Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صور 11 سبتمبر تعيد صنع حادثة الانفجار برهبته

لقطات كأنها إفتراضية تروي اللحظات الحاسمة خارج مفهوم الزمن

الصورة التي تعيد صنع الإنفجار (أ ف ب)

الصور الرهيبة التي التُقطت للبرجين في نيويورك، لحظة تعرضهما للهجوم الإرهابي وتداعيهما المتتالي، لم تفقد بريقها لحظة، ولم تخفف السنوات العشرون التي مرت على حادثة 11 سبتمبر من حدتها وقوتها وغرابتها التي تتجاوز المخيلة، على الرغم من واقعيتها القصوى. كأن هذه الصور، الفوتوغرافية أو التلفزيونية التي التقطت بعفوية وتلقائية مشوبتين بخوف ودهشة، لا تزال تملك وهج اللحظة الخارقة التي لم تنطفئ جذوتها ولم تقع في أسر الرتابة المشهدية والتكرار البصري.

كلما عرضت هذه الصور أو نشرت بعدما مرت عليها سنوات، تبدو كأنها التقطت للحين، من شدة غرابتها الفائقة الوصف، حتى ليمكن وصفها بالصورالافتراضية التي تتركب على شاشة وهمية. صور تظل حية وخارجة على مفهوم اللقطة الفوتوغرافية التي تجمّد الزمن في لحظة، هي لحظة التصوير. زمن هذه الصور لا يمكن أن "يتجمد"، فهو زمن متحرك، ماضياً وحاضراً، في ما يحمل من قوة قادرة على كسر تخوم المفهوم الزمني.

لا تروي صور انفجار البرجين اللحظة في تفاصيلها وإطارها و"ديكورها" فقط، بل تجسد الحدث بصفته حدثاً يستعيد نفسه إلى ما لا نهاية، على الرغم من جموده الظاهر. وبحسب رولان بارت، فإن الحادثة التي تجعل الصورة هنا لا نهائية، لا تحصل سوى مرة واحدة. إنها فعلاً الحادثة التي حصلت مرة واحدة ولكن في صيغة لانهائية. صور واضحة جداً بمقدار ما تحمل من ملامح تفوق التصور، وتدعو إلى الشك. اللحظة الصورية هنا تقاوم فعل التأريخ والتوثيق لتصبح لحظة مطلقة، عنيفة كل العنف، قاسية وجاذبة بقسوتها.

خارج الذكرى

عشرون سنة مضت على حادثة 11 سبتمبر، وخلالها أريق الكثير من الحبر وكتبت مقالات ودراسات يصعب إحصاؤها، ولا تزال هذه الحادثة مثاراً لسجال سياسي وثقافي يبدو أن لا نهاية له.

لم يمس سقوط البرجين ذكرى حدث رهيب حصل ذات يوم، فهو ما برح يتجدد مع تجدد السجال حوله بصفته حدثاً تاريخياً في عصر ما يسمى "نهاية التاريخ". وقد أضحت المقولات الرائجة التي رسختها حادثة 11 سبتمبر أشبه بعناوين كبيرة يحتاج إليها المفكرون والكتاب والمثقفون في تحليلهم "حادثة" العصر التي يستحيل التغاضي عنها، هذه "الحادثة" التي ضربت أرض الحضارة الما بعد حديثة، حضارة العولمة الأميركية، حضارة الكولونيالية الجديدة.

السجال الطويل والمعقد حول "الحادثة" 'الذي ما زال يطرح أسئلة بحثاً عن أجوبة ممكنة عنها، قد يبدو مستعاداً وقديماً في أحيان، لكن الصور الفوتوغرافية والتلفزيونية الرهيبة التي سجلت تلك اللحظة الأشد رهبة، تبدو كأنها خارج السجال الممل والرتيب. صورة الطائرة التي تخترق البرج الأول لا يمكن أن تصبح من الماضي، كأنها التقطت اليوم أو البارحة وليس قبل سنوات. صورة فريدة تلتها صورة فريدة أخرى تلتقط الطائرة الثانية التي اخترقت أيضاً البرج الثاني. وقد لا يكون من المبالغة القول إن هذه الحادثة الهائلة لم تكن لتلقى صداها لو لم تلتقط الكاميرا المشهد الذي تمت فيه. الصورة هنا أقوى من الحادثة، لأنها الحادثة نفسها ولكن مصورة تصويراً واقعياً صرفاً، عفوياً وتلقائياً. هذه الصور ستكون ذاكرة حادثة 11 سبتمبر، ذاكرتها الحية القادرة على أسرها ليست "مجمدة" كما في اللحظة الفوتوغرافية بل حية وكأنها حصلت للتو.

إنها الصورة القادرة على إعادة صنع الحدث ومنحه بعداً آخر قائماً على اختراق مفهوم الزمن. فالزمني هنا يصبح خارج إطار الزمني، واللحظة المسروقة من سيرورة الزمن تصبح لحظة فريدة داخل الزمن وخارجه في آن.

عنف يدمر نفسه

صور لا تموت البتة من شدة واقعيتها القصوى بل من شدة تعبيريتها: تخترق الطائرة البرج كأنها تخترق جدار الموت، تتحطم في الداخل وتهب النيران، ثم تتهاوى طبقات البرج بعضها فوق بعض. لا أحد يعرف ما حصل قبل هذا الاختراق في الطائرة نفسها ولا في المكاتب التي كانت تدمر... كل الأسرار سقطت مع انفجار الطائرتين وسقوط البرج. وأصبحت الصورة سر كل هذه الأسرار، الصورة في ما تظهر وما تخفي. وليت كان في الطائرتين من صوّر فضائياً لحظات الهلع عند الهجوم، والذعر الرهيب الذي حل بالركاب الأبرياء. أما الخاطفون فكانوا يستعدون لدخول "الجنة" مؤدين طقوسهم. يمثل هؤلاء رمز العنف الذي يدمر ثم يدمر نفسه، بحسب وصف الفيلسوف الفرنسي جان لو نانسي.

حتماً لو لم تنقل الصور هذه لحظات الحادثة بواقعيتها الحية لكان مشهد 11 سبتمبر عادياً: برج يتهاوى كما يحصل في الأفلام، لكن اختراق الطائرة واجهة البرج كان اللحظة المريعة. أحياء على متن الطائرة يصطدمون بالمجهول وهم مفتوحو الأعين، خائفون ومرتعبون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

صورة أخرى رهيبة أيضاً: شخص رمى بنفسه من أعلى البرج بعدما يئس من أي محاولة إنقاذ. تلتقطه الكاميرا وهو يهوي حياً. ترى ماذا كان يحس هذا الشخص في تلك اللحظات؟ هل قضى وهو في الهواء أم عندما ارتطم بالأرض؟ هذه لقطة رهيبة أيضاً لأنها لقطة واقعية حية عن شخص سيموت خلال لحظات.

إنها الصور التي تعيد صنع الحادثة الأبرز في مطلع الألف الثالث، بل التي تعيد تشكيلها لا لتكون باهرة بل واقعية، أكثر من الواقع نفسه وحية أكثر من الحادثة نفسها.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة