Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السياسات الاسرائيلية تهجر ابناء البلدة القديمة في الخليل

أكثر من 1500 محل تجاري أغلقت أبوابها بسبب التضييقات وانتشار الحواجز وتوسعة المستوطنات

"البلدة القديمة مدينة أشباح"، هكذا وصف أحد أصحاب المحال التجارية في مدينة الخليل البلدة، بسبب أبوابها الكثيرة المقفلة، وشوارعها الخالية إلا من بعض المتوجهين للحرم الإبراهيمي، أو أصحاب المحال التي تبيع المنتجات السياحية أو الغذائية بأسعار رخيصة، في كثير من الأحيان لإقناع المارة بالشراء.

 فالإجراءات الإسرائيلية في هذه المنطقة حالت دون التوسع التجاري، بل دفعت الفلسطينيين إلى إغلاق محالهم وهجرها إلى أماكن أخرى خارج البلدة أو خارج المدينة ذاتها.

المحال تفتح لقتل الفراغ

يقول أحمد الذي صادفناه يجلس أمام محلٍ صغير، يكاد يخلو سوى من بعض الحلويات والشوكولا، إن "حركة الناس في البلدة القديمة خفيفة جداً، ولا تزدحم إلا في المناسبات كشهر رمضان المبارك أو أيام العطل، ولكن حتى هذه الحركة تقل مع حلول المساء، أو تكاد تختفي"، ويتابع أنه "في البلدة ترى السياح الأجانب أكثر من المحليين، وهؤلاء لا يشترون كل المنتجات بل فقط السياحية، لذلك اضطر الكثير من التجار إلى مغادرة البلدة، بسبب عدم قدرتهم على تأمين قوت يومهم"، مشيراً إلى أن "الدعم الذي يقدم لأصحاب المحال، سواء من الحكومة أو المؤسسات الأجنبية، ليس كافياً، فكل شخص تقريباً لديه عائلة يعتني بها".

بائع الفلافل السبعيني محمد زاهدة، يبيع بضعة أقراص من الفلافل كل يوم، لقتل الفراغ بدل الجلوس في المنزل، فعمله هذا لا يوفر له قوته اليومي، ولكنه اعتاد على فعل ذلك منذ الستينات أو ربما قبل ذلك، وكان يبيع الحمص والمشروبات والدجاج المشوي، ويشغل في محله عمالاً. "فسوق اللبن (اسم السوق الذي يعمل فيه محمد، وهو قريب من الحرم الإبراهيمي) كان عامراً آنذاك بباعة اللبن والخضار، ولكن بعد إغلاق القوات الإسرائيلية الأبواب تغير كل شيء"، كما وصف زاهدة.

أكثر من 1500 محل مغلق

يقول مدير عام لجنة إعمار الخليل عماد حمدان إن "البلدة القديمة هي المنطقة الوحيدة التي يوجد فيها مستوطنة، وهذا يخلق حالة دائمة من التوتر، بسبب الاعتداءات المستمرة من الجيش الإسرائيلي أو المستوطنين، والتضييقات الكثيرة المتمثلة في أكثر من 100 حاجز على مساحة كيلومترٍ واحدٍ، ستة منها يجري العمل على تحويلها كمعابر دائمة، إضافة إلى إغلاق 512 محلاً تجارياً في البلدة، عدا عن 1000 أخرى أغلقت تلقائياً، بسبب الحواجز والمعيقات في الوصول ومنع التجول وإغلاق 18 مدخلاً للبلدة.

محاولات هنا وهناك لإعادة الحياة للبلدة

تحاول لجنة إعمار الخليل تنشيط الحركة السياحية في البلدة، ورسم المسارات التي تمر بالزوايا والتكايا ومصنع الزجاج وبركة السلطان والحرم الإبراهيمي والحمام التركي، حتى لا تقتصر زيارة الناس على الحرم فقط. فأنشأت اللجنة مواقف للحافلات ورفعت لوحات إرشادية، إضافة إلى تشجيع أصحاب المنشآت التجارية على البقاء عبر ترميم محالهم، وتقديم الإعفاءات الضريبية وفواتير المياه والكهرباء، وتأهيل البنية التحتية ووضع المظلات، خصوصاً بعد أن أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) عام 2017، على قائمة التراث العالمي المُهدد بالخطر، بصفتها منطقة تُعرف بقيمتها العالمية وعمارتها الفريدة.

التضييقات امتدت إلى خارج البلدة

التضييقات على البلدة القديمة وتوسع المستوطنات على حسابها لم يؤثر في قاطنيها فقط، بل امتدت لتشمل المصانع الأخرى في الخليل. وفي هذا الإطار يقول حمدي النتشة مدير أحد مصانع الزجاج اليدوي، إن "صناعتهم سياحية في الأساس، ومع التضييقات الإسرائيلية على السياحة، وتغير هيكلة الطرق، عوامل قللت من الحركة التجارية"، موضحاً أن "هذا الأمر ليس وليد السنوات الأخيرة بل منذ بدء السيطرة الإسرائيلية على المدينة، فهم قاموا بنقل مصنعهم إلى مدخل الخليل، بعد أن كان في حارة القزازين في طريق الحرم الإبراهيمي في البلدة القديمة، ضمن 14 مصنعاً للزجاج، لم يبق منها سوى اثنين، إضافة إلى إدخال السيراميك والزجاج الملون، وبيع المنتجات بأسعار منخفضة، في محاولة للحفاظ على هذه الصناعة وتوفير أجور العمال، الذين يقضون ساعات أمام الفرن البالغة درجة حرارته 1000 درجة، ولتجنب الخسائر التي قد تنتج من الظروف السياسية والاقتصادية الراهنة".

أما عزت ياسر في مصنع الكوفية الفلسطينية الوحيد منذ عام 1961، فأشار إلى "أن الإغلاقات على الضفة الغربية ومدينة الخليل بالتحديد غيّرت سوق صناعتهم، فأصبحوا يبيعون أكثر من 85 في المئة من منتجاتهم خارج فلسطين، إضافة إلى أنها أضعفت الحركة السياحية، فزائر الخليل لا يرى على الخريطة اسم المصنع، والكثير من السياح لا يمرون بكل هذه المحال الفلسطينية، هذا عدا عن الصناعة المستوردة من الخارج التي قد تكون ذات سعر أقل". وفي محاولة لتفادي كل التحديات السابقة، يحاول المصنع دائماً التوجه إلى تصاميم وألوان جديدة تواكب الموضة حول العالم.

 بداية الحكاية

بدأت قصة التضييقات على البلدة القديمة كما أخبرنا أهلها، بعد ما يسمى بـ "مجزرة الحرم الإبراهيمي" في عام 1994، حين قام مستوطن إسرائيلي بقتل 29 مصلياً وجرح 120 آخرين في الحرم. بعدها بدأت حياة الفلسطينيين تتعطل شيئاً فشيئاً، وانتهى الأمر بتوقيع اتفاق حول الانتشار الجزئي للجيش الإسرائيلي في المدينة عام 1997، وقُسمت إلى منطقتين،H1  التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، وH2  ومن ضمنها البلدة القديمة تحت السلطة الإسرائيلية، وتبلغ مساحتها كيلومتراً واحداً، وتعود الكثير من مبانيها إلى الفترتين المملوكية والعثمانية، وفيها التكايا والزوايا والمصانع كالزجاج والحلقوم والحلاوة والطحينية والحرم الإبراهيمي، الذي قسم هو الآخر بين اليهود والمسلمين.

رمضان يحيي البلدة

تتغير أجواء البلدة القديمة وتعمر في شهر رمضان، فيتوزع باعة الحلويات والعصير بمختلف أنواعه في الطرقات، ويكثر المشترون والمتوافدون إلى الحرم الإبراهيمي للصلاة فيه، على الرغم من البوابات الحديدية على مدخله وبعض المضايقات، "ولكن الأمر هذا سينتهي وتعود البلدة مدينة أشباح مع انتهاء الموسم"، كما قال أهل البلدة.

المزيد من العالم العربي