Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اقتراح التسوية لاستعادة الأموال المختلسة يثير الجدل في الجزائر

تساؤلات تُطرح وسط خبراء القانون وحتى الاقتصاد عن آليات تطبيق هذه الإجراءات ومدى نجاعتها

الجزائريون يجهلون حجم الأموال المسلوبة والعدالة أعلنت حجز 850 مليون دولار قبل أشهر (أ ف ب)

لا أخبار مُستجدة عن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، منذ استقالته في الثاني من أبريل (نيسان) 2019، بيد أن تراكمات فترة حُكمه التي امتدت لـ20 سنة، لا تزال تصنع الجدل على المستويين السياسي والشعبي، لتُعيده إلى واجهة الأحداث. فالأموال التي صُرفت في حقبة تسييره البلاد، قاربت الـ1000 مليار دولار، نُهب جُزء كبير منها، وفق المعارضة، قَطع خلفُه في الرئاسة عبد المجيد تبون عهداً باسترجاعها.

ويُثير هذا الملف بخاصة (استرجاع الأموال المنهوبة) النقاش نظراً إلى حساسيته، إذ طفا على السطح مُجدداً مع اقتراح حكومة رئيس الوزراء الجزائري، أيمن بن عبد الرحمن، تسوية ودية لاسترجاع الأموال المنهوبة في حقبة بوتفليقة (من دون تقديم تفاصيل)، وفق ما ورد في وثيقة مخطط عمل الحكومة التي ستناقش في غضون أيام.

 وجاء في الصفحة رقم 17 من الوثيقة في الجزء الخاص بالوقاية من الفساد ومكافحته، "اعتماد طريقة تسوية ودية تضمن استرداد الأملاك المختلسة"، ما يعني أن التسوية تشمل رجال الأعمال والمسؤولين المرتبطين بقضايا فساد واختلاس للأموال العامة، بالإضافة إلى الأموال المهربة للخارج.

كما ذكرت الوثيقة أنه ستتم "مواصلة مكافحة الفساد والمحاباة والمحسوبية، لا سيما من خلال إصلاح قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، وذلك من أجل تشديد العقوبات، فيما يخص جرائم الفساد، وتعزيز الجهاز الذي تم وضعه لتسيير الأملاك المحجوزة، مع إدراج أحكام خاصة لتسيير الشركات مَحل المتابعات القضائية". وأيضاً "مراجعة قانون تنظيم الصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، من أجل تفضيل التسوية الودية عبر الإجراءات الجزائية بهدف تعزيز القدرات المالية للبلاد".

على خطى كوريا الجنوبية ومصر

 قانونياً، بدأت التساؤلات تُطرح وسط خبراء القانون وحتى الاقتصاد، عن آليات تطبيق هذه الإجراءات ومدى نجاعتها، وما إذا كانت التسوية انتقاصاً من قيمة العدالة وهيبتها، فضلاً عن مخاوف من إمكانية تشجيع مثل هذه الإجراءات بقية الفاسدين على تجريب حظهم في نهب المال العام، خصوصاً إذا كانت النية المسبقة إرجاع جزء وإخفاء أو تهريب الجزء الباقي وغيرها من التساؤلات التي لم ترُد الحكومة عليها بعد، وينتظر ذلك مع نزولها إلى البرلمان.

وفي سياق مُتصل بإحدى القراءات المطروحة التي أعقبت المقترح الحكومي، يقول المحامي عبد الغني بادي "مثل هذا الإجراء غير منصوص عليه قانوناً، وهو تبطين غير معلن للاتجاه نحو مصالحة اقتصادية مثلما حدث في كوريا الجنوبية ومصر، في قضايا الفساد وغيرها من الدول". ويشير "نحن أمام دعوى عمومية تملكها النيابة وتنتج عنها أحكام بالحبس والغرامات والمصادرة، وهناك دعوى مدنية يملكها الضحايا وقد يكون هؤلاء أشخاصاً معنويين أو طبيعيين عموميين أو خواص، يحكم لهم القضاء بالتعويضات، إذاً ما طبيعة التسوية وهل ينتج عنها تخفيف أو إعفاء من الحبس والغرامات؟".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولا يبدو الناشط الحقوقي بادي مُتحمساً كثيراً لما يصفها بـ"الفتوى الحكومية"، إذ باعتقاده هي تمهيد للإفراج عن كثيرين من رجالات المال وكبار المسؤولين الذين تورطوا في قضايا فساد، ويشير إلى أن "الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قال في أحد تصريحاته، إنه يعلم مكان وجود الأموال المنهوبة وبالتالي عليه الالتزام بتعهداته".

ومن هذا المنطلق، برأي بادي فإن "السياسات التي لجأت إلى أسلوب التسوية الودية اعتمدتها كإجراء قبلي، أي قبل أي متابعات ومحاكمات، أما أن تعمل بالأسلوبين معاً تسوية أو مصالحة ومسار قضائي فهذا غير معمول به في السياسات التي انتهجت أسلوب التسوية، والقانون الجزائري يضع المصالحة في المخالفات الجمركية كإجراء موقف ويضع حداً للمتابعة". أضف إلى ذلك "وجود مسؤولين لهم أحكام نهائية، كيف سيكون الأمر بالنسبة إليهم أو حتى بالنسبة إلى أولئك الذين ما زالت قضاياهم قيد السريان"، معرباً عن تخوفه من "دوس السلطة التنفيذية على القضائية مُتجاوزة استقلالية القضاء والفصل بين السلطات".

مقدمة سياسية

عُموماً، يجهل الرأي العام حجم الأموال المهربة خلال عهد بوتفليقة، لكن المعطيات المتوافرة حالياً أن وزارة العدل الجزائرية أعلنت قبل أشهر أن "القضاء حجز على أموال قدرت بـ850 مليون دولار، إضافة إلى مركبات وعقارات، في إطار تحقيقات فساد حقبة بوتفليقة، موجودة على التراب الجزائري".

وسبقت إعلان الحكومة الجزائرية عن مقترح التسوية الودية تصريحات أدلى بها رئيس حزب "جبهة المستقبل" المرشح السابق للرئاسيات، عبد العزيز بلعيد في شهر فبراير (شباط) الماضي، بشأن المصالحة المالية والاقتصادية مع مختلف الشخصيات والإطارات ورجالات نظام بوتفليقة، وتقر هذه المصالحة، حسب رأيه، مقايضة حرية هذه الأسماء التي تقبع حالياً في السجن بسبب تورطها في قضايا فساد، مقابل إعادة الأموال المنهوبة من الخزينة العمومية.

حينها، قال بلعيد، في تصريحات صحافية، إن مسؤولين حكوميين وإداريين وجدوا أنفسهم وراء القضبان "كرهاً لا طواعية"، حسب رأيه، إذ أقدموا على تطبيق التعليمات التي كانوا يتلقونها بالهاتف غالباً من شخصيات نافذة في الحكم، ووجهاً لوجه أحياناً قليلة، وذلك يدخل كما قال "ضمن منظومة التسيير بالأوامر من دون مناقشتها، بل كانت تقدم على هذه الإجراءات باعتبارها عادية".

ووفق اعتقاده، فإن هؤلاء الرجالات لم يقوموا إلا بتنفيذ أوامر غير قانونية صادرة من جهات فوقية لها علاقة بمجموعات الكارتل المالي، والمرتبطة في حد ذاتها بالوسط السياسي، بمنح صفقات لاستثمارات كبرى، أو قطع أرض أو عقارات لصالح رجال أعمال، ليجدوا أنفسهم تحت طائلة القانون والمحاسبة والمتابعات القضائية وفي السجون.

ومن خلال هذا المؤشر، أعطت هذه التصريحات انطباعاً بأنها كانت فحوى ومضمون المحادثات مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لأنها جاءت بعد لقاء عبد العزيز بلعيد به، في قصر الرئاسة، ضمن مشاورات سياسية قادها تبون بمجرد عودته من رحلته العلاجية في ألمانيا مطلع العام الحالي.

مفاوضات عالية المستوى

اقتصادياً، يذكر المتخصص الاقتصادي، مصطفى بن خمو، بأن "لا وجود لشيء يمكن تسميته بمصالحة مالية واقتصادية مع مسؤولين تورطوا في الفساد"، مبرزاً أن وجود وقائع مثبتة تحتم على القضاء إصدار عقوبات بالسجن، حتى يكونوا عبرة في المستقبل لكل الذين يتقلدون مناصب المسؤولية في الدولة.

ويعتقد أن إقرار "المصالحة قد يُشكك في مساعي التغيير الذي يُطالب به الجزائريون"، معتقداً أن "استرجاع الأموال المنهوبة يكون من خلال بعث إجراءات عميقة والدخول في مفاوضات عالية المستوى وجدية مع الدول التي توجد فيها هذه الأموال على غرار فرنسا وإسبانيا وحتى سويسرا وبلدان أخرى".

ويوجد عشرات المسؤولين من وزراء سابقين ورجال أعمال وحتى جنرالات سابقين رهن الحبس، صدرت بحق بعض منهم أحكام ثقيلة تصل إلى 20 سنة سجناً، لتورطهم في قضايا فساد، وجاء التحقيق معهم عقب اندلاع الحراك الشعبي في 22 فبراير 2019، في خطوة لكسب ثقة المحتجين، الذين رفعوا مطالب تنادي بمحاكمة من وصفوهم بـ"العصابة".

وأثارت هذه المحاكمات التي لا تزال مفتوحة على مستوى القضاء، جدلاً واسعاً بين القانونيين، الذين حذروا من "العدالة الانتقامية" وطالبوا بتوافر شروط المحاكمة العادلة، سواءً لرجالات بوتفليقة أو لنشطاء الحراك، على اعتبار أن السياق العام الذي جاءت فيه ارتبط بأزمة سياسية يعيشها البلد.

المزيد من تقارير