Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خيبات الأمل في البيانات الاقتصادية تعمق قلق النمو

محللون: دول الخليج قد تكون الأقل تأثراً بالأزمات التي تعصف بالعالم

تراجع الاقتصاديون عن توقعاتهم للنمو في الولايات المتحدة والصين (أ ف ب)

تفتقر إصدارات البيانات الأميركية والدولية إلى التوقعات بوتيرة متسارعة، ما يسلط الضوء على قلق المستثمرين المتزايد من أن انتشار متحورة "دلتا"، مما سيؤدي إلى إبطاء وتيرة التعافي الاقتصادي العالمي مدعومة بالعوامل الجيوسياسة الحاصلة في العالم، وعلى رأسها الأزمة الأفغانية وانسحاب القوات الأميركية والغربية من البلاد، وتسليمها لـ"طالبان"، ما ينذر بعودة غول الإرهاب من البوابة الأفغانية، ناهيك بالحرائق والفيضانات والزلازل والتحديات المناخية الجمة التي تضعف معدلات التفاؤل.

العديد من الإجراءات الاقتصادية الأميركية التي جرت مراقبتها من كثب، التي جرى نشرها في الأسابيع الأخيرة، جاءت أقل بكثير من توقعات "وول ستريت" المتفائلة نوعاً ما، مما يشير إلى أن النمو الاقتصادي القوي قد يفقد زخمه.

لقد قوضت البيانات الأميركية توقعات الاقتصاديين لمعظم الشهر الماضي، بينما بدأت هذه التقارير في الأيام الأخيرة في تخطي العلامة إلى حد كبير، منذ أن كان الوباء يعاقب البلاد العام الماضي، وفقاً لبيانات مفاجئة جمعها بنك "سيتي غروب"، حيث تراجعت ثقة المستهلك الأميركي بشكل حاد إلى ما دون التوقعات قبل أسبوعين، تلاها تقارير أضعف من المتوقع عن مبيعات التجزئة ووتيرة بناء المنازل الجديدة بعد ذلك بأيام. وكان النشاط التجاري أكثر فقراً مما كان متوقعاً.

وعلى الجانب الآخر يواجه ثاني أكبر اقتصاد في العالم الصين نمواً أبطأ في النصف الثاني من العام الحالي، بالنظر إلى مبيعات التجزئة وأرقام الإنتاج الصناعي الكئيبة، التي جاءت أقل من تقديرات الأسبوع الماضي.

ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد الصيني 8.5 في المئة هذا العام، قبل أن يتباطأ إلى 5.4 في المئة في عام 2022، وفقاً لتقديرات البنك الدولي في 15 يونيو (حزيران) 2021. وكانت البلاد قد سجلت نمواً بـ2.3 في المئة لعام 2020، وهو العام الذي تقلصت فيه معظم الاقتصادات الكبرى بسبب الوباء.

وبحسب تقرير "التوقعات الاقتصادية الأوروبية" المنشور على موقع المفوضية الأوروبية، من المتوقع الآن أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بـ4.8 في المئة في عام 2021 و4.5 في المئة في عام 2022 في كل من الاتحاد الأوروبي واليورو.

ومن المتوقع أن يعود حجم الإنتاج إلى مستوى ما قبل الأزمة (الربع الرابع 2019) في الربع الأخير من 2021. وسيظل النشاط الاقتصادي في الربع الرابع من 2022 خجولاً بنسبة واحد في المئة تقريباً عن المستوى الذي كان متوقعاً قبل الجائحة، بناءً على استقراء للتنبؤات المؤقتة لشتاء 2020.

ومن المتوقع أن تتباين سرعة التعافي بشكل كبير عبر الدول الأعضاء، وأن يعود الناتج الاقتصادي إلى مستويات ما قبل الوباء بحلول الربع الثالث من 2021.

انحسار التفاؤل وأسعار النفط

من جانبه، قال وضاح الطه، عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد للأوراق المالية والاستثمار"، لـ"اندبندنت عربية"، إنه ومع موجة متحورات "دلتا" و"دلتا بلس" عادت المخاوف مجدداً بعد حالة التفاؤل بانحسار الجائحة وانفتاح اقتصادات العالم بشكل تدريجي.

وأضاف أن هذه التخوفات انعكست على شكل توقعات بدأت تؤثر في واقع الاقتصاد العالمي، والأدلة جلية، بحسب الطه، حيث انخفضت أسعار النفط بشكل متواصل، ومن ثم حصول حالة من التفاؤل بوصول سعر برميل النفط إلى ما فوق 80 دولاراً للبرميل، لكن سرعان ما تراجعت أسعار النفط بسبب الخشية من العودة إلى انحسار الأنشطة الاقتصادية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى الطه أن تراجع أسعار النفط "دليل قاطع" على جدية التخوفات من العودة إلى انكماش الاقتصاد العالمي، مما سينعكس، على حد قوله، على الاقتصادات الكبرى المتقدمة، قائلاً إن الأمر "لن يقتصر فقط على الدول التي قامت بمعدلات تلقيح ممتازة كالولايات المتحدة، لكن دول استهلاك أساسية أيضاً مثل الهند والصين"، حيث لا يزال وضع الوباء في هذه الدول "مقلقاً"، تحديداً الهند، حيث وضع الوباء فيها حرج، إلى جانب "تحديات عديدة أخرى" تقود هذه التخوفات.

ويعتقد الطه أن الدول المنتجة النفط في المنطقة ستتأثر بشكل واضح بانخفاض الأسعار، ويقول إن الأمر الأساسي الذي يجعلنا نقلل من خطورة تداعيات الوباء في المنطقة "هو نسبة التلقيحات الكبيرة التي تخلق مناعة جماعية في المجتمعات، خاصة في الإمارات والسعودية، حيث ترتفع معدلات التلقيح وتتراجع معدلات الإصابة بالوباء، وهو مؤشر إيجابي في حد ذاته، لكن إمكانية ارتفاع الإصابات مجدداً واردة في حال الانفتاح المفرط". كما توقع الطه أن نشهد تداعيات قوية على الاقتصادات المتقدمة وتأثيرات متلاحقة على نظيرتها النامية.

الديون السيادية لمستويات تاريخية

وقال عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد للأوراق المالية والاستثمار"، إنه بالنسبة للأسواق المالية، فلا تزال الارتفاعات التي وصلت إليها في حدود قياسية. وجزء كبير من هذه الارتفاعات، على حد قوله، "لا يعتمد فقط على النتائج إنما على برامج التحفيز" التي تعتمدها البنوك المركزية، التي أصبحت اليوم سخية إلى حد كبير، والتي تسببت أيضاً في رفع مستويات الديون السيادية إلى "معدل خطر للغاية" لتعتبر تاريخية، لذلك في حال تخلت البنوك المركزية عن تلك الخطط أو بدأت تخفض من عمليات التحفيز عن طريق شراء السندات "فسنشهد انخفاضات ونتائج ربما وخيمة، وتصحيحاً كبيراً في الأسواق سينعكس بشكل مؤكد على الأسواق النامية، بما فيها أسواق المنطقة".

ويقول الطه، "لذلك قد تستمر البنوك المركزية في برامج الدعم، وتدرك خطورة وقف الدعم في توقيت تفشي المتحورات"، معتقداً أنه من الصعب التكهن بتوقيت وقف البنوك المركزية لحزم الدعم، وربما قد تمتد حتى العام القادم، على حد قوله.

أما على صعيد الاستثمار فيرى الطه أنه لا تزال هناك فرص استثمارية تحتاج إلى بحث وانتقاء، مشيراً إلى أن هذه التخوفات "لا تعني التخلي عن البرامج الاستثمارية الطموحة خصوصاً في حالة انخفاض أصول منتجة أو مدرة للدخل، التي يفترض أن تكون مستهدفة في برامج الاستثمار، سواءً على صعيد الصناديق السيادية أو على صعيد الأفراد، فهي تحتاج إلى تأنٍّ، وانتقاءٍ، لأننا نتحدث عن استثمار طويل الأمد ليكون مجدياً، ويشكل فرصة لمن يرغب في تعزيز محفظته الاستثمارية".

تباطؤ الصين والتأثيرات الجيوسياسية

ويأتي التباطؤ في هذه المقاييس الاقتصادية في وقت أشار فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه قد يبدأ فيما يعرف بـ"تابيرينغ"، وهو تخفيف أو تقليص شراء الأصول، في حقبة الأزمة في وقت لاحق من هذا العام.

لقد تحولت نغمة تركيز المستثمرين من إعادة فتح الزخم، والدعم المالي والنقدي القوي، وقوة الأرباح، إلى تناقص الحديث، وعدم اليقين السياسي. وقال مارك هاكيت، المحلل في "نيشنوايد إنفستمنت مانجمنت"، لـ"فاينانشيال تايمز"، العنوان هو "تباطؤ الصين والتوترات الجيوسياسية".

وتراجعت معنويات المستثمرين، بسبب الأرقام الأخيرة والتقارير المستمرة عن اختناقات سلسلة التوريد، التي رافقت عودة ظهور حالات الإصابة بفيروس كورونا في الولايات المتحدة وأجزاء أخرى من العالم.

وتراجع الاقتصاديون عن توقعاتهم للنمو في الولايات المتحدة بشكل طفيف، وتوقعوا توسعاً بنسبة 6.2 في المئة هذا العام. وهذا أقل من توقعات الارتفاع بنسبة 6.6 في المئة المسجلة في نهاية يوليو (تموز)، وفقاً لـ"بلومبيرغ".

من جانبه، قال ديفيد بيرنز، رئيس مجلس إدارة الأعمال الإنجليزي في الإمارات، الذي يضم في عضويته مئات الشركات البريطانية، "إن اقتصادات العالم تتعرض لضربات شديدة. والآثار التراكمية لقرار بايدن بالانسحاب السريع من أفغانستان وترك البلاد في يد (طالبان)، والمناقشات المستثمرة بخصوص بريكسيت، وكذلك حرائق الغابات الأكبر من نوعها في روسيا، والحرائق التي طالت تركيا واليونان ودول أخرى، سيكون لها تداعيات على الاقتصاد العالمي"، مشيراً إلى أن كورونا ومتحوراتها "لم يتم القضاء عليها بشكل نهائي، أضف إلى ذلك أن الصين والهند تعانيان، بالتالي أعتقد أن العالم سيعيش عدة سنوات صعبة قادمة".

دول المنطقة الخليجية الأقل تأثراً

وعن آثار هذه التحديات على اقتصاد منطقة الشرق الأوسط، يعتقد رئيس مجلس إدارة الأعمال الإنجليزي في الإمارات، أن المنطقة، وتحديداً الخليجية، ستكون الأقل تأثراً بما يحصل مقارنة بمناطق أخرى من العالم.

وعلل بيرنز ذلك بالقول، "لقد مرت على المنطقة موجات الركود الاقتصادي خلال الـ30 عاماً الماضية، واستطاعت استعادة توازنها من تداعيات موجات الركود تلك بفضل المهارات القيادية الهائلة فيها، والصلابة في التعامل مع التقلبات الاقتصادية، وقد بدا ذلك جلياً في التعامل مع التقلبات الكبيرة في أسعار النفط الحاصلة أخيراً، وكيف تعاملت دول المنطقة معها".

وأضاف، "هناك محفز آخر، وهو نجاح دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، في السيطرة على انتشار الجائحة، مما يعزز السلامة والثقة في جذب مزيد من الأعمال والاستثمارات إلى البلدين، بالتالي تداعيات ما يحصل في العالم اليوم لن تكون كبيرة ومؤلمة جداً لدول الخليج مقارنة بمناطق أخرى من العالم".

من جانبه، يقول توبياس ليفكوفيتش، المتخصص في "سيتي غروب" لـ"فاينانشيال تايمز"، "قد تكون متحورة (دلتا) السبب وراء الانخفاضات الأخيرة إلى جانب اضطرابات سلسلة التوريد، وهو أمر مزعج، ويمكن أن يترجم إلى مشكلات أرباح في المستقبل".

اقرأ المزيد