Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أي رسائل يحملها التعاون العسكري بين مصر وقبرص؟

تأتي قبيل مفاوضات "استكشافية" بين القاهرة وأنقرة وثروات شرق المتوسط توطد التحالفات ضد مطامع وتعديات تركيا

القاهرة تستضيف القمة الحكومية الأولى بين مصر وقبرص (الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية - صفحة الرئاسة المصرية على فيسبوك)

استضافت القاهرة النسخة الأولى من أعمال اللجنة العليا الحكومية المشتركة مع قبرص، التي اتُّفق خلالها على تعزيز التعاون في مجالات الدفاع والتعاون العسكري والأمن والطاقة، بالتزامن مع إعلان وزارة الخارجية المصرية استجابتها لدعوة نظيرتها التركية لإجراء "الجولة الثانية من المحادثات الاستكشافية بين البلدين".

وبينما اجتمعت القاهرة وأنقرة ودول عربية وإقليمية متنافسة أخيراً خلال "مؤتمر بغداد"، ما عدّه مراقبون ومسؤولون شاركوا في القمة بمثابة خطوات عملية نحو "مصالحات إقليمية"، تصرّ مصر على وصف مباحثاتها مع تركيا على أنها مفاوضات "استكشافية" وتتعلق في الأساس بالعلاقات الثنائية المضطربة منذ أعوام بين البلدين المختلفين في ملفات عدة، على رأسها مسألة تقاسم موارد الهيدروكربون في شرق البحر المتوسط.

وإلى جانب الاتفاق على تعزيز التعاون العسكري بين القاهرة ونيقوسيا خلال "قمة القاهرة"، أمس السبت، تتواصل فعاليات مناورات "النجم الساطع 2021" التي تشارك فيها قبرص واليونان، الغريمان التقليديان لتركيا، إضافة إلى الأردن العضو في منظمة "منتدى غاز شرق المتوسط"، وكذلك الولايات المتحدة وفرنسا المراقبتان في المنظمة التي صادق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على ميثاق تأسيسها يوم الخميس، بعد موافقة مجلس النواب في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

تعاون دفاعي وسط تأزم القضية القبرصية

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره القبرصي، تحدث السيسي عن اعتزازه "بما وصلت إليه العلاقات الثنائية بين مصر وقبرص، وما جرى إنجازه على مختلف الأصعدة السياسية والعسكرية"، وشدد على أن "الشراكة الاستراتيجية التي جرى تأسيسها في شرق البحر المتوسط تستوجب توثيقاً دائماً يهدف إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي والتزام الدعم المتبادل إزاء مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك".

ومع انطلاق أعمال "اللجنة العليا الحكومية" التي عُقدت للمرة الأولى على المستوى الرئاسي، قال السفير بسام راضي، المتحدث باسم الرئاسة المصرية إن "اللجنة تتناول جوانب مهمة عدة من العلاقات الثنائية بين البلدين، بخاصة في مجالات الدفاع والتعاون العسكري والأمن والطاقة والتجارة والاستثمار والنقل البحري والزراعة والتعليم والبيئة والشباب".

وتأزم الصراع بين قبرص وتركيا التي تحتل الجزء الشمالي من الجزيرة منذ عام 1974 خلال الأعوام الأخيرة عقب اكتشافات الغاز في شرق البحر المتوسط، حيث دأبت الأخيرة على القيام بعمليات تنقيب في مناطق تعتبرها الأولى ضمن حقوقها السيادية وكذا التعرض عسكرياً لسفن التنقيب التي تعمل لحساب نيقوسيا، وأخيراً تطور الوضع الميداني بعدما افتتحت أنقرة جزءًا من بلدة مغلقة بقرار أممي تُدعى فاروشا، كما أعلن زعيم "القبارصة الأتراك" إرسين تتار في يوليو (تموز) الماضي افتتاح أجزاء من البلدة المسيجة رسمياً.

وقبيل انطلاق القمة (المصرية – القبرصية)، طلب وزير الخارجية نيكوس خريستودوليديس من الاتحاد الأوروبي ونظرائه الأوروبيين التدخل "لإقناع أنقرة بالتراجع عن الإجراءات غير القانونية في منطقة فاماغوستا المغلقة والعودة إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى إطار حل متفق عليه".

وأكد الرئيس المصري موقف القاهرة "الثابت" إزاء الوضع في منطقة شرق المتوسط والقضية القبرصية، داعياً إلى "ضرورة التزام الدول احترام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، بخاصة مبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام السيادة والمياه الإقليمية للدول وأهمية احترام الحقوق السيادية لدول المنطقة اتصالاً بمسألة التنقيب عن الغاز الطبيعي والثروات الهيدروكربونية في مناطقها الاقتصادية الخاصة طبقاً للقانون الدولي واتفاقيات تعيين الحدود البحرية ذات الصلة".

مناورات مشتركة

وفي سياق ذي صلة، تشارك قبرص للمرة الأولى في مناورات "النجم الساطع" (الأميركية - المصرية) التي تعقد مرة كل عامين، وأعلنت وزارة الدفاع القبرصية مشاركة عناصر من قوات الحرس الوطني وضباط من القوات الخاصة والمدفعية وسفينة حربية في تمرين "النجم الساطع" متعدد الجنسيات حتى  16 سبتمبر (أيلول) الحالي في مصر، تأكيداً على "التعاون الاستراتيجي بين البلدين في مجالات الدفاع والأمن".

وعلمت "اندبندنت عربية" من مصادر مطلعة أن "قبرص أقنعت مصر ودولاً عدة في شرق المتوسط بضرورة دعم تعاونها الدفاعي في مواجهة تركيا، بعد قيام الأخيرة بخطوات لتحويل مطار في قبرص الشمالية إلى قاعدة عسكرية للطائرات المسيّرة، فضلاً عن خطوات لتدشين قاعدة بحرية هجومية من شأنها التأثير في الوضع الأمني بشرق المتوسط". وقال مصدر في الرئاسة القبرصية إن "التحركات العسكرية التركية الأخيرة لا تستهدف قبرص في حد ذاتها، فالوجود العسكري لأنقرة قائم في الجزيرة كقوة احتلال منذ عقود، لكن قاعدة الطائرات المسيّرة هدفها مراقبة المجالين الجوي والبحري للمنطقة بشكل هجومي يستهدف جيران قبرص وشركاءها في شرق المتوسط بالأساس"، مشيراً إلى أن "الفترة الأخيرة شهدت مستوى رفيعاً من تبادل الزيارات العسكرية من جانب وزيري دفاع البلدين ورئيسي الأركان وقادة بعض الأفرع الرئيسة في القوات المسلحة مثل القوات البحرية، فضلاً عن مشاركة قبرص في حفل تدشين قاعدة 3 يوليو المصرية على البحر المتوسط".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما ذكر الجيش القبرصي أن "قواته ستجري أيضاً مناورة عسكرية تُسمّى بطليموس، اليوم الأحد، بمشاركة القوات الخاصة لقبرص ومصر". وتأتي المناورة ضمن اتفاق لتبادل الخبرات حول العمليات الخاصة البحرية، و"توثيق التعاون بهدف تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة شرق البحر المتوسط" بحسب بيان وزارة الدفاع القبرصية.

وقال أحمد قنديل، رئيس وحدة العلاقات الدولية في مركز "الأهرام" للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، إن "القمة المصرية - القبرصية تأتي في ظل تغيرات عدة بالمنطقة وعلى رأسها الإدارة الأميركية الجديدة للرئيس جو بايدين، إذ توجه رسائل إلى واشنطن بشأن ترتيبات الأمن الإقليمي بالمنطقة في ضوء الإشارات الآتية من إدارته حول تقليل وجودها العسكري في المنطقة، فهناك دول مثل مصر وقبرص واليونان ودول عدة بشرق المتوسط تنشط في إجراء تدريبات عسكرية مشتركة مثل تمرين ميدوزا وغيرها، كما تشارك نيقوسيا والقاهرة في مناورات متعددة الأطراف في شرق المتوسط".

وأضاف، "مشاركتهما في مناورات النجم الساطع مؤشر أيضاً إلى دورهما في تعزيز الأمن والاستقرار في شرق المتوسط مع ميل إدارة بايدن إلى تقليل وجودها العسكري في الشرق الأوسط، وقبرص على الرغم من أنها جزيرة صغيرة الحجم إلا أنها ناشطة في تيسير التفاعلات الإقليمية منذ فترة وتلعب دوراً بالتعاون مع جيرانها في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى لبنان والأردن وأرمينيا وإسرائيل وغيرها، بالتالي مصر حريصة على استمرار هذا الدور، فضلاً عن سعي القاهرة لدفع شراكات الطاقة وتأمينها باعتبار قبرص محطة مهمة لنقل الغاز إلى أوروبا".

الغاز المصري يدخل المعادلات الإقليمية

سجلت إحصاءات رسمية مصرية أعلى معدل لاستهلاك الغاز على المستوى المحلي الشهر الماضي، بينما تسعى الحكومة إلى التوسع في توصيل الغاز الطبيعي إلى مئات القرى النائية التي تشملها مبادرة "حياة كريمة" المعنية بتطوير الريف في البلاد، لكن الاستغلال الأمثل لطفرة اكتشافات الغاز الذي أعلنت مصر تحقيقها الاكتفاء الذاتي منه في سبتمبر (أيلول) 2018، لا يزال بعيد المنال، وسط حاجة البلاد المتزايدة إلى رفع دخلها القومي من العملة الصعبة، ووجود منافسة شرسة بين خطوط الغاز الساعية نحو نصيب الأسد من السوق الأوروبية التي ظلت لعقود أسيرة الغاز الروسي الذي يمرّ عبر تركيا.

وخلال العقد الأخير، ظل الغاز اللاعب الخفي في الصراعات الإقليمية ومفتاح التأثير الرابح لدى اللاعبين الإقليميين كافة. وتقول مصادر حكومية مصرية في تصريحات خاصة إن "البلاد تسعى من خلال الطاقة وإعادة الإعمار والتعاون الأمني والدفاعي، إلى تعزيز حضورها الإقليمي والعربي خلال الفترة الراهنة التي تشهد مستوى من التوافق تسمح بفرض معادلة الربح للجميع، بدلاً من التنافس المدمر القائم على الهيمنة والتدخلات العسكرية التي أثبتت فشلها".

ولفت مصدر حكومي مطلع على المناقشات التي جرت في قصر الاتحادية الرئاسي المصري إلى أن البلدين ناقشا "نقل الغاز القبرصي عبر أنبوب من خزان حقل أفروديت إلى محطات الإسالة المصرية لكن لا تزال خطواته التنفيذية تواجه صعوبات بسبب تأثر أنشطة الشركات المشاركة في التنفيذ بتداعيات الجائحة العالمية، وكذلك تم الاتفاق بشكل تنفيذي بشأن كابل نقل الكهرباء من مصر إلى قبرص واليونان، وصولاً إلى أوروبا".

واستعرضت اجتماعات اللجنة الحكومية العليا بين مصر وقبرص فرص التعاون المستقبلي في مجال الطاقة بأطره القائمة مثل مشاريع الربط الكهربائي، أو أطر جديدة ممكنة مثل مشاريع الطاقة المتجددة، مع "التأكيد في هذا السياق على أهمية الإسراع في خطوات تنفيذ مشروع خط الأنابيب الذي سيربط حقل أفروديت القبرصي بمحطتي الإسالة المصرية في إدكو ودمياط تمهيداً للتصدير إلى الأسواق الأوروبية"، بحسب البيان المشترك الصادر عن البلدين في ختام المباحثات.

قبرص و"شد الحبل" بين القاهرة وأنقرة

وبينما يستعد وفد دبلوماسي مصري برئاسة نائب وزير الخارجية للسفر إلى أنقرة الثلاثاء المقبل لمواصلة جولات المباحثات "المبدئية" حول استئناف العلاقات بين الجانبين، قال مصدر دبلوماسي قبرصي لـ"اندبندنت عربية" إن "علاقات بلاده بمصر لن تتأثر بمساعي التواصل بين القاهرة وأنقرة خلال الفترة الأخيرة بعد أعوام من القطيعة الدبلوماسية"، مشيراً إلى أن السيسي وجّه رسائل مهمة تُعدّ بمثابة شروط مسبقة للتفاوض المقبل مع تركيا خلال أيام، و"على رأسها وقف تدخلاتها في شؤون دول المنطقة، بتأكيده رفض المساس بسيادة قبرص وحقوقها وسلامة أراضيها". وأكد أيضاً "تضامن بلاده مع قبرص حيال أي ممارسات من شأنها المساس بسيادتها أو محاولات فرض أمر واقع مستحدث بالمخالفة لقرارات مجلس الأمن، وبما يقوّض فرص التوصل إلى تسوية القضية القبرصية على أساس وحدة الجزيرة، والأطر التي توافق المجتمع الدولي عليها لحل القضية".

وبدوره، قال الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس إن "مصر من أكبر وأهم شركاء الاتحاد الأوروبي، وإن القاهرة تعاونت في كثير من المبادرات ومنها منتدى غاز شرق المتوسط وغيرها من مجالات التعاون المثمرة"، لافتاً إلى أن "هناك اتفاقاً لتفعيل منظومة الدعم والتعاون الثنائي مع اليونان مع الدول التي لا تعادي بلادنا". وشدد على أن "أفعال أنقرة تتعارض مع القرارات الدولية وقرارات الأمم المتحدة". كما أشار إلى "ضرورة حل القضية القبرصية، وفق قرارات مجلس الأمن".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير