Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجزائر تغلق 3 قنوات تلفزيونية لـ"تجاوزات أخلاقية ومهنية"

تنوعت العقوبات ما بين التعليق الجزئي أو الإقفال النهائي والصحافيون يشتكون واقعاً صعباً تميزه "البطالة"

قرارات فجائية انتهت بغلق قنوات تلفزيونية خاصة في الجزائر (أ ف ب)

يواجه صحافيون جزائريون ظروفاً صعبة باتت عبئاً على مهنتهم التي لم تعد تجسد مفهوم "السلطة الرابعة" في رأيهم، وإنما تقترب من "مؤسسات تهددها البطالة"، في ظل قرارات فجائية انتهت بغلق قنوات تلفزيونية خاصة، ترجعها الحكومة إلى "تجاوزات أخلاقية وقانونية ومهنية"، وتعد بالتأسيس لقطاع سمعي بصري "أكثر احترافية".

وأثار قرار السلطات الجزائرية غلق 3 قنوات تلفزيونية في غضون أسبوع، بين تعليق جزئي ونهائي، بسبب ما سمته "تجاوزات مهنية" تم تسجيلها خلال نشاطها الكثير من النقاشات، وفتح باب التساؤلات عن مصير قطاع السمعي البصري، الذي يتسم بالغموض والضبابية لأكثر من 9 سنوات؛ أي منذ نشأته.

وسحبت الحكومة ترخيص قناة "البلاد" وعلقت بثها لمدة أسبوع على خلفية "خروقات تتعلق بعدم احترامها للتوصيات الخاصة بحماية الأطفال والأحداث خلال برامجها، بعد بثها لمقطع لحلقة مكررة لصور الجريمة الشنعاء المقترفة في حق الشهيد جمال بن إسماعيل الذي راح ضحية عمل موجه من قبل تنظيم إرهابي، من دون إجراءات تقنية خاصة بحماية القصر، وهو ما يشكل انتهاكاً صارخاً للالتزامات القانونية والأخلاقية للقناة". كما ذكر بيان صادر عن وزارة الاتصال الجزائرية.

قرار مشترك

واغتيل جمال بن إسماعيل على يد مجموعة من الشباب الغاضبين، في منطقة "الأربعاء ناث إيراثن" بولاية تيزي شرق الجزائر، في 11 أغسطس (آب) الحالي، قامت بقتله بطريقة وحشية، وإحراق جثته، وتصوير كل تفاصيل الجريمة التي شاهدها الجزائريون وخلفت صدمة كبيرة في البلاد بعدما اشتبه في تورطه بحرق الغابات التي نشبت في المنطقة ليتضح أنه بريء.

وأعلنت وزارة الاتصال الجزائرية توصلها إلى قرار مشترك مع سلطة ضبط السمعي البصري (هيئة حكومية مكلفة بالرقابة على نشاط الفضائيات) حول الإغلاق الفوري والنهائي لقناة "الجزائرية وان"، وسحب الترخيص منها لأسباب تتعلق بـ"عدم احترامها متطلبات الأمن العام" إضافة إلى "خرق أحد شركاء القناة لقانون نشاط السمعي البصري القاضي بمنع شراء أسهم في أكثر من قناة تلفزيونية".

كما ذكر المصدر أسباباً أخرى وراء القرار، تتعلق بوجود متابعات قضائية وصدور مذكرة توقيف وأمر بالقبض من قبل العدالة الجزائرية في حق مالكيها ومديريها، بسبب مخالفة قانون الصرف وحركة رؤوس الأموال من الجزائر وإليها من جهة، وتبييض الأموال من أخرى.

احتجاج صحافيين

في أعقاب القرار المفاجئ، نظم العاملون بقناة "الجزائرية وان" وقفة احتجاجية، طالبوا فيها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بالتدخل "لحماية حقوق الصحافيين والعمال ومراجعة القرار لما في ذلك من انعكاسات خطيرة مع التكفل التام والكامل بهم". يأتي ذلك بعد نحو أسبوع على قرار غلق قناة "لينا"، حيث أشارت وزارة الاتصال في بيان، "أنها تعتبر أن نشاط هذه الوسيلة الإعلامية خارج الأطر القانونية المعتمدة وهو ما يقتضي الغلق النهائي والفوري لها".

هذا الوضع ليس جديداً، إذ عايش صحافيون في العامين الماضيين تجربة مماثلة في أعقاب إغلاق قنوات تلفزيونية كان يديرها رجال أعمال في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، أودعوا السجن لتورطهم في قضايا فساد مالي، ليتم تسريح عشرات العمال من إعلاميين ومهنيين وتقنين وجدوا أنفسهم من دون عمل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قنوات أجنبية

يقول الإعلامي حمزة عتبي لـ"اندبندنت عربية"، "منذ سنوات يعيش القطاع السمعي البصري وضعاً غير شرعي، فكل القنوات الخاصة في الجزائر تنشط وتشتغل على أساس أنها أجنبية لديها مكاتب في الجزائر، وبالتالي يسهل على السلطة إغلاقها أو تجميد عملها". ويشير "على ما يبدو إلى أن السلطة استغلت الوضع غير الشرعي للقنوات وأصبحت تستخدمه بما يتوافق مع مصلحتها، وأي قناة تخرج عن الحدود التي رسمتها السلطة يكون جزاؤها الغلق أو التجميد في ظل غياب قانون ينظم القطاع ويضمن لها حق الطعن أو التقاضي عند جهة قضائية".

وأشار إلى "تأخر صدور مراسيم تطبيقية توضح كيفية تنفيذ مواد قانون الإعلام الصادر سنة 2012، المقدم على أنه "بداية عهد الإصلاحات الطارئة على السلطة الرابعة"، حيث لم تفرج الحكومة حتى الآن عن دفتر الشروط الذي سيعتمد الفضائيات كقنوات جزائرية، حيث إن مجملها لا تخضع للقانون المحلي، لكونها تبث انطلاقاً من أقمار صناعية أجنبية، ومسجلة في دول عربية أو غربية بينها مصر، والأردن، وسويسرا، وفرنسا، على الرغم من أن مالكيها جزائريون ولها مكاتب بالبلاد فقط".

وبينما يذهب البعض للاعتقاد أن المشكلة الأولى مهنية قبل ارتباطها بهامش الحرية، وكثيراً ما تمتعت هذه القنوات بحرية الكلام ولم يستفد منها المجتمع شيئاً، يقول عتبي، إنه "حسب ذهنية السلطة، فهي لا تهمها المهنية ولا الحرية، فليس من مصلحتها أن تفتح هامشاً كبيراً للأخيرة فتظهر عيوبها وليس يفيدها أن تكون مهنية فتنكشف نقاط ضعفها. وعكس نظرة السلطة، يرغب المشاهد أن يكون للقنوات هامش واسع من الحرية وقدر كبير من المهنية، وبين ذهنية السلطة ورغبة المشاهد، وجدت القنوات نفسها في حرج، فلا هي قادرة على مجابهة السلطة ولا استرضاء ذوق الجمهور".

غياب الكفاءات والخبرة

يقول مراقبون للمشهد الإعلامي، إن انسحاب ما يعرف بـ"الجيل الذهبي" للصحافين الجزائريين، أحدث شرخاً في القطاع، إذ غابت الكفاءات وأصحاب الخبرة في عملية تأسيس هذه القنوات، ما جعلها في يد أشخاص من خارج المهنة وهم في العادة، رجال أعمال، لا يفقهون شيئاً في أبجديات العمل الإعلامي ولا أخلاقيات المهنة".

ويرى الصحافي الجزائري عمار حمادي، إلى أنه "إضافة إلى الفراغات في القانون المنظم لمهنة الإعلام، وكذا قانون الإشهار الذي لا يزال محل تجاذبات، وغياب تشكيل نقابي يدافع عن حقوق الصحافيين، هناك مشكلة الدخلاء على القطاع من التجار ورجال الأعمال".

ووفق مصدر، رفض ذكر اسمه، فإن "الصحافي في الأصل هو مواطن يعيش ما يعيشه أبناء وطنه وغالباً ما يجد نفسه في ضغط نفسي تارة من رب العمل وتارة من الجمهور الذي عادة ما يكون متطلباً حيث نجده يطالبه أكثر من استطاعته وهو يؤثر في أدائه ما يجبره طوعاً على التفكير دائماً في الاستقالة أو التخلي عن مهنته لأنه لا يؤديها في راحة"، ضف إليها أن "الوضعية الاقتصادية التي تمر بها الجزائر وشح موارد تمويل الصحافة حتمت على مالكي المؤسسات الإعلامية مراجعة سلم الأجور ومراجعة مدة العقود مما دفع كثيراً من الصحافيين للبحث عن مهن أخرى تتيح لهم ظروف عمل أحسن وتحفظ لهم العيش الكريم".

مصير مجهول للصحافيين

ووصف المجلس الوطني للصحافيين الجزائريين، قرارات إغلاق عدد من القنوات بأنه عملية "تشريد للصحافيين"، وتساءل عن "مصير المسرحين" الذين "لا ذنب لهم أيضاً في تحمل مسؤولية تبعات الوضع القانوني الغامض الذي تعيشه بعض القنوات الفضائية الجزائرية الخاضعة أساساً للقانون الأجنبي، إضافة إلى معاناة كثير من الصحافيين من التعسف الممارس ضدهم من قبل بعض المسيرين، ومشكلة تأخر الأجور لعدة شهور".

في تعليقه على الموضوع، يقول حسين هني، أستاذ في كلية علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر 3، "استبشرنا خيراً بفتح قطاع السمعي البصري عام 2012، وكنا نتمنى أن نصل في عام 2021 إلى نشأة عدة قنوات تسير بطريقة احترافية، ولكن للأسف القنوات الخاصة أصبحت تعد على الأصابع". ولفت إلى أن "هذه المشاكل والأخطاء المرتكبة في القنوات نتيجة تراكمات، وبالتالي على السلطات الإسراع في التوطين القانوني لها، لأن ورشة الإصلاح في القطاع لا تقبل التأخير في ظل المشاكل المسجلة".

وأخيراً، أعطى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تعليمات لحكومته للتعجيل بإصلاح الإطار التشريعي الخاص بالسمعي البصري، وكذا دفتر الشروط الذي يؤطر الالتزامات العامة في مجال احترام الحريات الأساسية ومتطلبات التسيير الديمقراطي للمجتمع، والضرورات التي تفرض المحافظة على الأمن العام، مع تنظيم استغلال خدمات البث الإذاعي والتلفزيوني.

وتأسف هني ضمن تصريح خاص من "دفع الصحافيين لضريبة غلق القنوات، إذ تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 700 صحافي في عداد البطالة، وهو رقم رهيب"، متسائلاً عن "مصير الآلاف من خريجي كليات علوم الإعلام والاتصال" إذ يشير إلى أن "هناك خللاً في عددهم قياساً على فرص العمل الموجودة في القطاع".

ويتوقع مراقبون توجه السلطة إلى الاعتماد على الإعلام العمومي الرسمي (الحكومي)، وتعزيز حضوره من خلال تكيفه مع المتغيرات التكنولوجية ومنحه مساحة أكبر من التي يتمتع بها حالياً في معالجة القضايا التي تهم الرأي العام على المستويين المحلي والدولي، إضافة إلى تقليص عدد القنوات التي تبدي التزامها بالخطوط الحمراء للسلطة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير