Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"آيدا" تعيد ذكريات "كاترينا" وتضرب أسواق الطاقة

"تُعتبر منطقة خليج المكسيك أهم منطقة نفطية في العالم من ناحية حجم الطاقة المركّزة فيها"

أعاد إعصار "آيدا" (تُلفظ مثلما يلفظ الأجانب اسم "عايدة") الذي ضرب ولاية لويزيانا مساء الأحد (29 أغسطس/آب) ذكريات إعصار "كاترينا" الذي ضرب المنطقة في عام 2005، ليس بسبب قوته فقط، ولكن لأنه جاء في اليوم نفسه أيضاً. إلا أن لطف الله جعل أثر إعصار "آيدا" محدوداً مقارنةً بأثر "كاترينا"، على الرغم من كل الدمار الذي سبّبه.  فقد نتج من أعصار كاترينا مقتل أكثر من 1800 شخص وخسائر مادية بلغت نحو 125 مليار دولار.
وعلى الرغم من أن سعر خام برنت حالياً يساوي السعر الذي كان أثناء إعصار كاترينا، إلا أنه السعر بالقيمة الاسمية. فإذا حسبنا التضخم خلال الـ16 سنة الماضية، فإن سعر 70 دولاراً الذي كان أثناء إعصار كاترنيا يساوي حالياً حوالى 98 دولاراً للبرميل. هذا يعني أنه على رغم إعصار آيدا، وعلى رغم كل ما قامت به "أوبك"، إلا أن أسعار النفط ما زالت منخفضة. 

وهناك أسباب عدة لهذا الانخفاض، أهمها أن النفط الصخري الأميركي لم يكن موجوداً في عام 2005، وهو الآن ينتج حوالى 7 ملايين برميل يومياً. كما أن إنتاج خليج المكسيك نفسه زاد بشكل ملحوظ. كما أن مستوى المخزون التجاري للنفط الخام حالياً أكبر من المخزون الذي كان في فترة كاترينا بنحو 125 مليون برميل، في الوقت الذي كانت مدخلات النفط إلى المصافي نفسها.
ومن الأسباب أيضاً الانخفاض الكبير في واردات النفط والذي تجاوز 4 ملايين يومياً. وهناك العديد من الفروق، منها أن الولايات المتحدة كانت تستورد الغاز المسال والآن تصدره بكميات كبيرة. كما أن صادراتها من الغازات السائلة والمنتجات النفطية زادت بشكل كبير خلال 10 سنوات الماضية، الأمر الذي يجعل آثار الأعاصير في خليج المكسيك أعم وأكبر من ذي قبل.

ومهّدت هذه الأحداث وغيرها للارتفاع في أسعار النفط في أعوام 2006 و2007 و2008 حتى وصل سعر الخام الأميركي إلى 147 دولاراً للبرميل. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل عام 2021 هو بمثابة عام 2005 بحيث أن أسعار النفط سترتفع بشكل كبير في السنوات المقبلة، ولكن لأسباب مختلفة؟

أثر أعاصير خليج المكسيك في أسواق النفط

تُعتبر منطقة خليج المكسيك، والتي تتضمن شواطئ تكساس ولويزيانا، والمياه العميقة لخليج المكسيك، أهم منطقة نفطية في العالم من ناحية حجم الطاقة المركّزة فيها والتي تتمثل في إنتاج النفط والغاز، ومصافي النفط، وموانئ الاستيراد والتصدير، ومعامل البتروكيماويات وغيرها من الصناعات الكثيفة في مجال الطاقة.  لا مثيل لهذه المنطقة في العالم من حيث الأعمال المتعلقة بالنشاطات المذكورة. كما يندر أن نرى منطقة مأهولة بهذا العدد الضخم من السكان وهذه الكثافة الصناعية، تضربها الأعاصير القوية. 

وعلى الرغم من كل هذا، تزداد أهمية هذه المنطقة يوماً بعد يوم في أسواق الطاقة العالمية مع زيادة الطاقة التصديرية للنفط الصخري الأميركي وزيادة السعة الإنتاجية والتصديرية لمحطات الغاز المسال. والسؤال هنا، لماذا يتم بناء المزيد من البنية التحتية وتركيز التصدير والاستيراد في المنطقة على رغم الأعاصير السنوية في المنطقة؟ السبب هو أن وجود بنية تحتية ضخمة ومتقدمة، وسلسلة إمدادات ضخمة ومتعددة المصادر، يجعل تكاليف بناء مشاريع جديدة منخفضة جداً مقارنةً بتكلفة ذات المشاريع في منطقة أخرى لا تتوافر فيها هذه المزايا. فإنشاء محطة غاز مسال في ميناء آخر خارج خليج المكسيك، مثلاً، يتطلب بناء ميناء ورصيف وأنابيب للمنطقة، وهذه تكلف مليارات الدولارات، بينما كل هذه الأمور موجودة مسبقاً في تكساس أو لويزيانا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أثر الأعاصير في أسواق الطاقة

يتمثل أثر الأعاصير، بشكل عام، في أسواق الطاقة العالمية، في تغيّر أسعار النفط والغاز نتيجة العوامل التالية:

- انخفاض إمدادات النفط والغاز مؤقتاً بسبب إخلاء المنصات البحرية وتوقف عمليات الإنتاج. وهذا من شأنه خفض المخزون ورفع أسعار النفط والغاز.

- انخفاض الإمدادات مؤقتاً بسبب تأخر حاملات النفط في الوصول إلى الموانئ الأميركية، بخاصة من دول أميركا اللاتينية. وهذا من شأنه أيضاً تخفيض المخزون ورفع أسعار النفط. إلا أن ثورة النفط الصخري قلبت الموازين في السنوات العشر الأخيرة، وارتفعت صادرات الولايات المتحدة من النفط الخام والغازات السائلة والمنتجات النفطية. هذه الصادرات تتوقف بسبب الأعاصير، ومن ثم ترفع المخزون وتخفّض أسعار النفط.

- تخوف التجار من تدمير الإعصار لمنصات الإنتاج وأنابيب النفط والغاز. هذا التخوف وحده يرفع أسعار النفط مؤقتاً. إلا أن تخوفهم من توقف المصافي ومعامل البتروكماويات قد يؤثر سلباً ويخفض أسعار النفط.

- انخفاض الإنتاج لفترة طويلة من الزمن بسبب تدمير الأعاصير لمنصات الإنتاج والأنابيب. هذا الانخفاض يعني نقص الإمدادات العالمية ويُعد من العوامل الداعمة لأسعار النفط.  

- توقف المصافي نتيجة إخلائها وتوقفها لفترة أطول نتيجة الفياضانات أو انقطاع الكهرباء. هذا التوقف يعني انخفاض الطلب على النفط الخام، ومن ثم ارتفاع مخزونه، الأمر الذي يخفّض أسعار النفط. في الوقت نفسه ترتفع أسعار المنتجات النفطية خاصة البنزين والديزل نتيجة توقف المصافي.

- يمنع حصول فيضانات وصول العمال إلى أماكن العمل والمصافي والمعامل. هذا يعني انخفاض الطلب على المنتجات النفطية.

- توقف الملاحة في نهر المسيسيبي بخاصة في منطقتَي نيو أورلينز وباتون روج في لويزيانا. توقف الملاحة في النهر يعني توقف نقل النفط والمنتجات النفطية والمواد الكيماوية وغيرها. كما يعني أيضاً توقف نقل قطع الغيار وما تتطلبه أعمال الصيانة في المنشآت النفطية. هذا التوقف يؤثر في العرض والطلب معاً.

خلاصة القول إن أثر الأعاصير في خليج المكسيك يتمثل في صافي التغيرات السابقة، حيث أن بعضها يخفض المعروض وبعضها يخفض الطلب. فإذا كان الانخفاض في المعروض أكبر من الانخفاض في الطلب، ترتفع الأسعار، وإذا كان الانخفاض في الطلب أكبر من الانخفاض في المعروض، تنخفض الأسعار.

المزيد من آراء