Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تأثيرات علاقات تركيا وإيران مع أفغانستان الجديدة على القضايا العربية

ستوظف طهران الرسائل السياسية المرتبطة بالفشل الأميركي وربما تدفع الأوضاع في العراق إلى الفوضى

كان إسقاط "طالبان" عام 2001 فرصة لطهران (رويترز)

تتناول تحليلات كثيرة الهدف الأميركي من الانسحاب من أفغانستان. ويرى البعض أن الهدف الأميركي نابع من الحرب الباردة بين روسيا والصين والولايات المتحدة، ومن ثم أرادت الولايات المتحدة خلق بؤر صراعات وتوترات لخصميها القديم والحديث، فضلاً عن إشغال إيران بتوترات وتهديدات أمنية على حدودها الممتدة مع أفغانستان، وعودة الخصم المنافس حركة "طالبان". وفي تلك الأثناء، ظهرت تركيا نشطة في ما يخص أفغانستان ما بعد الولايات المتحدة. وهو ما يجعلنا نحاول التركيز على الفرص والتحديات التى يفرضها الوضع الجديد على كل من إيران الشيعية وتركيا السنية اللتين تراودهما أحلام الهيمنة والإمبراطورية وكيفية توظيف بؤرة التوتر الجديدة، وتأثيرات ذلك على سلوك إيران وتركيا في المحيط العربي.

فمنذ إعلان الانسحاب الأميركي واتفاق الدوحة بين "طالبان" وواشنطن، بدأت بعض الدول المجاورة والمعنية بالوضع في أفغانستان استضافة "طالبان" أو دعمها ضمناً. وسعت دول أخرى، منها تركيا، إلى أن يكون لها دور في أفغانستان ما بعد الولايات المتحدة الأميركية.

إيران

استقر منظور إيران على أن تهديد أمنها القومي ينبع من الوجود الأميركي فى المنطقة على طول الحدود الإيرانية في أفغانستان والعراق، وفي منطقة الخليج. مع ذلك، مثل المشهد الإقليمى في أعقاب تغير نظام الحكم في العراق، وانهيار نظام "طالبان" في أفغانستان، المجال لتوسيع نفوذ إيران في محيطها المباشر.

فقد سقط منافسو إيران. لذا، فإن مشهد الانسحاب الأميركي من أفغانستان وما خلقه من تداعيات بدأت مع عودة حركة "طالبان" والسيطرة على العاصمة الأفغانية كابول، يستدعي البحث في كيفية تعامل إيران كدولة مجاورة لأفغانستان مع الحدث والواقع.

بشكل عام، كان إسقاط "طالبان" عام 2001 فرصة لطهران وتحدياً لجهة الوجود الأميركي في أفغانستان، لكنها عملت على تحويل التحدي إلى فرصة لخلق فوضى ضد الوجود الأميركي. فقد تحدث وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو أن إيران تقدم مساعدة سرية لمقاتلي "طالبان" ضد القوات الأميركية، خصوصاً بعد قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني. وعارضت إيران الاتفاقية الأمنية الثنائية التي تم التفاوض بشأنها بين أفغانستان والولايات المتحدة. وبعد اتفاق الدوحة بين "طالبان" وواشنطن، بدأت طهران رعاية مباحثات بين الحكومة الأفغانية و"طالبان"، وراحت تشدد على وجوب تشكيل حكومة تضم جميع الأطياف. وتؤكد إيران دائماً أن "طالبان" تدرك أنه لا يمكن تحقيق الشرعية الدولية بالقوة العسكرية، بل إن الشرعية الدولية تتحقق من خلال المفاوضات السياسية.

إن صعود حركة "طالبان" سيجبر إيران على إعداد استراتيجية دفاع جديدة. وقد بدأت بإعادة نشر قواتها العسكرية التابعة للحرس الثوري والقوات المسلحة النظامية على طول الحدود مع أفغانستان. ما يعني توجيه جزء من مواردها وجهود الحرس الثوري من أجندة الشرق الأوسط نحو أفغانستان. أما على المستوى السياسي، فستعمل إيران فى مرحلة صعود "طالبان" على الانخراط في الحل السياسي ليسود الاستقرار والأمن في البلد الذى يؤثر بشكل مباشر على أمنها القومي. وفي ظل الفوضى التي تشهدها أفغانستان، صرح مسؤولون إيرانيون بأن انسحاب "المحتلين" يجب أن يكون مسؤولاً وينبغي ألا يخلق فراغاً مفاجئاً في السلطة. وهو ما يعنى أن إيران فى ظل حكم "طالبان" قد تعمل على المساعدة فى إنشاء هياكل يمكنها الحفاظ على الأمن. فلدى أفغانستان طبيعة ومشاكل معقدة، وما يهم إيران هو الأمن في أفغانستان، ومن ثم العمل على منع اندلاع حرب أهلية. وستعمل إيران على تنحية الخلافات مع "طالبان" والتعامل مع خصمها القديم، وستنحي العامل الأيديولجي وستتعامل مع "طالبان" السنية، وستبحث عن فرصة لتوسيع التجارة وإمكانية الوصول إلى الأسواق الأفغانية وآسيا الوسطى، وستكون العلاقة مع "طالبان" أحد أوجه البراغماتية الإيرانية، فضلاً عن استمرار علاقتها بالشيعة الأفغان الذين يمثلون إحدى أذرعها العسكرية في أجندتها الإقليمية. وبعد الانسحاب، سيكون لإيران نفوذ مباشر أكبر في أفغانستان، وستعمل لحماية مصالحها من خلال بناء تحالفات مع القوى الإقليمية، وخصوصاً الصين وروسيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفى أحدث رد فعل إيراني، قال الرئيس إبراهيم رئيسي، إن هزيمة الولايات المتحدة في أفغانستان يمكن أن تفسح المجال للسلام. ونقل مكتب رئيسي قوله لوزير الخارجية السابق، محمد جواد ظريف، في اتصال هاتفي، إن الهزيمة العسكرية وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان يجب أن يوفرا فرصة لاستعادة الحياة والأمن والسلام الدائم في ذلك البلد. وبعد سقوط كابول في يد "طالبان"، غرد ظريف "إيران مستعدة لمواصلة جهودها لصنع السلام". فهدف إيران هو تهدئة الوضع في أفغانستان، وعدم انزلاق الوضع إلى حرب أهلية، إذ يعني ذلك توافد اللاجئين الأفغان إلى إيران، وتهديد الشيعة الأفغان، واستهداف تنظيمات إرهابية مثل "داعش" الأراضى الإيرانية. فإيران تريد رؤية الولايات المتحدة مهزومة، لا سيما في ما يخص فرض الديمقراطية بالقوة العسكرية، وفق ما أعلنت إدارة جورج بوش الابن، وكانت إيران على قائمة الدول المحتمل سقوط نظامها فى أعقاب أحداث سبتمبر (أيلول) 2001.

وستعمل إيران على توظيف الرسائل السياسية المرتبطة بالفشل الأميركي والنموذج الذي تقدمه، بل ربما تدفع الأوضاع في العراق إلى مزيد من الفوضى والضغط على واشنطن لرؤيتها تخرج من العراق. إن النخبة الحاكمة في طهران تنظر إلى الوجود الأميركي والعقوبات الاقتصادية كتحديين أمنيين يمكن التغلب عليهما. وستستمر إيران في دفع أدواتها لخلق فرص تسرع الانسحاب الأميركي من العراق والخليج العربي لتحقق طموحها في أن تكون القوة المهيمنة في الشرق الأوسط.

تركيا

تتبع تركيا سياسة نشطة استعداداً لأفغانستان ما بعد الانسحاب الأميركي. فقد طلبت أنقرة من واشنطن أن تتولى أمن مطار كابول، وربما ستحصل على الموافقة. ولسياسة تركيا النشطة في أفغانستان ما بعد الانسحاب الأميركي تداعيات تمتد تأثيراتها إلى المنطقة العربية. فبشكل عام، تسعى تركيا إلى تعزيز وجودها في حلف "الناتو" من خلال إظهار أنها تعزز الأمن في أفغانستان، وذلك في محاولة لتحسين صورتها ضمن الحلف بعد ما تدهورت بفعل سياستها في ليبيا وسوريا وعلاقتها بروسيا.

وتعزيز علاقة أنقرة بكابول يتوافق مع توجهها نحو وسط آسيا وجنوبها، مثل بقية القوى الإقليمية المجاورة لأفغانستان، نظراً لعلاقة تركيا بالجماعات الإسلامية المتطرفة في المنطقة، وستعمل على تشبيك علاقتها بحركة "طالبان" ذات التوجه الإسلامى. وقد شهدت كل من سوريا وقطاع غزة مظاهر احتفال بسيطرة "طالبان". أي أن تركيا ستوظف العامل الأيديولوجي والعلاقة مع تنظيم الإخوان المسلمين من أجل الهدف الذي تعلنه تلك الحركات ومعها "طالبان"، وهو الخلافة الإسلامية. وستعمل تركيا على تعزيز علاقتها بـ"طالبان" كممثل لدول العالم الإسلامي. وعلى وقع هذه العلاقة، لن تقتصر علاقة تركيا بـ"طالبان" في التنسيق في منطقة آسيا الوسطى، بل ربما يمتد التعاون إلى دعم تنظيمات موالية لها في كل من سوريا وليبيا.

وستعمل تركيا على توظيف قضية اللاجئين الأفغان في علاقتها مع الاتحاد الأوروبي. فمنذ بداية المواجهات في أفغانستان، بدأ الآلاف من الأفغان الهجرة إلى الغرب، مروراً بإيران وتركيا. من هنا، ستعمل الدول الأوروبية على تمديد اتفاقية اللاجئين مع تركيا لضمان عدم عبور اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي. وبموجب ذلك تتلقى تركيا مساعدات مالية لاستيعاب طالبي اللجوء إلى أوروبا. وقد بدأ الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون يتحدث عن قضية اللاجئين.

ولدى تركيا مخاوف من تدفق جديد للاجئين إليها، وقد بدأت بناء جدار، وأعلنت أن الحدود الشرقية ستُراقب بواسطة طائرات من دون طيار وأبراج كهربائية وبصرية وكاميرات حرارية ليلية، لكنها ستوظف ورقة اللاجئين في مواجهة أوروبا للضغط من أجل ملفات سوريا وليبيا والحصول على مكاسب مالية مقابل استيعاب مزيد من اللاجئين أو السماح للبعض منهم بالمرور.

مجمل الأمر، أن تسارع القوى الإقليمية المجاورة لأفغانستان إلى فتح حوار مع "طالبان"، وربما إلى الاعتراف بحكمها للبلاد حفاظاً على مصالح تلك القوى من جهة ورغبة "طالبان" في الاعتراف بها من جهة أخرى، سيحقق مصالح جميع الأطراف المعنية. فروسيا والصين قادرتان على حماية مصالحهما في وسط آسيا وجنوبها. ولا يهم الحكومة التي تكون في أفغانستان. ومن جهة أخرى، ستلعب بعض الدول، ومنها تركيا، دوراً في توظيف المرجعية الإسلامية لـ"طالبان"، وستجيد إيران كعادتها التعامل مع "طالبان السنية" ما دامت ستحافظ على أمنها القومي. لكن الأهم هو كيف ستتعامل الدول العربية التي عانت من تفجر الصراعات على أسس طائفية وإثنية وعرقية عززتها التنظيمات الإرهابية التي أصبحت تعمل كمرتزقة داخل دول الصراعات العربية، والتعامل مع فاعل جديد تتشابك رؤيته مع رؤية التيارات الإسلامية التي فشل مشروعها على مدار السنوات العشر الماضية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل