تواجه شركات التكنولوجيا الأميركية، التي تدير منصات للتواصل الاجتماعي، تحدياً بشأن الطريقة التي ينبغي التعامل بها مع حسابات عناصر "طالبان" والمضمون الذي تروج له، لا سيما أن هذه الشركات التي ترتبط معاً بـ"منتدى الإنترنت العالمي لمكافحة الإرهاب"، تعهدت بالتعاون لمنع الإرهابيين من استغلال منصاتها.
ولم يتخذ المنتدى، الذي أطلقته "فيسبوك" و"يوتيوب" و"تويتر" و"مايكروسوفت"، موقفاً بعد بشأن الحسابات الرسمية للحكومة الأفغانية التي استولت عليها حركة "طالبان" بعد سيطرتها على أفغانستان، فضلاً عن حسابات قادة الحركة، وكيفية التعامل مع اتصالاتهم على المنصات المشفرة مثل "واتساب"، فيما يقول التحالف إنه من الأفضل ترك القرار للمنصات نفسها.
وتشير صحيفة "بولتيكو" الأميركية إلى أن التعامل مع المحتوى والحسابات الخاصة بـ"طالبان" لا يزال غير متسق عبر المواقع الرئيسة. ومطلع الأسبوع، أعلنت "فيسبوك" حظر الحركة، لكن ذلك لم يُطبق عبر منصات الشركة. وقالت منصة "يوتيوب" المملوكة لشركة "غوغل" إنها ستنهي أيضاً حساباتها. لكن "تويتر" لم تتعهد بحظرها، واكتفت بالقول إنها ستتخذ إجراءات بشأن المشاركات التي تنتهك قواعد النظام الأساسي.
وتضيف الصحيفة أن خبراء حقوق الإنسان والنشطاء على مواقع التواصل يخشون أنه في الوقت الذي تكافح فيه شركات التكنولوجيا بشأن كيفية التعامل مع مضمون "طالبان" وسط الوضع السياسي السريع التطور في أفغانستان، فإن التعامل غير المتسق بين التطبيقات وقواعد المحتوى الخاصة بهم يمكن أن يزيد الأمور سوءاً، بما في ذلك عن طريق حظر غير متعمد لمشاركات من مستخدمين آخرين تكشف عن فظائع ترتكبها عناصر الحركة.
وفي حين توجد آلية للتواصل المنتظم بين شركات التكنولوجيا ومجموعات حقوق الإنسان والأمن الرقمي مما يساعد في ضمان قيام المنصات بمراقبة المحتوى الضار والتعامل معه بسرعة وباستمرار بخاصة في أوقات الأزمات، يقول رامان جيت سينغ، مدير سياسات آسيا، كبير المستشارين لدى مجموعة "أكسس ناو" المعنية بالدفاع عن الحقوق الرقمية، إن هذا التحرك لا يحدث بالسرعة الكافية في الوقت الحالي.
ودعا مايكل كلاينمان، مدير مبادرة وادي السيليكون لدى منظمة العفو الدولية، المنصات إلى "ضمان الحفاظ على الأدلة الحاسمة على أي انتهاكات أو إساءات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي من أي طرف سواء في الماضي أو الحاضر أو في المستقبل".
ترمب يهاجم "تويتر"
على الرغم من الحظر المعلن، فإن حركة "طالبان" حاضرة على وسائل التواصل الاجتماعي، مما دفع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الذي حُظرت حساباته على "تويتر" و"فيسبوك" منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، إلى أن يقول في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز"، يوم الأربعاء، إن "تويتر" تسمح "لقتلة بدم بارد" بالبقاء على منصتها بينما لا تزال تحظره.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وواصل المتحدث باسم "طالبان"، ذبيح الله مجاهد، نشر تسجيلات عبر "تويتر" خلال استيلاء عناصر الحركة على أفغانستان، وجمع حسابه أكثر من 319 ألف متابع. وقالت منصة "تويتر" سابقاً لمجلة "نيوزويك" الأميركية، إنها ستراجع منشورات "طالبان" بحثاً عن أي محتوى قد "ينتهك قواعد المنصة، وتحديداً السياسات التي تمجد العنف".
وبحسب "نيوزويك" فإنه رداً على سؤال حول تعليقات ترمب، قال متحدث باسم "تويتر" "الوضع في أفغانستان يتطور بسرعة، ونحن نشهد أشخاصاً في البلاد يستخدمون تويتر لطلب المساعدة. الأولوية القصوى لتويتر هي الحفاظ على سلامة الناس، وما زلنا يقظين".
ووصفت باتريشيا غوسمان، المسؤولة لدى "هيومن رايتس ووتش" عناصر "طالبان" بـ"المستخدمين المنتظمين" لمعظم المنصات الرئيسة، مضيفة أن تطبيق "واتساب" تحديداً، المملوك لـ"فيسبوك"، استُخدم "لتنسيق المعارك (تقصد التحركات العملياتية) فيما بينهم"، وكذلك "سيجنال" و"فيسبوك ماسنجر"، وإن كان بدرجة أقل. وتضيف إن خدمة تشفير الرسائل جعلت من الصعب اكتشاف حساباتهم، كما تبدو بعض الجهات الفاعلة والجماعات التابعة لـ"طالبان" على الإنترنت كمنظمات تجارية مشروعة، وهو عامل آخر يجعل التعرف عليها أكثر صعوبة.
أسئلة صعبة
أثار الوضع في أفغانستان أسئلة صعبة حول كيفية تعامل منصات التواصل الاجتماعي مع حسابات الجماعات المتطرفة العنيفة التي تستولي على الحكم. فـ"طالبان"، التي لم تصنفها وزارة الخارجية الأميركية منظمة إرهابية أجنبية في حين تضعها وزارة الخزانة ضمن قائمة المنظمات التي يُحظر على الأميركيين التعامل معها، أصبحت مسؤولة في أفغانستان.
وسعى قادة الحركة خلال الأيام الماضية لإرسال بعض التطمينات للمجتمع الدولي والنأي بنفسها عن الإرهاب. فخلال أول مؤتمر صحافي للحركة في العاصمة الأفغانية كابول، الثلاثاء، قال المتحدث باسمها إنهم لن يسمحوا بأن تكون أفغانستان ملاذاً آمناً للإرهاب وتعهد باحترام حقوق المرأة.
هذه التصريحات قوبلت بتعليقات أكثر هدوءاً على الصعيد الدولي، إذ لم تستبعد القوى الدولية التعاون مع "طالبان" لكن بشروط؛ فالخارجية الأميركية قالت إن العلاقة مع "طالبان" "رهن بسلوكها". وقال المفوض الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إن "الحركة ربحت في الحرب وعلينا التحاور معهم"، واضعاً شروطاً للحوار تتعلق باحترام حقوق الإنسان والتسوية السلمية الشاملة.
وفي بريطانيا، قال رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، إن الحكم على حركة "طالبان" سيكون من خلال أفعالها و"سلوكها حيال الإرهاب والجريمة والمخدرات، كذلك على حق الوصول (للمساعدات) الإنسانية وحقوق الفتيات في الحصول على التعليم". ليس ذلك فحسب، إذ قال قائد الجيش البريطاني، الجنرال نيك كارتر، إنه ينبغي أن يعطي العالم حركة "طالبان" متسعاً لتشكيل حكومة جديدة في أفغانستان، وربما يكتشف بعدها أن المتمردين الذين تعاملنا معهم طيلة عقود على أنهم متشددون قد أصبحوا أكثر عقلانية.
وقال المتحدث الأممي، ستيفان دوجاريك، خلال الإفادة الصحافية اليومية، "سنحتاج إلى تفحص ما يحدث، أعتقد أننا سوف نحتاج إلى رؤية التصرفات على الأرض فيما يتعلق بالوفاء بتلك الوعود".
"طالبان" تتهم "فيسبوك"
هذا التطور على صعيد المجتمع الدولي، ربما تسبب في تردد وارتباك لدى منصات التواصل الاجتماعي، التي بقيت في وضع الانتظار والمراقبة. وتقول صحف أميركية إن تحالف مكافحة الإرهاب بين شركات التكنولوجيا، يركز في الوقت الحالي على مشاركة المعلومات مع الشركات الأعضاء لمساعدتهم على مواكبة التطورات في أفغانستان وعلى الإنترنت، لاتخاذ قراراتهم الخاصة بشأن المحتوى.
ووفقاً لـ"بولتيكو"، قال متحدث باسم "منتدى الإنترنت العالمي لمكافحة الإرهاب" إنه يمكن إضافة محتوى "طالبان" "الذي يمجد الأعمال الإرهابية، أو يصور العنف ضد الأشخاص العزل، أو يحتوي على تهديد وشيك، أو يسعى إلى تجنيد أتباع أو توجيههم للعنف" إلى قاعدة بيانات التحالف، حيث تشارك منصات الأعضاء ما يسمى بـ"تجزئات" أو "بصمات رقمية" لصور ومقاطع فيديو إرهابية.
ومن المفارقة أن المتحدث "الطالباني" انتقد خلال مؤتمر صحافي، ما وصفه بفرض الرقابة وتقويض حرية الرأي من قبل شركات التكنولوجيا. فرداً على سؤال بشأن خطط الحركة فيما يتعلق بحرية التعبير، قال ذبيح الله مجاهد "هذا السؤال يجب طرحه على هؤلاء الأشخاص الذين يدعون أنهم من دعاة حرية التعبير بينما لا يسمحون بنشر كل المعلومات والأخبار. يمكنني أن أسأل فيسبوك. هذا السؤال ينبغي توجيهه لهم".