Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مؤسسات مقدسية تجتهد لتذليل "العقبات" سعيا لإحداث تغيير

دعمت احتياجات السكان الأكثر ضعفاً بقرابة 3 ملايين دولار

متطوعون مقدسيون يتفاجأون باستدعاءاتٍ إسرائيلية للتحقيق معهم بتهمة "تشوية معالم المدينة والتحريض" (اندبندنت عربية)

بالفرشاة والألوان، يُحاول متطوعون مقدسيون شباب تلوين بعض الجدران في حارة السعدية وحي الشيخ جراح في مدينة القدس، على أمل إبهاجِ الساكنين هناك وإضفاءِ رقعة فنية جديدة في المكان، ليتفاجأ صبيحة اليوم التالي، بمخالفاتٍ مالية واستدعاءاتٍ إسرائيلية للتحقيق معهم بتهمة "تشوية معالم المدينة والتحريض وإثارة الشعب". فالقانون الإسرائيلي للبلديات والمتعلق "بالنظافة العامة والنظام"، يَحظُر على الفلسطينيين أولاً الرسم أو التلوين على الجدران ضمن ما يعرف بفن "الغرافيتي"، فيما قد يُفتح ملف جنائي إضافي لأصحاب تلك الرسومات، تصل العقوبة فيه إلى السجن لأشهر عدة، في حال رسمهم أو تعبيرهم عن أي رمز من رموز الهوية الفلسطينية "التحريضية"، حسب رؤيتهم.

ملاحقات وإغلاق

عام 2018، خرج الفنان الفلسطيني محمد جولاني من مأزق التضييقات الإسرائيلية الذي يمنع ترميم المنازل والرسم على جدرانها من دون الحصول على ترخيص، بأن لوَّن أسطح البيوت العربية بموافقة أصحابها المقدسيين، ضمن البرنامج الفني "كان يا مدينة" الذي أطلقه حوش الفن الفلسطيني آنذاك، ضمن شبكة فنون القدس (شفق)، التي تسعى إلى جانب مؤسسات أخرى إلى الحفاظ على الهويّة الفلسطينية جغرافياً وسياسياً وثقافياً، خصوصاً مع ارتفاع وتيرة الملاحقات والإغلاقات الإسرائيلية لبعض المؤسسات الفلسطينية، ومصادرة مقتنياتها ومستنداتها المالية واعتقال القائمين عليها.

سهيل خوري، المدير العام لمعهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى (غير حكومي)، يقول إن "المسألة الثقافية بالنسبة إلى الاحتلال مسألة أساسية، فهي ليست كالأمور الخدماتية الأخرى بل تحاكي الوعي الجماعي للمجتمع، والمشهد الثقافي الفني الفلسطيني من جهته يحاول الحفاظ على هذا الوعي الوطني الفلسطيني، وعلى الهوية الثقافية الفلسطينية، وذلك بتناقض مباشر مع الرؤية الإسرائيلية وما تود أن تراه في القدس، ولهذا السبب تستهدف السلطات الإسرائيلية المشهد الثقافي الفلسطيني الوطني في القدس، لأنها تعتبره خطراً على مخططها لأسرلة المدينة وأسرلة عقول الناس. أقول دائماً: إن هدمت إسرائيل بيتاً فممكن إعادة بنائه، وإن سرقت آخر فيمكن في يومٍ من الأيام استعادته، ولكن إن سرقت عقول الأجيال الفلسطينية الشابة، فسنحتاج إلى أجيال وأجيال لاستعادتها. إسرائيل تدرك هذا الأمر ولذلك تستهدف المشهد الفني الثقافي الفلسطيني".

علاقة حساسة

ومنذ عام 2000، أغلقت السلطات الإسرائيلية ما يزيد على 42 مؤسسة فلسطينية في القدس الشرقية بحججٍ مختلفة، تراوحت بين الانتماء السياسي "غير المشروع"، والتخلُّف عن دفع الفواتير، وغسل الأموال، و"تمويل الإرهاب"، فيما أظهر تقرير صادر عن NGO مونيتور (معهد أبحاث المنظمات غير الحكومية الإسرائيلي) عام 2020، كيف تم تحويل منح الاتحاد الأوروبي لعامي 2020-2019 في مجال حقوق الإنسان إلى المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية والفلسطينية المشاركة في "شيطنة" إسرائيل ومعاداة السامية، والصلات بمنظمات فلسطينية تصنف بالإرهابية، ومحاولات التأثير في الديمقراطية الإسرائيلية".

أولغا دويتش، نائبة رئيس منظمة NGO "مونيتور" في إسرائيل، قالت عبر بيان نشر على الموقع الرسمي للمنظمة "تحليلنا يسلط الضوء على الطريقة السياسية التي يختار بها الاتحاد الأوروبي شركاءه والمشاريع التي تعزز سياساته في المنطقة. ونأمل من الاتحاد الأوروبي والجهات المانحة الأخرى أن تكون أكثر حذراً بالتعامل مع المنظمات المرتبطة بالإرهاب. هذه القضايا مدمرة وتؤثر بالفعل في العلاقة الحساسة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل".

المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي في الأراضي الفلسطينية، شادي عثمان، نفى اتهامات "مونيتور" بالقول "هذه التكهنات والادعاءات الإسرائيلية من منظمة غير حكومية لا أساس لها من الصحة، إذ يعمد الاتحاد الأوروبي إلى تمويل نشاطات فلسطينية مفصلة ودقيقة تخضع لمعايير الاتحاد، كما أن السياسة العامة للمنح والتمويل الأوروبي تشترط على المستفيدين مهما كانوا، تقديم تفاصيل مالية لكل الأنشطة الممولة، التي تم التأكد منها والموافقة عليها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

صندوق أورشليم

ومع تردي الأوضاع المالية للمؤسسات الفلسطينية المقدسية التي تعتمد على التمويل الخارجي بنسب كبيرة، وانهيار بعضها بسبب قلة الموارد المالية وتجفيفها، عَملت مؤسسة صندوق أورشليم القدس (إسرائيلية غير حكومية) حسب القائمين عليها، لإعداد خطة للأعوام العشرة المقبلة بهدف ضمان مستقبل وازدهار مدينة القدس بحلول عام 2030، وذلك بدعم المبادرات والمشاريع والمؤسسات المختلفة (إسرائيلية وفلسطينية)، التي تعزز التمكين المجتمعي والثقافة الخلاقة والقيادة المستقبلية والتسامح. وقد حصلت مؤسسات فلسطينية عدة على منحٍ تمويلية من الصندوق، أسهمت في تعزيز استمراريتها وضمان أنشطتها.

ولتقوية النسيج الاجتماعي في القدس بين جميع السكان (عرب ويهود) وتعزيز التعايش، بادر الصندوق للعام الثاني على التوالي، بتقديم منحٍ مالية للمؤسسات والمنظمات داخل القدس، تبلغ قيمتها 40 ألف دولار، لمن يطرحُ مبادراتٍ مبتكرة من شأنها تقوية العيش المشترك بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

ويقول شاي دورون رئيس المؤسسة "إن مؤسسة القدس ملتزمة بناء استراتيجيات لتعزيز مستقبل المجتمع المدني في المدينة في مواجهة أزمة كورونا. نرى الدعم الذي نقدمه هذا العام فرصة ليس فقط لتوسيع نطاق تأثير المؤسسة، ولكن أيضاً فرصة للتعلم التي قد تكون حاسمة في المستقبل لظهور طرق جديدة لتجربة الثقافة والفن، وأخرى جديدة للتفاهم والمشاركة في الفضاء المجتمعي والفضاء الإلكتروني".

وعن تخصيص الصندوق مليون دولار وأكثر لمشاريع مبتكرة في مجال الثقافة والمجتمع كجزء من "صندوق الابتكار" 2021، تقول روث ديسكين، مديرة قسم المشاريع في المؤسسة، "تفتخر مؤسسة القدس بقدرتها على المشاركة بمليون وربع المليون دولار في مشاريع تظهر إبداعاً في التعامل مع محدودية كورونا، التي تثري المشهد الثقافي والمجتمعي في القدس، وتتميز بالتعاون والوصول إلى جماهير جديدة".

تشكيك في دور الصندوق

وعلى مدى الأعوام الخمسين الماضية، قدم صندوق أورشليم القدس بحسب موقعه الإلكتروني، أكثر من أربعة آلاف مشروع، تدور غالبيتها في فلك الثقافة، كالمسارح والمعاهد الموسيقية والمكتبات والحدائق.

فمنذ بداية أزمة كورونا، دعم الصندوق احتياجات السكان الأكثر ضعفاً في المدينة بمبلغ تجاوز تسعة ملايين شيكل (قرابة ثلاثة ملايين دولار) فيما شكك فلسطينيون في دور هذا الصندوق وأهدافه من تلك المنح المالية وحقيقتها.

جاك برسكيان، مدير مؤسسة "المعمل" للفن المعاصر (غير ربحية)، يقول مستهجناً "صندوق القدس هو أحد أذرع الكيان الصهيوني وأداة من أدوات تنفيذ سياساته الاستراتيجية. وبما أن القدس عند معظم الشعب الإسرائيلي عاصمة دولتهم الأزلية، فلا مكان لأي شعب آخر وهوية أخرى تنازعهم عليها، خصوصاً تلك التي تكذب ادعاءاتهم وتوجهاتهم بقضايا أساسية وأخلاقية تخص حقوق الإنسان والعدالة والقانون الدولي. قوة الاستعمار تلجأ في بعض الأحيان لإتاحة متنفس ومساحات للتعبير مضبوطة ومسيطر عليها أمنياً ومالياً، للتخفيف من حدة ردود الفعل المقهورة جراء سياسات الاحتلال القمعية، وهنا يأتي دور سياسة العصا والجزرة في القدس. فالعصا بيد الحكومة والأجهزة الأمنية والدوائر الحكومية مثل ضريبة الدخل ومسجل الجمعيات وغيره من أجهزة وأدوات القمع والترهيب، والجزرة بيد صندوق أورشليم القدس".

ترميم فقط

يذكر أن صندوقاً مشابهاً لصندوق أورشليم القدس تُجمع فيه التبرعات لدعم القدس والمقدسيين، وهو ضمن مسؤولية دولة المغرب حالياً، إضافة إلى صناديق أخرى، لكنها لا تتعدى ترميم بعض بيوت البلدة القديمة وعقد دورات تدريبية للأطفال والنساء.

وصرحت وزارة الأمن العام الإسرائيلية في بيان، أن "كل نشاط للسلطة الفلسطينية في الأراضي الإسرائيلية غير منسق وغير موافَق عليه من قِبَل السلطات محظورٌ بموجب القانون وعلى الشرطة منعه".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير