Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جو بايدن مسؤول عن قسم كبير من الأخطاء المميتة في أفغانستان

هذا كله مؤشر إلى التبعات القاتمة للقرارات التي اتخذها الرئيس الأميركي

اعتقد بايدن أنه كان على أميركا ألا تسعى أبداً إلى بناء دولة، بل أن تركز على سحق الإرهابيين والمغادرة (أ ف ب)

فجأة علت أصوات أخذت تصيح "انبطحوا... لا تنهضوا"، فقد ظهر داخل الحشد شخص يعتقد بأنه انتحاري، وصرخ الجنود البريطانيون محذرين الأميركيين والقوات الأجنبية الأخرى المتمركزة في موقع أبعد من الشارع، "رجل يرتدي عباءة بيضاء وقبعة حمراء ويحمل حقيبة زرقاء". 

وصرخ جندي آخر فيما جثمنا على الأرض "إنه بيننا"، ركض أميركي حاملاً معه جهاز مضاد إلكتروني تحسباً لكون القنبلة معدة للانفجار بواسطة اتصال هاتفي، وبدأ مقاتلو "طالبان" الذين كانوا يقفون على بعد أمتار من المكان، يتراجعون إلى الخلف فيما جلس بعضهم القرفصاء وأخرج آخرون هواتفهم المحمولة، فأثاروا خوف القوات الغربية.

وعلى الرغم من عملية التفتيش لم يعثر على المشتبه به، كانت أمور أخرى تستدعي القلق كذلك. ذلك الصباح قتل أربعة أشخاص جميعهم نساء بسبب تدافع الحشود، ووضعت جثامينهن المسجاة إلى جانب الطريق، فيما تحلق أفراد عائلاتهن حولهن وهم ينتحبون، وتوفي ثلاثة أشخاص آخرين خلال النهار.

أطلق هذا الإنذار الذي تبعته إنذارات مماثلة عدة على الطريق نفسه خارج القاعدة البريطانية في كابول، حيث وقع التفجير يوم الخميس وأودى بحياة 80 أفغانياً و13 جندياً أميركياً على الأقل.

 أما الخطة فبسيطة ومدمرة، إذ تقضي بوضع المتفجرات في أحد طرفي ممر مسور وضيق، بحيث يعلق الناس ولا تكون أمامهم أي فرصة للهرب، وكانت تلك طريقة لا لبس فيها للتسبب بمجزرة، كما قلنا لأنفسنا ونحن نخرج من فندق بارون متوجهين إلى ذلك الطريق لنقل وقائع عملية الإجلاء، فيما حاول آلاف الأشخاص اليائسين والخائفين الوصول إلى المطار.

كنا نعلم بأنه يستحيل على القوات البريطانية، وهي أول قوات يقابلها الحشد، أن تفتش الجميع، والعقبة ذاتها تنطبق على نقطة التفتيش التي أقامتها حركة "طالبان" في نقطة أبعد على الطريق نفسه. 

تجادلنا حول رغبة "طالبان" في وقوع هجوم كهذا، فقد حصلت الحركة في النهاية على كل ما أرادته، من استيلائها على البلاد إلى القضاء على منافسيها وانسحاب القوات الأجنبية، فما الذي قد يدفعها للمخاطرة بمكاسبها كلها من خلال استهداف الولايات المتحدة؟

ومن ناحية أخرى، هل تتمتع بالقدرة على ضبط "داعش" و"القاعدة"؟

ركز التنظيمان على قتل الأفغان وليس القوات الغربية منذ إبرام اتفاق الدوحة بين حركة "طالبان" والأميركيين في فبراير (شباط) 2020، مما يشي بوجود بعض التواطؤ، فتبنى تنظيم "داعش خراسان" عملية التفجير، وهذه ليست المرة الأولى التي ينفذ فيها التنظيم عمليات اغتيال جماعية بحق الأفغان، فقد قتل 85 شخصاً معظمهم طالبات خلال هجوم على مدرسة للفتيات في كابول منذ ثلاثة أشهر، فيما أودى هجوم آخر على مستشفى للتوليد بحياة 24 شخصاً، من بينهم أمهات وأطفال حديثي الولادة، لكن الضحايا أفغان ولم تحصل هذه الوفيات بالتالي على تغطية إعلامية كبيرة في الغرب.

أما هجوم الخميس فقد كبد الأميركيين أكبر عدد من الوفيات خلال نهار واحد في أطول الحروب الأميركية، منذ مقتل 30 جندياً بتحطم مروحيتهم عام 2011، وتتحمل إدارة جو بايدن قسماً هائلاً من المسؤولية عن هذه الوفيات، إذ ورطت أعضاء القوات في عملية إجلاء فوضوية عرضتهم لخطر الهجمات الإرهابية، فالقرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي بالانسحاب السريع من أفغانستان، وعدم بدء عملية الإجلاء في وقت أبكر بكثير على الرغم من مناشدات المنظمات غير الحكومية وغيرها التي طالبت بذلك، ورفض تمديد المهلة النهائية للانسحاب، كلها عوامل وضعت القوات الأميركية وحلفائها في مرمى الخطر.

ما كان ذلك ضرورياً، ولم يكن من الضروري [مُحتماً] أن تنتهي الحرب بهذه الدرجة من الخزي الأميركي والألم الأفغاني.

شكّل الحضور الأمني خلال السنوات الست الماضية، نحو 2400 أميركي وأقل من 1000 جندي بقليل من قوات الـ "ناتو" و750 جندياً من المملكة المتحدة، ضمانة ضد المتمردين وعناصر القوات العسكرية الباكستانية ووكالة الاستخبارات الباكستانية الذين غذّوهم.

بددت إدارة ترمب هذه الضمانة خلال مفاوضات اتسمت بانعدام الكفاءة، عقدت في قطر بقيادة زلماي خليل زاد، وأسفرت عن إبرام اتفاق الدوحة المليء بالعيوب الذي لبى كل مطالب حركة طالبان تقريباً، والآن بايدن منهمك بالادعاء بأنه ورث الصفقة السيئة عن دونالد ترمب، لكن خلال الحملة الرئاسية الانتخابية الأميركية أكد مرة بعد مرة أنه لن يتراجع عن قرار الانسحاب، ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض لم يفعل أي شيء إزاء الانتهاكات المتكررة للاتفاق من جهة "طالبان"، والتي كانت لتسمح للولايات المتحدة بمراجعة موقفها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي المقابل ألغت إدارة بايدن قرارات أمنية أخرى اتخذها سلفه، فقد أوقفت مثلاً تنفيذ قرار ترمب بسحب أكثر من ربع القوات العسكرية الأميركية، أي 12000جندي تقريباً من ألمانيا، وكان ترمب وصف قراره بأنه عقاب للألمان بسبب قلة إنفاقهم على مجال الدفاع، واعتبر كثيرون هذه الخطوة تعبيراً عن غضبه من المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي عارضته مرات عدة في قضايا مختلفة.

لكن من جهة أخرى، كان بايدن نفسه معارضاً للحرب الأفغانية بقوة أثناء توليه منصب نائب الرئيس في عهد باراك أوباما، كما اعترض على زيادة عدد الجنود نزولاً عند طلب القادة العسكريين، لكن اعتراضه لم يلق آذاناً صاغية، كما تحول بايدن إلى معارض شرس ومحق للفساد المستشري في صفوف القيادات الأفغانية، ووبخ الرئيس حامد كرزاي عليه خلال زياراته إلى كابول.

أصبح إنهاء التدخل في أفغانستان حرب بايدن، وصمم على وضع حد له بأسرع وقت ممكن، فبدا غير آبه لتبعات هذه الخطوة، وظل توقيت سحب القوات يتغير مما زاد شعور الارتباك والقلق لدى الأفغان، ففي البداية عيّن تاريخاً رمزياً للانسحاب هو الـ 11 من سبتمبر (أيلول)، وبعدها قيل لنا إن كافة القوات تقريباً ستغادر البلاد بحلول الـ 19 من أغسطس (آب) ثم الـ 31 أغسطس.

جرت عمليات الانسحاب في أغلب الأحيان ليلاً، بما فيها الانسحاب من باغرام، مركز العمليات العسكرية الغربية، من دون إخطار الحكومة الأفغانية، وهو ما قضى على الثقة في أوساط الجيش الأفغاني وزاد خوف المدنيين وعزز حركة طالبان، لكن ما حدث لا يفي لا من قريب ولا من بعيد بالتعهد الذي قطعه بايدن بشأن أفغانستان العام الماضي، "لن نتسرع في انسحابنا بل سننفذه بطريقة مسؤولة ومتروية وآمنة، وسنقوم بذلك بالتعاون الكامل مع حلفائنا وشركائنا".

انهارت القوى الأمنية الأفغانية بشكل مذهل وصاعق فعلاً بعد أن رافقتُهم لتغطية مهمات كثيرة حاربوا فيها ببسالة واحتراف، وتفاجأتُ كما الجميع بالأحداث، لا سيما بعدما تابعت الأداء الجيد في البداية لبعض الوحدات العسكرية في هرات. 

لا شك في أن سبب تدهور الوضع بهذا الشكل سيكون موضع درس مفصل في المستقبل، فقد ألقى بايدن بمسؤولية الأحداث على الزعماء الأفغان وجيش البلاد، وأصر أنه كان على أميركا ألا تسعى أبداً إلى بناء دولة، بل أن تركز على سحق الإرهابيين والمغادرة، وكان يجب إنهاء المهمة في أفغانستان لحظة قتل أسامة بن لادن، وهي حجة غريبة نظراً لأن زعيم "القاعدة" قتل في باكستان وليس أفغانستان.

لُقب بايدن كما ترمب بالمتهرب من الخدمة العسكرية في فيتنام، وقد أثار انتقاده للجيش الأفغاني الذي تكبد خلال المعارك خسائر أكبر بكثير من القوات الغربية من حيث أعداد القتلى والمصابين، سخط عناصر من القوات الأميركية والبريطانية على حد سواء، وقال لي  ضابط في البحرية الأميركية (المارينز)، "لم تعجبني أبداً طريقة تحقير ترمب لقواتنا العسكرية، ولم يعجبني أسلوب بايدن في الكلام عن القوات الأفغانية، فلقد حارب العديد منا نحن الموجودين الآن هنا إلى جانبهم على مر السنين، وكنا نعرف ما قدموه من تضحيات، كما علمنا مدى الضغوطات الملقاة على عاتقهم والتهديدات التي تواجهها عائلاتهم".

وبعد سحبه القوات أرسل بايدن ضعف عدد الجنود الذين غادروا البلاد في سبيل تنفيذ عملية إجلاء مضطربة منذ البداية، وهو أمر محتم نظراً للمُهل الزمنية وشروط العمل المفروضة عليها، ومن أجل تنفيذ الإجلاء الجوي اضطرت الولايات المتحدة للاعتماد على "طالبان"، وكلما زادت المشكلات والفوضى في العملية زاد نفوذ "طالبان".

وفيما كانت كل هذه الأمور تحدث ردد مسؤولون أميركيون وغربيون بأن "طالبان" ستحرص على عدم عرقلة الجماعات المتطرفة لعملية الإجلاء الجوي من طريق شن أعمال العنف، وكانت القوات الأميركية والبريطانية على اتصال منتظم مع حركة طالبان على المستوى الرفيع والمحلي، فعقد وليام بورنز مدير وكالة الاستخبارات المركزية محادثات مع زعيم "طالبان" الملا عبدالغني برادر في وقت سابق من هذا الأسبوع حول قضايا الإجلاء والأمن، كما يعقد الضباط الأميركيون والبريطانيون محادثات دورية مع حركة طالبان.

احتل عناصر "طالبان" المبنى المجاور لفندق بارون من دون أي مشكلة على ما يبدو، 

لكن في النهاية، كما صرنا نعلم الآن، كان الإيمان بقدرة "طالبان" على ضبط الأمن في غير محله، وقد أثارت المجزرة التي حصلت أسئلة مهمة في شأن المرحلة المقبلة، إذ ترتبط حركة "طالبان" بتنظيم داعش من خلال شبكة حقاني التي لديها صلات وثيقة بجهاز الاستخبارات الباكستاني وتنظيم "القاعدة".

وبسبب تلاقي مصالح هذه الجماعات، وعلى الرغم من احتقار "داعش" لعناصر "طالبان" باعتبارهم ليسوا جهاديين حقيقيين، لم تشن أي حرب معلنة بين "داعش" وحركة "طالبان" التي تمتعت ببعض القدرة على السيطرة باعتبارها الجهة المضيفة في البلاد، لكن يبدو أن هذه المعادلة انتهت الآن، وربما أن ما أسهم في انتهائها هو زيادة عدد عناصر "داعش" حين شرّعت "طالبان" أبواب السجون في كل المدن التي استولت عليها، والسيناريو البديل هو أن "طالبان" تضم في صفوفها عناصر متشددين يعملون على شق طريقهم الخاص بغض النظر عن هدف القيادة الأوسع، وكل هذا يشير إلى التبعات القاتمة لما فعله بايدن.

تخلى الغرب عن أفغانستان من قبل طبعاً بعدما استخدم المجاهدين ضد الروس، ونعرف ما حدث بعدها من ولادة فضاء متفلت من كل حكم، إلى تأسيس المخيمات الإرهابية و"القاعدة" ووقوع هجمات الـ11 من سبتمبر.

خلال مؤتمر صحافي عقد في البيت الأبيض بتاريخ 4 يوليو (تموز)، تذمر جو بايدن عندما وُجه إليه سؤال عن تقدم عناصر "طالبان" في أفغانستان، وقال "أريد الحديث عن أمور سعيدة يا رجل". قد يكتشف الرئيس الأميركي أن التخلي عن أفغانستان لن يأخذه إلى مكان سعيد لفترة طويلة.

© The Independent

المزيد من آراء