Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تنجح السياسات الحمائية في إنقاذ المنتجات التونسية؟

تفاقم عجز الميزان التجاري إلى 3.11 مليار دولار في يوليو الماضي

يمثل العجز التجاري مع تركيا خمس مجموع العجز في تونس (أ ف ب)

تسعى تونس إلى تعزيز سياسة اقتصادية حمائية للمنتجات المحلية التي تعاني من منافسة شرسة من السلع المستوردة، التي تسببت في تفاقم العجز المسجل في الميزان التجاري، ليبلغ في يوليو (تموز) الماضي 8.72 مليار دينار (3.11 مليار دولار)، مقابل 7.56 مليار دينار (2.7 مليار دولار) عام 2020.    

ووصف وزير التجارة وتنمية الصادرات محمد بوسعيد المنافسة، التي تتعرض لها المنتجات التونسية في السوق المحلية، بـ"غير العادلة". 

وأوضح الوزير، أن العجز المسجل في الميزان التجاري سببه التفاوت الحاصل بين القيمة المالية للصادرات والواردات، مشيراً إلى أن الوزارة تعمل حالياً على وضع استراتيجية دفاعية وطنية لحماية المنتجات التونسية بتعزيز قدرتها على التصدير والظفر بالأسواق الخارجية، إضافة إلى حمايتها في السوق المحلية من السلع المنافسة الموردة. 

عجز كبير 

وكشف الوزير أنه تقدم بصفة رسمية بطلب لمراجعة اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا، الموقعة عام 2005، بسبب العجز التجاري الكبير المسجل بين البلدين الذي بلغ 2.4 مليار دينار (857 مليون دولار) عام 2020. 

وذكر مدير التعاون مع أوروبا في وزارة التجارة نبيل العرفاوي، أن المفاوضات مع تركيا ستكون مفتوحة على فرضيتين، وهما التعديل أو الإلغاء نهائياً. 

وتم تشكيل خلية من الخبراء المتخصصين في الدفاع التجاري بهدف وضع استراتيجية لحماية المنتج التونسي، وذلك بوضع قاعدة بيانات تحتوي على السلع المستوردة وما يعادلها من المنتجات محلية الصنع. 

 

وقال الوزير إن الاتفاقيات التجارية الدولية ليست بمنأى عن المراجعة والتقييم، سواء كانت مع الاتحاد الأوروبي أو دول الجوار. 

وينتظر أن تعتمد تونس الطرق المناسبة من ضمن الآليات العديدة لحماية الإنتاج، وهي أساليب منصوص عليها لدى منظمة التجارة العالمية، وفق الوزير.

تبادل تجاري غير متكافئ 

ويعاني الاقتصاد التونسي من التبادل التجاري غير المتكافئ مع عدد من البلدان، أبرزها الصين وتركيا والاتحاد الأوروبي، وفق الاقتصادي محمد الطاهر ساسي.

وأشار إلى أن "العجز المتأتي من الواردات الصينية، مصدره التهريب أو التوريد غير المنظم، بحكم أن تونس لم توقع اتفاقية تجارية مع الصين".

وتمثل اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا أساساً لتمتع الواردات من أنقرة بالإعفاء الجمركي، ما فتح المجال أمام السلع التركية لغزو السوق التونسية، وتسبب في منافسة غير عادلة مع السلع المحلية، وعجز تجاري يتوقع أن يرتفع عام 2021 ليصل إلى 2.5 مليار دينار (892 مليون دولار). وقد شهد العجز نسقاً تصاعدياً في السنوات العشر الماضية، حيث بلغ 1.4 مليار دينار (500 مليون دولار) عام 2017 و1.7 مليار دينار (607 مليون دولار) عام 2019. 

ويمثل العجز التجاري مع تركيا خمس مجموع العجز، وهو 12 مليار دينار (4.28 مليار دولار) في عام 2020، أي أن الحصة التركية تبلغ 857 مليون دولار. 

وبلغ العجز التجاري مع تركيا 2.3 مليار دينار (821 مليون دولار) حتى أغسطس (آب) الحالي، بينما بلغ العجز التجاري الإجمالي 8.72 مليار دينار (3.11 مليار دولار) إلى حدود يوليو 2021. 

وهو ما يعكس تبادلاً تجارياً غير متكافئ، إذ لم يتجاوز حجم الصادرات التونسية إلى تركيا الـ 117 مليون دولار.

وتشمل الواردات التركية نسبة ضئيلة من المواد الأولية أو الأساسية، في حين تمثل الكماليات والسلع المصنفة رفاهية أغلبها.

حلول عملية  

ووصف ساسي مراجعة الاتفاقية وقاعدة البيانات للسلع المصنعة في تونس وآلية الدفاع التجاري بـ"الخطوة الشجاعة"، فهي تمثل حلولاً عملية لإنقاذ ما تبقى من الصناعات المحلية التي ذهبت ضحية التوريد العشوائي، مشيراً إلى معاناة قطاعات النسيج والجلود والأحذية من منافسة السلع التركية والصينية، وقد صنفت منكوبة. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتمثل الملابس الجاهزة والجلود والأحذية والمواد المنزلية والإكسسوارات بأنواعها ومواد التجميل والخشب ومواد البناء أبرز الواردات من تركيا، وهي سلع يتوفر نظيرها في السوق الصناعية التونسية. لكن المنتجات المحلية تعجز عن المنافسة بسبب الكميات الكبيرة للواردات والأسعار غير المدروسة، بفعل الامتيازات التي تتمتع بها السلع التركية من سلطات بلادها والإعفاءات الجمركية في تونس. 

وتنحصر الصادرات التونسية إلى تركيا بالفوسفات والتمور وزيت الزيتون. ويتم استيراد زيت الزيتون من قبل تركيا على شكل كميات غير معلبة، حيث يتم تعليبها وتصديرها من قبل شركات تركية تحمل علامتها. 

إغلاق مؤسسات

حافظ شقشوق هو رجل أعمال تونسي، اضطر إلى إغلاق مؤسستين صناعيتين بسبب توريد السلع المنافسة بطريقة غير عادلة، جعلت منتجه غير قادر على المنافسة، وقد اكتفى بالإبقاء على مؤسسة متخصصة بالصناعات الميكانيكية، لكنها تعاني بدورها حالياً من السلع المتدفقة من الصين.

وقال شقشوق لـ "اندبندنت عربية"، إنه كان مضطراً بسبب الإفلاس المحدق لإغلاق مصنع للجلود والأحذية والإكسسوارات الجلدية، ومصنع متخصص في تصنيع القوالب المعتمدة في تصنيع الجلود. ومثل الإجراء الذي اتخذه انعكاساً لواقع هذين القطاعين، اللذين مثلا عنوان الأزمة.

وأضاف أن السلع التركية تتمتع بمنح إنتاج ضخمة من قبل السلطات في بلادها، ما يخولها المنافسة المريحة في السوق التونسية، بينما تعاني المنتجات المحلية من سيل جارف من السلع الوافدة، علاوة على تكلفة إنتاج عالية تجعلها عاجزة عن المنافسة، محملاً الدولة التونسية مسؤولية التخلي عن المنتج المحلي. 

اتفاقيات ظالمة 

وقال "مهدت الاتفاقيات الموقعة مع الاتحاد الأوروبي وتركيا، ثم انضمام تونس إلى منظمة التجارة، للقضاء على الصناعة المحلية. فهي لم تقتصر على توريد المواد الأولية والسلع الأساسية مثلما تنص عليه البنود، بل تجاوزتها إلى المنتجات المصنفة من الكماليات".

وقد ضمنت الاتفاقيات المذكورة في السنوات الأولى لتوقيعها بعض البنود الحمائية للمنتج التونسي، لكن سرعان ما تم الالتفاف عليها. ولم يمكن الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، عام 1995، تونس من تصدير سلعها ذات الجودة العالية إلى الأسواق العالمية، بل تم إغراق السوق المحلية بالواردات. وتم التخلي عن إجبار المُصدر الأوروبي على التزود بالمنتج التونسي من طريق الحصول عن نصف مستحقاته نقداً والنصف الآخر سلعاً. 

كما أجبر المُصدر التونسي لزيت الزيتون على دفع الرسوم الجمركية في حال تصديره معلباً، على الرغم من أن الاتفاقية تعفيه من ذلك. ويتمتع بالإعفاء فقط عند تصديره للزيت غير المعلب، ليتم بعد ذلك الاستيلاء على الجودة التونسية من قبل الشركات التركية والأوروبية. 

مؤسسات تغرق 

وسجل في السنوات الأخيرة إغلاق الآلاف من المصانع بسبب عجزها عن المنافسة، على الرغم من الجودة العالية للمنتجات. وشهدت المدينة الصناعية في صفاقس، بالجنوب الشرقي، إفلاس وإغلاق الجزء الأكبر من المؤسسات. وفي الوقت الراهن، لا يتجاوز عدد مصانع الأحذية في المنطقة 2500 مصنع، بينما كان عددها يزيد على 10 آلاف في السابق. وشهدت أيضاً إغلاق 10 آلاف مصنع للملابس الجاهزة، بينما ينشط حالياً 5 آلاف مصنع فقط.

وغير بعيد عن مدينة صفاقس، وتحديداً في مدينة قصر هلال في محافظة سوسة الساحلية (الوسط الشرقي)، يقاوم أهم مصنع لصنع الأقمشة والنسيج والملابس الجاهزة في البلاد الضائقة المالية التي يمر بها، هو مهدد بالإغلاق بسبب الديون المتراكمة.

كما تغرق أكبر مؤسسة تونسية لإنتاج تجهيزات البناء (إكسسوارات الحمامات والمستلزمات الصحية)، وتعجز عن مقاومة المنافسة غير العادلة مع السلع الصينية والتركية، على الرغم من جودة منتجها العالية.

اقرأ المزيد