Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا اتهمت الجزائر جارتها بالضلوع في الحرائق التي التهمت الغابات؟

الأزمة التي تعود جذورها لعقود بلغت بالعلاقات مع المغرب إلى أدنى مستوياتها منذ السبعينيات

اتهمت الرئاسة الجزائرية بشكل مباشر وعلني المغرب بدعم جماعات إرهابية للإضرار بالأمن القومي للبلاد (أ ف ب)

شهدت الساعات الماضية تصعيداً كبيراً في التوتر بين المغرب والجزائر، إذ أعلنت الأخيرة قطع العلاقات مع جارتها ووجهت لها عدداً من الاتهامات بداية من استخدام برنامج التجسس "بيغاسوس" ضد المسؤولين الجزائريين، والتورط في حرائق غابات أسفرت عن عشرات القتلى، وصولاً إلى الفشل في الالتزامات الثنائية بين البلدين.

وصرح وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة للصحافيين في الجزائر، الثلاثاء، 24 أغسطس (آب)، أن "المملكة المغربية لم توقف قط أعمالها العدائية ضد الجزائر"، وهو التصعيد الذي سارع المغرب إلى التنديد به ووصفه بأنه "غير مبرر"، وردت وزارة الخارجية المغربية، في بيان قائلة إن هناك منطقاً "خاطئاً" و"سخيفاً" وراء هذه الخطوة التي وصفتها أيضاً بـ"المتوقعة".

الأزمة الحالية الناشبة بين البلدين، والتي تعود جذورها لعقود، بلغت بالعلاقات إلى أدنى مستوياتها منذ السبعينيات. ففي حين تم إغلاق الحدود بين البلدين منذ عام 1994، لم يتم قطع العلاقات الدبلوماسية منذ استعادتها في عام 1988 بعد نزاع سابق، لكن ما الذي دفع ذلك التوتر الممتد منذ نحو 46 عاماً، إلى اتهامات خطيرة من دولة شقيقة لجارتها بإشعال الحرائق التي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 90 شخصاً، العديد منهم جنود ضمن جهود احتواء الحريق في منطقة تيزي وزو في منطقة القبائل؟

سرديات المؤامرة

السبب العلمي لاشتعال تلك الموجة القاتلة من حرائق الغابات هو ارتفاع درجات حرارة الجو إلى مستويات قياسية، وهو ما وقع في الوقت نفسه في دول متوسطية أخرى، مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا وتركيا، والمغرب نفسه، لكن الأمر اتخذ منحى مختلفاً في الجزائر حيث تداول فيها العديد من السرديات عن مؤامرات محتملة للضرر بالبلاد، ما دفع مجموعة من السكان إلى إشعال النار في الشاب الجزائري جمال بن إسماعيل، ظناً أنه يقف وراء إشعال النيران في الغابات.

غير أن سردية المؤامرة لم تتوقف عند العامة بل بلغت المستويات الرسمية، عندما اتهمت الرئاسة الجزائرية، بشكل مباشر وعلني، المغرب بدعم جماعات إرهابية للإضرار بالأمن القومي للبلاد. فوفقاً لبيان صادر عن الرئاسية الجزائرية، على إثر اجتماع استثنائي للمجلس الأعلى للأمن، الأسبوع الماضي، أشارت فيه إلى ثبوت "ضلوع الحركتين الإرهابيتين، "ماك" و"رشاد"، في إشعال الحرائق، وكذلك تورطهما في اغتيال المرحوم جمال بن إسماعيل"، وأضافت أن "المجلس الأعلى للأمن قرر تكثيف المصالح الأمنية جهودها من أجل إلقاء القبض على باقي المتورطين في الجريمتين، وكل المنتمين للحركتين الإرهابيتين، اللتين تهددان الأمن العام والوحدة الوطنية، إلى غاية استئصالهما جذرياً، لا سيما الـ"ماك" التي تتلقى الدعم والمساعدة من أطراف أجنبية، بخاصة المغرب والكيان الصهيوني".

وأوضح البيان أن الأفعال العدائية المتكررة من طرف المغرب ضد الجزائر تتطلب إعادة النظر في العلاقات بين البلدين وتكثيف المراقبة الأمنية على الحدود الغربية.

القبائل والصحراء

هذا التصعيد من قبل الجزائر سبقه توتر جديد في العلاقات بين البلدين، ففي يوليو (تموز) الماضي، أثارت تصريحات دبلوماسي مغربي في نيويورك بشأن منطقة القبائل غضب الجزائر، إذ دعا الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال إلى "حق تقرير المصير" لسكان منطقة القبائل، وقدم الدبلوماسي المغربي ورقة إلى حركة عدم الانحياز الدولية يدعو فيها إلى حق تقرير المصير للشعب القبائلي، ووصف المنطقة بأنها "خاضعة للاستعمار الجزائري".

لكن هذه الدعوة التي اعتبرها مراقبون مغاربة سيراً على الطريقة الجزائرية في التعامل مع قضية الصحراء، جاءت بعد عملية مشتركة لترسيم الحدود بين الجزائر و"جبهة البوليساريو" التي تسعى لاستقلال الصحراء الغربية عن المغرب، فوفقاً لمجلة الجيش الجزائري، في يناير (كانون الثاني) الماضي، فإن هذه العملية تأتي في إطار جهود الجزائر في ترسيم الحدود الوطنية مع الجبهة التي يعتبرها "بلداً شقيقاً"، ما أثار غضب الرباط.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عندما دخلت الرباط عام 1975 إلى إقليم الصحراء بعد ما كان تحت الاحتلال الإسباني، قامت الجزائر على إثر ذلك باستضافة "جبهة البوليساريو" على أراضيها ودعمتها بالمال والسلاح، إذ تزعم الجبهة أحقيتها بذلك الإقليم وتطالب بمبدأ تقرير المصير، لكن الرباط ترى في ذلك المبدأ أمراً متجاوَزاً لتعقد إجراءات إحصاء سكان الصحراء، وبالتالي تطرح كحل، تطبيق مبدأ الحكم الذاتي للإقليم تحت السيادة المغربية.

تصعيد متوقع

وفي تعليقات لـ"اندبندنت عربية"، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية لدى جامعة "8 ماي 1945 قالمة الجزائر"، توفيق بوستي، إن "قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب ليس وليد اللحظة، بل هو انعكاس لتراكمات من الخلافات والرؤى بين الجانبين تخللها ارتكاب المغرب تصرفات وأعمالاً من بينها وصف السفير المغربي بالجزائر للأخيرة بـ(العدو) أثناء حديثه مع مجموعة من المغاربة المقيمين في الجزائر، ناهيك عن قيام المفوض المغربي لدى الأمم المتحدة بالمطالبة بما سماه استقلال منطقة القبائل".

أضاف أن المغرب بتدخلها في الشؤون الداخلية للجزائر فإنها تتجاهل قواعد القانون الدولي العام، إضافة لمتطلبات حسن الجوار بين البلدين الشقيقين. كما أشار بوستي إلى ما اعتبره وزير الخارجية الجزائري بأنه سابقة عربية منذ عام 1948 أن يقوم وزير الخارجية الإسرائيلي بإعلان تصريحات معادية للجزائر من أراض عربية، عقب اجتماعه، وبوجود وزير الخارجية المغربي عند زيارة رسمية أولى للمغرب.

وربما زادت إقامة العلاقات بين المغرب وإسرائيل من التوتر مع جارتها، لا سيما مع اعتراف إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، بالسيادة المغربية على الصحراء، وخلال زيارته للمغرب في وقت سابق من الشهر الجاري، أعرب وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد عن قلقه مما وصفه بتقارب جزائري إيراني قائلاً، "نتشارك بعض القلق بشأن دور الجزائر في المنطقة، التي باتت أكثر قرباً من إيران وهي تقوم حالياً بشن حملة ضد قبول إسرائيل في الاتحاد الأفريقي بصفة مراقب"، وهي التصريحات التي أثارت الغضب في الجزائر.

والعام الماضي، أثار فيديو لقنصل المغرب بمدينة وهران في الجزائر، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وتناقلته وسائل إعلام جزائرية، غضباً واسعاً، وظهر القنصل وهو يتحدث لرعايا مغاربة تظاهروا أمام القنصلية للمطالبة بمساعدتهم على العودة إلى المغرب بعد ما وجدوا أنفسهم عالقين على إثر توقف حركة الطيران بسبب إجراءات مكافحة وباء كورونا، وبينما كان القنصل يهدئ المتظاهرين قال، "أنتم تعرفون نحن في بلد عدو، حتى نتكلم بصراحة"، لكن القنصل المغربي نفي بشكل قاطع صحة الفيديو، وقال إن الصوت "مفبرك".

قرار أحادي الجانب

وأعرب سفير المغرب في القاهرة، أحمد التازي، عن بالغ الأسف للقرار الذي اتخذته السلطات الجزائرية بشأن قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ووصف القرار بأنه "أحادي الجانب"، وأضاف أنه تم "التأسيس للقرار منذ فترة في إطار ذلك التصعيد الذي انتهجته السلطات الجزائرية تجاه المغرب، بينما المبررات غير مقبولة ولا يقبلها حتى المتابع العادي للأحداث"، وأكد التازي أن "المغرب سيظل يبسط يده، كما أكد صاحب الجلالة، للأشقاء في الجزائر وستبقى أيادي المغاربة ممدودة للأشقاء بما فيه خير الشعبين والمنطقة برمتها"، ورفض التعليق على أي حوادث سابقة أثارت غضب الجزائر.

"بيغاسوس"

وشملت قائمة الاتهامات الجزائرية للمغرب، التجسس على مسؤوليها ومواطنيها باستخدام برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي، والشهر الماضي، كشف تحقيق أجراه فريق دولي من الصحافيين، عن استخدام عشرات الدول والحكومات، برنامج التجسس "بيغاسوس" الذي طورته شركة الأمن السيبراني الإسرائيلية "أن أس أو غروب" عام 2019.

وفي أعقاب ذلك، قامت النيابة العامة في الجزائر بفتح تحقيق بشأن احتمال تعرض البلاد لعمليات تجسس طالت مواطنين ومسؤولين باستخدام "بيغاسوس"، ونددت الخارجية الجزائرية في بيان "بقيام سلطات بعض الدول، وعلى وجه الخصوص المملكة المغربية، باستخدام واسع النطاق لبرنامج التجسس المسمى بيغاسوس ضد مسؤولين ومواطنين جزائريين".

وأفادت وسائل إعلام فرنسية بأن تحقيقاً لمنظمتي "فوربيدن ستوريز" والعفو الدولية، أظهر أن آلافاً من أرقام الهواتف الجزائرية، يعود بعضها إلى مسؤولين سياسيين وعسكريين كبار، قد حددت على أنها أهداف محتملة لبرنامج "بيغاسوس"، ورداً على ذلك، قرر المغرب رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية في باريس ضد منظمتي "فوربيدن ستوريز" والعفو الدولية بتهمة التشهير.

وساطة عربية

ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير جمال بيومي، أن هناك حاجة لتدخل ووساطة عربية بين الطرفين لوقف أي تصعيد محتمل في التصريحات بين البلدين، على أن يتمتع الوسيط بمصداقية وعلاقة قوية بالطرفين، مشيراً إلى أنه يمكن لمصر أن تلعب هذا الدور.

وأعرب بيومي عن تعجبه من اندفاع الجزائر في توجيه الاتهامات للمغرب، قائلاً إن "الدبلوماسية الجزائرية معروفة بأنها رصينة وعاقلة، ويجب التأني في توجيه الاتهامات بين الدول الشقيقة"، وأشار إلى أن الأزمة وراءها تاريخ طويل من التوتر والتعقيدات السياسية الكثيرة بين البلدين، لافتاً إلى أن تصريح مندوب المغرب لدى الأمم المتحدة بشأن منطقة القبائل ربما دفع بمزيد من التوتر.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات