Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المركز الثقافي البغدادي يعيد أمجاد مجالس القصص في العصر العباسي

يضم متاحف وقاعات ومكتبات تحمل أسماء رواد العراق

المركز الثقافي البغدادي (اندبندنت عربية)

حفلت بغداد أيام ازدهار الحضارة العربية بعدد من القصور الشامخة والدور الفخمة والعمارات الفسيحة، ظل أمرها أحدوثة الزمان، إذ قال الشاعر عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير في مدح قصور بغداد في العصر العباسي، "مناظر ذات أبواب مفتحة/ أنيقة بزخاريف وتزيين. فيها القصور التي تهوي بأجنحة/ بالزائرين إلى القوم المزورين".

وبقيت لمسات العصر العباسي وكنوزه المعمارية على قلتها شاخصة كأهم معالم بغداد الأثرية، وإن كان الإهمال يطال كثيراً منها.

في الجهة اليسرى من نهر دجلة، عند نهاية شارع المتنبي، تشخص بناية يعود تاريخها إلى زمن الخليفة أبي العباس أحمد "المستظهر بالله" (470 هـ - 512 هـ)، الخليفة 28. ويذهب المؤرخون إلى أن المبنى قد شغل وظائف عديدة قبل أن يتحول في العهد العثماني إلى دائرة معنية بوثائق العقارات وبعض الشؤون المالية الأخرى التي كانت تسمى في عهد الولاة المماليك العثمانيين "الدفترخانة"، أي مقر حفظ السجلات الرسمية بخاصة السجلات العقارية.

وفي العهد العثماني الأخير، قام الوالي مدحت باشا، عام 1870، بتحويلها إلى المدرسة الرشدية العسكرية بعد أن أعاد بناءها بشكلها الحالي، لتكون أول مدرسة عسكرية حديثة. وبعد تأسيس المملكة العراقية عام 1921، اتخذ المبنى مقراً للمحاكم المدنية والجزائية واستمرت الحال كذلك حتى عام 1978.

أول ترميم شهده المبنى كان عام 1992 من قبل دائرة الآثار والتراث، واستغرق ثلاث سنوات، حيث حافظت الدائرة على هيئته التاريخية وأزالت الأبنية المستحدثة. وفي عام 2003، وبعد دخول قوات الاحتلال الأميركي، تعرض لأعمال تخريب وبقي مهملاً إلى أن قامت محافظة بغداد عام 2011 بإعادة تأهيله وتحويله إلى مركز ثقافي.

وصف المبنى

تبنت محافظة بغداد إعادة ترميم المبنى التاريخي، ليكون أهم مركز ثقافي في شارع المتنبي يرتاده رواد الثقافة، وتقام فيه اللقاءات الأدبية ومعارض الرسم والفلكلور والمهرجانات. 

ويحتوي المبنى على أكثر من 25 غرفة، تتراوح مساحتها بين 16 إلى 36 متراً مربعاً، واستثمر معظمها في احتضان النشاطات الثقافية، في حين خصص بعضها ليكون مكتبات تضم الكنوز النادرة من الكتب. 

يحتل المبنى قطعة من الأرض مستطيلة الشكل، تتوسطها مساحة يطل عليها البناء المتكون من طابقين. الطابق الأرضي يحتوي على مجموعة من الغرف (القاعات) تقوم أمامها أروقة ترتكز على 42 دعامة مستطيلة الشكل، على غرار عقود بناية القشلة. 

تحمل هذه العقود الطارمة في الطابق العلوي، التي تمتاز بأن أعمدتها من الخشب الذي يغلف أعمدة حديدية، وفي أعلاها تيجان خشبية يبلغ عددها 42.

ويقع مدخل المبنى في الضلع الشمالي مقابل الباب الجنوبي لبناية القشلة.

يقول مدير المركز الثقافي البغدادي ومدير قسم الشؤون الثقافية والتنمية البشرية طالب العيسى، إن فكرة إنشاء المركز ولدت عام 2011، بسبب الحاجة الماسة إلى مكان يجتمع فيه رواد شارع المتنبي، ويكون موقعاً لإقامة الفعاليات الثقافية المتنوعة، بعد أن كان أغلبها يقام على أرصفة الشارع.

قاعات رواد العراق 

ما أن تتجول في قاعات المبنى حتى تشاهد أسماء رواد العراق، وهي تزين أسماء قاعات طابقه الأول. يشرح العيسى لـ"اندبندنت عربية" أن كل قاعة خصصت بإقامة النشاطات الثقافية التي تتجانس مع الاسم الذي تحمله. فقاعة محمد غني حكمت تقام فيها معارض الفنون التشكيلية وقاعة علي حسين محفوظ خصصت لعقد الندوات الفكرية والفلسفية. أما العروض السينمائية فهي تقام في قاعة "ألف ليلة وليلة"، في حين خصصت قاعة "الشناشيل" للتراث البغدادي والمقام العراقي.

ويقول العيسى إن المسرح الرئيس أطلق عليه اسم سامي عبد الحميد تيمناً بأستاذ المسرح العراقي، وتقام فيه المؤتمرات والمهرجانات المهمة. أما قاعة "نازك الملائكة" فتقام فيها اللقاءات الأدبية والشعرية والقصة القصيرة.  

أما قاعة الدكتور علي الوردي فقد خصصت للندوات المتعلقة بدراسات علم الاجتماع، وقاعة جواد سليم مخصصة للنشاطات الفنية، وقاعة المؤرخ اللغوي مصطفى جواد تحتضن الفعاليات التاريخية. 

المتاحف 

لا يمكن للمبنى الثقافي أن تكتمل معالمه إلا بوجود متاحف تؤرخ لحضارة العراق، إذ يضم الطابق الأرضي متحف "دليل الجمهورية العراقية"، وهو خاص بعرض وثائق تأسيسها، وقد أطلق عليه هذا الاسم نسبة إلى المؤلف الكبير "دليل الجمهورية"، الذي شارك في تأليفه المؤرخ مصطفى جواد وأحمد سوسة وحامد الصراف. 

أما متحف "أرض الرافدين" فيضم عدداً من المقتنيات الفكرية والتاريخية التي تعود إلى أكثر من 100 عام. يقول مصطفى الغبان، المسؤول عن المتحف، إنه يجسد في مقتنياته جميع المراحل التاريخية. 

ويشرح الغبان لـ"اندبندنت عربية" عن أقدم مقتنيات المتحف، وهو وعاء للشاي يعود إلى زمن السلطان ناصر الدين شاه، الذي زار بغداد عام 1870، وسكن في قصر النجيبية واستخدم هذه المقتنيات.

آلية التبرع بالمكتبات

يضم المركز الثقافي البغدادي مكتبات لرواد العراق وعلمائه ممن أسهموا في ترك بصمات في تاريخ البلاد، ومنها مكتبة المهندس الآثاري المؤرخ أحمد سوسة ومكتبة المؤرخ ميخائيل عواد، فضلاً عن مكتبة الكاتب الأديب عبد الحميد الرشودي والمفكر عزيز السيد جاسم والباحث في التاريخ العراقي رفعت الصفار ومكتبة آل الخليلي. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويوضح العيسى أن المكتبات النادرة تم التبرع بها من  قبل العائلات، قائلاً "يقوم المركز بتسهيل عملية التبرع والابتعاد عن الإجراءات الإدارية المعقدة، ويتحمل تكاليف النقل". 

وبعد أن تصل المكتبة إلى المركز، يتم تحديد القاعة الخاصة بها وإقامة الرفوف المناسبة، ثم تجرد الكتب وتفهرس وتصور. 

ميخائيل عواد

يوفر المركز الثقافي البغدادي، الذي يضم 35 ألف كتاب، الخدمات المكتبية على مدار ثلاثة أيام من الأسبوع، إذ يصل إليه عديد من الطلبات بشأن كتب ومصادر مهمة، وقد سهلت الأرشفة الإلكترونية عملية تزويد الباحثين بما يحتاجونه من مصادر تحتويها رفوف هذه المكتبات.

تقول أمينة مكتبة ميخائيل عواد، نمارق خضر، إن عملها في هذه المكتبة من أروع التجارب التي خاضتها في حياتها العملية. وتشير إلى أنها "تضم 3000 كتاب تمت أرشفتها بالكامل، إضافة إلى إهداءات شخصية من مؤلفين كبار ومقتنيات شخصية وبحوث كتبها المؤرخ بخط يده". 

وبهدف التعريف بالمؤرخ، أنشئت صفحة في "فيسبوك" لعرض ما تحتويه المكتبة من كتب نادرة. وتقول خضر إن "كثيراً من الطلبات تصل من الدول العربية، حيث نقوم بإرسال الكتب المؤرشفة رقمياً لهم".

ومثلما كانت مجالس القصص في العصر العباسي  منتشرة في بغداد، يستمع من خلالها السكان إلى الحكايات الشيقة والأحاديث المسرة للنفوس والشعر والموسيقى، يعيد المركز الثقافي البغدادي هذا التراث الشعبي ليضم في أروقته النشاطات الثقافية بمختلف صنوفها، محاولاً إعادة ما كان يقال عن بغداد أنها "جمعت فيها ذخائر الدنيا وتكاملت بها بركات العالم".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة