Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تغدو أفغانستان ملاذ الإرهابيين الآمن مرة أخرى؟

انتصار "طالبان" لا يعني أن المقاتلين الأجانب سيربحون

دورية مسلحة لمقاتلي حركة "طالبان" في جبال أفغانستان 2009 (رويترز)

يعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وعودة "طالبان" للسلطة انتصاراً لتنظيم "القاعدة". ولكن، ما حجم الفوز الذي حققته؟ يقع هذا السؤال في صميم قرار بايدن بالانسحاب من البلاد. وعلى الرغم من الفوضى والرعب اللذين أصابا أفغانستان مع انهيار الحكومة، دافع الرئيس جو بايدن عن اختياره. وصرح، الإثنين الماضي، "تبقى مصلحتنا الوطنية الحيوية الوحيدة في أفغانستان اليوم مثل ما كانت عليه دائماً، وهي منع هجوم إرهابي على الوطن الأميركي". 

في مقلب مغاير، يوبخ الجمهوريون بايدن بسبب تلك النقطة بالذات. وفي هذا السياق، حذر النائب مايكل ماكول، جمهوري من تكساس وعضو بارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، "سنعود إلى دولة ما قبل 11 سبتمبر (أيلول)، بمعنى أن تكون أرضاً خصبة للإرهاب". كذلك نبه الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، من أن تنظيمي "القاعدة" و"الدولة الإسلامية" (المعروف أيضاً باسم "داعش") قد يعيدان بناء شبكاتهما في أفغانستان بسرعة.

واستطراداً، يعتبر خطر عودة تنظيم "القاعدة" أمراً حقيقياً، لكن من غير المرجح رجوع أفغانستان إلى دورها في مرحلة ما قبل 11 سبتمبر، حين كانت ملاذاً آمناً للإرهاب. وعلى الرغم من أن انتصار حركة "طالبان" سيجعل بلا شك سياسة مكافحة الإرهاب التي تنتهجها واشنطن أكثر صعوبة في التنفيذ، فإن ضعف تنظيم "القاعدة"، والحوافز الخاصة لدى "طالبان"، وتحسينات ما بعد 11 سبتمبر في تنسيق الاستخبارات الأميركية والأمن الداخلي والعمليات العسكرية عن بعد، تخفف كلها ذلك التهديد.

 

فوز آخر؟

مع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وانتصار حركة "طالبان"، حقق المتشددون في العالم انتصاراً دعائياً مشابهاً لما شهده قبل أكثر من 30 عاماً. ومن الأساطير الأساسية للحركة المتشددة الحديثة أن المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا لطرد الاتحاد السوفياتي من أفغانستان لم يشكلوا عنصراً حاسماً في هزيمة موسكو سنة 1989، بل سرعوا أيضاً انهيار الاتحاد السوفياتي والشيوعية بشكل عام. استمرت تلك الأسطورة على الرغم من أن المتطوعين الأجانب لم يكونوا مهمين عسكرياً في النضال الشامل ضد السوفيات.

ومرة أخرى اليوم، سيعتبر تنظيم "القاعدة" انسحاب قوة أجنبية بمثابة انتصار له، على الرغم من أن قتال "طالبان" هو الذي دفع الولايات المتحدة إلى الخروج، وليس معارك "القاعدة" أو المتشددين الأجانب الآخرين. وفي المقابل، ستكون الحجة هذه المرة أكثر مصداقية، لأن واشنطن نفسها بررت الحرب التي استمرت 20 عاماً، بأنها صراع ضد الإرهاب الدولي. وبالتالي، تشكل هزيمة الولايات المتحدة نقطة إضافية في سلسلة إنجازات تنظيم "القاعدة" ضد قوة عظمى. إن أنصار التنظيم [القاعدة] يحتفلون.

واستطراداً، يعزز انهيار الحكومة الأفغانية حماسة نشطاء "القاعدة" في البلاد. لا سبب يدعو للاعتقاد أنه مع انتصارهم الكامل، ستقطع "طالبان" العلاقات مع ذلك التنظيم. لقد استمرت الروابط بين الاثنين أكثر من 20 عاماً، على الرغم من الضغط والإغراءات الأميركية. إذ تعترف "طالبان" بالمهارة القتالية والتفاني لدى أعضاء تنظيم "القاعدة"، وتشعر بإحساس الالتزام تجاههم مقابل تضحياتهم على مدى السنوات العشرين الماضية. في الواقع، أفاد مسؤولو الأمم المتحدة أن تنظيم "القاعدة" منغمس جداً في حركة "طالبان"، وهما ينفذان عمليات وتدريبات مشتركة. وكذلك يزعم تنظيم "القاعدة"، أنه لا يزال موالياً لقيادة "طالبان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن جهة اخرى، لن يستفيد كل المتشددين بمقدار استفادة "القاعدة". إذ يمتلك تنظيم داعش، خصم "القاعدة"، وجوداً نشطاً في أفغانستان. ويعارض بشدة "القاعدة" و"طالبان" معاً، مدعياً أن الأخيرة تخلت عن الإسلام لمصلحة القومية الأفغانية. ومع ذلك، بعيداً من الاختلافات الأيديولوجية، نشأ صراع على النفوذ داخل الحركة. ويرجح  أن تحاول "طالبان" استمالة قادة "داعش" إليها، وسحق أولئك الذين يرفضون الخضوع. وسيوجه ذلك ضربة أخرى لصورة "داعش" التي عانت منذ أن خسرت آخر ذرة من الخلافة المزعومة في العراق وسوريا سنة 2019.

وعلى الرغم من ذلك، يتمثل السؤال الأهم في مكافحة الإرهاب ليس في إذا كانت "طالبان" ستحافظ على علاقاتها مع "القاعدة" ومقاتلين أجانب آخرين، ولكن إذا كانت "طالبان" ستسمح مرة أخرى لتنظيم "القاعدة" باستخدام أفغانستان قاعدة لشن هجمات إرهابية دولية. وبالاسترجاع، فمن داخل أفغانستان في عهد "طالبان"، استطاع أسامة بن لادن وقادة آخرون في "القاعدة"، توجيه نشاطات جماعتهم، من دون عقاب نسبياً. وقبل 11 سبتمبر أيضاً، أدار تنظيم "القاعدة" والمقاتلون الأجانب الآخرون أرخبيلاً من المعسكرات في البلاد. ولقد تدرب إرهابيون في تلك المواقع، وكذلك فعل المقاتلون الطموحون الذين ذهبوا للقتال في نزاعات الجزائر وإندونيسيا وليبيا والصومال ودول أخرى. وإضافة إلى توفير التدريب، تمكن تنظيم "القاعدة" أيضاً من نسج روابط بين كبار أعضاء الجماعات المقاتلة المختلفة، وتلقين خطابها لآلاف المتطوعين الذين تدفقوا إلى أفغانستان كي يتدربوا. ووفقاً للمخابرات الأميركية، مر ما يتراوح بين 10 آلاف و20 ألف مجند عبر تلك المعسكرات بين عامي 1996 و2001. وبدأ أولئك المتطوعون في مشاركة تنظيم "القاعدة" وجهة نظره الأكثر شمولاً بشأن مناهضة أميركا، ونفذوا عدداً من الهجمات الإرهابية.

 

ليست ملاذاً آمناً جداً

ستؤدي خسارة أفغانستان بلا شك إلى إعاقة جهود مكافحة الإرهاب الأميركية وزيادة خطر استخدام "القاعدة" البلاد مرة أخرى، نقطة انطلاق في شن الهجمات. ومن دون وجود قوات في المنطقة واتصالات مع السكان المحليين، سيكون لدى الولايات المتحدة معلومات استخباراتية أقل عن النشاطات الإرهابية. إذ إن القوات الأميركية والأفغانية لم تعد موجودة على الأرض كي تمنع "القاعدة" من إنشاء معسكرات أو مقرات تدريب.

وفي سياق متصل، على الرغم من تلك الصعوبات، يعتبر وجود ملاذ آمن واسع النطاق وقابل للمقارنة مع فترة ما قبل 11 سبتمبر، أمراً بعيد الاحتمال. إذ انخفضت الحوافز الخاصة التي تدفع حركة "طالبان" إلى دعم الإرهاب الدولي ضد الغرب، بغض النظر عن الروابط التي قد تجمع قادة الحركة مع تنظيم "القاعدة". في الحقيقة، لم يجر التشاور مع "طالبان" بشأن حوادث 11 سبتمبر، ولم يؤيد عناصرها الهجمات الإرهابية السابقة التي نفذها تنظيم "القاعدة" كتفجير السفارات في شرق أفريقيا سنة 1998. كذلك دفعت "طالبان" ثمناً باهظاً لحوادث 11 سبتمبر، إذ خسرت السلطة طيلة 20 عاماً، ورأت كثيرين من قياداتها الأساسية يموتون في القتال مع الولايات المتحدة.

وعلى نحو مشابه، تملك باكستان، راعية "طالبان"، أيضاً سبباً في معارضة هجمات "القاعدة" الإرهابية على الغرب. في ذلك المجال، جادل بروس ريدل، الضابط السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية، أن هجوم "طالبان" الأخير اعتمد على الدعم الباكستاني، و"طالبان" تستخدم باكستان منذ فترة طويلة كملاذ آمن في معركتها ضد الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية. ونظراً إلى أن حليف باكستان قد فاز، ليس لدى الدولة الآن سبب وجيه في المخاطرة بتشجيع عودة القوات الأميركية، وذلك أمر يمكن أن يحدث في أعقاب هجوم هائل يشنه تنظيم "القاعدة" على الغرب. بالتالي، إن مثل ذلك العنف لا يخدم أياً من الأهداف الاستراتيجية لباكستان.

في منحىً مقابل، لا يمكن للولايات المتحدة الاعتماد على باكستان كشريك في مكافحة الإرهاب في أفغانستان. فلربما لا تزال باكستان تفضل استخدام المقاتلين الأجانب في شن هجمات إرهابية ضد الهند وشن حرب في كشمير، على غرار ما فعلته في الماضي. وبالتالي، فقد تريد باكستان من "طالبان" أن تسمح للمقاتلين الأجانب بالتدرب أو تحسين مهاراتهم في أفغانستان، فتلعب [طالبان] بالنار على أمل أن تتمكن باكستان من توجيه النيران نحو نيودلهي. واستناداً إلى ذلك، سيكون الضغط على باكستان حيوياً. لسوء الحظ، فشلت جهود الولايات المتحدة إلى حد كبير في إجبار إسلام آباد على كبح جماح "طالبان" على مدار العقود الماضية. في المقابل، قد تحقق الولايات المتحدة الآن مزيداً من النجاح لأنها لم تعد تعتمد على حسن نية باكستان في دعم العمليات داخل أفغانستان. واستدراكاً، يتعين على صانعي السياسة خفض توقعاتهم، خصوصاً أن إدارة بايدن نبذت رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بدلاً من التودد إليه كحليف. وبالتالي، يجب أن تركز واشنطن على التأكد من أن إسلام آباد تعلم أنها ستدفع الثمن أيضاً إذا دعم حلفاؤها في "طالبان" الإرهاب الدولي.

في مسار متصل، على الرغم من أن مساعدة باكستان قد تكون محدودة في أحسن الأحوال، فقد تغير تنظيم "القاعدة" في حد ذاته بطرق تجعله أقل قدرة على الاستفادة من أفغانستان. في الواقع، خسر التنظيم عديداً من القادة وكثيراً من التمويل، وتعرض لضرر هائل منذ 11 سبتمبر. ومن المحتمل أن يكون خليفة بن لادن، أيمن الظواهري، قد مات. وكرد فعل على هذا التراجع، ركز تنظيم "القاعدة" على الصراعات داخل العالم الإسلامي، من خلال عمله مع المنتسبين المحليين الذين يتبنون أجزاء من أجندته، لكن عملياً، غالباً ما يركز [المنتسبون المحليون] على مخاوفهم المحدودة. لقد أنفق جزء كبير من طاقة قادة "القاعدة" في محاولة السيطرة على تلك الجماعات التابعة [لتنظيم القاعدة] والتأثير فيها. في الأساس، تشكل تلك الجماعات تهديداً لبلدانها ومناطقها، على الرغم من أن بعضاً منها، لا سيما الفرع اليمني التابع لتنظيم "القاعدة"، قد نفذ أو حاول تنفيذ هجمات إرهابية على الغرب. في ذلك الصدد، يشار إلى أن أحدث هجوم من المتطرفين على الولايات المتحدة تمثل في إطلاق النار سنة 2019 على ثلاثة بحارة في قاعدة بحرية في "بينساكولا" بولاية فلوريدا على يد متدرب سعودي متأثر بفرع "القاعدة" في اليمن.

ويضاف إلى ذلك أن وكالات الاستخبارات الأميركية استعدت لانسحاب عسكري [من أفغانستان] عبر ضمان احتفاظها ببعض القدرة على جمع المعلومات، ما يمكنها من تعطيل المتدربين المحتملين في "القاعدة"، وتحديد المؤامرات المحتملة ضد الغرب، واستهداف الإرهابيين. وكذلك اكتشف الجيش الأميركي طرقاً في استخدام القوة الجوية من قواعد خارج أفغانستان بغية ضرب معسكرات "القاعدة" أو العمل في البلاد إذا لزم الأمر. الآن وقد أصبحت "طالبان" في السلطة، فإن جهوداً مماثلة باتت مطلوبة أكثر من أي وقت مضى. وتالياً، تنفذ الولايات المتحدة عمليات بعيدة المدى في الصومال واليمن ودول أخرى فيها جماعات متشددة ناشطة. وفي المقابل، سيصعب تنفيذ مثل تلك الضربات في أفغانستان، على "القاعدة" والجماعات الأخرى إدارة معسكرات تدريب واسعة النطاق، على غرار ما فعلت قبل 11 سبتمبر، وسوف يعرض قادتهم للخطر.

أخيراً، تحسن الأمن الداخلي للولايات المتحدة بشكل ملحوظ منذ 11 سبتمبر، وهناك جهد استخباراتي عالمي يستهدف "القاعدة" و"داعش" وحركات متشددة أخرى. وبالتالي، سيجد المجندون المحتملون صعوبة أكبر في الوصول إلى أفغانستان، وإذا نجحوا في ذلك، فإنهم سيخاطرون بكشف هويتهم وإلقاء القبض عليهم عند عودتهم.

 

انشغال الجميع

على المدى القصير، ستنشغل "طالبان" والولايات المتحدة بشكل كبير. إذ تحتاج "طالبان" إلى تعزيز سلطتها في جميع أنحاء أفغانستان التي يعيش معظمها في حالة من الفوضى، وسوف يستغرق الأمر وقتاً حتى يتمكن تنظيم "القاعدة" من إعادة تشكيل نفسه بالكامل. في المقابل، يجب على الولايات المتحدة التركيز على الأزمة الإنسانية التي باتت تتكشف في البلاد، وعلى وجه الخصوص، مساعدة عشرات الآلاف من الأفغان الذين خاطروا بحياتهم للعمل مع الجيش الأميركي، وأيضاً على الجهود الأوسع في مكافحة الإرهاب.

ومع ذلك، لا ينبغي لهذه الضرورة القصيرة الأمد أن تعمي واشنطن عن الحاجة إلى امتلاك قدرة قوية في مكافحة الإرهاب، ومواصلة الضغط على الحكومات الإقليمية بهدف منع أفغانستان من أن تصبح مرة أخرى مركزاً للحركة العالمية المتشددة. وبالكاد، قد يشكل ذلك النهج انتصاراً عظيماً على الإرهاب وفق ما عقد الأميركيون الأمل على تحقيقه بعد 11 سبتمبر. في المقابل، يشكل ذلك النهج استراتيجية مستدامة من الممكن تولي إدارتها.

 

* دانيال بايمان أستاذ في "جامعة جورج تاون" وزميل بارز في "معهد بروكينغز"

مترجم من فورين أفيرز، أغسطس (آب) 2021

المزيد من تحلیل