Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هواجس الإرهاب في أفغانستان تخيم على الفضاء السوفياتي السابق

منظمة "معاهدة الأمن الجماعي" تعقد اجتماعاً طارئاً وتحذر من احتمالات اندلاع حرب أهلية في كابول

عاد كثير من المراقبين في موسكو إلى ترديد القول الروسي المأثور الذي طالما كان يردده الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان لدى كل لقاء مع الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف، يبحثان فيه تحسين العلاقات وبحث المسائل متعلقة بالحد من الأسلحة النووية بين القوتين العظمتين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية:

"دوفيرياي نو بروفيرياي!"، وهو ما يعني "ثق في الآخرين لكن عليك مراجعة أفعالهم".

مغبة الإفراط في التفاؤل

وذلك ما عاد المسؤولون في موسكو إلى ترديده، وما جنح إليه كثير من المشاركين في اللقاء الأخير الذي جرى عبر "الفيديو كونفرنس" لقادة منظمة "بلدان معاهدة الأمن الجماعي"، التي تضم روسيا وعدداً من بلدان آسيا الوسطى والفضاء السوفياتي السابق، وشارك فيه الرئيس فلاديمير بوتين، وذلك في توقيت مواكب لتحذيرات مراقبين محايدين ومن مواقع أقرب إلى مواقع المعارضة لمثل هذه التوجهات من مغبة الإفراط في التفاؤل والترويج لانتصارات "طالبان" وفشل السياسات الأميركية، ومواصلة "الإشادة" بما تفعله فصائل "طالبان" في العاصمة الأفغانية عبر شاشات القنوات التلفزيونية الفيدرالية، والتغاضي عن تبعات تاريخهم "الدموي" وتورطهم في زراعة المخدرات وتهريبها.

وكانت الأوساط السياسية والاجتماعية داخل روسيا وغيرها فوجئت صباح دخول فصائل حركة "طالبان" العاصمة الأفغانية بسيل من التصريحات التي سارع إلى الإدلاء بها عدد من أبرز القيادات الروسية، وقد اتسمت هذه التصريحات بنبرة "مهادنة" يعتريها قدر كبير من التسامح، تقول باستعداد موسكو للتعامل مع "طالبان" ولا تستبعد "الاعتراف بها"، على الرغم من أنها كانت ولا تزال تعتبرها "منظمة إرهابية محظور نشاطها داخل الأراضي الروسية" بحكم قضائي صادر عن المحكمة الروسية العليا تحت رقم 03-116 بتاريخ 14 فبراير (شباط) 2003، وأيضاً بموجب قرار مجلس الأمن الدولي بمبادرة من الولايات المتحدة الأميركية، وكان السفير الروسي في كابول دميتري جيرنوف أول من استهل هذه التصريحات بالإعراب عن ارتياحه تجاه "سلوكيات طالبان" وتأكيده لعدم وجود ما يعكر صفو الحياة الطبيعية في كابول، واستمرار الدراسة حتى في مدارس "الفتيات" المجاورة لمقر السفارة الروسية.

وقال إن موفدي "طالبان" أكدوا له تعهداتهم والتزامهم بحماية أمن مقر السفارة الروسية، وتأمين حياة ونشاط موظفيها وكل المواطنين الروس في كابول، ولم تقتصر التصريحات على السفير الروسي ووزير خارجيته سيرغى لافروف، بل وصدر ما يفوقها من حيث "القوة القانونية" و"الوزن السياسي" من جانب الرئيس فلاديمير بوتين خلال لقائه في الكرملين مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل نهاية الأسبوع الماضي.

وكان بوتين كشف عن استعداد بلاده للتعاون مع "طالبان"، وأنه لا يستبعد الاعتراف بهذه الحركة التي قال نيكولاي بورديوجا الأمين العام السابق لمنظمة "بلدان معاهدة الأمن الجماعي"، إنها "قوة سياسية يمكن التعامل معها"، وإن قالوا جميعهم بضرورة التريث والحكم على الأفعال وعدم الاقتصار على الأقوال.

اجتماع طارئ

وفيما كانت روسيا ومعها بلدان معاهدة الأمن الجماعي، استبقت دخول "طالبان" العاصمة الأفغانية بمناورات جرت على الصعيدين الثنائي ومتعدد الأطراف في أراضي طاجيكستان على بعد 20 كيلومتراً فقط من الحدود الأفغانية، استعداداً لاحتمالات تحركات معادية أو تسلل فصائل الإرهابيين إلى أراضي طاجيكستان وأوزبكستان المتاخمتين، فقد عادت منظمة بلدان "معاهدة الأمن الاجتماعي" إلى الدعوة لعقد اجتماع طارئ لبحث المستجدات الناجمة عن تطورات الأوضاع في أفغانستان. وفي هذا الاجتماع أعلن ستانيسلاف زاس الأمين العام للمنظمة عن مخاوف البلدان الأعضاء من احتمالات اندلاع حرب أهلية طويلة الأمد في أفغانستان. وحذر الأمين العام للمنظمة من مغبة هذه الاحتمالات التي قال إنها لن تقتصر على أفغانستان وحدها، بل وسوف تتأثر بها كل أرجاء المناطق القريبة في آسيا الوسطى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وانتقد ستانيسلاف زاس الولايات المتحدة وقرارها "غير المدروس" حول سحب وحداتها العسكرية من أفغانستان، الذي قال إنه يزيد تهديد "السلام والاستقرار الدوليين". وكانت وسائل الإعلام المحلية والعالمية تناقلت الأخبار حول إعلان "قوات المقاومة في ولاية بنجشير الأفغانية" عزمها على مواجهة "طالبان"، وما قالته حول استعدادها للاستمرار في القتال ضد قوات "حركة طالبان"، ما يثير كثيراً من القلق والتوقعات باشتعال الموقف في هذه المناطق.

وتعليقاً على تطورات الأوضاع في أفغانستان وتصاعد الأخطار في المنطقة، أعلن سيرغى شويغو وزير الدفاع الروسي سيطرة قوات "طالبان" على المناطق الحدودية المتاخمة لكل من جمهوريتي طاجيكستان وأوزبكستان، وأضاف "أن قادة حركة طالبان أعلنوا في أكثر من مناسبة التزاماتهم بعدم انتهاك حدود الجمهوريات المجاورة لأفغانستان وعدم مهاجمتها"، فيما أكد في الوقت نفسه أن روسيا ستواصل إجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع شركائها الإقليميين للاستعداد لأي سيناريو. وقال شويغو إن موسكو ستستخدم قواعدها العسكرية في طاجيكستان وقرغيزستان لحماية حدود هاتين الدولتين في حال تعرضهما لأي اعتداء مباشر، مشدداً على أن دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي تحتاج إلى دعم روسي في الملف الأفغاني، كما أكد أن هذا الأمر يخص مباشرة أمن روسيا على حد قوله.

التعاون الروسي - الأميركي

من جانبه، أجرى نيكولاي باتروشيف سكرتير مجلس الأمن الروسي اتصالاً هاتفياً مع نظيره جيك ساليفان مستشار الأمن القومي الأميركي، بحثا خلاله قضايا التعاون في مجال الأمن وتطورات الأوضاع في أفغانستان. وقالت وكالة أنباء "تاس" نقلاً عن مصادر مجلس الأمن القومي الروسي إن الجانبين بحثا خلال هذه المكالمة "قضايا التعاون الروسي الأميركي في مجال الأمن"، كما توقفا بشكل خاص عند التعاون الثنائي بين البلدين في مجال الأمن المعلوماتي، إلى جانب تبادل الآراء حول تطورات الأوضاع في أفغانستان على ضوء ما توفر من أخبار سيطرة طالبان"، على معظم الأراضي الأفغانية.

وعلى الرغم من إفراط أجهزة الإعلام الروسية في التفاؤل بشأن ما يصفه البعض "بالإيجابيات" من جانب "طالبان"، يقول مراقبون في العاصمة الروسية بضرورة توخى الحذر على ضوء ما يتوارد من أخبار حول نكوص "طالبان" عن بعض وعودها بالعفو العام، وعودة الموظفين في الحكومة الأفغانية السابقة إلى أعمالهم، فضلاً عما أعرب عنه الأمين العام لمنظمة الأمن الجماعي ستانيسلاف زاس حول القلق الذي يساور أعضاء المنظمة بشأن عدم وفاء "طالبان" بتعهداتها حول تشكيل حكومة ائتلافية في أفغانستان.

وكانت مصادر "طالبان" قالت إنها لن تعلن عن تشكيل هذه الحكومة إلا بعد خروج القوات الأميركية من أفغانستان مع نهاية أغسطس (آب) الحالي، كما سبق واتفقت حوله مع الجانب الأميركي.

كما كشف ستانيسلاف زاس عن مخاوف كثيرين تجاه احتمالات اندلاع حرب أهلية، وما يمكن أن يسفر ذلك عن عواقب قد تمتد تبعاتها وآثارها إلى مجمل أرجاء منطقة آسيا الوسطى بأكملها وربما إلى ما هو أبعد، ولا سيما بعد ظهور ما وصفه بـ "جيوب المقاومة" في بعض أراضي أفغانستان، لكنه أعرب في الوقت نفسه عن ارتياحه لما وعدت به قيادة "طالبان" حول وقف تهريب المخدرات من أفغانستان، وأمله بأن تفي بما تعهدت به، وإن كشف عما يساوره من قلق ومخاوف تجاه احتمالات "أن يرى وضعاً وواقعاً مختلفين إذا لم يتم العثور على مصادر الدخل لقيادة طالبان"، على حد تعبيره.

المناطق الحدودية

أما عن الأوضاع الأمنية واستعدادات بلدان معاهدة الأمن الجماعي لمواجهة مختلف الاحتمالات، فقال الأمين العام لمنظمة "معاهدة الأمن الجماعي" إن قوات حرس الحدود من طاجيكستان تفرض سيطرتها على المناطق الحدودية، فيما جرى تشديد الرقابة على الأوضاع في المناطق الحدودية المتاخمة لحدود طاجيكستان وأفغانستان، وقال إن الأوضاع الراهنة لا تحتاج بعد إلى استدعاء قوات إضافية لحراسة هذه الحدود، لكنه لم يستبعد احتمالات النظر في ذلك إذا ما دعت الحاجة إلى اتخاذ مثل هذا الإجراء. ومن هذا المنظور تتعالى بعض الأصوات التي تحذر أيضاً من خطورة "طالبان" وقدراتها على ضوء ما استطاعت الحصول عليه من العتاد العسكري والأسلحة التي تركتها القوات الأميركية في أفغانستان، وبهذا الصدد كتب أرتيمي شارابوف على صفحات "موسكوفسكي كومسوموليتس" واسعة الانتشار حول تضاعف قدرات "طالبان" القتالية، وقال إن حركة "طالبان استولت على آلاف المعدات العسكرية التي كانت في حوزة قوات الولايات المتحدة في أفغانستان، إلى جانب ما يفرضونه من سيطرة اليوم على القواعد العسكرية ومستودعات الذخيرة والمطارات التابعة للجيش الأفغاني السابق".

وأشار شارابوف إلى "توفر مخزون كبير من الأسلحة والذخيرة، مما قد يكون احتياطاً هائلاً لهذه الفصائل في حال أرادت القتال من دون إمدادات خارجية لسنوات عدة مقبلة"، ونقلت الصحيفة الروسية عن الخبير العسكري أليكسي فاليوجينيتش تصريحاته حول أن "طالبان" تملك بين صفوفها ما يكفي من التقنيين العسكريين لتأمين الصيانة وخدمة ما سقط في حوزتهم من ترسانة عسكرية، مثلما حدث مع عناصر "داعش" في العراق من خلال من انضم إليهم من جنود وضباط الجيش العراقي السابق، "بما يجعل طالبان من أقوى جيوش المنطقة"، على حد قوله. وخلص الخبير العسكري إلى القول إن "هذه قوة حقيقية الآن أقوى بكثير مما كانت عليه قبل وصول الأميركيين إلى البلاد عام 2001".

الفضاء السوفياتي بخطر

وفي موسكو توقف المراقبون عند تصريحات الرئيس بوتين التي حذر فيها السلطات الروسية من مغبة التهاون أو عدم الالتفات إلى احتمالات تسلل عناصر إرهابية ضمن جموع النازحين الذين يتدفقون على الأراضي الطاجيكية والأوزبكية، وقال بوتين بضرورة مراجعة هويات النازحين وعدم السماح بحرية الحركة من دون تأشيرات مسبقة، تحسباً لاحتمالات تسلل عناصر غير مأمونة إلى بلدان الفضاء السوفياتي السابق التي ترتبط مع روسيا باتفاقات تقضي بالسماح لمواطنيها دخول روسيا من دون تأشيرات، كما حمل على الدوائر الغربية التي تناشد روسيا العمل من أجل قبول النازحين من أفغانستان وتسهيل تحركاتهم من دون النظر إلى مغبة احتمالات تسلل عناصر إرهابية بين هؤلاء النازحين، وهو ما أشار إليه يانيس يانشا رئيس حكومة سلوفينيا التي تترأس الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي.

وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير كشفت عن اتصالات أجرتها حركة "طالبان" من أجل الإسهام في إنقاذ حياة "العالقين" في مطار كابول، وإن أكدت أنها لم تشر لا من قريب ولا من بعيد إلى أي احتمالات للاعتراف بهذه الحركة، أو إجراء أي حوار سياسي من منظور قرار مجلس الأمن الدولي الذي أدرجها ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، كما أعلنت وعداً بالدعم المالي إلى الدول الأعضاء التي يمكن قبولها أية أعداد من اللاجئين.

المزيد من تقارير