Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أميركا والأمم المتحدة في ورطة... بين مساعدة أفغانستان ومعاقبة "طالبان"

يركز الاتحاد الأوروبي على تقديم الدعم إلى الدول المجاورة التي يفر إليها اللاجئون

انتشار عناصر "طالبان" في أحد شوارع كابول الرئيسة (أ ف ب)

مع اقتراب أفغانستان من الوقوع في براثن أزمة اقتصادية وإنسانية عنيفة تهدد الشعب الأفغاني، تواجه أميركا والأمم المتحدة ودول أخرى قدمت الدعم للشعب الأفغاني على مدى 20 عاماً، مشكلة تتمثل في كيفية السماح باستمرار تدفق الأموال والمساعدات إلى أفغانستان من دون أن تستفيد منها حركة "طالبان"، التي لاتزال الولايات المتحدة والمنظمة الدولية تصنفانها جماعة إرهابية، وهو وضع لم يسبق له مثيل ويعد اختباراً معقداً لبرامج العقوبات التي لاتزال سارية حتى اليوم.

مساعدة أم منع

حتى استيلاء "طالبان" على كابول في 15 أغسطس (آب)، كانت أفغانستان تغرق في المساعدات الأميركية والدولية التي بلغت ما يعادل نصف ناتجها المحلي الإجمالي، لكن الرئيس الأميركي جو بايدن والزعماء الأوروبيين، وجهوا قبل أيام رسائل صارمة إلى المتشددين المنتصرين في حركة "طالبان"، عن عزمهم إغلاق قنوات المساعدات. وبدأت الولايات المتحدة في تجميد الاحتياطيات المالية الأفغانية، وأعلن صندوق النقد والبنك الدوليين أنهما سيعلقان المساعدات، هذا ما فعلته أيضاً القوى الغربية الكبرى مثل ألمانيا.

ومع ذلك ظل بايدن وإدارته يتحدثان عن مواصلة دعم الشعب الأفغاني من خلال الدبلوماسية والتأثير الدولي وإيصال المساعدات الإنسانية بالتوازي مع مطالبة "طالبان" بالحفاظ على ​​الحقوق الأساسية للشعب الأفغاني، وبخاصة النساء والفتيات. ولم يختلف موقف الأمم المتحدة عن الموقف الأميركي، إذ أصدر مجلس الأمن الدولي  قراراً دعا "طالبان" إلى تسهيل المرور الآمن للأشخاص الراغبين في مغادرة أفغانستان، والسماح للمنظمات الإنسانية بالوصول إلى البلاد.

تجاوز "طالبان"

لكن المشكلة التي تواجه بايدن والأمم المتحدة تتمثل في كيفية إيصال المساعدات الإنسانية إلى أفغانستان من دون أن تحصل حكومة "طالبان" على أي منها، بسبب إدراج الحركة وقادتها في قوائم الإرهاب، إذ إن تجاوز "طالبان" قد يكون صعباً من الناحية العملية إن لم يكن مستحيلاً، إذ يمكنها الآن الإشراف رسمياً على عمليات أي وكالات ومنظمات غير حكومية في البلاد.

واقع معقد

 لهذا لم تحدد إدارة بايدن بعد كيف ستتمكن واشنطن من إيصال مساعداتها للأفغان من دون "طالبان"، وقد بدأت وزارة الخزانة والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وهما الجهتان المعنيتان بالإشراف على الدعم المالي، في مناقشة التفاصيل، على الرغم من إعلان مسؤول في وزارة الخزانة أن إدارة بايدن ستبقي على العقوبات ضد قادة "طالبان"، بما في ذلك فرض قيود كبيرة على وصولهم إلى النظام المالي الدولي، فيما لا يزال المانحون الرئيسون الآخرون مثل البنك الدولي، الذي كان يشرف على ما يقرب من 800 مليون دولار من البرامج المخصصة لأفغانستان، يحاولون استكشاف كيفية التعامل مع الواقع الجديد المعقد.  

وفي المقابل يركز الاتحاد الأوروبي، الذي يخشى بشكل أساسي من تدفق اللاجئين الأفغان إليه، على تقديم المساعدة إلى الدول المجاورة التي يفر اللاجئون إليها، بدلاً من مساعدة  أفغانستان نفسها.

مشكلة أخلاقية

لكن بايدن الذي يضاعف ضغوطه على "طالبان" كي تغير سلوكها السابق، لديه مشكلة لا يواجهها في التعامل مع الدول المارقة الأخرى مثل إيران التي تعاني من ضغوط العقوبات الأميركية، فقد أنفقت الولايات المتحدة نحو 2 تريليون دولار على مدى 20 عاماً في محاولة لبناء أفغانستان ومساعدة شعبها الذي يعاني من فقر مدقع، ومع الانسحاب الأميركي السريع ما زال هناك عشرات الآلاف من الأفغان الذين دعموا الأميركيين، ولا يوجد مبرر أخلاقي لتركهم من دون مساعدات، في وقت تتكاثر سلالات جديدة محتملة من "كوفيد -19" بين السكان، وتتجه أفغانستان إلى أشهر الشتاء الباردة.

وعلاوة على ذلك، تكره الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، التخلص من برامج المساعدة المهمة التي استمرت نحو عقدين كاملين، وبخاصة التي تكلفت مئات الملايين من الدولارات في الاستثمارات على تعليم أكثر من 3 ملايين من الإناث، في وقت يواجه فيه بايدن مشكلات سياسية في الداخل بسبب تركيز الإعلام الأميركي على قصص اليأس بين الأفغان وقمع "طالبان".

وعلى الرغم من جاذبية السياسة العقابية والعدائية ضد "طالبان" لإجبارها على تغيير نهجها المتشدد الذي عكسته بعض الأخبار السيئة، من قتل انتقامي وإجبار فتيات على الزواج القسري، إلا أن معاقبة المنتصرين في الصراع لن تؤدي بالضرورة إلى تحسين حالة الأفغان العالقين، بل على العكس، ستضر الشعب الأفغاني أكثر من زعماء "طالبان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحت الضغط

 ما يمثل مشكلة بالنسبة إلى الغرب، هو كيفية الاستجابة لما قد يحدث قريباً من أزمة عاجلة ناتجة من الجفاف الشديد في أفغانستان، والعدد الكبير من السكان النازحين داخلياً، وتدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى الخارج، وانهيار الاقتصاد النقدي، وهي جميعها عوامل ضاغطة قد تتطلب العمل مع "طالبان" بشكل أكثر مباشرة لإدخال المساعدات، بحسب بيتر مايكل ماكينلي، سفير الولايات المتحدة السابق في أفغانستان.

وما يزيد الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية في الغرب أن 18 مليون أفغاني يمثلون نصف السكان في أفغانستان يعتمدون على المساعدات الإنسانية، ويعاني حوالى ثلث السكان من انعدام الأمن الغذائي، ومن المتوقع أن يؤثر سوء التغذية على أكثر من نصف الأطفال دون سن الخامسة خلال العام المقبل، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة. كما يمكن أن تزداد هذه الأرقام بشكل حاد في ظل حكم "طالبان"، إذ لا يزال من غير الواضح ما إذا كان بإمكان الجماعة المسلحة استعادة الخدمات الأساسية في جميع أنحاء البلاد أثناء محاولتها تشكيل حكومة جديدة.

حديث الخصوم

وبينما يعترف كثير من الخبراء السياسيين مثل إليز لابوت أستاذ الشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في واشنطن، أنه لن يكون من السهل التعامل مع "طالبان" بعد قتال الأميركيين ضدها لمدة 20 عاماً، إلا أن الولايات المتحدة عملت عن كثب مع الجماعة لإجلاء أكبر عدد ممكن من الأميركيين والأفغان من البلاد في الأيام الأخيرة من وجودها العسكري، كما قدمت "طالبان" تصريحات مشجعة حول حقوق الإنسان، وحرية الحركة للمرأة، وتعليم الفتيات، وأعلنت عفواً عن عقاب كل الأفغان ووعدتهم بحرية السفر.

لهذا فإن الحديث مع الخصوم يكون مثمراً أكثر من الأصدقاء، خصوصاً أن الحكومة الجديدة لـ"طالبان" تواجه تحديات متزايدة، بما في ذلك انخفاض قيمة العملة، والتضخم المتصاعد، وانعدام الأمن الغذائي على نطاق واسع، ما جعل إعادة تشغيل محركات الدولة من فتح البنوك والمطار إلى توفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء، يعد أكثر صعوبة، لأن عديداً من موظفي الحكومة إما فروا من البلاد أو مختبئون، خائفون من الانتقام على الرغم من وعود "طالبان" بالعفو.

وتدرك "طالبان" أنها لن تكون قادرة على إدارة الدولة أو جذب الدعم الأجنبي الهائل الذي ستحتاجه لإعادة البناء دون إرساء الشرعية بين الأفغان العاديين والمجتمع الدولي، وجميعهم يشككون في أن الجماعة قد تخلت عن ماضيها الدموي القمعي، ما يمنح الولايات المتحدة والمجتمع الدولي نفوذاً هائلاً.

مصلحة متبادلة

على الرغم من الحرب المريرة التي دارت مع "طالبان"، يبدو أن لدى الولايات المتحدة وحلفائها ودول المنطقة و"طالبان" مصالح مشتركة في أكثر من جانب، أولها يتعلق في محاربة الجماعات الإرهابية مثل تنظيم "داعش"، "فرع خراسان"، الذي أعلن مسؤوليته عن التفجير الانتحاري الذي وقع الأسبوع الماضي في مطار كابول، إضافة إلى أنه كلما كانت حكومة "طالبان" أضعف وأقل فاعلية، كلما أصبحت أفغانستان ملاذاً للإرهابيين، حتى لو كانت "طالبان" مستعدة لقتالهم، فإنها لا تستطيع أن تفعل ذلك بمفردها.

وعلى الرغم من أن انهيار أفغانستان كان كارثة إنسانية، إلا أن الخسارة الجيوسياسية بالنسبة إلى الأميركيين تبدو أقل حدة، وحتى لو تدفق المقاتلون المتطرفون إلى أفغانستان عبر حدود الدول المجاورة كما يخشى البعض، فمن المرجح أن يصبح هؤلاء مشكلات للصين وروسيا.

ولهذا قد يكون من المناسب حسب مقالات عدة لموقع "فورين بوليسي"، أن تعترف واشنطن بحركة "طالبان"، وتزيل تجميد الاحتياطيات النقدية الأفغانية وتشجع الاتصالات الشخصية وغير الحكومية لتوفير نوافذ متعددة في أفغانستان الجديدة، التي يحتاج الأفغان فيها إلى انفتاح إضافي مع بقية العالم.

أفغانستان مختلفة

يرى دوغ باندو، الخبير السياسي في معهد "كاتو" في مقال نشره المعهد الأميركي للبحوث الاقتصادية، أن حكم أفغانستان ينبغي أن يختلف عما كانت عليه الحال في الماضي، لأن أفغانستان وسكانها أصبحوا مختلفين ومتباينين. فقد ازدهر الاقتصاد وقفزت مستويات المعيشة وتغير دور المرأة، وأصبح  نصف الأفغان تقل أعمارهم عن 15 سنة، وثلثا السكان تقل أعمارهم عن 25 سنة، ولا يتذكرون حركة "طالبان" قبل 20 عاماً، ومعظمهم يتمتعون بالذكاء التكنولوجي ويتخيلون مستقبلاً مختلفاً تماماً عن الذي يقدمه المسلحون الذين يحكمون الشوارع الآن.

رهان على الأمم المتحدة

أكثر من ذلك، أن الأمم المتحدة ليست منخرطة في حملة الضغط التي يشنها بايدن، إذ أوضح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أنه يجب إدخال مزيد من الغذاء والإمدادات الصحية إلى أفغانستان.

وتراهن بعض جماعات حقوق الإنسان المستقلة ومنظمات الإغاثة على الأمم المتحدة لتجديد عودة موظفيها إلى أفغانستان والقيام بالمهمات الإغاثية، فضلاً عن أن تكون على الأرض بشكل يمكنها من تقديم تقارير علنية عن حالة حقوق الإنسان.

وليس من المستغرب أن يسارع غوتيريش إلى إصدار نداء عاجل للتمويل والمساعدات الإنسانية من المانحين الدوليين، ولكن حتى الآن، لم تحقق هذه النداءات أثراً، فقد تحددت الاحتياجات بنحو مليار و330 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية لأفغانستان، لكن المنظمة الدولية لم تتلق سوى 39 في المئة من هذا التمويل حتى الآن.

ويتوقع بعض الخبراء أن تتسع فجوة التمويل مع الخوف من أن تغادر الدول الغربية أفغانستان، ويختفي التزامها التمويلي لدعم الشعب الأفغاني ببطء، وسيكون هذا أحد الطرق الرئيسة الذي يمكن أن يزداد به الوضع سوءاً والذي قد يصل إلى حد الكارثة.

المزيد من تقارير