Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بؤساء فيكتور هوغو في أحياء الضواحي الباريسية

عمل سينمائي ضمن الدورة 72 من مهرجان كان

تسجل سينما المؤلف حضوراً قوياً في العروض الأولى من الدورة الـ 72 من مهرجان كان السينمائي. فبعد فيلم الافتتاح "الموتى لا يموتون" الذي حمل توقيع الأميركي جيم جارموش، رفع المخرج الفرنسي لادج لي، تحدياً فنياً محفوفاً بالمجازفات، إذ قدّم في فيلمه "البؤساء"، الذي ينافس على السعفة الذهبية، اقتباساً عصرياً لرواية فيكتور هوغو الشهيرة التي تحمل العنوان ذاته، ناقلاً أحداثها من انتفاضة باريس التاريخية (1832) إلى أحياء الضواحي الباريسية في عصرنا الراهن!

عائلة مهاجرة

شاءت مصادفات التاريخ أن يولد المخرج لي، الذي يتحدر من عائلة مهاجرة أصلها من مالي، في مدينة مونفيرماي، شرق باريس. مدينة أقام فيها هوغو عام 1836، وكتب هناك رائعته "البؤساء"، وكانت آنذاك ضاحية فخمة تقطنها نخبة من المثقفين والميسورين، لكنها أصبحت منذ سبعينات القرن الماضي واحدة من أحزمة الفقر التي تطوق العاصمة الفرنسية والتي يُصطلح عليها إعلامياً بأحياء الضواحي الباريسية. استلهم المخرج من رائعة فيكتور هوغو شخصية غافروش، فتى الشوارع الذي تحول إلى أيقونة لانتفاضة باريس في العام 1832. في مونفيرماي الحالية، صار غافروش اسمه عيسى. طفل يتحدّر من عائلة نيجيرية فقيرة، يعيش بدوره في كنف الشارع، ويمتهن السرقات الصغيرة.

ذات يوم، تحل بالحي فرقة سيرك غجرية، فيُغرم عيسى بشبل رضيع، وُلد للتو من زوج أسود في السيرك، فيسرقه ويخفيه. ما يضع الحي على حافة مواجهة عرقية دامية بين الغجر والمهاجرين الأفارقة. يتدخل رجال الشرطة لمحاولة استرجاع الأسد الرضيع، أملاً بنزع فتيل الفتنة. وخلال مطاردتهم لعيسى، يصيبونه بطلقة طائشة. يتملكهم الهلع، فيسعون للتستر على الجريمة خشية اندلاع فتنة طائفية أخطر من تلك التي تدخلوا لإخمادها، لكنهم يكتشفون أن أحد أطفال الحي يمتلك جهاز drone، واعتاد أن يصور به كل ما يدور في الحي، من سطح إحدى العمارات. بالتالي، صوّر واقعة إصابة عيسى من قبل دورية الشرطة.

تواطؤ

فجأة، ينقلب الحي رأساً على عقب، وتتواطأ جميع السلطات المهيمنة عليه، لمطاردة الفتى المصور، لاسترجاع شريط الفيديو الذي وثّق الجريمة. ونكتشف تدريجياً أن الشرطة في الحي متواطئة مع عصابات المخدرات، ومع عمدة المدينة الذي يتحدر من أصول مهاجرة، لكن السلطات نصبته عيناً على السكان لمنع نشوب أي انتفاضات، وأيضاً مع جمعية دينية تركتها السلطات الفرنسية تهمين على الحي لتنويم السكان بخطابها الذي يكرس الرضوخ للأمر الواقع، من خلال إقناعهم بأنه من الواجب دينياً قبول ظروفهم المعيشية المزرية بوصفها قضاء وقدر.

حين يطارد رجال الشرطة والعمدة وتجار المخدرات، شلة أطفال الحي لمصادرة الشريط، تلجأ الشلة إلى الجمعية، معتقدة أنها مرجعيتهم الدينية التي لا يمكن أن تخونهم، فيسلّمونها الشريط. لكن الإمام سرعان ما يغلّب مصالح جماعته مع السلطات، ويعطيها الشريط. عندها يدرك أطفال الحي أن كل السلطات، السياسية والأمنية والدينية، متواطئة ضدهم، فينظمون انتفاضة عارمة تودي بكل تلك السلطات التي تتحكم بمصائرهم.

جودة الفيلم

وينتهي الفيلم بعبارة مقتطفة من رواية فيكتور هوغو: "لا توجد بذرة سيئة أو أعشاب ضارة. العيب فقط في المزارعين السيئين"! وأشاد المفوض العام لمهرجان كان تيري فريمو في تصريح خاص لـ "اندبندت عربية" بجودة هذا الفيلم وتميزه: "أعترف بأن الفيلم من الأعمال التي تسترعي انتباهنا منذ الوهلة الأولى خلال اختيار الأفلام. إنه من الأفلام الجميلة التي تستحق أن تكون ضمن التشكيلة، وفضلاً عن ذلك، تجتمع فيه مواصفات عدة تجعلنا نتوقف ونقول: إن أمراً مهماً يحدث هنا. وهذا نتيجة جهد ائتلاف من الفنانين ينشطون منذ سنوات في أحياء الضواحي، ويريدون أن يتخذوا من السينما شاهداً على ما يحدث هناك. وأعتقد أن النظرة التي يسلطونها على واقع تلك الأحياء لن تكون مخيبة".

ويُرتقب أن يستمر هذا الحضور الملفت لسينما المؤلف من خلال أفلام عدة مرتقبة في الأيام المقبلة، وفي مقدمتها فيلم السينمائي الأميركي المشاكس كوينتن تارانتينو، "كان يا ما كان في هوليود" وجديد الإسباني بيدرو ألمودوفار الذي يحمل عنوان "الألم والمجد".               

اقرأ المزيد

المزيد من فنون