تعقيد في الشأن السياسي وتصعيد في المسار العسكري خيما على المشهد الليبي منذ بداية الأسبوع الحالي، مع تصاعد الخلافات حول القوانين الانتخابية والقاعدة الدستورية المنظمة لها بين مجلس النواب والدولة، صاحبه هجوم حاد على اللجنة العسكرية المشتركة وتحركات عسكرية مريبة في المنطقة الغربية، بعد توصيات اللجنة للسلطات التنفيذية بإلغاء الاتفاقيات العسكرية الموقعة سابقاً مع تركيا وروسيا.
بالتزامن مع كل هذه الانقسامات والخلافات في المسار التفاوضي والعسكري، فشلت لجنة الحوار السياسي فشلاً ذريعاً في إنهاء التزاماتها المكلفة بها في وقتها المحدد، باعتراف صريح من البعثة الأممية في ليبيا، وتأثير واضح للمناكفات الحادة بين أطراف الأزمة، التي انعكست أيضاً على جلسة البرلمان للتصويت على شروط الترشح للرئاسة، التي شهدت اشتباكاً جديداً بالأيدي بين نواب الأمة، بعد خلاف على بعض شروط الترشح.
المطالبة بإلغاء الاتفاقات العسكرية
وجهت اللجنة العسكرية "5+5" خطاباً إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية، طالبت فيه بـ"إخراج كافة المرتزقة في كل أنحاء ليبيا، وتجميد كل الاتفاقيات العسكرية ومذكرات التفاهم، خصوصاً مع تركيا وروسيا"، ما فتح عليها كماً هائلاً من الانتقادات والاعتراضات، من قبل جهات سياسية وعسكرية في مصراتة وطرابلس، وصلت حد المطالبة بتجميد أعمالها.
وقالت اللجنة في البيان، الذي صدر موقعاً من رئيسي اللجنتين، في الغرب والشرق، اللواء أحمد علي عمران، والفريق مراجع محمد العمامي، على التوالي، إنه جاء "استناداً لقرار مجلس الأمن الدولي، الذي كلف اللجنة العسكرية المشتركة بمتابعة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا، الموقع في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، في جنيف، وبما ورد في الفقرة الثانية من البند الثاني من الاتفاق، في ما يخص خروج جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية، براً وبحراً وجواً، وتجميد العمل بالاتفاقيات العسكرية الخاصة بالتدريب في الداخل الليبي وخروج أطقم التدريب".
وتابعت اللجنة، مخاطبة المجلس الرئاسي والحكومة الموحدة "عليه نطلب منكم تجميد العمل بجميع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم العسكرية مع أي دولة أجنبية أو كيان أجنبي، في جميع أنحاء ليبيا دون استثناء، خصوصاً مذكرات التفاهم مع تركيا وروسيا، وإعلان ذلك رسمياً إلى حين انتخاب رئيس الدولة من الشعب مباشرة".
وحذر البيان، المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية ومجلس النواب الليبي من "خطر خرق اتفاق وقف إطلاق النار واندلاع الحرب من جديد، بسبب خطورة الوضع والاستمرار في عدم تعيين وزير للدفاع".
وطالبت اللجنة، بـ"إعادة النظر في تبعية عدة كتائب وكيانات عسكرية وإعادة تبعيتها لرئاسة الأركان، ووضع موازنتها المالية تحت رئاسة الأركان العامة وليس في شكل مستقل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اللجنة تغضب الغرب الليبي
ومباشرة بعد نشر اللجنة لبيانها، الذي صدر بعد جولة مشاورات جديدة في مدينة سرت، انطلقت حملة هجوم شرسة على اللجنة في غرب ليبيا، من عدة كيانات سياسية وعسكرية، في مصراتة وطرابلس، اعتبرت بيان اللجنة وتوصياتها تجاوزاً لصلاحياتها التي منحها لها اتفاق وقف إطلاق النار، التي أنشئت بموجب قرار صادر عنه.
وفي اليوم التالي لصدور البيان، أصدر مجلس الدولة في طرابلس بياناً بشأن مخرجات اجتماع اللجنة العسكرية، طالب فيه اللجنة بـ"الالتزام باختصاصها والنأي بنفسها عن الحديث في الشأن السياسي أو الاتفاقيات الدولية المحفوظة".
وأضاف البيان "الاتفاقيات محفوظة طبقاً لخريطة الطريق المنبثقة عن الحوار السياسي، الذي أنتج المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية "، مشدداً على أن " الاتفاقيات الأمنية والحدودية التي أبرمها فائز السراج مع تركيا، كانت تعبيراً عن (إرادة الدولة الليبية ومن السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص الأصيل)".
واعتبر المجلس الذي يرأسه خالد المشري، أن "هذه الاتفاقيات التي وقعها السراج مع تركيا محصنة من المساس بها وفق مخرجات الحوار السياسي، ويسري ذلك إلى حين وجود سلطة تنفيذية وتشريعية منتخبة".
تحجيم دور اللجنة العسكرية
من جانبها، طالبت المنطقة العسكرية الوسطى، في مصراتة، المجلس الرئاسي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية، بـ"إعادة النظر في اللجنة العسكرية المشتركة، وحصر أعمالها بالجانب الفني فقط، وفي وقف إطلاق النار وتنسيق تمركز القوات ومتابعة أسباب عدم تنفيذ قرار الأمم المتحدة بسحب "مرتزقة الفاغنر" غير الشرعية من الأراضي الليبية وتأمين فتح الطرق"، بحسب البيان.
واعتبر البيان، بأن اللجنة العسكرية المشتركة "لا يحق لها التدخل في الشأن السياسي والاتفاقات العسكرية والأمنية الموقعة مع الدول الصديقة الأخرى، كما أنه لا يحق لها التدخل في اختصاص رئيس الحكومة في تعيين وزراء أو إقالتهم والتهديد بالحرب".
وقال البيان، إن "اللجنة لم تطلب من بعثة الأمم المتحدة للدعم محاسبة المعرقلين لعمل حكومة الوحدة الوطنية، ومنعها من بسط سيطرتها على كامل التراب الليبي وممارسة مهامها ميدانياً، وذلك ضماناً لعدم العدوان ولمنع خرق وقف إطلاق النار".
دعوات لدعم اللجنة العسكرية
في شرق ليبيا، جاءت ردود الفعل على بيان اللجنة العسكرية، المطالب بتجميد الاتفاقات العسكرية مع أطراف خارجية، مناقضاً تماماً للمواقف الصادرة في الغرب الليبي، كما جرت العادة في كل القضايا الخلافية المشابهة، حيث رأى عضو مجلس النواب، سعيد امغيب، أن "نتائج اجتماعات لجنة "5+5)"، كانت وما زالت تعبر عن مطالب وتطلعات وآمال الشعب الليبي، الساعي للوصول إلى انتخابات عامة في ديسمبر (كانون الأول) المقبل".
وأشاد رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، طلال الميهوب، ببيان اللجنة العسكرية، قائلاً إن " كل ما توصلت له اللجنة العسكرية مهم جداً".
وطالب الميهوب، في كلمة له أمام مجلس النواب، بـ"تعيين وزير للدفاع او تجميد ميزانية الوزارة"، مشيراً إلى أن "هناك ميزانية رصدت للأجسام المستقلة"، مطالباً بضرورة أن "تتبع هذه الأجسام رئاسة الأركان العامة ووزارة الداخلية ".
تحركات عسكرية مريبة
في الأثناء، كشفت وسائل إعلام ليبية ودولية، عن تصعيد عسكري محتمل في غرب ليبيا، قائلةً إن "وزير الداخلية الليبي السابق فتحي باشاغا بدأ في حشد قوة عسكرية كبيرة تمهيداً لحملة على بعض الكتائب العسكرية المعارضة لتيار الإسلام السياسي"، بعد مناوشات متكررة طيلة الأسابيع الماضية بين الطرفين، آخرها اشتباكات وقعت الأسبوع الماضي، في مدينة الزاوية، غرب طرابلس.
وكان عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب، علي التكبالي، أول من حذر من اندلاع مواجهات دامية في الغرب الليبي، في الفترة المقبلة، في تصريحات له قبل يومين، قال فيها إن "طرابلس قد تشهد معارك كبرى خلال الفترة المقبلة بين الميليشيات، وأن التحشيدات التي تشهدها العاصمة قد تكون مقدمة لمعركة كبرى جديدة للسيطرة على الغرب الليبي".
ولفت التكبالي إلى أن "التحركات الأخيرة ليست كسابقاتها، وتنبئ بسخونة المعركة المقبلة، فهي تحالف للسيطرة على الغرب الليبي كله، وتهدف لتفكيك المليشيات المنضوية ضمن جهاز حفظ الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي، الذي يقوده عبد الغني الككلي الشهير بـ"غنيوة"، والمليشيات التي يحركها قائد مليشيا ثوار طرابلس السابق هيثم التاجوري، وبعض الكتائب الأخرى".