Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أفغانستان وفرحة العربان

عشرات الآلاف من الذين عملوا مباشرة مع القوات الأميركية معرضون للانتقام "الطالباني"

عناصر من حركة "طالبان" في العاصمة الأفغانية كابول (أ ف ب)

انسحبت أميركا من أفغانستان انسحاباً غير مشرف على الرغم من أنه معلن ومتوقع، فقد تركت بين ليلة وضحاها مليارات من الأسلحة والعتاد و20 عاماً من القتال والتضحيات، وراحت بقيادة بايدن تلوم من دربتهم ونصبتهم على بلادهم بالتخلي عنها لصالح "طالبان".

فرح كثير من العرب بانتصار "طالبان" وهزيمة الولايات المتحدة المبرمجة، وانهالت التهاني على "طالبان" بالنصر العظيم الذي حققته على أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم. حتى في الكويت، التي كانت جزءاً من التحالف والحرب على الإرهاب في أفغانستان، فرح الإسلامويون ومن لف لفهم لهزيمة حليف بلادهم، الذي يقيم فيها واحدة من أكبر القواعد العسكرية في المنطقة، عريفجان.

وراحت بني يعرب تنظّر حول أفغانستان التي يجب أن تكون درساً لكل من يراهن على الأميركان لحمايته، والمقصود هنا هي دول الخليج بالدرجة الأولى، وهو درس يفهمه الخليجيون قبل نصيحة بني يعرب لهم، وهي في الحقيقة ليست نصيحة قدر ما هي تحذير وتهديد: فكوا ارتباطكم بالولايات المتحدة الأميركية وإلا فإن مصيركم سيكون كمصير حكومة أشرف غني ومن كان معه.

الحقيقة هي أن العلاقات المتميزة مع الغرب والولايات المتحدة الأميركية ودول الخليج هي سبب أساسي من أسباب الاستقرار النسبي والازدهار والأمن النسبيين كذلك. فلا يغيب عن المراقب أن دول المشرق العربي كلها دول فاشلة عدا دول الخليج والأردن، فالعراق وسوريا ولبنان واليمن دول فاشلة تعلن العداء للغرب بحجة الاستقلالية باتخاذ القرار، وكأن متانة العلاقة مع الغرب تعني التبعية والانصياع للغرب وأوامره ونواهيه، وهي كذبة رددها ولا يزال محور معاداة الغرب والدول الفاشلة، فالدول الخليجية ومتانة العلاقة مع الغرب لا تعني العبودية والانصياع لكل ما تريده المصالح الغربية ما لم تتطابق مع مصالح دول الخليج. فعلى سبيل المثال: لم تستأذن دول الخليج الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما لإنقاذ البحرين عام 2012، ولم تستأذنه بـ"عاصفة الحزم" لاستئصال المشروع الإيراني في صنعاء عام 2015، ولم تحرر عدن ومعظم المناطق اليمنية بضوء أخضر منه، بل إنه رفض كل تلك السياسات التي انتهجتها دول الخليج باستقلالية تامة. والكويت التي تدين بالعرفان للقوة العسكرية للولايات المتحدة بتحريرها من الاحتلال العراقي عام 1991 لم تذعن للضغوط الأميركية بإقامة علاقات مع إسرائيل. كثيرون ظنوا أن تكون الكويت أول من يقيم العلاقات مع إسرائيل فور تحريرها خضوعاً لطلب أميركي أو من باب "تثمين" الموقف الإسرائيلي لعدم الوقوع في فخ صدام، ودخول الحرب ضده أثناء حرب التحرير، حين أطلق صواريخ على إسرائيل في محاولة لخلط الأوراق وفتح جبهات شاملة للحرب في المنطقة.

العلاقات بين الدول تحكمها المصالح، وللولايات المتحدة والغرب عموماً مصالح في منطقتنا، هذه المصالح تتطلب حمايتها، ومتى ما انتفت تلك المصالح فلن يكون للحماية مبرر لدى دافعي الضرائب في بلاد الغرب، والخليجيون يدركون ذلك، والتعويل على الولايات المتحدة وحدها لحمايتهم مسألة غير دقيقة، فهم يخططون لدوائر أمنهم الاستراتيجي، أو يفترض، بدوائر من الحماية، تبدأ بالحماية الذاتية، ثم دوائر أكثر هشاشة كالدائرة العربية والإسلامية، ثم الدائرة الغربية التي لا يمكن أن تستمر بعد انتهاء مصلحة الغرب في هذه المنطقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"طالبان" التي جاءت إلى السلطة بتسهيل أميركي أعلنت أنها ستقيم "دولة إسلامية"، وهو الشعار الذي ترفعه كل الأحزاب الإسلامية بيننا، ونموذج دول "طالبان" سبق أن جربه الشعب الأفغاني المنكوب، ولذلك نشاهد عشرات الآلاف يفرون اليوم تاركين وراءهم كل شيء هرباً من حكم "طالبان" والدولة الدينية التي سيعيدون إقامتها.

عشرات الآلاف من الأفغان الذين عملوا مباشرة مع القوات الأميركية من مترجمين وسائقين وعمال وغيرهم، معرضون للانتقام "الطالباني" المقبل، وهؤلاء في الغالب دفعتهم الحاجة والظروف إلى أن يعملوا مع القوات الأميركية لكسب عيشهم والكد على أسرهم وأطفالهم، وهم ليسوا كما يصورهم أنصار "طالبان" بيننا من الإسلامويين بأنهم "خونة وعملاء"! علينا أن نتذكر أن العمال الذين يبنون المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية هم من الفلسطينيين، وهم عمال دفعتهم الحاجة والظروف إلى بناء مساكن لمستوطن يحتل أرضهم، ومع هذا فهم ليسوا عملاء أو خونة، ولكنهم بشر حدتهم ظروفهم للكد على أطفالهم بالعمل مع أو عند أعدائهم.

عادت "طالبان" لحكم أفغانستان، و"ستبدي لنا الأيام ما كان جاهلاً"، وسوف يقيمون "إمارة إسلامية"، وسط تهليل وتصفيق "العربان" الذين سرعان ما سيرددون ما رددوه حين حكمت "داعش" "طالبان لا تمثل الإسلام الحقيقي!".

المزيد من آراء