Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ستدعم "طالبان" بعد عودتها "القاعدة" والإرهاب أم تكبحهما؟

توقعات أميركية وغربية متباينة حول المسار الذي ستسلكه الحركة مستقبلاً

يفسر البعض انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وعودة "حركة طالبان" إلى السلطة على أنه انتصار لتنظيم "القاعدة"، لكن السؤال الذي يشغل الجميع في دوائر صنع القرار الغربية وفي مراكز البحوث والدراسات الأميركية هو، ما مقدار الفوز الذي يمكن أن تحققه "القاعدة" وشقيقاتها من الجماعات الإسلامية المتطرفة، وما إذا كانت عودة "طالبان" ستحفّز المجموعات الإرهابية حول العالم لمزيد من النشاط والتنظيم؟

تخوف مشروع

غزت الولايات المتحدة أفغانستان قبل 20 سنة رداً على هجمات تنظيم "القاعدة" التي كانت تأويها حركة "طالبان" على نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر (أيلول) 2001، لكن الآن بعدما عادت "طالبان" إلى الحكم في كابول، يخشى كثيرون من أن "القاعدة" والجماعات الإسلامية المتطرفة الأخرى ستجد مرة أخرى ملاذاً آمناً هناك، وأن أفغانستان ستصبح أرضاً خصبة للتطرف والإرهاب، بخاصة مع استخدام التقنيات الجديدة ووسائل التواصل الاجتماعي التي نشأت وانتشرت خلال العشرين عاماً الماضية.

وبينما يقلل الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن في خطاباتهما الإعلامية من قوة "القاعدة" الآن ومدى تحالفها مع "طالبان"، على الرغم من اعترافهما بوجود عدد من عناصر التنظيم في أفغانستان، يختلف الخبراء حول الكيفية التي قد تختارها "طالبان" للحكم، ومدى حجم وسرعة التهديد الذي يمثله ذلك، حتى في الوقت الذي يحاول قادة الحركة إقناع العالم بأنهم مختلفون عن ذي قبل. لكن ما من شك في أن انتصار "طالبان" سيوفر دفعة دعائية ضخمة للتنظيمات الإرهابية في جميع أنحاء العالم.

وعلاوة على القلق من أن انتصار "طالبان" من شأنه أن يجذب المتطرفين إلى أفغانستان، يخشى البعض من أن يلهم ذلك بعض المتشددين في الغرب، وبخاصة الشباب الفقراء في الأحياء المهمشة الذين يشعرون بالغربة ويمكن أن يحفزهم انتصار "طالبان" على تنظيم هجمات دموية ضد المصالح الغربية.

انتصار دعائي

وبحسب دانيال بايمان، الأستاذ في جامعة جورج تاون الأميركية، فإن "انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وانتصار "طالبان"، يحقق للمتشددين الإسلاميين في العالم انتصاراً دعائياً مشابهاً لما شهده قبل أكثر من 30 عاماً". ويستند بايمان في ذلك إلى أن "الأساطير الأساسية للحركات المتشددة الحديثة تتحدث عن أن المقاتلين الأجانب الذين طردوا الاتحاد السوفياتي من أفغانستان لم يهزموا فقط موسكو عام 1989، لكنهم سرعوا أيضاً انهيار الاتحاد السوفياتي والشيوعية بشكل عام، واستمرت هذه الأسطورة على مر الزمن، على رغم أن المقاتلين الأجانب لم يكونوا أساسيين من الناحية العسكرية في القتال الشامل ضد السوفيات".

يتوقع بايمان في مقال نشرته مجلة "فورين آفيرز" الأميركية أن تدعي "القاعدة" مرة أخرى أن انسحاب قوة أجنبية أخرى الآن، هي الولايات المتحدة، كان "انتصاراً مماثلاً"، على الرغم من أن قتال "طالبان" هو الذي أخرج الولايات المتحدة من أفغانستان وليس معارك "القاعدة" أو المتشددين الأجانب الآخرين، ومع ذلك ستكون حجتهم هذه المرة أكثر صدقية، لأن واشنطن نفسها بررت الحرب التي استمرت 20 سنة، على أنها صراع ضد الإرهاب الدولي، بالتالي فإن هزيمة الولايات المتحدة ستمثل نقطة قوة إضافية أخرى في رصيد تنظيم "القاعدة" التي يحتفل أنصارها الآن.

رياح النجاح

ويعزز هذا الاعتقاد ما ترصده أجهزة المتابعة لحركات وتنظيمات الإرهاب الدولي، حيث قال رافايللو بانتوتشي، محلل الإرهاب في هيئة الأبحاث الدفاعية، إن "مشاعر الانتصار بين مؤيدي "القاعدة" تتواصل على وسائل التواصل الاجتماعي وغرف الدردشة عبر الانترنت، إذ تتدفق رياح النجاح عبر أشرعة الحركة الجهادية العالمية".

ولا يقتصر هذا الشعور على أفغانستان وحدها فهم يرون النصر في هذا البلد ذروةَ عدد من النجاحات الأخرى في العالم، سواء كان ذلك في أجزاء من أفريقيا، أو في أماكن من سوريا، فضلاً عن انسحاب الفرنسيين من مالي، ومن ثم يعتبرون كل ذلك قصة نجاح سيدفعون بها ويجادلون بأنه يمكن القتال لمدة 20 عاماً لتصل في النهاية إلى السلطة.

علاقة مستدامة

وترى ستيفن إيرلانغر في صحيفة "نيويورك تايمز" أنه "لا يوجد سبب للاعتقاد بأنه مع انتصار "طالبان" الكامل، ستقطع علاقاتها مع "القاعدة"، والتي استمرت بين الطرفين لأكثر من 20 عاماً على الرغم من الضغوط والإغراءات الأميركية بضرورة قطع أي صلة مع "القاعدة"، لأن "طالبان" تدرك المهارة القتالية وتفاني أعضاء القاعدة وتشعر بإحساس من الالتزام تجاههم مقابل تضحياتهم على مدى السنوات العشرين الماضية".

وبحسب تقرير للأمم المتحدة صدر قبل شهرين، لا تزال "طالبان" و"القاعدة" متحالفَين بشكل وثيق ولا يظهران أي مؤشر على قطع العلاقات، كما توجد "القاعدة" في 15 مقاطعة أفغانية على الأقل، وبخاصة في الشرق والجنوب، وتحافظ على تواصلها مع "طالبان"، لكنها قللت من الاتصالات العلنية مع قيادة الحركة في محاولة لعدم تعريض موقف "طالبان" الدبلوماسي للخطر تجاه التزامها المعلَن من "اتفاق الدوحة" الذي وقعته مع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في فبراير (شباط) 2020.

اتفاق الدوحة بلا قيمة

لكن يبدو أن اتفاق الدوحة لم يعد الآن ذا قيمة كبيرة، حيث يشكك جون سويرز، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني المعروف باسم "أم آي 6" في "سيطرة المفاوضين من "طالبان" الذين شاركوا في اتفاق الدوحة، على المقاتلين، حيث يتمتع الموجودون في ساحة المعارك تقليدياً بسلطة أكبر من أولئك الذين يجلسون في فنادق الخمس نجوم"، في إشارة إلى قادة "طالبان" الذين أجروا المفاوضات الدبلوماسية في قطر.
ويشك الكثيرون في واشنطن ومنهم الزميل البارز بالمجلس الأطلسي، ناثان سيلز، منسق وزارة الخارجية الأميركية السابق لشؤون مكافحة الإرهاب، في أن طالبان ستفي بوعودها، إذ يعتقد أنها ستكرر تشجيعها للجماعات الإرهابية و"ستكون فرص شن هجومٍ آخر على الولايات المتحدة وحلفائها أعلى بكثير الآن".

اعترافات رسمية

وعلى الرغم من نغمة التهدئة التي يتبعها المسؤولون الأميركيون حالياً للتقليل من خطر "القاعدة" في أفغانستان، إلا أنه في يونيو (حزيران) الماضي، اعترف وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن والجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، أمام أعضاء مجلس الشيوخ، بأن عودة مجموعات مثل "القاعدة" و"داعش" إلى الظهور في أفغانستان وتهديدهما للوطن الأميركي سيستغرق عامين بعد الانسحاب العسكري الأميركي، لكن الجنرال ميلي أبلغ أعضاء مجلس الشيوخ قبل أيام أن المسؤولين الأميركيين يراجعون بسرعة التقييمات السابقة، بينما يعتقد المسؤولون في البنتاغون (وزارة الدفاع) الآن أن مثل هذه المجموعات يمكن أن تتطور بشكل أسرع وتعمل على جدول زمني جديد.

قبل ذلك بأيام، صرح جورج روبرتسون، الرئيس السابق لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، بأن "عودة طالبان سهلت بالفعل وصول مجموعة كاملة من الإرهابيين من دول أخرى، والذين يمكنهم التخطيط لشن هجمات وتنفيذها داخل المنطقة وخارجها"، وهو ما يتسق مع تحذيرات أطلقها في مايو (أيار) الماضي، بروس هوفمان الباحث في مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، وجاكوب وير الباحث في مجال مكافحة الإرهاب الدولي، من أن "القاعدة ستكون المستفيد النهائي إذا استهان الغرب بالتهديد الذي تشكله عودة طالبان"، وأنه "مع ضعف موارد الحكومة الأميركية لمكافحة الإرهاب بشكل تدريجي، يُرجَّح أن تكون الولايات المتحدة أقل أماناً في المستقبل القريب".

وهناك آخرون مثل المنسق الأميركي السابق لمكافحة الإرهاب ناثان سيلز، على ثقة بأن "طالبان" ستسمح لـ"القاعدة" بالعمل مرة أخرى ضد الولايات المتحدة وبخاصة مع التدهور المتوقع في القدرات الاستخباراتية الأميركية في أفغانستان مع غياب أي وجود عسكري أو دبلوماسي على الأرض ومع ابتعاد القوات الأميركية والطائرات المسيّرة مئات الأميال عن أفغانستان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


دروس قاسية

ومع ذلك يتوقع البعض أنه "بعد 20 سنة، تعلمت طالبان بعض الدروس ومن غير المرجح أن تكرر دعمها لجماعات مثل القاعدة أو داعش، لأنها تعلم العواقب"، وفق ما يعتقد بيتر نيومان، أستاذ الدراسات الأمنية في "كينغز كوليدج" بلندن، الذي يعتبر أن "احتمال توفير طالبان بسرعة ملاذاً آمناً لجماعات مثل القاعدة وداعش ضئيل، لأن طالبان عادت إلى السلطة مرة أخرى من دون مساعدة القاعدة، وأدرك قادة طالبان أنهم فقدوا السلطة عام 2001 بسبب القاعدة، مع تأكدهم بأن الولايات المتحدة قد تتدخل مرة أخرى، ليس لحماية حقوق الإنسان والمرأة، ولكن إذا سمحت طالبان للإرهاب الدولي بالنمو والازدهار".

ويتفق محللون في العاصمة الأميركية على أنه سيتعين على "طالبان" التعامل مع فلول "القاعدة" و"داعش" الموجودة بالفعل في أفغانستان، لأنهم لا يريدون استقطاب العداء الدولي لحكمهم مرة أخرى، وأن أولويتهم الأولى ستكون تعزيز السيطرة على أفغانستان المجزّأة، بما في ذلك إبرام نوع من التفاهم مع الأقليات مثل الأوزبك والمسلمين الشيعة مثل الهزارة والإسماعيليين، بهدف عدم إهدار هذا "الانتصار العظيم".

نحو اكتساب شرعية

علاوةً على ذلك، تحتاج  "طالبان" إلى اعتراف دولي وترغب في الاحتفاظ بالسلطة، فهي تدرك أن التمسك بأفغانستان أهم من استضافة تنظيمات التشدد العالمية العابرة للحدود.

ويستبعد دانيال بايمان، الزميل بمعهد بروكينغز، عودة الحركة في أفغانستان إلى دورها السابق كملاذ آمن للإرهابيين، لأن "ضعف القاعدة، ودوافع طالبان الخاصة، والتحسينات التي جرت في مجال الأمن الداخلي الأميركي وفي عمليات تنسيق الاستخبارات الأميركية، والعمليات العسكرية عن بُعد، يقلل جميعها من التهديد. كما أن داعش الذي يتمتع بوجود نشط في أفغانستان، يعارض بشدة القاعدة وطالبان، حيث يعتبر أن طالبان تخلت عن الإسلام لصالح القومية الأفغانية، ومع ذلك وبعيداً من الاختلافات الأيديولوجية، هناك صراع على النفوذ داخل الحركة الجهادية الأوسع، وقد تحاول طالبان استمالة قادة داعش إلى جانبها وسحق أولئك الذين يرفضون الرضوخ".

لا ملاذ آمناً

ولكن من غير المحتمل توفير ملاذ آمن واسع للمتطرفين والإرهابيين، وبغض النظر عن الروابط التي تربط قادة "طالبان" بـ"القاعدة"، إلا أنه توجد نقاط خلاف كثيرة سابقة، إذ لم يتم التشاور مع "طالبان" بشأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولم يؤيد قادة الحركة الهجمات الإرهابية السابقة التي نفذتها "القاعدة"، مثل تفجير السفارات الأميركية عام 1998 في شرق أفريقيا، ودفعت حركة "طالبان" ثمناً باهظاً نتيجة أحداث 11 سبتمبر، حيث خسرت السلطة لمدة 20 عاماً، ورأت الكثير من قيادييها يموتون في القتال ضد الولايات المتحدة.

وتدرك "طالبان" قدرات الولايات المتحدة التي تنفذ منذ سنوات، عمليات بعيدة المدى في الصومال واليمن ودول أخرى تنتشر بها جماعات إرهابية نشطة، وأن تنفيذ مثل هذه الضربات في أفغانستان سيجعل من الصعب على "القاعدة" والجماعات الأخرى إدارة معسكرات تدريب واسعة النطاق، كما فعلوا قبل 11 سبتمبر، ما قد يعرض قادتهم للخطر.

ومع تحسن الأمن الداخلي في الولايات المتحدة بشكل كبير منذ 11 سبتمبر 2001، وتضاعف الجهد الاستخباراتي العالمي لاستهداف "القاعدة" و"داعش" والحركات الإرهابية الأخرى، سيواجه المجندون المحتملون صعوبة أكبر في الوصول إلى أفغانستان، وإذا نجحوا في ذلك، فإنهم سيخاطرون بالتعرض للاعتقال عند عودتهم.

المزيد من تقارير