Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تفاصيل جديدة في محاكمة المتهمين بذبح سائحتين إسكندنافيتين في المغرب

لم تظهر عليهم علامات التوتر ولم يخفوا ضحكات كانوا يتبادلونها

استفاق المغاربة ومعهم العالم صباح يوم الاثنين 17 ديسمبر (كانون الأول) 2018، على هول خبر العثور على جثتَي سائحتين إسكندنافيتين مشوّهتين في منطقة إمليل في ضواحي مراكش.


محاكمة المتهمين

 

وشنّت السلطات المغربية حملة اعتقالات واسعة، استهدفت مشبوهين في هذه القضية وصل عددهم إلى 24، بينما استُؤنِفت الخميس الماضي جلسات محاكمة المتهمين لتؤجّل من قبل غرفة الجنايات المكلفة بقضايا مكافحة الإرهاب في ملحقة محكمة الاستئناف في مدينة سلا إلى 30 مايو (أيار) الحالي.
ويواجه المشبوهون في هذه القضية، أحدهم شخص يحمل الجنسيتين الإسبانية والسويسرية، تُهم "تكوين عصابة لإعداد أفعال إرهابية وارتكابها، والاعتداء عمداً على حياة الأشخاص مع سبق الإصرار والترصّد، وارتكاب أفعال وحشية لتنفيذ فعل يُعدّ جناية، وحيازة أسلحة نارية، ومحاولة صنع متفجرات خلافاً لأحكام القانون في إطار مشروع جماعيّ يستهدف المسّ الخطيرَ بالنظام العام بواسطة التخويف والترهيب والعنف".


من هم المتهمون  

 

ويُشتبه في انتماء معظم المتهمين الـ 24 إلى جماعة تعتنق إيديولوجية تنظيم "داعش" الإرهابي "من دون التواصل" مع قادة عمليات التنظيم في سوريا والعراق، وفق ما قال مدير المكتب المركزيّ للأبحاث القضائية، التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، عبد الحق خيام، بُعيد توقيفهم. ويتحدّر المشبوهون من أوساط فقيرة، مستواهم التعليمي بسيط جداً ويقومون بأعمال عدة غير مستقرة لتأمين لقمة العيش، في أحياء مدينة مراكش.
 

"الأمير" أول من شرع في ذبح السائحتين


عبد الصمد الجود، "الأمير"، لُقب بـ"أبو مصعب" وهو متزوّج وأب لطفلة، هو أول من شرع في ذبح السائحتين. ظهر هذا البائع المتجوّل (25 سنة) المتحدّر من مراكش، مبتسماً في الصف الأول للمتهمين داخل قاعة المحكمة خلال أولى جلسات المحاكمة في مطلع مايو الحالي وكان يرتدي جُبّة خفيفة على عادة السلفيين في المغرب مُسدلاً لحيته ومغطّياً شعر رأسه بطاقية بيضاء. أدانه القضاء في الماضي، لمحاولته الذهاب إلى سوريا للانضمام إلى "داعش"، ثم أُطلق سراحه في العام 2015، ليجمع حوله رجالاً مصمّمين على تنفيذ عمليات إرهابية في المغرب، وفق محققين.

 

"النجار" يونس أوزياد
 
يُعد يونس أُوزياد (27 سنة) من أوائل العناصر الذين استقطبهم عبد الصمد الجود، شارك أيضاً في الجريمة، وأُوقفَ مع رفيقيه لدى محاولتهم الفرار من مراكش بهدف عبور الحدود إلى ليبيا، وفق المحقّقين.
وعُرف أُوزياد وهو نجار، وأبٌ لطفلة، بأنه شاب عادي لا تبدو عليه أي علامات تطرّف، وفق شهادات من الحيّ حيث كان يقطن في الضاحية الفقيرة لمدينة مراكش. ويقول أقرباؤه إنه اعتنق السلفية قبل أشهر من الجريمة، وأطلق لحيته وبات يلبس على الطريقة السلفية.


البائع المتجوّل... مصور فيديو الذبح

 

 
رشيد أفاطي (33 سنة)، لم يسهم في عملية ذبح الضحيتين إذ كان يوثّق الجريمة بكاميرا هاتفه النقال، بحسب المحقّقين، وهو الفيديو الذي بُثّ لاحقاً على مواقع التواصل الاجتماعي.
كان أفاطي، وهو أيضاً بائع متجوّل مثل عبد الصمد الجود، يعيش في قرية تقع على بعد 20 كيلومتراً من مدينة مراكش مع زوجته وأربعة أبناء. ويؤكد أقرباؤه للإعلام أنه "عزل نفسه" في الأشهر التي سبقت الجريمة. وكما فعل شركاؤه المفترضون، حلق لحيته وتخلّى عن الثياب التقليدية بعد تسجيل فيديو مبايعة "داعش".


"السبّاك" عبد الرحيم خيالي

 

 
أُوقف عبد الرحيم خيالي (33 سنة) في حي العزوزيّة، في ضاحية مراكش بعد ساعاتٍ من اكتشاف جثّتي الشابتين. ترك عمله في فندق لأنه يقدّم الكحول وبدأ يرفض مصافحة النساء ويُعارض الاحتفالات العائلية المختلطة، بعدما أصبح قبل ثلاث سنوات سلفياً متشدّداً.
وكان ذهب مع رفاقه إلى جبل الأطلس لكنه غادر قبل ارتكاب الجريمة وعاد إلى مراكش بحثاً عن "مخبأ"، ليعمل على تسهيل فرار شركائه بعد ارتكابهم الجريمة، وفق محضر الاتهام.


كيفن زولر غويرفوس


هو إسباني سويسري اعتنق الإسلام، يبلغ من العمر 25 سنة، متّهم بتدريب أشخاصٍ وتجنيدهم لتنفيذ أعمال إرهابية وتقديم المساعدة لمَن يرتكب أفعالاً إرهابية. يُلقّب بعبد الله و"متشبّع بالفكر المتطرّف والعنيف" وفق محضر الاتهام. ويشتبه أيضاً في تورّطه "في تلقين بعض الموقوفين في هذه القضية آليات التواصل المشفّر، وتدريبهم على الرماية"، كما في المساعدة على تجنيد آخرين. والتقى بمؤيدين لفكر "داعش" في المسجد الكبير في جنيف، وتوجه إلى المغرب في العام 2015 للزواج.

 
المشبوهون الآخرون
 

كما أُوقف 20 متهماً آخراً تتراوح أعمارهم بين 20 و51 سنة، في مراكش ومدن أخرى لصلاتهم بالقتلة المفترَضين. وينتمي كل هؤلاء إلى الجماعة التي أسّسها المتّهم عبد الصمد الجود، ويعتنقون الأفكار ذاتها. وهم متّهمون بالتخطيط لهجمات في المغرب والسعي إلى القتال تحت راية "داعش" في العراق وسوريا، إضافة إلى بث "فيديوهات دعائية" لمتشدّدين عبر تطبيقَي "واتساب" و"تلغرام".


تفاصيل المحاكمة

 

تقدم الجود (الأمير) عندما نودي عليه، ناحية القاضي، من دون أن تظهر عليه علامات التوتّر، كان يتلمّس شعره الطويل، ووقف أمامه المتهمان عبد الرحمن خير وأوزياد، قبل أن يعودوا إلى القفص الزجاجي. وكانا يراقبان خلال الجلسة، القاعة المكتظّة ووجوه الحضور من محامين وأعضاء بعثات دبلوماسية وصحافيين وأجانب وعائلات، ولم يُخفوا ضحكات كانوا يتبادلونها أثناء حديثهم.
 

إدخال الدولة المغربية طرفاً

مباشرة بعد تقديم المتّهمين أمام هيئة المحكمة والتأكّد من وجود محاميهم معهم، تقدّم محامي الطرف المدني، عائلة الضحية الدنماركية في الجريمة الإرهابية، الحسين الراجي، بطلب إلى هيئة الحكم من أجل إدخال الدولة المغربية كطرفٍ في القضية، من أجل ضمان حصول العائلتين على تعويضاتٍ عن الجريمة التي لحقت بأبنتيهما في المغرب. لكن طلبَ إدخال الدولة المغربية طرفاً في القضية أثار جدلاً داخل المحكمة، حيث اعترض عليه الوكيل العام للملك، معتبراً أن هذا الإجراء ليس من اختصاص المحكمة وإنما على المحامين التوجّه إلى القضاء الإداري، معتبراً أن نقاش تعويضاتِ الضحايا ومَن سيسدّدها هو نقاشٌ سابقٌ لأوانه.


عائلة المتّهم السويسري

 

كما الجلسة الأولى لمحاكمة المتّهمين في جريمة "شمهروش" (المنطقة التي ارتُكبت فيها الجريمة)، حضرت في جلسة الخميس عائلة المتّهم السويسري كيفن، ممثَلةً بأُمه السويسرية وزوجته المغربية. وقدّم محامي كيفن، التماساً للمحكمة خلال الجلسة، للمطالبة بتوفير ترجمة فورية لأحداث الجلسة، مشدداً على أن الترجمة للأجانب الحاضرين في جلسة المحاكمة، تهدف إلى "خلق الطمأنينة" لموكله وعائلته. ولفتتْ عائلةُ كيفن أنظار وسائل الإعلام خلال أطوار المحاكمة، حيث كانت تحاول التواصل معه من وراء القفص الزجاجيّ الذي يضمّ المتهمين، قبل أن تخرج مجدداً إلى وسائل الإعلام بعد انتهاء الجلسة، لتتحدّث عن ابنها كما عرفته "مسلماً ولكن بعيداً عن التطرّف ومظاهره".


عائلات المتهمين

ومن بين مفاجآت الجلسة الثانية في سلسلة المحاكمة، حضور بعضٍ من عائلات المتهمين في هذه القضية، نساءً ورجالاً بأعداد قليلة جداً، واختاروا عدم الكلام والانزواء في أقصى قاعة المحكمة مكتفين بالتلويحِ لأقربائهم المتهمين ومراقبتهم بأعينٍ دامعة.


تنفيذ جريمة إمليل

خلال التحقيق، روى عبد الصمد الجود كيف نفّذ رفقةَ عنصرين من خليته، عملية قتل السائحتين ليلة 17 ديسمبر (كانون الأول) العام 2018، في منطقة إمليل. كانوا أربعة، توجهوا من مراكش إلى إمليل، قصدَ تنفيذ العملية، لكن أحدهم هو عبد الرحمان خيالي، غادر المكان قبل تنفيذ العملية وعاد أدراجه بينما واصل جود الطريق رفقةَ يونس أوزياد، ورشيد أفاطي، وتوجهوا إلى ضريح شمهروش (طريق جبل توبقال ضواحي مراكش) بعد صلاة العصر، يوم 16 ديسمبر. وكان يونس أوزياد أعدّ في 13 ديسمبر 2018، راية "داعش" ووضعها على جدار إحدى الغرف، واتفقوا على وضع هذه الراية وتصويرها خلف جثثِ السيّاح الذين سيستهدفونهم. ثم جلسوا جميعهم قبالة كاميرا هاتفِ نقال سجلوا فيديو أعلن فيه زعيم الخليةِ مبايعة أبو بكر البغدادي، قائلاً إنهم يعتبرون أنفسهم من جنوده في المغرب الأقصى، ناعتاً نظام الحكم المغربي بـ"الطاغوت".


ترقب السياح

 

واجتمع المتهمون الأربعة بتاريخ 14 ديسمبر 2018 وبحوزتهم سكاكين كبيرة الحجم وأغطية وخَيمة، وعند وصولهم إلى منطقة إمليل سلكوا طريقاً تؤدي إلى الشلالات في جبل توبقال حيث بقوا طيلة اليوم، يترصّدون ويترقّبون قدوم سياحٍ أجانبَ إلى عين المكان. وتابعوا في اليوم التالي صعودهم نحو قمة جبل توبقال، حيث صادفوا سائحتين أجنبيتين معهما ثلاثة مرشدين سياحيين، فقرّروا استهدافهما وتصفيتهما جسدياً، إلا أنهم تراجعوا عن ذلك بعدما لاحظوا وجود مواطنين مغاربة، وتابعوا الصعود إلى أن صادفوا سائحاً أجنبياً يتسلّق وتراجعوا عن استهدافه مرة أخرى بعدما لاحظوا أيضاً سكاناً محليين، ثم واصلوا سيرهم، وفي مساء ذلك اليوم اقتحموا غرفةً وباتوا فيها.
في اليوم التالي، وخلال توقيت صلاة المغرب، لفت انتباههم وجود سائحتين، تستعدان لقضاء الليلة في الجبل، بعدما نصبتا خيمتهما، فقرروا أن يبتعدوا عنهما مسافة ويُنصبوا خيمتهم أيضاً.


قطع رأسيّ السائحتين

اعترف عبد الصمد الجود بأنه قطع رأس إحدى السائحتين، فيما تولى يونس قطع رأس الأخرى. ويُقرّ الجود بأن أفاطي ساعده على قطع الرأس، بوضع رجله على عنق الضحية.
بعد تنفيذ الجريمة، قرّر الثلاثة مغادرة المكان، وساروا مسافة 20 كيلومتراً ليصلوا إلى منطقة أسني (قرية في إقليم الحوز بمراكش)، حيث ركبوا دراجة نارية كان تركها يونس أوزياد هناك. وبعد وصولهم إلى مراكش، استخدموا تطبيق تلغرام، لنشر شريطَي الفيديو، الأول يتضمّن عملية قتل وقطع رأس إحدى السائحتين، والثاني يبايع فيه الأربعة "داعش" ويتوعدون ويهدّدون بتنفيذ عمليات في المغرب.
بعد ذلك توجّهوا إلى منطقة حربيل، مكان سكنهم، وتخلّصوا من الدراجة، وصعدوا إلى جبل "برمرام" وبقوا فيه يومين. نزل عبد الصمد من الجبل وتوجه إلى أحد مقرّبيه وهو إمام مسجد في حربيل، يدعى عقيل الزغاري، فأخبره بما قاموا به، فردّ عليه بأنه اطلع على الشريطين عبر تطبيق تلغرام، وسلمهم مبلغ 1000 درهم (100 يورو) وكيسين بلاستيكيين يحتويان على مواد غذائية وفواكه.


توقيف المتهمين


وقرّر الفارون الثلاثة التوجّه إلى محطة باب "دكالة" لركوب حافلة متوجهة إلى أكادير ومنها إلى مدينة العيون. ركبوا سيارة أجرة، ومروا في الطريق على نقطة مراقبة أمنية للدرك، من دون مشاكل، ولكن شرطياً على نقطة مراقبة ثانية طلب منهم اطلاعه على بطاقات هوياتهم، فردّ عبد الصمد الجود ويونس أوزياد بأنها ليست معهم، لكن رشيد أفاطي سلمهم بطاقته. عندها، طلبت الشرطة من الثلاثة النزول من سيارة الأجرة، ليفرّوا من المكان، من دون أن تتمكن العناصر التي لاحقتهم من توقيفهم. وفيما بقيت بطاقة أفاطي لدى الشرطة، توجه الفارون إلى منطقة خلاء، مكثوا فيها فترة، قبل أن يتوجّهوا إلى باب دكالة، وركبوا حافلة متوجّهة إلى أكادير، حيث أُوقفوا.


اكتشاف الجثتين

 

تعرّضت لويزا فستيراغر يسبرسن، الطالبة الدنماركية البالغة من العمر 24 سنة، وصديقتها النرويجية مارن أولاند، 28 سنة، للذبح وقطع الرأس ليل 16-17 ديسمبر في نقطة معزولة على جبل الأطلس الكبير حيث كانتا تخيّمان.
ولزمت السلطات المغربية الحذر بعد اكتشاف جثّتيهما، متحدثةً باقتضاب عن "عمل إجراميّ"، لكن مسارَ القضية تغيّر بعد نشر فيديو عملية قطع رأس إحدى الشابتين على مواقع التواصل الاجتماعيّ، صوّره أحد القتلة بهاتف محمول، فيما تحدّث أحد رفاقه عن "أعداء الله" و"الانتقام من أجل الإخوة في سوريا". 
وبدأت الشرطة المغربية منذ اكتشاف الجثّتين، في ملاحقة المجرمين حيث أُوقف مشتبه فيه في إحدى ضواحي مراكش، وبعد 3 أيام أُلقي القبض على 3 آخرين كانوا يحاولون مغادرة المدينة في حافلة.


مطالبة بإعدام المجرمين

هزّت النهاية المأساوية للسائحتين الإسكندنافيتين المشاعر الإنسانية وصورة المغرب في العالم، فطالب البعض الدولة المغربية بانتهاجِ مقاربةٍ أمنية أكبرَ ضد مَن يسعى إلى تهديد أمن البلاد والعباد المغاربة والأجانب، وطالبوا بإنزال أقصى العقوبات بحقّ المجرمين. يُذكر أن حكم الإعدام لا يزال سارياً في المغرب، لكنّ تنفيذه مجمدٌ منذ العام 1993، بينما يدور نقاش حول إلغاء هذه العقوبة.


تهديدات إرهابية

وكانت المملكة المغربية حتى العام الماضي في منأىً عن أعمال العنف المرتبطة بـ "داعش"، لكنها شهدت سابقاً هجمات وتفجيراتٍ، أعنفها جرى في الدار البيضاء في العام 2003، حيث قُتل 33 شخصاً، إضافة إلى اعتداء حصل في مراكش في العام 2011، قُتل فيه 17 شخصاً. وكان لاعتداءات الدار البيضاء، التي نفذتها مجموعةً من 12 انتحارياً يتحدّرون من "سيدي مؤمن"، أحد أحياء الصفيح في عاصمة المغرب الاقتصادية، وقعٌ شديد على الرأي العام المغربي. ومنذ ذلك الحين، شدّد المغرب إجراءاته الأمنية وقوانينه، كما عزّز تعاونه الدولي في مجال مكافحة الإرهاب وباشر برنامجاً لإعادةِ هيكلةِ الحقلِ الدينيّ.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي