن وزراء الحزب والحلفاء سيكونون دائماً إلى جانب وزراء الرئيس عون.

عدم الاعتذار

وتولى الجانب الفرنسي التنسيق مع الرئيس المكلف وإقناعه بعدم الاعتذار وتأجيل القرار لما بعد عودة ماكرون من العراق، وزارت السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو منزل ميقاتي قبل ساعات من حسم التشكيلة الحكومية، وكانت للفرنسيين لمسات داخل التشكيلة أفضت إلى تسمية بعض الوزراء، ومنهم من حاملي الجنسية الفرنسية. في المقابل، حصل باسيل على الضمانات، وبقي متحكماً ببعض المفاصل داخل الحكومة وبالحصول مع رئيس الجمهورية على تسعة وزراء، وهو ما دفعه إلى التغريد فور تشكيلها، "سنة تأخير، للأسف كانت وفرت على اللبنانيين كثيراً من الألم. نتأمل بأن نكون قد تعلمنا احترام الدستور، وأنه لا يجوز الرهان على كسر أحد".

حكومة أمر واقع

لم تأت حكومة ميقاتي بحسب المبادرة الفرنسية التي نصت في بداياتها على حكومة مصغرة من اختصاصيين غير حزبيين، وهو نفسه اعترف يوم إطلاقها أن الوزراء فيها مقربون من الأحزاب لكنهم اختصاصيون، ومن الطبيعي أنه تم الاتفاق على الحصص وحصول كل فريق على تمثيل "يليق به"، وإلا لما كانت الحكومة لتبصر النور.

فور تشكيل الحكومة أكد ميقاتي أن لديه ثلثين داخلها داعياً أي معطل إلى مغادرتها، وكلامه يعني أن ثلثاً متبقياً ليس ضمن حصته واحتمال اعتماده لتعطيل عمل الحكومة قائم. فلمن هذا الثلث؟ يؤكد مصدر قريب من رئيس الجمهورية لـ "اندبندنت عربية" ألا ثلث معطلاً في الحكومة لأحد، ويصف الحكومة الجديدة بأنها حكومة أمر واقع وطني ونتيجة ضغط دولي كبير لا يريد للبنان أن ينهار، ويريد في المقابل أن يكسب وقتاً إضافياً بانتظار اتضاح الصورة الكاملة للمنطقة، وفي عملية كسب الوقت، المطلوب معالجة المشاكل التي يمكن أن توصل إلى فوضى قد لا تحمد عقباها، أولها تداعيات رفع الدعم وإعادة البلد إلى سكة الحياة الطبيعية بالحد الأدنى، ومعالجة القضايا الملحة من كهرباء ومياه وبنزين ودواء، وكل ذلك يتطلب حكومة، وهي حكومة أشهر حتى الوصول إلى الانتخابات النيابية التي يصر كل المجتمع الدولي، ومعهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن تحصل في موعدها، والمحافظة على الحياة الديمقراطية في لبنان على الرغم من كل الاشكاليات الموجودة.

حكومة المهمات الثلاث

لا حلول سحرية متوقعة من الحكومة التي حدد لها رئيسها ثمانية أشهر قبل استقالتها مع حلول موعد استحقاق الانتخابات النيابية في مايو (أيار) المقبل. بيانها الوزاري مقتضب، تقول مصادر مقربة من الرئيس ميقاتي مع تركيز على الشق الاقتصادي وإبقاء النقاط السياسية على حالها تجنباً للمواضيع الخلافية كاعتماد صيغة "شعب وجيش ومقاومة".  فالمطلوب، حالياً من الحكومة وقف التدهور والحفاظ على حد أدنى من الاستقرار وتثبيت سقف للأزمة بانتظار اتضاح الصورة الإقليمية. ثلاث مهمات حددها ميقاتي لحكومته، وهي تحقيق الحد الأدنى من الإصلاحات للانتقال إلى المهمة الثانية، وهي استكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وصولاً إلى التحضير للانتخابات النيابية، ويضيف الفرنسيون، بحسب مصادر دبلوماسية، مهمة رابعة هي إنجاز ملف تحقيقات انفجار مرفأ بيروت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتتطلع الدول، التي رحبت بالحكومة الجديدة، إلى مدى جدية الحكومة في تنفيذ الإصلاحات وبقية الخطوات المطلوبة منها لتحديد حجم التعاون معها، وعلم أن الاميركيين لن يتوقفوا عند تركيبة الحكومة بقدر ما يربطون دعمها بمدى جديتها والتزامها بالإصلاحات التي يطالب بها الشعب اللبناني.

الثقة مضمونة

مدركاً أن حكومته ستكون في سباق مع الوقت الذي ليس لصالحه في معالجة التحديات الكبيرة والصعوبات التي ستواجهه، بدأ الرئيس نجيب ميقاتي سريعاً لقاءاته مع الوزراء الذين يدخلون عالم السياسة والشأن العام للمرة الأولى، واستبق الاجتماع الرسمي الأول لحكومته اليوم الاثنين، 13 سبتمبر (أيلول)، في قصر بعبدا بعد الصورة التذكارية، والذي من المتوقع أن تشكل خلاله اللجنة الوزارية لصياغة البيان الوزاري، وعقد سلسلة لقاءات مع عدد من الوزراء في إطار مناقشة تصورهم لعمل وزاراتهم والملفات الأساسية المطلوبة، وأيضاً عقد اجتماع مع الوزراء الجدد والسابقين المعنيين بموضوع البطاقة التمويلية التي كان سبق لحكومة تصريف الأعمال أن أعلنت قبل أيام معدودة من تشكيل الحكومة الجديدة المباشرة بتسجيل من يرغب الإفادة منها وفق الشروط المحددة.

ليس الهدف حالياً الحصول على ثقة معتبرة في مجلس النواب، وهي مضمونة واتفق عليها قبل توقيع مرسوم الحكومة، لا سيما من القوى المشاركة بالتشكيلة وهي "حزب الله" وحركة "أمل" والتيار الوطني الحر، وإن كان التيار ربط ثقة تكتله ببرنامج الحكومة، وستحصل حكومة ميقاتي على ثقة الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الديمقراطي اللبناني والحزب السوري القومي الاجتماعي وثقة تيار المستقبل وتيار المردة، بينما سيتفرد  بعض النواب المستقلين، وحزب القوات اللبنانية، بعدم منح الحكومة الثقة بعد أن سأل رئيس الحزب سمير جعجع، أن "النواة الصلبة للمجموعة الحاكمة المكونة من التيار الوطني الحر وحزب الله مسؤولة عن إيصال لبنان إلى الحضيض، فكيف لها أن تنتشله عن طريق حكومة هي مسؤولة عن تشكيلها في شكل أساسي؟"، وشكّك جعجع بقدرة ميقاتي على إحداث التغيير المطلوب بوجود المجموعة الحاكمة على الرغم من عزمه الدائم على تحمل المسؤولية.

المزيد من العالم العربي