Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العنصرية تجتاح أفلاما وبرامج مصرية… والسودانيون يعترضون

ممثلون ومخرجون وقعوا في فخ التمييز العرقي

مشهد من فيلم "أفريكانو" (يوتيوب)

في الفيلم المصري "اللي بالي بالك" (إنتاج عام 2003 ) يغازل البطل "محمد سعد" زوجته بقوله: إيه الشمس اللي منورة الدنيا دي؟ لكنه حين يكتشف وجود الخادم الأسمر خلفه يقول ممتعضاً: إيه الليل إللي هجم ده؟ … في الفيلم نفسه، يحتضن الفنان محمد سعد إبنة الخادمة السمراء معتقداً أنها طفلته، وحين تُصحح له زوجته الأمر يدفع الطفلة بعيداً، قائلاً: صحيح، أنا أبيض وإنتي بيضا ها نجيب صُباع العجوة ده إزاي؟. ثم ينظر إلى الطفلة الصغيرة باشمئزاز شديد، ليستقبل بعدها ابنته ذات البشرة الفاتحة بابتهاج.

أثار أخيراً برنامج المقالب المصري "شقلباظ" الذي تقدمه الفنانة الكوميدية شيماء سيف خلال شهر رمضان غضب السودانيين، وعبّر كثيرون منهم عن استيائهم من الطريقة التي تم بها تناول الشخصية السودانية في البرنامج. ظهرت شيماء سيف في هذا البرنامج وقد لونت بشرتها لتصبح أكثر قتامة، مرتدية هي وشريكة لها، زياً سودانياً. يدور الموقف في أحد وسائل المواصلات، حيث تحاول الممثلتان الإيقاع بالضحية. ولمزيد من الحبكة، أخذت الممثلتان ترطنان بكلام غير مفهوم كأنهما تتحدثان باللهجة السودانية، إضافة إلى الإتيان بحركات مفتعلة للتدليل على هويتهما.

استهجان واتهام

عبّرت سيف في ما بعد عن أسفها، وقدمت اعتذارها للجمهور السوداني، غير أن اعتذارها لم يكن كافياً على ما يبدو لإنهاء الجدل وما تبعه من ردود أفعال، لعل أبرزها إغلاق حساب الفنانة شيماء سيف على فايسبوك، وتقدُّم أحد أعضاء "رابطة كتاب ونقاد الفن في مصر" بعدد من الشكاوى الرسمية لجهات مختلفة، منها نقابة الصحافيين والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ونقابة الممثلين ونقابة السينمائيين، يتهم فيها شيماء سيف بتعمد السخرية من السودانيين.

لعل هذه الحلقة من البرنامج وما تبعها من استهجان يلفتان الانتباه إلى سلوكيات التنمر والعنصرية في البرامج والأفلام التي تُعرض على الشاشات العربية من دون أن تثير حفيظة أحد على الرغم من قسوتها وخطورتها، والإهانة التي تنطوي عليها في حق البعض. لا تقتصر هذه السلوكيات على لون البشرة فقط، بل تتعدى ذلك أحياناً إلى إشارات عرقية أو دينية أو حتى استغلال للتركيبة الجسدية للممثلين. الفنانة شيماء سيف نفسها يتم توظيفها في كثير من الأدوار في مواقف تحتوي على سخرية وتنمر من أصحاب الأجساد الممتلئة. يتكرر الأمر نفسه على سبيل المثال خلال العروض المسرحية التي تقدمها فرقة مسرح مصر لأشرف عبد الباقي، إذ توظّف الفنانة "ويزو" في مواقف مشابهة لإثارة الضحك.

هناك العديد من أشكال وصور التنمر في أفلامنا السينمائية، غير أن السخرية من أصحاب البشرة السمراء قد تكون هي الأكثر وضوحاً، فتبرز كسلوك يتكرر، ويتم التعامل معه بكل أريحية كوسيلة للإضحاك من دون رادع أخلاقي، أو انتباه للتأثيرات النفسية في الآخرين. قد تمثل السينما انعكاساً لواقع مرير حقًاً، ولكن لا يصح أيضاً أن تتماهى مع هذا الواقع على هذا النحو أو أن تتعاطى مع أمراض المجتمع بمثل هذه السطحية.

أفلام مصرية عنصرية

فيلم "اللي بالي بالك"، ليس هو الفيلم الوحيد في تاريخ السينما المصرية الذي يعتمد على مثل هذه الإيحاءات العنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء، ففي تاريخ السينما المصرية، لطالما حوصر أصحاب البشرة السمراء في أدوار الخدم والتابعين، لكن تلك العنصرية المبطنة والتي كانت تظهر ويُفهم مغزاها من طريق المَشَاهِد المُوحية، تحولت في ما بعد إلى شكل أكثر قسوة من التنمر والعنصرية. تطالعنا في هذا الصدد مواقف مشابهة في أفلام عدة أُنتجت خلال العقدين الأخيرين، مثل فيلم "أفريكانو" للفنان أحمد السقا، وتحديداً في المشهد الذي يتوجه فيه السقا مع الفنان أحمد عيد إلى أحد النوادي الليلية، فيكتشفان أن غالبية رواده من الأفارقة. وفي فيلم " أيظن" حين يلتقي الفنان حسن حسني أخيراً بابنته المفقودة منذ عشرين عاماً ويفاجأ بلون بشرتها الأسود، في هذا المشهد يدهشنا الممثلون بمزيج من الانفعالات المبالغ فيها والتي تراوح بين الاشمئزاز والسخرية والخوف، كأنهم في مواجهة شبح. ويطالعنا فيلم "عيال حبيبة" من بطولة حمادة هلال وغادة عادل بموقف مشابه يسخر فيه بطل الفيلم وأصدقاؤه من جارهم الأسمر الذي ينعتونه بذي الرائحة الكريهة. وفي فيلم "صعيدي في الجامعة الأميركية" للفنانين محمد هنيدي وأحمد السقا، هناك وصلات من السخرية الموجهة لفتاة الليل السمراء التي آوت بطل الفيلم ولم تسلم من عنصريته. نماذج كثيرة في أعمالنا السينمائية لا سبيل لحصرها هنا، تعكس جميعها مدى الاستخفاف بالآخرين وترسخ لثقافة ممجوجة ترفض الاختلاف وتحتفي بالقسوة والتنمر، فهل آن الأوان لمراجعة مثل هذه السلوكيات في أعمالنا؟

المزيد من ثقافة