Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نشوة الحركات الإرهابية بعودة طالبان مؤشر سلبي

"داعش" قد يستغل حالة الفراغ الأمني في البلاد ومخاوف من اشتعال المنطقة العربية

يتوقع محللون حدوث قلاقل في المنطقة على إثر سيطرة طالبان على أفغانستان (أ ف ب)

يبدو أن الأوضاع في أفغانستان تتجه نحو مزيد من الفوضى والإرهاب بعد الهجمات على مطار كابول، التي تبناها تنظيم "داعش"، ما رفع من درجة المخاوف من عودة الجماعات الإرهابية، ومن قدرتها على زحزحة "طالبان" من المشهد لصالح "داعش" و"القاعدة".

استنفار دولي

وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي جو بايدن، أكد أنه "لا نملك معلومات ميدانية حول تواطؤ طالبان مع داعش"، فإن السوابق التاريخية توثق علاقة الحركة بالجماعات الإرهابية خصوصاً "القاعدة".

لكن يظهر أن "طالبان" ستدخل في معركة مع التنظيمات الإرهابية، بسبب الانقسام الحاصل داخل الحركة بين الوسطيين الذين يتقربون من الغرب والمتشددين الذين يرون أنه لا مجال للحكم من دون الشريعة الإسلامية، ما يجعل تحول أفغانستان مرتعاً للإرهابيين واقعاً لا مفر منه.

وما يكشف عن خطورة سيطرة "طالبان" على أفغانستان، التي تبعتها هجمات إرهابية على القوات الأميركية والمدنيين بمطار كابول، تبناها "داعش"، دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي إلى اجتماع، لمناقشة الوضع الفوضوي في أفغانستان.

وندد غوتيريش بالتفجيرات التي وقعت في كابول، وقال "رغم أن هذه الحوادث تسلط الضوء على الوضع المضطرب على الأرض في أفغانستان، فإنها أيضاً تعزز تصميمنا، بينما نواصل تقديم المساعدات العاجلة في جميع أنحاء البلاد لدعم الشعب الأفغاني".

كما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، "على المجتمع الدولي أن يتعاون مع بعضه، وبشكل وثيق، لمنع تجدد الإرهاب في أفغانستان وخارجها".

ترقب ضغوط من متشددي الحركة

في السياق، يرى الدبلوماسي الجزائري والحقوقي في الأمم المتحدة محمد خذير، أن عقيدة "طالبان" "ليست أيديولوجية، بل مبنية على ما يعتقدون أنها العقيدة الدينية، لذلك فإن التغير في تصرفهم أو في طريقة تعاملهم مع الغرب أمر صعب جداً".

ويضيف، "القادة الجدد لطالبان أكثر مرونة واستعداداً للتحاور كما يقولون، لكن الأمور لن تتوقف عند هذا الحد، على اعتبار أنه سيكون هناك ضغط من بعض المتشددين الموجودين في الداخل، لأن الذين يتحدثون حالياً موجودون بالدوحة". مشيراً إلى أن "طالبان" من الصعب أن "نتحسس مدى صدقيتها".

ويتابع خذير، "الحركة تشكل خطورة على الأمن الإقليمي، وممكن على الأمن الدولي، ونترقب حدوث قلاقل في المنطقة، مثلاً على الحدود الإيرانية الأفغانية، ومشاكل مع باكستان". مشدداً على أنه "ننتظر الأيام المقبلة لمعرفة طريقة حكم طالبان لأفغانستان، إن كانت نفس طريقة التسعينيات أم بعقلية جديدة. وشخصياً لا أظن أن يحدث تغيير، إنما ستلعب على ربح الوقت من أجل التموقع".

وأردف، "الولايات المتحدة أرادت التخلص من هذا العبء الثقيل، الذي كلفها أكثر من 2000 مليار دولار، إضافة إلى خسائر في الأرواح، وقد فهم الأميركان أنه لا فائدة من الاستمرار بالمنطقة، ولا مطامع لهم بعد أن فازوا بحقول البترول المار على أراضي كازاخستان".

تقارب "طالبان" مع "القاعدة" و"داعش"

ويأتي فرار الأفغان من بلادهم بطرق دراماتيكية، وتصاعد تصريحات قادة حركة "طالبان" حول ضرورة الحكم بالشريعة، ثم الهجمات على مطار كابول، لتؤكد أن المنطقة والأمن الدولي على شفا حفرة من النار، وهو ما كشفت عنه دراسة للمركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب، التي أشارت إلى أن عودة القاعدة إلى أفغانستان "باتت واقعاً حتمياً". مشددة على أن الحكومات الأوروبية تخشى أن تصبح أفغانستان "قاعدة للإرهاب الدولي وملاذاً للجماعات الإرهابية" يجري من خلالها التخطيط لهجمات إرهابية عابرة للحدود.

ولفتت الدراسة إلى أن الضغط على "طالبان" وتضييق الخناق عليها بالعقوبات، من المحتمل جداً أن يدفع الحركة للسماح لتنظيم القاعدة بإقامة وجود أقوى في البلاد مرة أخرى، وتحريض أنصارها على تنفيذ هجمات إرهابية على المصالح الغربية.

وأمام عدم قدرة "طالبان" على السيطرة على الفوضى والعنف، يبدو أن "القاعدة" و"داعش" سيأخذان نصيبهما من كعكة أفغانستان، ما يجعل التيار المتشدد داخل حركة "طالبان" يدفع إلى عقد تحالفات مع التنظيمات الإرهابية، للاحتماء من ضربات عسكرية قوية متوقعة من الغرب، ثم ضمان السيطرة على جزء من البلاد، وهو ما يدخل أفغانستان في فوضى عارمة، تجعلها دولة فاشلة تهدد الأمن الدولي.

نشوة التنظيمات الإرهابية في المنطقة

إلى ذلك، يعتبر الأمين العام لتحالف الإعلاميين والحقوقيين الأفارقة بن عامر بكي، أن سيطرة "طالبان" على أفغانستان ستمثل "نشوة ونموذجاً لكثير من التنظيمات الإرهابية في المنطقة العربية"، مشدداً على أن سيطرة الحركة ستجعل أفغانستان مرة أخرى "ملاذاً آمناً للجماعات المتطرفة والراغبين للانضمام إليها، كما ستوفر لهم الخبرات والمعلومات والتدريب، وكل ما يتعلق بالاستراتيجيات الإرهابية". موضحاً "أنها تقدم نفسها ملهماً ومرشداً للحركات في المنطقة. ورغم أن اتفاق الدوحة شدد على عدم استخدام أفغانستان كنقطة هجوم على أميركا وحلفائها، فإن ذلك لا يعني فك الارتباط بين طالبان والقاعدة، وكذا ولاية خراسان التابعة لداعش".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويواصل بكي "التنظيمات الإرهابية، مثل داعش، قد تستغل حالة الفراغ الأمني في البلاد لتنشيط حركتها، وتبدأ في استقطاب الشباب العربي الراغبين في القتال، وأن ما حدث سيعطي دفعة معنوية للتنظيمات الإرهابية". محذراً أن التخوف الحقيقي أن تترك جماعات الإسلام السياسي في الدول العربية "مبدأ السلمية"، وتتجه إلى السلاح والقتال، لتحقيق أهدافهم، بخاصة في الوقت الذي يجري التضييق عليهم فيه وشيطنتهم.

ويتابع، "دول الاتحاد السوفياتي سابقاً، مثل طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان، تخشى تأثير الجماعات الأصولية التي يمكن أن تتسبب، انطلاقاً من أفغانستان، في إحداث اضطرابات بداخلها". مشيراً إلى أن "إيران ساعدت طالبان محلياً، من أجل أن تنال من الأميركيين، لكن في الأساس ومستقبلاً، لن تدعم طهران الحركة الذين هم سنة متشددون، ويمكن أن تقوم طهران بالحيلولة دون هجرة أعداد كبيرة من الأفغان إلى أراضيها".

وأضاف، "الصين تتطلع للاستفادة من الموارد المعدنية الأفغانية، بما في ذلك النحاس، لذلك أعتقد أنها ستحاول إقامة علاقات جيدة مع طالبان دون إعطاء دروس أخلاقية أو سياسات أيديولوجية. أما باكستان فهو البلد الذي يمتلك مفتاح الوضع في أفغانستان، لأنه المتحكم في الطرق الرابطة بين كابول والموانئ مثل كراتشي، ثم إن الجزء الأكبر من العلاقات التجارية لأفغانستان يمر عبر باكستان وإيران".

تاريخ "داعش خراسان"

"داعش خراسان" سميت على اسم قديم كان يطلق على المنطقة، وظهرت للمرة الأولى في شرق أفغانستان أواخر عام 2014، وذاع صيتها سريعاً، بسبب عملياتها المروعة، وتأسست على أيدي عناصر متشددين من "طالبان باكستان" فروا إلى أفغانستان عندما شنت قوات الأمن الباكستانية حملة عليهم.

وفي البداية دخلت الجماعة المتشددة "داعش خراسان" في مواجهات مع حركة "طالبان"، للسيطرة على مناطق رئيسة على الحدود مع باكستان، مرتبطة بتهريب المخدرات وسلع أخرى، حيث نفذت سلسلة من التفجيرات الانتحارية في كابول، ومدن أخرى، ضد الحكومة وأهداف عسكرية أجنبية، سعياً منها لترسيخ صورتها كحركة أشد عنفاً وتطرفاً، وتنوعت هجماتها ما بين عمليات إعدام بشعة لوجهاء القرى وقتل موظفي الصليب الأحمر، وشن هجمات انتحارية وسط الحشود بما في ذلك تنفيذ سلسلة من العمليات الانتحارية الدموية.

وبعد أن كان وجود الجماعة يقتصر في بادئ الأمر على عدد محدود من المناطق على الحدود مع باكستان، أنشئت جبهة ثانية رئيسة في الأقاليم الشمالية، بما في ذلك جاوزجان وفارياب.

انقلاب أعداء أميركا

من جانبه، يتوقع الإعلامي المهتم بالشؤون الدولية طاهر سهايلية، تكرار ما حدث مع الروس خلال تدخلها في أفغانستان، بالنظر إلى التطورات المتسارعة الأخيرة التي تحدث في كابول والمشاهد المفزعة التي رأيناها في مطار العاصمة، ثم الانفجار الذي خلف عشرات القتلى.

وقال، "الانسحاب الأميركي يعني أن روسيا والدول المجاورة مباشرة لأفغانستان هي التي سوف يتعين عليها مواجهة أي تهديد، كما أن باكستان ستكون المتضرر الأول والأكبر مما يحدث وسيحدث من حالة اللااستقرار واللاأمن، نظراً إلى طول الخط الحدودي". مضيفاً أن "السيناريوهات كثيرة، لكن الأقرب للواقع بناء على تجارب الماضي، هو احتمال تكرار نمط انقلاب أعداء أميركا في أفغانستان على بعضهم بعضاً".

ويتابع سهايلية، أن التاريخ الوحيد القادر على أن يحكم على الآخرين، وبناء على التقارير الدولية الرسمية وتصريحات الناطق الرسمي باسم حركة "طالبان"، الذي أكد أنه لن يتم تبني نظام ديمقراطي، فإن قادم الأيام لا يبشر بحياة وردية كاملة الأوصاف، بعد اكتمال الانسحاب الأجنبي من "مقبرة الإمبراطوريات"، موضحاً أن منطقة الساحل تواجه خطراً شبيهاً بما يحدث في أفغانستان، فعودة حركة "طالبان" إلى الحكم بعد عشرين عاماً من إسقاطها على يد الأميركيين هو إنذار غير مباشر لهذه الدول، وعليه فإن النخب الحاكمة في دول الساحل مدعوة إلى الاستعجال في إحداث إصلاحات سياسية عميقة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير