Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ينجح أوباسانجو في تعزيز استقرار القرن الأفريقي؟

يتمتع بخبرة سياسية وعلاقات استراتيجية إقليمية ودولية واسعة

هل ينجح المبعوث الجديد للاتحاد الأفريقي في حل أزمات هذه المنطقة الملتهبة بالأحداث والخلافات العميقة؟ (أ ب)

عين الاتحاد الأفريقي رئيس نيجيريا الأسبق أولوسيجون أوباسانجو مبعوثاً سامياً للقرن الأفريقي، الذي يضم إثيوبيا، وكينيا، وأوغندا، والصومال، وجيبوتي، وإريتريا، والسودان، وجنوب السودان، للعب دور بهدف إحداث تهدئة وتوافق بين دول المنطقة التي تشهد أزمات ونزاعات في ما بينها، انطلاقاً مما يتمتع به أوباسانجو من خبرة سياسية وعلاقات استراتيجية إقليمية ودولية واسعة، فضلاً عن التزامه الشديد بالمثل العليا للوحدة الأفريقية والتكامل والتعاون الإقليمي، والمعرفة العميقة بما يجري داخل منطقة القرن الأفريقي.

لكن هل ينجح المبعوث الجديد للاتحاد الأفريقي في إحداث اختراق يقود إلى حل أزمات هذه المنطقة الملتهبة بالأحداث والخلافات العميقة بين عدد من دولها، وصولاً إلى تعزيز السلام والأمن والاستقرار والحوار السياسي في القرن الأفريقي؟

استمرار الأزمات

تشير أستاذة العلوم السياسية، والأمينة العامة لمركز القرن الأفريقي في الخرطوم فاطمة عمر العاقب، إلى أن "منطقة القرن الأفريقي تمثل أهمية بالغة ابتداء من موقعها الجيواستراتيجي المهم، واحتوائها على موارد طبيعية مختلفة، فضلاً عن أهميتها التاريخية والدينية، وهي قديمة متجددة على مرّ التاريخ، ويشكل القرن الأفريقي نظاماً إقليمياً متكاملاً بحسب عناصر النظام الإقليمي من التجاور الجغرافي، والتشاكل في طبيعة الأنظمة السياسية والاقتصادية ودرجة التفاعلات بين هذه الدول اجتماعياً، ودرجة التماثل الثقافي والاجتماعي بينها، وبالتالي، تتأثر الدول ببعضها البعض وما يحدث في دولة من تغيير سياسي أو اقتصادي أو أمني ينسحب على سائر الدول المكونة للمنطقة، ويؤثر بالتالي على الاستقرار والأمن الإقليميين".

وأرجعت العاقب استمرار الأزمات وتعددها في هذه المنطقة الى تاريخ تكوين دولها ما بعد الاستعمار، بداية بأزمة بناء الدولة والمحافظة عليها وصولاً الى أزمة انهيار الدولة  كالصومال، أو عدد الصراعات التي خاضتها دول المنطقة، ويتضح أن هذه الدول دخلت في أتون الصراعات البينية مع بعضها البعض في فترات مختلفة، ما انعكس بشكل سلبي على أمن المنطقة واستقرارها، لافتة إلى أن هذه الأزمات تتعدد وتتباين بين أزمات إنسانية، واقتصادية، وسياسية، وتطرف ديني، فالأزمات الإنسانية كانت بسبب الجفاف والتصحر الذي ضرب المنطقة من حين لآخر، أو كنتاج للصراعات الداخلية، فضلاً عن الأمراض مثل الإيدز، وأخيراً التهاب الكبد الوبائي الذي انتشر في عدد من دول المنطقة، أما الأزمات الاقتصادية فهي أزمة عامة لدول المنطقة بخاصة الدول الأقل نمواً، وتتصف بضعف الناتج المحلي مع ارتفاع الاستهلاك، كنتاج لعدم وجود القدرات التشغيلية للموارد المتاحة، وتدني الإنتاج مقابل الاستهلاك وتباين السياسات الاقتصادية المعمول بها مع ارتفاع نسبة العطالة والفقر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابعت العاقب، "وفي ما يتعلق بالأزمات السياسية في منطقة القرن الأفريقي، فهي متعددة الأسباب ومختلفة الدوافع، منها الأيديولوجي عندما حاول نظام عمر البشير تصدير الثورة الإسلامية إلى دول القرن الأفريقي ما أثار حفيظة هذه الدول وخلق أزمة بينها وبين الخرطوم، وهناك أزمة سدّ النهضة، وكذلك قضية الخلاف الحدودي بين السودان وإثيوبيا، وما حدث بين أسمرة وأديس أبابا في مثلث بادمي عام 2000، أما التطرف الديني، فهو نتج من انهيار الدولة الصومالية ودخول عدد كبير من العناصر المتطرفة إلى أرض الصومال، ما خلق أزمات سياسية ولّدت صراعات أثرت في كل دول القرن الأفريقي، وأثارت حفيظة المجتمع الدولي نظراً لتحول المنطقة إلى بؤرة للإرهاب الدولي".

خطوة صحيحة

واعتبرت تعيين أوباسانجو كمبعوث للاتحاد الأفريقي لمنطقة القرن الأفريقي، خطوة في الاتجاه الصحيح، ونتيجة جهود رفيعة المستوى لمعالجة الأزمات السياسية والأمنية والإنسانية المتداخلة في هذه المنطقة، وقالت إنه الشخص المناسب في ما خصّ خبرته الكبيرة في أفريقيا عامة والإقليم بشكل خاص، وهو ملم وفاعل في كثير من ملفات القارة بخاصة ملف القرن الأفريقي، وكان من أوائل الذين وصلوا الى أديس أبابا لرأب الصدع الإثيوبي في 2020.

أضافت الأمينة العامة لمركز القرن الأفريقي، "تزامن تعيين أوباسانجو مع تصاعد التصريحات من قبل مسؤولي دولتي السودان وإثيوبيا بشأن تطورات الأوضاع في إقليم القرن الأفريقي وارتفاع وتيرة القضايا الخلافية مثل الحدود وسد النهضة وتيغراي، وكذلك على الصعيد الداخلي بين حكومة أبيي أحمد وتيغراي والقوميات الأخرى، فهذه الأزمات الشاملة قادت إلى زعزعة الاستقرار والأمن الإقليميين في القرن الأفريقي، ما يضاعف من مشقة مهمة المبعوث الجديد، لكن قد تساعد معرفته الرصينة بهذه المنطقة في خلق مسار لأرضية مشتركة للأطراف المتنازعة، وقد ينجح في ما فشل فيه الآخرون".

وأكدت العاقب أن سلام القرن الأفريقي يرتبط إلى حدّ كبير بالدولة المحورية السابقة، وهي الدولة الإثيوبية، التي انسحبت حال عدم الاستقرار التي عاشتها إلى سائر الإقليم، وعليه، يبدو أن ترتيب الوضع في المنطقة لن تسود فيه الصورة النمطية القديمة التي ترتكز على الدولة المحورية الإثيوبية، بل هناك جملة من الأدوار الإقليمية الجديدة التي ظهرت لدول جديدة تبوأت أدواراً إقليمية رائدة أو سيكون لها دور إقليمي أكثر فاعلية وإيجابية مثل السودان، ولم يعد أمن القرن الأفريقي يبدأ مع ترتيب الداخل الإثيوبي بقدر ما أصبح هو أمن نظام إقليمي متكامل.

وشددت، في الوقت عينه، على أن النظام الإقليمي المقبل يحمل سياسة الكل وليس الجزء في إطار التكتل الإقليمي لجهة التعاون والتكامل الإقليميين، وقد ظهر بما لا يدع مجالاً للشك أن الدول الغريبة اتجهت أنظارها إلى السودان كفاعل إقليمي رئيسي في مستقبل السلام والاستقرار في القرن الأفريقي، ما يلقي على الحكومة السودانية الانتقالية عبئاً كبيراً في تأكيد فاعلية الدور الإقليمي للسودان الذي يمكنه أن يقوم به لإحلال الأمن والسلام في المنطقة.

حكم مبكر

في المقابل، أوضح الكاتب والمحلل السياسي الإريتري محمود أبو بكر، أن "من المبكر جداً الحكم على مهمة المبعوث الأفريقي الجديد في منطقة القرن الأفريقي، لكن لا شك أن الرجل يملك خبرات سياسية ودبلوماسية مشهودة، ويتمتع باحترام كبير على مستوى القارة الأفريقية والعالم، لجهة التزامه بقيم الديمقراطية والحكم الراشد خلال توليه رئاسة نيجيريا في تجربتين مختلفتين، وسعيه الكبير للنهوض بالعلاقات الأفريقية - الأفريقية"، وتابع أبو بكر، "مما لا شكّ فيه أيضاً أن منطقة القرن الأفريقي تشهد نزاعات دولية وأخرى داخلية مستعصية، بعضها ذو طابع بنيوي، كما أن تاريخ العلاقات بين دولها اتسم غالباً بالصراعات المستدامة، بالتالي، فإن نجاح مهمة أوباسانجو مرهونة بمدى استعداد قادة هذه الدول للتعاطي مع المبادرات التي يمكن أن يقترحها، ومدى تقبل الدول العظمى لهذا الدور".

وعلق أبو بكر على سر اهتمام الغرب بهذه المنطقة، وهل يقف وراء أزماتها؟ قائلاً، "الغرب مهتم أولاً بهذه المنطقة نظراً لموقعها المتميز وما يمثله من أهمية استراتيجية وعسكرية وسياسية واقتصادية، سواء بحكم إطلالها على البحر الأحمر والمحيط الهندي، أو لتحكمها في أهم الممرات البحرية على الصعيدين الإقليمي والدولي، ويعد مضيق باب المندب المتحكم في البحر الأحمر من ناحية الجنوب، الطريق الوحيد الذي يربط بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، بالتالي يكتسب أهمية قصوى في الملاحة البحرية، بخاصة كممر للنفط العربي في طريقه نحو أوروبا وأميركا. كذلك هناك أهمية استراتيجية وعسكرية للمنطقة من حيث ربطها بين قارتي أفريقيا وآسيا، فضلاً عن البعدين الأمني والاستخباراتي سواء في الحرب الدولية على الإرهاب أو تأمين التجارة الدولية".

وتابع المحلل السياسي الإريتري، "للأسف، وعلى الرغم من بريق الأمل الذي سطع مع التغيير الذي حدث في إثيوبيا وانفتاحها على الجوار، والخطاب الذي تبنته قيادة التغيير حينها، إلا أن الأمور يبدو أنها سارت بشكل عكسي مع انفجار الأوضاع الداخلية وتورط دول الإقليم، لا سيما إريتريا والصومال ربما، في حرب إقليم تيغراي، كل ذلك، أسهم في انطفاء هذا الأمل، كما أن تصاعد الخلاف بين إثيوبيا والسودان في قضايا حدودية من جهة، وفي ملف سد النهضة، بين أديس أبابا والخرطوم والقاهرة، من جهة أخرى، ضاعف حجم المخاطر، بما يهدد مستقبل هذه المنطقة".

حملة للسلام

وكان رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي، قال عقب تعيين أوباسانجو، الخميس، الثاني من سبتمبر (أيلول) الحالي، إن هذا التعيين يأتي جزءاً من حملة الاتحاد الأفريقي لتحقيق السلام والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، لافتاً إلى أن مبعوث الاتحاد الأفريقي الجديد سيبدأ أولى مهامه بإجراء اتصالات مع كل الجهات السياسية الفاعلة وأصحاب المصلحة المعنيين في المنطقة، من أجل ترسيخ السلام والأمن والاستقرار في القرن الأفريقي، بخاصة أن أوباسانغو يعد من الزعماء الأفارقة المشهود لهم بالقبول والاحترام على مستوى القارة الأفريقية وخارجها، ما يمكّنه من إنجاز مهامه بالسرعة والسهولة المطلوبتين، ودعا فكي أصحاب المصلحة والمجتمع الدولي إلى تقديم كل الدعم لمبعوث الاتحاد الأفريقي.

ترحيب سوداني

كما رحب السودان، بصفته الرئيس الحالي لمنظمة "إيقاد" بتعيين أوباسانجو مبعوثاً سامياً للقرن الأفريقي، مؤكداً، بحسب بيان صادر عن وزارة خارجيته، أن مواجهة التحديات الكبيرة التي تجابه منطقة القرن الأفريقي تتطلب شراكة عضوية وحقيقية بين الاتحاد الأفريقي و"إيقاد"، عملاً بمبدأ تكاملية الجهود بين الاتحاد الأفريقي والمنظمات والمجموعات الاقتصادية الإقليمية في مجال السلم والأمن.

وأشارت الخارجية السودانية إلى تتطلع بلادها للعمل المشترك والتنسيق الوثيق والفعال مع الاتحاد الأفريقي ومبعوثه السامي الجديد، إكمالاً للجهود التي بدأها رئيس مجلس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، الرئيس الحالي لـ "إيقاد" لمواجهة التحديات الراهنة في المنطقة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير