Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فيلم "حياة الجريمة" يعلن الحرب على المخدّرات في البندقية

كاميرا جون ألبرت تجول في شوارع الجريمة والإدمان لتنقل عنها صورة إنسانية

فريدي في الحرب الطويلة ضد الإدمان (الخدمة الإعلامية للفيلم)

مَن شاهد آخر فيلمين وثائقيين للصحافي والمخرج الأميركي الفائز بـ"الأوسكار" جون ألبرت، أغلب الظن انه سيخرج بالاستنتاج الآتي: الرجل صاحب طول أناة، فنان لا يمل ولا يستسلم. والسبب الذي يجعلنا نصل إلى هذه الحقيقة هو أن الفيلمين استغرق تصويرهما عقوداً، بطريقة متقطعة لا متواصلة في طبيعة الحال. من أجل تحقيق عمله ما قبل الأخير، "كوبا والكاميرامان"، أمضى ألبرت (اليوم في السبعينات من عمره) نحو نصف قرن متنقّلاً بين الولايات المتحدة وكوبا. كان شاهداً على أكثر الفترات صعوبةً في تاريخ الدولة المحاصَرة، عاصر كل مراحل الأزمة الكوبية منذ السبعينيات حتى انهيار الإتحاد السوفياتي الذي كانت آثاره أليمة في حياة الكوبيين. سيرة ألبرت متداخلة في شكل لافت بسيرة فيديل كاسترو وبالشخصيات التي صوّرها في مختلف أعمارها، هناك مواد أرشيفية وريبورتاجية تخرج إلى العلن للمرة الأولى، تحاول البحث في جوانب "أخرى" من شخصية كاسترو، وهو نمط العمل الذي يستعيده في جديده. 


هذا بالنسبة إلى "كوبا والكاميرامان"، الذي عُرض في إحدى الدورات السابقة لمهرجان البندقية قبل أن يتوزع في العالم كله ومنه إلى "نتفليكس" حيث يُبث حالياً. أما الفيلم الجديد الذي هو موضوع هذا المقال، "حياة الجريمة 1984 – 2020" فتطلب إنجازه - كما يشيرعنوانه 36 عاماً، واكتشفناه في موسترا البندقية التي تُقام حالياً وتستمر إلى السبت المقبل. على غرار فيلمه السابق، يتعقّب ألبرت شخصيات أميركية عدة، في مراحل مختلفة من حياتها ومعاناتها ونضالها، علماً أنه عندما بدأ في التوثيق لتجربة كلّ هؤلاء الناس، لم يكن لديه أدنى فكرة أنهم سيتحولون مادة لفيلمه. كان ألبرت يصوّر فحسب من دون مشروع سينمائي فعلي في باله، ومن هنا اكتسب الفيلم عفوية وصدقاً ونضارة، الصفات التي يخلو منها الكثير من الأفلام الوثائقية.  

كسر الصورة النمطية

يقترح علينا ألبرت وثائقياً قد يتحوّل مع الزمن مرجعاً لحياة الجريمة والسرقة والمخدرات في أميركا، منذ الثمانينيات وحتى اليوم.هناك في الفيلم قطيعة حقيقية مع الصورة المغرية التي ترسمها هوليوود وبعض الأعمال الأميركية التجارية عن عالم المخدرات وتعاطي الممنوعات واللصوصية الصغيرة والسرقة وكلّ ما يخرج عن نطاق القانون. في هوليوود مَن يخوض هذه المجالات أبطال مهما فعلوا، أما ألبرت فيصوّرهم باعتبارهم ضحايا. هذا هو الفرق الكبير. هنا، كلّ شيء حقيقي، مباشر، لا تجميل ولا إدانة. نشعر بأننا في صحبة الشخصيات، نلمس وجعها وسعيها المستمر لحياة أفضل لن تأتي. إنه الواقع كما هو، أو كما تنقله عدسة ألبرت، السينمائي الذي يحاول أن يبقى موضوعياً إلى أقصى حد، علماً أن الموضوعية الكاملة غير موجودة، لأن حقائق كهذه قد تختلف حسب الزاوية التي ننظر منها إليها. 


يتعقّب الفيلم ثلاثة أشخاص في نيو جرسي هم محور الفيلم لساعتين. طوال ساعتين هم "مركز الكون"، وسنرافقهم منذ سنوات شبابهم حتى موتهم في ظروف مؤسفة. هناك روب اللص اللطيف الشبيه بالممثّل واكين فينيكس الذي لا يُمكن أن توحي ابتسامته بأي شر، وهناك فريدي ذو الوجه البشوش الذي حاول طوال حياته النجاة من تعاطي المخدرات لكن بلا جدوى، وأخيراً ديليريس المومس المدمنة صاحبة القلب الكبير التي ستتحوّل في نهاية حياتها إلى ناشطة ضد تعاطي المخدرات. سنتعرف إلى تفاصيل عيشهم، علاقتهم بالآخرين، رؤيتهم للحياة ولأنفسهم، وسنرى دخولهم السجن وخروجهم منه غير مرة. والأهم، سنشهد على محاولاتهم المتكررة للتخلص من الإدمان، رغم أن الحياة لا تعطيهم الكثير من الفرص للنجاة.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هؤلاء هم ناس هذا الفيلم ويحملهم المخرج على الراحات، ويحاول أن يستخرج من دواخلهم نزعتهم الفطرية إلى الخير، بعيداً من أي محاولة لالتقاط جوانب سلبية فيهم وبالتالي وصمتهم إلى الأبد. والحق أننا، كمشاهدين، نتعلّق بهم، لا بل تصبح أمنيتنا الوحيدة هي أن يتخلصوا من الادمان كي يعودوا إلى حياة طبيعية. لكن، نعلم جيداً في المقابل أن المعركة طويلة وخاسرة.

ثمة اسلوب معين تكرّس عند ألبرت في تصوير شخصياته: لا يحاكمها مهما فعلت. يحاول فهمها. هذه هي الطريقة الوحيدة لإنجاز فيلم وثائقي نزيه، وقد فهم ألبرت هذا الأمر، وتعمّق في الأشياء من دون أي ادعاء أو تحذلق. أسئلته الموجهة إلى الشخصيات بسيطة، ولكنها تضع الاصبع على الجرح غير مرة، فيتحول الفيلم إلى جدارية من العنف والألم والحب والشجاعة والتوبة. المجتمع الأميركي الذي يصوّره ألبرت ليس الطبقة الوسطى، أو الناس الميسورين. إنه المجتمع المهمش الذي لم يحظَ الفرد فيه بفرص كثيرة كي يصبح ما كان يطمح اليه في مقتبل حياته. لذلك، يحمل الفيلم نقداً ضمنياً للمنظومة التي لا تحارب الإدمان على المخدرات بشكل كاف، بل تستفيد منه ربما. يقول ألبرت إن المخدرات هي العدو الأكبر لأميركا. كلّ الحروب الأميركية مجتمعةً لم تقتل سوى مليون أميركي. أما تعاطي المخدرات فأسفر عنه طوال العقود الأربعة التي يغطيها الفيلم خمسة ملايين ضحية.     

مع "حياة الجريمة"، يقدّم جون ألبرت شهادة رقيقة رغم قساوة كلّ ما نراه ونسمعه. هذا فيلم عن الإنسان في لحظة اعتقاده (الخاطئ) بأنه يستطيع الإفلات من ظروفه عبر اللجوء إلى الفراديس المزيفة. لكن هذه الاسطورة تُكَذَّب على لسان إحدى الشخصيات التي عاشت الأمرين، عندما تؤكد بأن لا أحد ينجو من المخدرات عندما يصبح مدمناً عليها.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما