Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب عسكرية في ليبيا ملامحها اقتصادية

يخشى مراقبون من دخول البلاد في حالة فوضى أمنية تطبيقاً لنظرية الاستحواذ على الثروات المالية تحت ستار التدخلات الأمنية

 

"سوق الحوت" الشعبي خلال شهر رمضان المبارك في بنغازي (رويترز)

لا تُعتبر طرابلس العاصمة السياسية لليبيا فحسب، بل هي أيضاً الرئة التي يتنفس بها الاقتصاد الليبي، الذي يستمد قوته من المؤسسة الوطنية للنفط التي تغذيه مالياً. ويستند الاقتصاد الليبي إلى حنكة البنك المركزي الذي يهندس سياسته المالية لتجنيب البلد الانهيار الاقتصادي، في وقت تعاني ليبيا من انقسام سياسي زاده ثقلاً الاقتتال العسكري الذي يعصف بالعاصمة طرابلس.

وازدادت المخاوف في الفترة الأخيرة من انعكاس حرب طرابلس على الاقتصاد الليبي، الذي يعاني بدوره من ضعف في الإيرادات المالية، إذ سبق وحذر ديوان المحاسبة الليبي من إمكان انزلاق ليبيا نحو عجز مالي، لم يسبق له مثيل في آخر تقرير له أصدره عام 2018.

تكلفة إعادة الإعمار

كانت الدولة الليبية تحمل على عاتقها ملف إعادة إعمار مدينة بنغازي، الذي وصلت تكلفته إلى 50 مليار يورو، وفق تقديرات لجنة إعادة إعمار بنغازي، إضافة إلى إعمار درنة وسرت. أما الآن ستُضاف إليهم كلفة إعادة تهيئة الممتلكات العامة والخاصة التي ستخلفها حرب طرابلس، وفق كلام خبير الاقتصاد في حكومة الوفاق محمد الهنقاري، زد على ذلك التعويضات المالية للجرحى والنازحين، الذين قارب عددهم 70 ألف نازح، يتوزعون على 40 مركزاً للإيواء، بحسب إحصاء لوزارة الدولة وشؤون النازحين بالعاصمة الليبية طرابلس.

 وقال الهنقاري لـ "اندبندنت عربية"، "صحيح أن حرب طرابلس عسكرية، لكنها تحمل خسائر مالية كبيرة"، مؤكداً أن "أحداث طرابلس كلفت لحد الآن ملياري دينار ليبي، حصلت عليها حكومة الوفاق من البنك المركزي، خُصصت للتعامل مع الظروف الاستثنائية التي تمر بها العاصمة، وما تتطلبه الحرب من شراء الذخيرة ودفع مستحقات القوات المسلحة وتوفير المستلزمات الطبية وتغطية مصاريف مراكز إيواء المهجرين.   

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حرب نفطية

وشدد الهنقاري على أن "حرب طرابلس هي حرب نفطية يراد منها الاستيلاء على المؤسسة الوطنية للنفط، باعتبارها الجهة الشرعية الوحيدة المخول لها بيع النفط، لا سيما أن هناك محاولات سابقة لبيع شحنات نفطية عن طريق المؤسسة الوطنية للنفط الموازية شرق ليبيا، باءت بالفشل، باعتبار أن الأوبك لا تعترف إلا بالمؤسسة النفطية التي يرأسها مصطفي صنع الله ومقرها العاصمة الليبية".

واعتبر أن "الخطر الحقيقي المحدق بليبيا، التي تملك احتياطاً نفطياً يفوق ضعف ما تتوافر عليه الولايات المتحدة الأميركية، هو إعادة تقسيم ليبيا إلى أقاليم، وهو ما يصبو إليه المجتمع الدولي. فإذا ما خسر اللواء خليفة حفتر حربه في طرابلس، فسيكون الهلال النفطي وقتها خاضعاً له، لأنه يقع في نطاق المناطق التي تعود إلى قوات حفتر، ما سيؤثر سلباً في عائدات المؤسسة الوطنية للنفط التي تمر عبر البنك المركزي، الذي يتولى من جهته ضخها إلى المؤسسات المالية العائدة له نظرياً، وفي هذه الحالة سيُجبر البنك المركزي على استنزاف احتياطه النقدي حتى يخرج من دائرة العجز المالي.

العودة إلى المربع الأول

طرح أيّده دكتور العلوم الاقتصادية أسامة رزق الذي نبّه "من إمكان العودة إلى السنوات العجاف التي بدأت منذ عام 2014 وامتدت حتى نهاية عام 2016، حين كانت البداية بحرب مطار طرابلس الدولي، وانتهت بحرقه بالكامل، وخسرت ليبيا وقتها عدداً من طائراتها المدنية، التي أتلفت جراء الاقتتال. فحرب خزانات النفط ثم حرب بنغازي وسقوط مدينة سرت في يد داعش، كلها أحداث عسكرية تسببت في تقهقر الاقتصاد الليبي، بدءاً من إنتاج ليبيا النفطي، وصولاً إلى تدهور قيمة الدينار الليبي". وحذر رزق قائلاً إن "استمرار الاقتتال يهدد بانقطاع إنتاج النفط والغاز في ليبيا، ما سيعمّق عجز الميزانية المثقلة بكلفة الانقسام السياسي. ففي ليبيا حكومتان ومجلسا نواب ومؤسسات مالية موازية، كلها موزعة بين غرب البلاد وشرقه"، متخوفاً من أن يطاول "الخطر الاقتصادي أيضاً السوق العالمية للنفط، التي تعتمد على الخام الليبي لتغطية حاجاتها النفطية".

تهريب الأموال

يخشى مراقبون من دخول ليبيا في حالة فوضى أمنية بسبب انشغال الحكومة بالنزاع على السلطة واهتمامها بضمان سير معركة طرابلس، فضلاً عن إهمالها للرقابة المالية على المؤسسات المصرفية. فمصرف ليبيا المركزي سبق أن تعرض لضغوطات في مسعى للتغلغل في مفاصله والتدخل في عملياته المصرفية، لتمرير عقود فاسدة واعتمادات وهمية، لتغذية فتيل النزاع العسكري وتمويل المسلحين. "كل ذلك لإطالة أمد الحرب، تنفيذاً لإملاءات جهات خارجية هدفها ضرب السياسة المالية للدولة الليبية، لتسهيل انهيارها اقتصادياً"، بحسب ما أوضح المحلل السياسي محمد شوبار لـ"اندبندنت عربية".

وأضاف أن "الغاية من حرب طرابلس هي الاستحواذ على الثروة المالية لليبيا، من خلال تهريب العملة على أن تُجمّد في مرحلة لاحقة، وتسقط ليبيا بذلك في فخ بيروقراطية استرجاع الأموال المهربة، التي يتطلب الحصول عليها الركض عشرات السنوات خلف أحكام قضائية صُممت لإطالة أمد تحويلها، حتى تستفيد الدول الأجنبية من فوائدها المالية، تطبيقاً لنظرية الاستحواذ على الثروات الاقتصادية، تحت ستار التدخلات العسكرية".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي