Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ولادة حكومة لبنان تخضع للمكائد والمناورات لتحسين الشروط

إفشال عون لميقاتي قد يطرح مطلب استقالة الرئيس الذي يقول إنه لن يتزحزح

عون ملتقياً السفيرة الأميركية في قصر بعبدا في 16 أغسطس الحالي (رويترز)

في زمن انحلال الدولة بوتيرة سريعة وغياب الخدمات البديهية في لبنان، والمآسي الناجمة من تهريب واحتكار سلع حيوية، يعيش المسؤولون ومَن في يدهم السلطة وأصحاب النفوذ، في عالم المناورات والمكائد والخدع اللئيمة في لعبة سياسية جهنمية، كما لو أن البلد في ظروف عادية. وينسحب الأمر على تقاذف المسؤوليات عن المآسي التي يعيشها اللبنانيون، وعلى تأخير تأليف الحكومة في ظل الفراغ منذ أكثر من سنة.
فعلى الرغم من إعلان الرئيس المكلف بالتشكيل نجيب ميقاتي "إننا في الأمتار الأخيرة لتأليف الحكومة" عصر الثلاثاء 17 أغسطس (آب) الحالي، فإن الشكوك ما زالت تحوم حول ما إذا كان الإفراط في الإيجابية هو نوع من التمهيد لإلقاء المسؤولية على الآخر في حال فشلت جهود التوافق على إنهاء الفراغ الحكومي، وسط التطورات الدولية والإقليمية المتسارعة.
لم تكفِ فاجعة انفجار مستودع البنزين في عكار (شمال لبنان) فجر الأحد في 15 أغسطس، وما نجم منه من قتلى (28) ومفقودين (7) وجرحى ومحروقين (قرابة 80) من أجل تسريع تأليف الحكومة برئاسة ميقاتي، بعد أيام من الاشتباك السياسي بشأن قرار حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة رفع الدعم عن المحروقات، نظراً إلى اشتراطه تشريعاً قانونياً من البرلمان يسمح باستخدام الاحتياطي الإلزامي الذي يحتفظ به من المصارف والذي يبلغ 14 مليار دولار أميركي هي ما تبقى من ودائع اللبنانيين في المصارف.

التوظيف السياسي للفاجعة وطرح استقالة عون

فهذه الفاجعة التي حصلت بعد 9 أيام على إحياء الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت الكارثي في 4 أغسطس 2020، وسط تحركات في الشارع ضد الطبقة السياسية، خضعت بدورها للتوظيف السياسي الذي أنتج سجالاً بين المتخاصمين، فأدى إيحاء رئيس الجمهورية بوجود "مجموعات متشددة" في عكار، ناسخاً كلاماً لصهره رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل عن خروج عكار عن سلطة الدولة، إلى ردود واسعة من معارضيه هاجمت مقاربته للحادثة، في مقدمهم زعيم تيار "المستقبل"، رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي خاطبه قائلاً "ارحل"، ما شكل تطوراً ملفتاً في معارضته للرئاسة الأولى. كما أن رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع اعتبر أن "استمرار مكوث رئيس الجمهورية والأكثرية النيابية في مراكزهم بعد كل الذي حصل، يُعد إمعاناً في قتل الشعب اللبناني".
ومع اختلاف أهداف الحريري وجعجع في شأن استقالة عون، فإن عرقلة تشكيل الحكومة بالنسبة إلى الأول، ربما تكون السبب الفعلي لطرح هذا المطلب، خصوصاً في ظل الاهتراء الذي يصيب المؤسسات، فضلاً عن العمق الذي بلغته الخصومة السياسية بينه وبين الرئيس. إلا أن مصدراً مقرباً من "رؤساء الحكومة السابقين" الذين أصدروا بياناً حول كارثة عكار دعوا فيه إلى "مبادرة فخامة رئيس الجمهورية وكل الأطراف السياسيين الفاعلين فوراً إلى فك العقد التي لا تزال تحول دون تأليف الحكومة"، رأى أن "تدحرج الوضع المعيشي وفقدان الكهرباء والمحروقات، وغياب مؤسسات الدولة عن المعالجة المسؤولة لكل ما يعانيه لبنان جراء تعطيل الحكومة سيدفع إلى طرح مطلب رحيله".
وبينما تساءلت أوساط سياسية محايدة كيف يطلب الحريري رحيل عون، بينما يوقع على بيان رؤساء الحكومات الذي يدعو رئيس الجمهورية وسائر الفرقاء الفاعلين إلى إزالة العقد؟ ذكر المصدر المقرب من رؤساء الحكومات أن مواصلة طرح الشروط والمطالب التعجيزية على ولادة الحكومة من قبل الفريق الرئاسي، تضع قوى فاعلة بدءاً برؤساء الحكومات السابقين، على قاب قوسين من تبني هذا الشعار، إذا جرى إفشال ميقاتي بعد الحريري والسفير مصطفى أديب. فرفع هذا المطلب يواجه عقبات كثيرة، منها أن البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي كان رفض ذلك، فيما قوى مسيحية أخرى عارضت إسقاط رئيس الجمهورية مخافة إضعاف الموقع المسيحي الأول في السلطة. كما عارض طرح هذا المطلب رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط.
كما أن عون رد على المطالبة برحيله قائلاً "لن أستقيل وسأقوم بواجباتي حتى النهاية"، وأكد "أن رئيس الجمهورية على الرغم مما خسره من صلاحيات، شريك في تأليف الحكومة مع رئيس الحكومة المكلف، وله أن يختار من بين الأسماء المطروحة في ظل ما يتمتع به من سلطة معنوية". وأضاف "لن يهزني أحد، إن في موقعي أو في حرصي على مواصلة ما بدأته في هذا الإطار" (الإصلاح).

السفيرة الأميركية و"حزب الله" وتحسين الشروط

وتوالت المواقف على وقع عجز المستشفيات عن استقبال الجرحى ونقص المستلزمات الطبية لمعالجة المصابين بالحروق جراء الانفجار، وتوالي تقديم المساعدة الخارجية من دول عربية وقريبة من لبنان لنقل بعض المصابين من أجل العلاج في مستشفياتها. وإزاء انفجار السجال بين "التيار الوطني الحر" وبين تيار "المستقبل" وتبادل الاتهامات عن المسؤولية عن التهريب وتخزين المحروقات في عكار، أجرى قياديون من "حزب الله" اتصالات بالفريقين لدعوتهما إلى تهدئة التراشق الإعلامي. وقال الأمين العام للحزب حسن نصر الله، إن "حادثة عكار يجب أن تشكل عاملاً حاسماً في الضغط على المعنيين من أجل تشكيل حكومة خلال أيام قليلة"، معتبراً أن "البلد لم يعد يحتمل وهنا الكلام للجميع. لعبة الوقت انتهت، وأي شيء آخر أو مكسب سياسي أو طائفي لم يعد يجوز أن يفكر فيه إنسان. شكلوا حكومة بأي شكل وأي ثمن، ماء وجه الجميع مرتبط بتشكيل حكومة وكل واحد يتفضل يضحي". وأقر بوجود "عجز وفشل في السلطة، سموه ما شئتم، ولا أتحدث عن جهة محددة"، إضافة إلى وجود حصار خارجي، و"ليس لدينا لا سلطة حل أزمة ولا حتى سلطة إدارة أزمة".
وفي اليوم التالي لكارثة عكار، زارت السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، ميقاتي ثم عون، وأصدرت بياناً شدد على أن "الشعب اللبناني يعاني والاقتصاد والخدمات الأساسية وصلا إلى حافة الانهيار. إن كل يوم يمر دون وجود حكومة تتمتع بالصلاحيات وملتزمة وقادرة على تنفيذ إصلاحات عاجلة هو يوم ينزلق فيه الوضع المتردي أصلا، أكثر فأكثر، إلى كارثة إنسانية". وحضت شيا "أولئك الذين يواصلون عرقلة تشكيل الحكومة والإصلاح على وضع المصالح الحزبية جانباً"، مذكرةً بأن بلادها رحبت "بإطار العقوبات الجديدة التي أعلن عنها الاتحاد الأوروبي لتعزيز المساءلة والإصلاح في لبنان، وستواصل الولايات المتحدة التنسيق مع شركائنا بشأن التدابير المناسبة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


وإذ شكل بيان شيا من القصر الرئاسي تلويحاً مكرراً بأن واشنطن ستشارك في العقوبات التي قد يقررها الاتحاد الأوروبي، فإن مصادر سياسية اطلعت على تحركها، أوضحت أنها قالت كلاماً واضحاً للرئيس عون بوجوب إنهاء الفراغ الحكومي. وعلمت "اندبندت عربية" أن الرئيس اللبناني كان وصل إلى استنتاج يوم حصول الفاجعة، خلال اجتماعه مع ميقاتي، بضرورة الإسراع في ولادة الحكومة لأن البلد لم يعد يحتمل، لكن الفريق المحيط به، لا سيما صهره النائب جبران باسيل، يريد تحسين شروطه بالحصول على بعض الحقائب الحساسة في الحكومة وبتسمية بعض الوزراء المحسوبين عليه، مثل وزارة العدل التي اقترح لها اسم قاضية موالية لـ "التيار الوطني الحر" الذي يرأسه، ولوزارة الطاقة أيضاً التي يُتهم فريقه بأنه أهدر، على مدى 9 سنوات، أموالاً طائلة فيها وسط شبهات عن عمولات ومنافع، ما فاقم الدين العام (وصل إلى 96 مليار دولار) الذي تشكل المبالغ التي أُنفقت على الكهرباء 46 في المئة منه. ويرفض ميقاتي الاسمَين المطروحَين لهاتين الحقيبتين.

قراءتان لاستعجال ولادة الحكومة

مع تقاطع موقفَي السفيرة الأميركية و"حزب الله" في الإلحاح على قيام الحكومة، لفتت أوساط مراقِبة إلى اختلاف هدف كل منهما، في ظل تقديرات بأن كل هذه المواقف، إضافة إلى التردي المأسوي لأوضاع المواطنين الحياتية، قد تشكل عامل ضغط لتأليف الحكومة، لكن المأزق السياسي اللبناني يبقى عرضة للتوقعات المتساوية. فمن الصعب التفاؤل في بلد يشهد مناورات تؤخر تكوين السلطة التنفيذية منذ سنة.
وذكّرت أوساط متابِعة بأنها ليست المرة الأولى التي تستعجل واشنطن الضغط لاستيلاد الحكومة من دون أن تلقى ضغوطها تجاوباً.
ورأت قوى سياسية حليفة لعون أن تاريخه لا يوحي بإمكان نجاح الضغوط عليه، فهي لم تثمر طوال السنة الماضية، وهو خاض حرباً في عام 1989 من أجل فرض انتخابه رئيساً، انتهت بإخراجه بالقوة من القصر الرئاسي. إلا أن بعض معارضيه تساءلوا عما إذا كانت كارثة عكار، وانفلات الوضع الأمني جراء حال العوز التي يعيشها اللبنانيون، أخذت تُشعره بانعكاس الظروف الصعبة عليه سلباً. كما أن تلويح السفيرة شيا بالمشاركة في العقوبات الأوروبية، التي قد تطال مقربين منه، سيكون له أثر في تسهيل ولادة التشكيلة الحكومية التي قدمها له ميقاتي، الأحد في 15 أغسطس. يضاف إلى ذلك أن إلحاح نصر الله، حليف عون، على تشكيل الحكومة قد يلعب دوراً في تليين موقفه، خصوصاً أنه استخدم تعابير لم يسبق أن تفوّه بها مثل تحميل مسؤولية الفراغ لـ "الجميع". كما أن الحزب الذي لم يكن سابقاً متحمساً لتسريع التأليف لإبقاء الحلول في لبنان ورقة تفاوض في يد إيران مع الولايات المتحدة، وكان يترك لحليفه حرية وضع الشروط، إلا أنه في الآونة الأخيرة أخذ يردد أن بإمكانه أن يساعد على التخفيف من حدة المشكلات الاجتماعية، إلا أن معالجتها تقع على عاتق الدولة التي لا يستطيع هو أن يحل مكانها. فالاحتجاجات على انقطاع الكهرباء والمحروقات، وقطع الطرقات في الأسابيع الأخيرة باتت تشمل مناطق سيطرته، وأصبح عاجزاً عن ضبط جمهوره الشيعي. وفي مقابل اعتبار بعض المراقبين أن الحزب صار يسعى لاستيعاب النقمة الشعبية عليه، ويريد تجنب تنامي الحملة على حليفه الرئيس عون، خصوصاً أنه سبق أن رفض مطلب استقالة الأخير بقوة حين طرحه الحراك الشعبي، قد يلجأ "حزب الله" إلى تنفيس الاحتقان عبر تأليف حكومة جديدة، بخاصة أن المتشائمين حيال تساهله وعون في إنهاء الفراغ الحكومي يعتبرون أن نصر الله أقرن دعوته إلى إنهاء الفراغ، بإعلان قرب استيراده لمادتي المازوت والبنزين من إيران، في الخطاب نفسه الذي تحدث فيه عن ضرورة وجود حكومة، قائلاً إنه سيتم إدخالهما "نهاراً وجهاراً"، متحدياً بذلك العقوبات الأميركية المستمرة على شراء النفط الإيراني. ورددت أوساط مقربة من الحزب، أن النفط الإيراني سيصل (أو قد يكون وصل) إل مرفأ بانياس السوري، ومنه سيُنقل بالصهاريج إلى لبنان. يذهب هؤلاء إلى القول، إن حث نصر الله على تشكيل الحكومة بلهجة حازمة هدفه تبرئة حزبه من تهمة الإسهام مع عون في عرقلة ولادتها لأنه ساوى حليفه بسائر الفرقاء حين دعا إلى سرعة تأليفها.
ثمة حجة أخرى يستخدمها خصوم عون و"حزب الله" للدلالة على أنهما يناوران في شأن الحكومة، هي الرسالة التي بعث بها الرئيس إلى مجلس النواب، السبت 14 أغسطس، "شاكياً" قرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة رفع الدعم عن استيراد المحروقات، مطالباً باتخاذ الإجراء المناسب. فرئيس البرلمان نبيه بري، الذي عين يوم الجمعة في 20 أغسطس جلسةً لمناقشة الرسالة، استغرب هذه الخطوة، معتبراً أنها قد تؤشر على أن مَن أرسلها ليس في نيته تشكيل حكومة، لأن الأخيرة إذا ولِدت تستطيع معالجة هذه المشكلة.

المزيد من تحلیل