Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تسهم جائحة "كورونا" في استمرار التعثر الديمقراطي في أفريقيا؟

استخدمتها دول عدة كمبرر لتأجيل الانتخابات واستمرار القبض على السلطة

محتجون يتظاهرون ضد الرئيس الصومالي محمد عبد الله محمد في أحد شوارع مقديشو في أبريل الماضي (رويترز)

تزامن تفشي جائحة "كورونا" في عامي 2020 و2021 مع موعد إجراء الانتخابات في بعض الدول الأفريقية، أُجري بعضها على عجل إثر ضغوط شعبية، بينما أُجّلت في دول أخرى مع توقعات بأن يتجدد التأجيل مرةً أخرى. وبين جدل نزاهة الانتخابات وتكلفة الإصلاح السياسي والاقتصادي، استغلت النظم الحاكمة في أفريقيا ظروف الجائحة، ووقفت على استعداد للتذرع بها من أجل ترسيخ حكمها، فحتى الحكومات الانقلابية أعلنت عن استعدادها إجراء الانتخابات بعد انحسار الجائحة، نتيجةً لتأثيرات داخلية وخارجية متباينة في المشهد السياسي الأفريقي. ومع تحييد أجندات النظم الحاكمة، في ظل ظروف المكافحة، فإن ما يظهر هو تقاعس عن الاستجابة بذرائع شتى أمنية وفنية، تُخرس المنتقدين وتقوِّض وسائل المُساءلة الإعلامية.

ثقافة سائدة

 أُعيد الترتيب الزمني للانتخابات في نحو 25 دولة أفريقية تقريباً كان مقرّراً إجراؤها عام 2020، إلى 2021. ثم استمرت سلسلة التأجيلات إلى مدد زمنية متفاوتة لبعضها، ومن دون تحديد زمن بديل للبعض الآخر. ونجد أن أسباب التأجيل بسبب الجائحة تتفاوت ما بين الإعلان عنها مباشرة أو إدراجها ضمن أسبابٍ أخرى، نظراً إلى سيادة ثقافة سائدة ناتجة عن توظيف الظروف والكوارث الطبيعية للحصول على زمنٍ إضافي ومساومة المعارضة للحصول على تنازلات. وفي الواقع فإن دول القارة الأفريقية تزخر بمعيقات التحول الديمقراطي التي لا تحتاج إلى أسبابٍ أخرى كعوامل مساعدة، ومنها اختلال مفهوم الديمقراطية لدى الأفارقة خصوصاً ما رسّخه آباء الاستقلال، وظهر ذلك في كتاباتهم وأفكارهم الثورية عن الديمقراطية كمفهوم غربي رُبط بالاستعمار الذي عانت منه القارة طويلاً. وهناك اعتلال الاقتصاد، فعلى الرغم من ثراء القارة بالموارد الطبيعية فإن الحكومات الوطنية المتعاقبة فشلت في استغلالها الاستغلال الأمثل. ويتحرك من تحت هذه الأسباب ركام الانقسامات المجتمعية نتيجة للتناحر الإثني والقبلي والتظلم الدائم من التهميش وعدم اقتسام السلطة والثروة. هذه البنية فشلت على مدى عقودٍ في تعزيز مؤسسات المجتمع المدني وهي المعنية بقضية التحول الديمقراطي، على الرغم من ضخ المنظمات الغربية كثيراً من أسباب التقوية في جسد هذه المنظمات، وما حدث من تحولٍ محدود كان نتيجةً لها بالإضافة إلى الضغوط الداخلية.


ضعف النظام الصحي

 في الصومال التي تعاني نظاماً صحياً ضعيفاً، تأجلت الانتخابات أكثر من مرة بسبب خضوع التجمعات السياسية المرخصة للالتزام بإجراءات مواجهة كورونا. كما تهددها أيضاً "حركة الشباب" الصومالية بتحذيرها من المشاركة في الانتخابات، بالإضافة إلى الخلافات التي تنشب في كل مرة بين الحكومة والمعارضة حول كيفية إدارة العملية الانتخابية. وظل النظام الانتخابي الصومالي المعقد سبباً لهذه الخلافات، إذ ينص على أن "ينتخب مفوضون خاصون تختارهم العشائر والقبائل، البرلمانيين الذين يختارون الرئيس". ولهذه الأسباب مجتمعة كان يُفترض أن تبدأ الانتخابات بانتخاب مجلس الشيوخ في 25 يوليو (تموز) الماضي، وتستمر حتى 10 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، مع الانتخابات الرئاسية، ولكنها تأجلت لتنطلق في 11 أغسطس (آب) الماضي، إذ أُجريت انتخابات مجلس الشيوخ داخل الولايات الصومالية الخمس بعد انتظار دام تسعة أشهر. ولم يوفر المسؤولون عن العملية الانتخابية جهداً لتبرير التأخير بـ"عدم تمكن مناطق اتحادية من تقديم قائمة المرشحين في الموعد المحدد للمشاركة في الاقتراع أو تشكيل اللجان المحلية التي يجب أن تصوّت". وفي ذلك إشارة إلى مسائل فنية تُفسَّر مباشرةً بمواجهة كورونا.

مهددات أمنية وفنية

أما في إثيوبيا فأدلى الناخبون بأصواتهم في الانتخابات العامة والإقليمية في 21 يونيو (حزيران) الماضي، بعد تأجيلها مرتين، كان آخرها في 29 أغسطس 2020 بسبب فيروس "كورونا". وفي حين وُصف التأجيل بالانتكاسة في العملية الانتقالية الديمقراطية، رد رئيس الوزراء آبيي أحمد على ذلك بأنه يعتبر أن إجراء الانتخابات دليل على التزامه الديمقراطية، في أول إجراء انتخابي له منذ وصوله إلى السلطة في عام 2018. ولم تنته سلسلة التأجيلات، إذ كان مقرراً في السادس من سبتمبر (أيلول) الحالي، موعداً لإجراء الانتخابات التكميلية العامة، فأُرجئت إلى 30 من الشهر نفسه لأسبابٍ أمنية وفنية. ولكن ظلت أصوات التشكيك متعالية في الحالتين، متهمةً آبيي أحمد بالاستفادة من ظروف الجائحة في تأجيلها من قبل، كما استفاد منها في إجرائها كيفما اتفق، فهذه العملية المحدودة لم تشارك فيها كل الأقاليم، بالإضافة إلى إقليم تيغراي، حيث يدور صراع مسلح. كما أنه في إقليم أروميا الذي يتحدر منه آبيي أحمد، تقاطع المعارضة التصويت للانتخابات بدعوى "ترهيبها" من قِبل القوات الأمنية. ولعل المفارقة تكمن في أن الإقليم الذي يُعدُّ الأكثر تعداداً للسكان وتقطنه كبرى القوميات الإثيوبية "الأرومو"، يحتفظ بمآخذ على الحكومة الجديدة. وأصبح الأرومو ضد آبيي أحمد لأنهم يرون أنه لم ينتصر لقضيتهم على الرغم من تسنّمه السلطة.


انتكاسات ديمقراطية

وإن نجت الانتخابات في بعض البلدان الأفريقية من تقييدها بسبب ظروف كورونا، فهي لم تنجُ من التوتر والاضطرابات والاتهامات بعدم دستوريتها. ففي غينيا، فاز ألفا كوندي في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 18 أكتوبر الماضي، وأُعلنت نتائجها في 24 أكتوبر، بولاية ثالثة، بعد انتخابات طعنت فيها المعارضة، إثر تعديل كوندي الدستور الذي كان يسمح بفترتين رئاسيتين متتاليتين فقط. وقبل الإعلان الرسمي، أعلن مرشح المعارضة سيلو دالين ديالو، أنه هو مَن فاز بالجولة الأولى من الانتخابات لكن اللجنة الانتخابية والحكومة اعترضتا عليه. ولم تمهل الأقدار كوندي طويلاً، ففي الخامس من سبتمبر الحالي، انقلب عليه العقيد مامادي دومبويا، الذي كان كوندي طلب منه العودة إلى غينيا لقيادة مجموعة من القوات الخاصة التي تأسست في عام 2018.
وبذلك تنضم غينيا إلى مجموعة الدول الأفريقية التي لم تحتمل الديمقراطية القصيرة مثل النيجر التي أُحبطت عملية انقلاب فيها في مارس (آذار) الماضي، قبل أيام قليلة من تنصيب الرئيس المنتخب محمد بازوم، بعد تنحي الرئيس المنتهية ولايته محمد إيسوفو بعد قضاء ولايتين رئاسيتين، مدة كل منهما خمس سنوات. ومثل دولة مالي التي حدث فيها انقلابان في أقل من عام، وهما الانقلاب العسكري في أغسطس 2020 ضد الرئيس المنتخب إبراهيم أبو بكر كيتا، وفي مايو (أيار) عندما أطاح الجيش الرئيس المدني باه نداو ورئيس الوزراء مختار عوان، بإعلان الكولونيل أسيمي غويتا تجريدهما من صلاحيتيهما على أثر تعديل وزاري وإعلان نفسه رئيساً انتقالياً. وهكذا نجد الدول الأفريقية التي عانت انتكاسات ديمقراطية خلال العامين الماضيين تعزو ذلك إلى أسباب فنية تشير بها إلى إجراءات مواجهة كورونا، ولكن سرعان ما تتكشف الخلافات السياسية بانقلاباتٍ أو أعمال عنف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تأثيرات قائمة

غير الدور الذي يلعبه تفشي فيروس كورونا في تمكين بعض الأنظمة من التلاعب بالانتخابات من ناحية التحكم بالجدول الزمني المقرر وقصور التغطية الجغرافية، فإنه من ناحية أخرى يؤثر في العملية السياسية، ويُسهم في تعثُّر التحول الديمقراطي في أفريقيا. ومن هذه التأثيرات، أولًا، الاستعانة بالجيش والقوات النظامية في كثير من الدول الأفريقية لفرض الإغلاق، ما يؤدي إلى تمظهر العسكر في الشارع العام، وهي حالة شبيهة بحالات الطوارئ، فحتى لو كان غرضها التنظيم فقط، فإن الناس يتعاملون معها بتوجس كبير وتعني في ما تعني، فرض السلطوية بانسحاب موظفي الدولة ومنظمات المجتمع المدني لصالح الجيش، وتُترجم كتهيئة لعسكرة الدولة والحياة المدنية، خصوصاً عندما تسيء هذه القوات استخدام السلطة الممنوحة لها بغرض مواجهة كورونا.

ثانياً، تنظر الدول الأفريقية إلى تجارب بعض النظم العالمية في مكافحة كورونا بإعجاب. وتبدو النظم السياسية الأقرب إلى الأنظمة الأفريقية هي الأكثر فاعلية في إدارة الأزمة، وذلك نسبةً إلى عوامل أخرى، منها تجاربها الخاصة التي اكتسبتها من التعامل مع أزمات صحية سابقة. وبغض النظر عن طبيعة نظام الحكم وعن أثر البلدان الديمقراطية المتطورة في توفير اللقاح والمكافحة، فإن جدل الحرية الفردية المتعارض مع سياسة الإغلاق أفشل بعض الجهود مما جعل الدول الأفريقية ترى أن الدول الأكثر نجاحاً في المكافحة هي النظم الأتوقراطية ذاتها أو الأقرب إلى المستبدة، مثل الصين وبعض الدول الآسيوية والأفريقية.
ثالثاً، تُعدُّ جائحة كورونا فرصة ثمينة للتغطية على المشاكل السياسية والاقتصادية واللوجيستية بشأن الانتقال الديمقراطي، إذ تتزايد الشكوك بشأن احترام أي مدى زمني يُوضع لاجراء الانتخابات. كما يوجد التبرير الجاهز للقصور الإداري والحكومي، مع صعوبة المُساءلة بسبب تقييد وسائل الإعلام والسلطة الرابعة.

سيولة الأحكام

وتُسهم إجراءات مواجهة تفشي "كورونا" في النيل من سيادة القانون، وتفاقم حالة سيولة الأحكام القضائية، ففي السودان مثلاً أُجّلت محاكمة المتهمين في قضية "انقلاب الثلاثين من يونيو" أكثر من مرة بسبب الاحترازات الصحية. كما أُوقفت محاكمات المتهمين بقتل ضحايا ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، أكثر من مرة، تارةً بسبب الاحترازات الصحية، وتارة أخرى بسبب انقطاع التيار الكهربائي. كما أن هناك قوانين عدة صِيغت أو عُدلت، ولم تخضع للنقاش والموافقة عليها من المجلس التشريعي الذي لم يُكوَّن بعد، ويُتوقع بعد انحسار الوباء أن تخضع لتعديل آخر قد يأتي عكس ما وضِع الآن. وكذلك الحال لدول أفريقية أخرى تمر بفترات انتقالية تختلط فيها فكرة الإبقاء على سلطاتها وانتهاكات سيادة القانون، وإساءة استخدام السلطة، وفشل مكافحة الفساد، بل ظهور منفذ فساد جديد وهي النفقات الحكومية المخصصة لمكافحة الجائحة، والطعن في مصداقية الانتخابات، والوسيلة الظرفية كانت خلال العامين الماضيين وستكون ربما لسنواتٍ مقبلة هي كورونا وآثارها. وفي حين لم يكن الوضع ما قبل كورونا وردياً ومستقراً سياسياً، فإن العودة في فترة ما بعد الوباء ستكون إلى الوضع السابق ذاته بتوتراته واضطرابه وعنفه المتصاعد، غير أن الخسارة هي في المدى الزمني الذي بدأت فيه أفريقيا نحو التحول الديمقراطي، وكان سيشكّل خطوة كبيرة إلى الأمام.

المزيد من تحلیل