في أول تطور إيجابي في مسار المفاوضات بين أطراف الأزمة الليبية، منذ شهرين، أطلقت عملية أمنية مشتركة بين كتيبة عسكرية تابعة للجيش في بنغازي وكتيبة من مدينة مصراتة، لتأمين جزء من الطريق الساحلي غرب مدينة سرت. وهو التعاون الأول في مهمة ذات طبيعة أمنية وعسكرية بين الطرفين، منذ تحول الأزمة السياسية في ليبيا إلى مواجهات عسكرية عام 2014.
وبالتزامن مع هذا التقارب بين الأطراف العسكرية، الذي يعد بادرة جيدة لتوحيد المؤسسة العسكرية في المستقبل، فإن الأزمة السياسية تتفاقم شيئاً فشيئاً بين مجلس النواب والحكومة الموحدة، التي رفض رئيسها عبد الحميد الدبيبة تلبية استدعاء البرلمان للمساءلة، يوم الاثنين المقبل، ما دفع رئيسه عقيلة صالح للتهديد بسحب الثقة.
لقاء طال انتظاره
بشكل مفاجئ، وفي خطوة تحمل كثيراً من الدلالات الإيجابية، احتضنت منطقة الشويرف، غرب سرت، لقاءً هو الأول من نوعه بين قادة عسكريين من الجيش الليبي في بنغازي وقادة عسكريين من مصراتة، جمع العقيد عمر أمراجع حسن الجديد، آمر اللواء طارق بن زياد المعزز، التابع للجيش، مع القيادي في قوات مصراتة محمد الحصان، آمر "كتيبة 166"، واحدة من أكبر كتائب المدينة.
وتم خلال اللقاء الاتفاق على تشكيل قوة مشتركة، لتأمين الطريق الرابط بين منطقتي الشويرف والسدادة (طريق النهر)، لتسهيل حركة المرور، وإيصال الوقود والمواد الأساسية إلى الجنوب.
وشكلت الخطوة مفاجأة سارة للجميع في ليبيا، كونها أول بادرة للتقارب بين الجيش ومدينة مصراتة بعد سنوات من العداء والصدام العسكري والقطيعة التامة.
وأشار رئيس اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، التابعة للقيادة العامة للجيش في الشرق، الفريق أمراجع العمامي، إلى أنه "مع هذه الخطوة، فإن اللجنة أعلنت بدء التنفيذ العملي لخطة الترتيبات الأمنية للمرحلة المقبلة".
ونوه العمامي إلى أن "تكليف كل من لواء طارق بن زياد المعزز والكتيبة 166 يأتي ضمن خطة الترتيبات الأمنية لحماية خط النهر الصناعي والمنظومة المشغلة له من أي اختراقات أمنية".
تفاؤل محلي
حرك لقاء الشويرف المياه الراكدة في المسار العسكري، الذي شهد توتراً مقلقاً في الأسابيع الماضية، بسبب الخلافات حول ملف خروج القوات الأجنبية من ليبيا، وأعطى دفعة من التفاؤل لحل كل هذه الإشكالات العالقة، التي تهدد خريطة الطريق المؤدية إلى الانتخابات الوطنية، نهاية العام الحالي.
وقال عضو مجلس النواب عن مدينة مصراتة، محمد الرعيض، الذي كان لسنوات، واحداً من أشد المعارضين للجيش في بنغازي، إن "اجتماع آمر الكتيبة 166 مع آمر كتيبة طارق بن زياد للدخول إلى الشويرف وتأمين منظومة النهر جاء بتكليف مباشر من رئيس الحكومة وبتنسيق مع رئاسة الأركان، وهو إنجاز يستحق الثناء".
وأشار إلى أن "هذا الاتفاق قد يكون بداية فعلية لتوحيد مؤسسة الجيش والعمل المشترك بعيداً من التجاذبات السياسية".
أما عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي، آمال بوقعيقيص، فدعت إلى استغلال هذه الخطوة الإيجابية بـ"تشكيل مجلس عسكري أمني موحد، يتولى مهمات القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية".
وقالت بوقعيقيص إنها "تأمل أن تتوسع لجنة (5+5)، فتصبح مجلساً عسكرياً أمنياً موحداً، يمضي بالبلاد نحو السلام"، مشيرة إلى "مسؤولية العسكريين وقدرتهم على قيادة مشروع يجمع الأسلحة ويوحد البلاد، لإدراكهم لتداعيات الحروب وويلاتها".
إشادة أممية
رحبت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بتشكيل القوة المشتركة الجديدة، من طرفي خطوط التماس، معتبرةً في بيان أنها "خطوة بالغة الأهمية نحو توحيد المؤسسة العسكرية والدولة".
وقال رئيس البعثة يان كوبيش، "أرحب بشدة بهذا الإنجاز الذي لن يضمن فقط أمن النهر الصناعي العظيم والتدفق المستمر لإمدادات المياه، بل يمهد الطريق أيضاً لاتخاذ مزيد من تدابير بناء الثقة، والمضي في التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار، علاوة على كونه خطوة نحو إعادة توحيد مؤسسات الدولة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف "هذه الخطوة من شأنها أن تبعث برسالة قوية لليبيين والجهات الدولية الفاعلة، مفادها أنهم قادرون وعازمون على التغلب على خلافاتهم، والعمل معاً لبناء دولة موحدة ومستقرة ومزدهرة وديمقراطية".
من جانبها، رحبت السفارة الأميركية لدى ليبيا باللقاء في تغريدتين عبر حسابها الرسمي على "تويتر"، قال فيهما السفير ريتشارد نورلاند، إن "الولايات المتحدة تنضم إلى بعثة الأمم المتحدة في الإشادة بهذه الخطوة المهمة من أجل حماية موارد المياه الحيوية وتعزيز المصالحة الوطنية".
وشدد نورلاند على أنه "يمكن لهذا التعاون العسكري أن يكون نموذجاً لإعادة توحيد القوات المسلحة، في وقت تشتد فيه الحاجة لاستعادة سيادة ليبيا واستقرار المنطقة".
تفاقم أزمة البرلمان والحكومة
في المسار السياسي، يبدو أن الأزمة بين البرلمان وحكومة الوحدة الوطنية في الطريق إلى مزيد من التصعيد، بعد رفض الدبيبة حضور جلسة المساءلة أمام مجلس النواب، قائلاً إنه "سيكون خارج البلاد، يوم الاثنين المقبل".
وتابع الدبيبة، خلال لقائه مع عدد من أعضاء البرلمان، أنه "يحترم مجلس النواب ودعواته بغض النظر عن من يترأسه، وقرارات المجلس مهمة، لكن كيف يمكن محاسبة الحكومة من دون تسليمها موازنة؟"، مشيراً إلى أن "المتابعة والمحاسبة أمران مطلوبان، لكننا مكبلين من دون موازنة".
واعتبر الدبيبة أن هناك حرباً تواجهها حكومته ليس من البرلمان فحسب، إنما من قبل من وصفهم بـ"الأحزاب والخاسرين" أيضاً.
وأضاف "البعض لا يريد النجاح لحكومة الوحدة أو لأي حكومة مقبلة، وسيتمسك بالهجوم عليها فقط لأنه ليست لديه حصة فيها".
في المقابل، حذر رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، من عدم حضور حكومة الوحدة جلسة المساءلة أمام البرلمان، قائلاً إنه "لن يستطيع أي نائب الدفاع عنها في غيابها، وسيكون هناك قرار بسحب الثقة منها في هذه الحالة".
وأوضح صالح أن "مجلس النواب التزم القانون بإبلاغ الحكومة بالتهم الموجهة لها قبل 10 أيام من جلسة المساءلة، ويجب أن تحضر الحكومة لنقوم باستجوابها ومواجهتها بالتقصير في أعمالها، والمجلس يقرر إذا كانت تلك الإجابات مقنعة أو غير مقنعة، بالتالي سحب الثقة منها من عدمه".